|
مصر متخلفة بثلاثين عاماً عن الدول التى تشجع الاستثمار!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1551 - 2006 / 5 / 15 - 12:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" اللى يجيبه النمل فى سنة .. ياخده الجمل فى خفّه". هذا المثل الشعبى المصرى يعبر عن واقع الحال خير تعبير . فكل الجهود التى تم بذلها ، والمؤتمرات التى جرى عقدها فى الداخل والخارج، والبعثات التى تم إيفادها لطرق الأبواب هنا ودق الشبابيك هناك، والمطبوعات التى تم تكليف الخبراء بتدبيجها وتوضيبها وتغليفها بعد ترجمتها إلى كل لغات العالم الحية والميتة، وإنفاق الملايين للترويج للاستثمار فى مصر وإغراء رأس المال الأجنبي بالمجيء إلى ارض الكنانة .. كل هذا يتبدد فى دقائق وأيام معدودات كتلك التى تحتدم فيها أزمة القضاة وتتفاقم تداعياتها، وتوابعها. ويكفى ان يرى المستثمرون العرب والأجانب صورة واحدة من الصور التى تبثها وكالات الأنباء والفضائيات العالمية، والتى تصور المواجهات الفظة بين آلاف من قوات الأمن المدججة بالهراوات وبين مئات من المواطنين العزل الذين جاءوا لمساندة القضاة ومؤازرة مطالبهم.. ويكفى أن يشاهد العالم- الذى اصبح مفتوحاً على بعضه ولم يعد فيه شئ محصن من الانتقال بالصوت والصورة فى ثوان معدودات حتى لو وقع فى بلاد الواق واق- يكفى ان يشاهد العالم قلب القاهرة وقد تحول إلى ثكنة عسكرية.. يكفى ذلك لكى نمحو بأيدينا فى لحظات كل الجهود التى بذلناها على مدار شهور وسنوات من اجل إقناع المستثمرين العرب والأجانب للاستثمار فى مصر، علماً بان خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعام 2006/2007 – الصادرة فى أبريل 2006 عن وزارة التخطيط والتنمية المحلية تستهدف استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة تصل قيمتها إلى 6 مليار دولار. فكيف نتوقع الاقتراب من تحقيق هذا الهدف بينما نقوم بتمديد حالة الطوارئ لمدة عامين، ونؤجل انتخابات المحليات لمدة عامين، ولا تتوقف بعض الجهات عن النفخ فى نيران أزمة القضاة وزيادتها اشتعالا يوماً بعد آخر، مثلما تصر على إطالة أمد المشكلة القائمة منذ اكثر من عشر سنوات مع نقابة المهندسين التى تضم اكثر من ثلث مليون مهندس، مثلما دأبت على إثارة المشاكل مع الصحفيين بالمراوغة فى تنفيذ وعد رئيس الجمهورية بإلغاء التشريعات التى تجيز الحبس فى قضايا النشر. وإذا كانت هذه هى الرسالة التى نبعثها للعالم الخارجى.. فما هو رد الفعل الذى نتوقعه؟ ان المناخ الاستثمارى فى اى بلد هو محصلة عوامل كثيرة اقتصادية وتشريعية واجتماعية وثقافية وسياسية . ويمكن لعامل واحد منها ان يبطل مفعول باقى العوامل خاصة إذا كان هذا العامل يتعلق بالاستقرار . فما بالك إذا كان القضاة طرفاً فى المشكلة، فى حين انهم الملاذ الأخير الذى من المفترض ان يلجأ إليه المجتمع بكل طبقاته وفئاته لحل نزاعاته والامتثال لحكمه! هؤلاء النافخون فى نيران أزمة القضاة، والذين يستميتون من اجل تصعيدها، لماذا لا يضعون فى اعتبارهم ان كل دقيقة إضافية فى عمر هذه الأزمة لها ثمن اقتصادي باهظ- الى جانب ثمنها السياسى بالطبع- وان هذا الثمن الاقتصادى ربما لن يكون وقتياً وانما يمكن ان تستمر البلاد فى دفعه لسنوات من لحمها الحى ومن حق أبنائها وأجيالها القادمة فى التنمية والتقدم؟! وإذا كان هذا الثمن المخيف وارداً بقوة حتى بالنسبة للبلدان التى تتمتع بأوضاع اقتصادية قوية نسبياً، فما بالك بأوضاع مثل تلك التى تعانى منها بلادنا حالياً . وهى أوضاع لا تعبر عنها التصريحات الرسمية التى دأبت على ان " تعمل من البحر طحينة". وتعالوا نقارن هذه التصريحات الوردية بتلك الصورة التى رصدها الكاتب الكبير محسن محمد، حيث كان الصحفى الوحيد الذى تابع على صفحات العدد الأسبوعي من جريدة "الجمهورية" يوم