|
المسار- العدد 31
الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)
الحوار المتمدن-العدد: 6333 - 2019 / 8 / 27 - 00:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العدد /31/ آب /أغسطس 2019
الافتتاحية:
1. سوريا ليست مكاناً لتطبيق النموذج اللبناني- العراقي
بعد ثلاثة أشهر من سقوط بغداد بيد المحتل الأميركي، قام الحاكم بول بريمر، يوم 13 تموز 2003، بتشكيل "مجلس الحكم". تم إسقاط حرف الواو من صفة أمين عام الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد البياتي، لكي يدخل ذلك المجلس بصفة "شيعي" وليس "شيوعي". كان التوزيع في ذلك المجلس من خلال صفات: شيعي ـ سني ـ كردي ـ تركماني ـ مسيحي، وليس من خلال الصفات السياسية لأعضائه الذين أتى معظمهم من أحزاب سياسية. في يوم 13 شباط 2004، تم نشر "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، المتبنى من الإدارة الأميركية، وفي قمة "مجموعة الدول الثمان الاقتصادية الكبرى" يومي 9 ـ 10 حزيران 2004، تم تبني المشروع الذي يحوي عنوانين رئيسيين: اقتصاد السوق والديموقراطية، مع هدف أعلن - خارج النص - من مسؤولين غربيين أميركيين وأوروبيين، وهو ربط المنطقة الممتدة بين كابول والدار البيضاء وحلب وعدن، بمنظومة "الناتو" الأمنية - السياسية - الاقتصادية - ـ الثقافية. لم يكن ما فعله بريمر في بغداد، خارج نص المشروع الأميركي، بل في مضمراته، وربما ،وهذا المرجح،ـ هو معناه العميق. فما جرى من قبل الأميركي في بغداد ما بعد 9 نيسان 2003، كان مسيرةً نحو تحويل بلاد الرافدين إلى منطقة يتحدد فيها الإنسان العراقي بـ"مكوِنه" الطائفي (شيعي - سني)، أو الإثني (كردي -ـ تركماني -ـ مع تنازع تجاه الإيزيديين بين كونهم يتحددون بدينهم أم بكونهم أكراداً؟)، أو الديني (مسيحي -ـ مسلم)، وليس من خلال انتمائه الأيديولوجي السياسي، مثلما هو موجود في لندن وباريس وبرلين وواشنطن، أو كما في بلد مثل الهند، يعج بالأديان والإثنيات، حيث يتحدد الهندي من خلال انتمائه الأيديولوجي السياسي حتى وهو ينتمي إلى أحزاب دينية؛ هندوسية وسيخية (المسلمون: 10%، يصوتون لحزب علماني كحزب المؤتمر أو الحزب الشيوعي ولم يتجهوا إلى أحزاب اسلامية)، أو إثنية كالأحزاب التاميلية في مناطق الجنوب في ولاية (تاميل نادو). في السياق نفسه، كان هناك اتجاهات قامت بتأييد المشروع الأميركي على صعيد بلدان عربية عدة: تحالف "14 آذار" عام 2005، في لبنان، في سياق منطقي، لما فعله بريمر في العراق، وهو تعميم لدولة المكوِنات التي بدأت في لبنان عام 1943، ثم في لبنان "الطائف" عام 1989. ثم "إعلان دمشق" في 16 تشرين الأول 2005، الذي بدأ في نصه التأسيسي، في سياق يخالف مسيرة الحياة السياسية السورية الحديثة منذ عام 1918، بتدشين مفهوم "المكونات" في النظر إلى السوريين، عندما تحدث عن "مكوِنات الشعب السوري". وكان طبيعياً أن تنخرط في سياق "إعلان دمشق" كل الأحزاب الكردية التي تنظر إلى سوريا من خلال "مكوناتها"، فيما ظل خارجه (الإعلان) "حزب الاتحاد الديموقراطي" (PYD)، المؤسس عام 2003، وهو المتأثر بنظرية عبدالله أوجلان حول "الأمة الديمقراطية…/التي/ تمكّن من إنشاء مجموعات وطنية عليا مؤطّرة باتحادات متنوعة من مختلف الأمم التي تقطن نفس الأماكن بل ونفس المدن أيضاً… دون هدم أو تقويض الدول القومية القائمة" (من نص لأوجلان، مكتوب بعد سجنه منذ يوم 15 شباط 1999 : "حل العصرانية الديمقراطية في أزمة الشرق الأوسط" ـ نظرية أوجلان كانت تركيبية للدول القائمة، مع اتجاه إلى جعلها "ما فوق قومية" وصولاً إلى "توحيد العالم الثقافي للشرق الأوسط تحت ظل مصطلح (اتحاد الأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط) ، وأن يكون حل المسألة الكردية عبر "الكونفدرالية الديمقراطية الكردستانية" التي "لا تمس الحدود السياسية القائمة"، فيما نظرية "ديموقراطية