أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرزاق دحنون - فيلسوف معرة النعمان














المزيد.....

فيلسوف معرة النعمان


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6333 - 2019 / 8 / 27 - 13:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يقول طه حسين في مديح فيلسوف معرة النعمان:
كان رقيق القلب, شديد الرحمة, كثير العطف على الضعيف, وحسبك أنه أمّن الحيوان من تعديه على نفسه, أو ولده أو ثمراته. ولو أنك قرأت ما في اللزوميات من محاورته للديك والحمامة, ورثائه للشاة والنحل, وبكائه على الناقة والفصيل, ودفاعه عن النحلة والجني, لقدرت ما كان له من رقة القلب أحسن تقدير.

نعم, صدق عميد الأدب العربي فيما ذهب إليه. كان فيلسوف المعرة رقيق القلب مع الإنسان والحيوان, فقد مرض في أحد الأيام فوصفوا له الدجاج المطبوخ مع المرق, فامتنع عن أكله, وألحوا عليه حتى أظهر الرّضا, فلما قُدّم إليه, لمست أنامله الدجاج المطبوخ , فجزع, وقال: استضعفوك فوصفوك هلاّ وصفوا شبلَ الأسد, ثم أبى أن يأكله, لأنه لا يأكل أحداً.

و إنك لتجد في اللزوميات سخطاً على الناس غير قليل ولكنه سخط مصدره الرحمة لهم والحدب عليهم. فما كان فيلسوف المعرة في تقريعه إياهم إلا مؤثراً لهم بالنصيحة. وقد صدر هذه النصيحة عن نفس كريمة سخية وأما الحياء ففطرة فطر عليها, فكم ألف من كتب, وكم كتب من رسائل لأن الناس طلبوا إليه ذلك فلم يستطع لهم رداً. والكذب عدوه وخصمه, فما نعرف أن مؤرخاً استطاع أن يتمسك عليه بكذبة, على كثرة أعدائه ومخالفيه.

كان فيلسوف المعرة سيء الظن بالناس، شديد الحذر منهم, فكان يحتاط أشد الاحتياط في إظهار آرائه التي تخالف ما اتفقوا عليه. لذلك يذهب مذهب المجاز في إظهار آرائه، وإن في نفسه سراً لن يُظْهِرَ الناس عليه, لأنه يخشى منهم الأذاة. وها هو يخاطب الإنسان في لزومية من خمسة أبيات التزم فيها اللام والجيم وهي من أعمق ما نظم في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان:

روّحْ ذبيحَكَ لا تُعجلْهُ ميتَتَهُ
فتأخذ النّحضَ منه وهو يختلجُ
هذا قبيحٌ وعلمي غيرُ متّسق
بما يكون ولكن في الثّرى ألِجُ
والناس من أجل هذا الأمر في ظُلَمِ
وما أؤمل أن الفجر ينبلجُ
مضى أناسٌ وأصبحنا على ثقة
أنا سنتبعُ فالأشجان تعتلجُ
إن أدلجوا وتخلفنا وراءهم
شيئاً يسيراً فإنّا سوف ندّلجُ

وما أعرف أني وجدتُ في كل ما قرأت من الشعر العربي أكثر نفاذاً إلى القلب وتأثيراً في النفس من هذه الأبيات. ومهما أحاول فلن أستطيع تصوير ما يملأ نفسي من الحزن حين أسمعه يقول في البيت الثاني: هذا قبيحٌ. وهو من أشد الشعر تحريكاً للنفوس وإثارة للوعة والحزن.

ثم انظر إلى هذه الحسرة التي يصيح بها البيت الأخير، صيحة اليأس والقنوط, ماذا نقول غير أنها فقيرة وصغيرة هي نفس بني آدم التي تبطش بالأشياء والأحياء بطش الصبيان. فقيرة يا- أبا العلاء - هي تلك النفوس التي لا تُخفف الوطء لأنها لا تدري أن أديم الأرض هو من هذه الأجساد.

غيرُ متسق: في مختار الصحاح الوسق مصدر وسق الشيء أي جمعه وحمله ومنه قوله تعالى: والليل وما وسق. فإذا جلّل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له فقد وسقها. والناس من أجل هذا الأمر في ظلم، سألت أهل العلم عما يقصده فيلسوف المعرة من كلمة الأمر بعد اسم الإشارة هذا، وأي أمر هذا الذي أقلقه وكدر راحة قلبه فترك بني آدم في ظلام دامس لا يعقل ما يعمل, كحاطب ليل؟ فأحالوني إلى حبيب بن أوس الطائي في كتابه "الحماسة" حيث تجد في باب الأضياف والمديح لشاعر مجهول:

تركتُ ضأني توَدُّ الذئبَ راعيَها
وأنّها لا تراني آخر الأبَدِ
الذئبُ يَطرقُها في الدهرِ واحدةً
وكلَّ يوم تراني مُدْيَةٌ بيدي



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس فيلسوفاً
- حكايةاختطاف أدغاردو مورتارا
- مناقب الترك
- كان الحمام يطير محترقاً
- يهشّون عند المائدة
- الكانطيون الجدد وعمي أحمد
- أين أنت يا جهاد أسعد محمد؟
- استعمل مخَّك و إلَّا فقدته
- فدائيون في جدارية بيروت آب 1982
- نساء بيكاسو الجميلات
- الجسارة في مشروع طيب تيزيني الفكري
- فيتامين الأشعة الشمسية
- هل كان لينين شيوعياً؟
- قومي إذا ما أيسروا أنا موسر
- فيلسوف معرة النعمان بين سجع الحمام وزئير الأسد
- ستالين شيوعياً
- خمس شهادات في عبد الباسط الساروت
- عندما كانت أمي صغيرة
- رَجُلٌ تُرفع له القُبَّعات
- في مفهوم الكفر


المزيد.....




- ماذا قالت أمريكا عن -طبيعة- المحادثات النووية مع إيران؟
- عاجل | شرطة ولاية فرجينيا الأميركية: مقتل 3 أشخاص وإصابة 3 آ ...
- عاجل | متحدث باسم الخارجية الأميركية للجزيرة: عدلنا تأشيرات ...
- ثلاثة أمور أخطأ فيها أينشتاين -نوعاً ما-
- لافروف: ألمانيا ستلجأ إلى الديون لتنفيذ خطة الاتحاد الأوروبي ...
- مسؤول في -حزب الله- يعلن استعدادهم لمناقشة مستقبل سلاحهم في ...
- الديوان الملكي السعودي يعلن وفاة الأمير عبدالله بن مساعد آل ...
- الرسوم الجمركية الأمريكية تدخل حيز التنفيذ على 57 دولة
- ولاية نيو مكسيكو تعلن حالة الطوارئ في ألباكركي وتستنجد بالحر ...
- الأرجنتين.. تشكيل لجنة نيابية للتحقيق مع الرئيس ميلي


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرزاق دحنون - فيلسوف معرة النعمان