الخميس الماضى تفاصيل المؤتمر الصحفى الذى عقده دانكوف مدير مشروع "القيام بأعمال فى مصر"، الذى هو جزء من أنشطة البنك الدولى. واوضح محسن محمد ان ما قاله دانكوف فى هذا المؤتمر سيكون أساسا للتقرير الذى سيعلن فى شهر سبتمبر القادم، ويتضمن الإصلاحات الضرورية المطلوبة والتى يجب ان تتم لإنعاش المشروعات الجديدة وكيف تتم. قال الخبير الدولى دانكوف: · اى مشروع جديد فى مصر يحتاج الى 34 يوماً حتى يمكن التصريح به، علماً بان ذلك يحتاج الى يومين فقط فى استراليا و11 يوماً فى المغرب. · عدد الدول التى تمت دراستها بالنسبة لتيسير قيام أعمال جديدة بها 155 دولة ، كان ترتيب مصر بينها رقم 141، وهى من أسوأ الدول بالنسبة لتيسير إقامة المشروعات الجديدة بها. · مصر هى الدولة رقم 146 فى الحصول على قروض داخل مصر، والدولة رقم 142 بالنسبة لتنفيذ العقود التجارية. · أعلنت مصر ان كل تراخيص المشروعات والأعمال تتم فى مكتب واحد.. وهذا لم يتحقق. · كل من يريد القيام بمشروع فى مصر عليه ان يدفع 45 ألف جنيه مصرى للحصول على الأوراق اللازمة . والاهم من ذلك كله قول دانكوف: ان مصر تبدأ من نقطة ومستوى منخفض فهى متخلفة ثلاثين عامً عن الدول التى تشجع الاستثمار. وقد اثبت الكاتب الكبير محسن محمد انه اكثر شباباً وافضل لياقة مهنية من كل الصحفيين الشباب وغير الشباب الذين لم يلتقط بصر أحدهم هذه التصريحات الصادمة التى عقب عليها بقوله أنها " تجنبت ما نفعله ونردده فى مصر من كلام الوزراء عن أننا حققنا معجزات. فنحن فى بداية الطريق . ولا يزال أمامنا الكثير لنحققه. وبدون النقد الواضح الصريح .. لن نتقدم أبداً". فاذا كانت هذه هى حالتنا الحقيقية، وخلاصتها بدون لف او دوران اننا " متخلفون ثلاثين عاما عن الدول التى تشجع قيام الاستثمار".. فماذا يكون عليه الوضع عندما نضيف اليه مظاهر الاحتقان التى أشرنا إليها؟! لذلك نقول لمن يضعون العصا فى عجلة الإصلاح السياسى والدستورى، بما فيه إصلاح أوضاع السلطة القضائية وضمان استقلالها وإبعادها عن التسييس أو الأسلمة على حد سواء، تأملوا هذه الحقائق المروعة وتدبروا عواقبها الوخيمة التى تتجاوز كل الحسابات الصغيرة والمناورات السياسية ضيقة الأفق لتهدد الأمن القومى فى الصميم . ولعل رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة ومحمود محيى الدين وزير الاستثمار وعثمان محمد عثمان وزير التخطيط والتنمية المحلية وزياد احمد بهاء الدين رئيس الهيئة العامة للاستثمار .. هم اكثر من يشعر بخطورة الموقف .. فضلاً عن شعورهم بالحسرة والقلق على الجهود التى بذلوها على مدار شهور وسنوات.. ويرونها اليوم مهددة بالضياع تحت الأضواء الكاشفة لكاميرات الفضائيات ووكالات الأنباء العالمية التى تنقل دبة النملة إلى كافة أرجاء الدنيا .. إذا لم يتم احتواء الأزمة ووقف التصعيد والعناد.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة أقوى من الكلام
-
ليس دفاعاً عن البهائية .. والبهائيين
-
الديموقراطية أحط شىء فى العالم
-
فعلها الهندي الأحمر المتمرد!
-
اطلبوا الحريات.. ولو من الكويت
-
قطارات من أجل الحوادث
-
إسرائيل تخطط لإعادة احتلال سيناء!
-
وضع أقفال من حديد على أفواه الصحفيين.. أسلحة فاسدة
-
كلام -هجايص- .. وكلام من دهب!
-
حزب المحافظين
-
ابنتي.. والإرهاب
-
قبطى ... لامؤاخذه!
-
هؤلاء يجب إقالتهم .. والمحافظ المحبوب اولهم
-
الطموح الإيراني والغيبوبة العربية
-
أحزاب -تجارية- !
-
تريدون القضاء علي بعوض الكراهية.. جففوا مستنقعات التطرف الدي
...
-
رسالة من رئيس وزراء فرنسا .. إلى الدكتور نظيف
-
عندما تساوي حياة المواطن.. ثمن وجبة كفتة!
-
تقرير مهم لمجلس غير مشكوك في مصاهرته للحكومة
-
حوار ساخن مع الجنرال جون أبى زيد
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|