أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد أحدو - صورة السياسة في ظل التقنيات المعاصرة














المزيد.....

صورة السياسة في ظل التقنيات المعاصرة


محمد أحدو

الحوار المتمدن-العدد: 6359 - 2019 / 9 / 23 - 00:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في علاقة التقنية بمجال السياسة، أصبح مألوفا اليوم وجود مشاهد في قصص الترفيه والخيال ترسم وضعا رقابيا للإنسان في زمن المراقبة عن بعد télésurveillance، ورقائق الكومبيوتر، والقياسات الحيوية la biométrie، حيث أصبح المجال العمومي تربيعيا quadrilleمحاصرا برقابة تقنية، تصور داخل مشاهد لنماذج بشرية تحت جلدها رقائق إلكترونية تتحدد من خلالها هويتها، حيث التنظيمات السياسية عمدت إلى استعمال أساليب جديدة من الرقابة التقنية ذات طبيعة سجنية للمواطنين Panopticon، على شاكلة ما تصوره جيريمي بينتام Bentham رائد المدرسة النفعية في القرن 18، أي عبارة عن مبنى دائري يوجد بداخله سجن ، أو كما تصور ذلك ميشال فوكو Foucault المجتمع المعاصر استنادا الى هذا النموذج للشفافية القائم على سيادة مظاهر التعتيم ونظم المراقبة.
فما يميز هذا المنطق في استشراف وضع الإنسان في ضل التقنية الحديثة، سيادة رؤى كارثية لمجتمع خاضع كليا لرقابة شاملة في أدق تفاصيلها بمعاييرها اللانسانية ، تشمل حتى الاختيارات الأكثر خصوصية للأفراد الخاضعين لها. غير أن هذا الاختراق للسلطة لحياتنا الخاصة أبعد ما يكون مجرد تمثيل بسيط لما يمكن ان يكون عليه المستقبل القريب للإنسان كما أوضح ذلك ميشال فوكو M.foucault، حيث أن تقنيات الاتصال السياسي تعمل على توحيد العلاقات بين الناس على مستوى حياتهم الخاصة، وهو ما أسماه فوكو بالسلطة الحيوية Biopouvoir والتي تشير إلى مجموع التقنيات الرامية إلى التحكم في الاستعمالات الخاصة للجسد، فخلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ستظهر ما يسمى بالسياسة الحيوية le biopouvoir ، حيث تم الإنتقال بنظر فوكو من تكنولوجيا التشريح السياسي للجسد الإنسانيL’ anatomo- politique إلى السياسة الحيوية للنوع البشري، تتجلى كممارسة قائمة على الانضباط والترويض للجسد مثال: سلطة الطبيب على المريض، والمدرس على التلاميذ، وبشكل أوضح في وسائل الاتصال الحديثة يسميها بالسلطة الميكروفيزيائية، وهي سياسة حيوية للنوع البشري تقوم بتدجينه وترويضه وتدريبه على الإنضباط. هذا ويعد اللجوء إلى التلقيح من الأمراض، والعلاقات الجنسية المحمية، والتغدية المتوازنة، والوقاية من التدخين، علامات يومية عن هاته السياسة الحيوية Biopouvoir المنتشرة اليوم، بمعنى مجموع التقنيات والإجراءات الرامية إلى ضبط وتقعيد الاستعمال الخاص الذي على الجميع اللجوء إليها كحق للمحافظة على سلامتهم الجسدية.