المكوِنات" ذات طابع تجزيئي للدول القائمة، مع إنزالها إلى مجموع تجميعي لـ"مكوِّناتها"، مع النظر إلى المواطن من خلال "المكوِّن" وليس من خلال انتمائه الأيديولوجي - السياسي. كان ملفتاً أن يحصل هذا من واشنطن في مرحلة ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر2001، عقب ما جرى لبرجي التجارة في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن. يروي بوب وودوورد، في كتابه "حالة الإنكار" (منشورات سيمون وشوستر ـ 2006 لندن ـ نسخة كتاب جيب عام 2007 ـ ص 83-85)، أن الإدارة الأميركية تحت إشراف نائب وزير الدفاع الأميركي، بول فولفوفيتز، جمعت بعد شهرين ونصف الشهر من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، طاقماً مؤلفاً من 12 شخصاً، كان من بينهم المستشرق برنارد لويس، والأكاديمي فؤاد عجمي، وكاتب العمود الأسبوعي في "نيوزويك" من أصل هندي فؤاد زكريا، ومستشار وزير الدفاع ستيف هيربيتز. قدمت تلك المجموعة تقريرها يوم 2 كانون الأول 2001، تحت عنوان "دلتا الإرهاب". استخدم مصطلح "دلتا" بمعنى "فم النهر" الذي يبدأ منه جريان النهر. كانت الخلاصة المركزة للتقرير (أو المذكرة) بأن 11 أيلول ليس حدثاً يمكن فصله عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط، التي شُخّصت حالتها في المذكرة بأنها تحوي "malignancy" التي تحمل معنيين: الطبيعة الشريرة والمرض الخبيث. كان للمذكرة "وقع قوي" عند الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، وكان نائبه ديك تشيني "مسروراً بالمذكرة"، كما اعتبرتها مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس "مقنعة جداً". يبدو أن "ديموقراطية المكوِنات" كانت هي الوصفة التي بُنيت على ذلك التشخيص، وقام "الصيدلي" بريمر، بتطبيقها وبيعها في بغداد، التي كانت بوابة من أجل "إعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط"، وفق التعبير الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي كولن باول، قبل أربعين يوماً من بدء غزو العراق: "النجاح في العراق قد يعيد ترتيب هذه المنطقة جذرياً بطريقة إيجابية تخدم أكثر المصالح الأميركية" (جريدة "السفير" ـ 7 شباط 2003). الآن ، ومن خلال مشروع الدستور الذي يعمل عليه "معهد كارتر" برضا أميركي ـ روسي، ومن (مشروع الدستور الروسي لسورية)الذي قدمه لافروف لوفد من المعارضة السورية زار موسكو في شهر كانون ثاني2017، يبدو أن مشروع "ديموقراطية المكوِنات" يطلّ برأسه كوصفة ترافق التسوية السورية المرتقبة ، وهناك إضمارات واضحة في وثيقة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، المسرّبة في نيسان 2016 تحت عنوان: "مسودة الإطار التنفيذي لبيان جنيف 3"، تدل على أن دي ميستورا ،ـ بالنسبة لسوريا ، قد تقمص ما فعله بريمر في العراق، بغطاء من واشنطن وموسكو. في عام 2013، طرحت قطر مشروع "طائف سوري"، لم تقبله سوى بعض القوى السياسية الكردية المنخرطة في "الائتلاف"، فيما رفضته السلطة السورية و"الائتلاف" و"هيئة التنسيق". يبدو الآن أن رفض مشروع "الطائف السوري" ما زال مستمراً، وإن كان تلاميذ أوجلان في "الاتحاد الديموقراطي"، قد انحرفوا عن خط معلمهم باتجاه "ديموقراطية المكوِنات"، عندما تحدثوا في وثيقة إعلان "الفيدرالية" يوم 17 آذار 2016، عن "سوريا المستقبلية لكل السوريين، وهذا ما يحققه نظام فيدرالي ديموقراطي على أساس جميع المكونات المجتمعية". في الخمسينيات تولى فارس الخوري، وهو من الطائفة البروتستانتية، وهي أقلية صغرى ضمن المسيحيين في سوريا، منصب رئيس الوزراء: يومها لم يحتجّ أحد من السوريين وكانت الانقسامات والاستقطابات تجاه وزارته تتعلق فقط بموضوع الموقف من "حلف بغداد". في عام 1977 ترشحت حفيدته كوليت خوري لعضوية "مجلس الشعب" عن مدينة دمشق، وأخذت بسبب تراث جدها السياسي، أكثر الأصوات من حي الميدان وليس من القصاع أو باب توما.