هكذا تعد كل هاته الإجراءات المشار إليها شعارا لحياة صحية خاضعة للسياسة الحيوية، حيث يمكنها أن تتخذ أشكالا أكثر رقابة في بعض الأطر السياسية مثل ( عدم مشروعية المثلية الجنسية – إقرار الطفل الواحد في السياسة الإنجابية للبلد نحو الحد من النسل ) عبر فرض شروط الطاعة للمطالب السياسية أو الاقتصادية المثالية والمعيارية بهدف إنتاج إنسان البعد الواحد unidimensionnel وفق تعبير هربرت ماركيوزHerbert Marcuse . كموضوع موحد متطابق مختزل في بعد واحد، أو نموذج متشابه، حيث الرغبات والدوافع شفافة وواضحة بحكم أنه تم إنتاجها من طرف خبراء التسويق والاتصال. في المجتمع التقني حسب ماركيوز الذي ينحو لإنتاج النموذج الكلي الذي تتحدد من خلاله الحاجات الفردية ومختلف نشاطات الحياة الاجتماعية ، تزول الحدود بين عالم الحياة الخاص و العام ، و تندمج الحاجات الفردية بالحاجات الاجتماعية ، هذه الكلية ( التوتاليتارية ) سمة مشتركة بين أنظمة أوروبية الشرقية و الأنظمة الرأسمالية .
إن المجتمع التقني الصناعي المعاصر أخضع عالم الاقتصاد و السياسة و الثقافة كلها لخدمة مشروعه الهادف لتحويل الطبيعة ، لقد هيمن العقل الأداتي على كل مناحي الحياة ، فالمجتمع المعاصر مجتمع
لا عقلاني لأنه يسلب و يمس في الجوهر السمتين الأساسيتين للحياة البشرية :قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات ، والقدرة على ألحاق النغيير على محيطها لبيئى . وبمعنى أوضح فقد أخذت التقنية في المجتمعات المعاصرة دور القوة ألضاغطة بممارسها للرقابة على الأفراد داخل الحياة السياسية عبر التأثير والتوجيه . فيكفي ذكر أن الاستعمالات التقنية للجزيئات المتناهية في الصغر Nanotechnologie أصبحت في هذا الصدد من بين الاستعمالات الأكثر انتشارا عبر استعمال الشفرات الوراثية التي جعلت من هويات الأفراد محددة تكنولوجيا، مما يعزز أحيانا من الشعور بعدم التملك والإهانة، عبر فحص الجيني ADN للسماح بالتجمعات العائلية. وهو ما يعزز من إدماج التقنيات الحديثة في كافة مناحي حياة الإنسان بما فيها المجلات الأكثر خصوصية لديه واللجوء إليها اليوم. الأمر الذي يثير التساؤل حول الحدود المسموح للتقنية في تعريف الكائن البشري اليوم.
-------------------------------------------------------------
الهامش
- يمكن في هذا الصدد الوقوف عند كتابات تتبنى هذا التصور في مقاربتها لأوضاع الإنسان ، ومآل وجوده :
Aldous Huxley : le meilleur des mondes. 1932-
George Orwell: 1984. 1948-
Mary Shelly : Frankenstein ou le Prométhée moderne. 1918-
Jules Verne : vingt mille lieux sous les mers. 1869-
Michel Foucault surveiller et punir . 1975



#محمد_أحدو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بيلي إيليش تقول إنها -كرهت- اسمها بـ-شدة- في طفولتها
- مشاهد مروعة بعد غارات إسرائيلية قاتلة أصابت نازحين فلسطينيين ...
- إلى متى تستمر معاناة المدنيين في غزة؟
- ألمانيا: اتهام طبيب قتل 15 مريضًا بقسم الرعاية الملطّفة وتحق ...
- مقتل 16 فلسطينيا على الأقل في غارة إسرائيلية على خيام للنازح ...
- مكتب نتنياهو يعلق على تقرير أمريكي بشأن ضرب إيران
- غروسي يعلق على التهديدات بضرب المواقع النووية الإيرانية
- الجيش اللبناني يفكك جهاز تجسس إسرائيليا مجهزا بآلة تصوير جنو ...
- ليبيا.. أسامة حماد يرحب بلقاء الدبيبة ومصرف ليبيا المركزي وي ...
- روسيا تحدّث مدرعات BMD-4M العسكرية


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد أحدو - صورة السياسة في ظل التقنيات المعاصرة