2. ملف: "مضيق باب المندب" (إعداد هيئة التحرير)
مضيق باب المندب: عُرف مضيق باب المندب قديماً باسم ذا المندب أو باب الدموع، حسبما ورد في معجم البلدان عن ياقوت الحموي، وتعود تسميته بهذا الاسم إلى المخاطر التي كانت السفن تعرض لها عند مرورها منه، حيث إنه توجد مجموعة من الصخور الكبيرة البارزة التي كان من شأنها اعتراض طرق الملاحة البحرية. أما عن سبب تسميته باسم مضيق باب المندب فهو لأن أهل اليمن كانوا ينزلون فيه عندما يهاجمهم الغزاة بأساطيلهم البحرية خلاله. ومن الأسماء الأخرى التي كانت تطلق عليه: (مدخل بحر القلزم، ومضيق الوفاء أو الولاء). ولمضيق باب المندب أهمية كبيرة تبعاً لموقعه الاستراتيجي الفريد من نوعه، فهو يربط البحار والخلجان العربية ببعضها البعض، كما إنه يتحكم بطرق التجارة العالمية بمرور ناقلات النفط خلاله، الأمر الذي أكسبه أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة ازدادت مع مرور الزمن. موقع مضيق باب المندب يربط مضيق باب المندب بين الجزيرة العربية وأفريقيا، حيث تقع الجزيرة شمال شرق المضيق وإلى الجنوب الغربي من قارة أفريقيا حيث يربط المضيق البحر الأحمر من الجزء الشمالي الغربي مع خليج عدن والمحيط الهندي من الجزء الجنوبي الشرقي. ويُعد مضيق باب المندب البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، فهو يربط البحر الأحمر بخليج عدن ومنه إلى بحر العرب ومنه إلى المحيط الهندي، ومن المحيط الهندي إلى شرق وجنوب شرق آسيا ومن ثم إلى المحيط الهادئ. وبذلك يمكن اعتبار مضيق باب المندب مجرى مائياً يصل بين المحيط الهادئ والمحيط الهندي والبحر المتوسط وذلك عن طريق المدخل الجنوبي الخاص بالبحر الأحمر مروراً بقناة السويس والمحيط الأطلسي، ويبلغ طول مضيق باب المندب 20 ميلاً أي ما يعادل 32 كم، وينقسم مضيق باب المندب إلى قناتين بواسطة جزيرة تُسمى جزيرة بريم، حيث يبلغ طول القناة الغربية 16 ميلاً أي ما يعادل 26 كم، والقناة الشرقية التي يبلغ طولها 2 ميلين أي ما يعادل 3 كم. وبحكم موقع مضيق باب المندب يشمل المياه الإقليمية لثلاث دول، وهي جمهورية اليمن التي تطل على الساحل الشرقي خاصته، وأرتيريا، وجيبوتي التي تطل على الساحل الغربي، أما جزيرة بريم التي تفصل المضيق إلى قناتين فلها أهمية كبيرة، فسبب موقعها الاستراتيجي تسيطر على الملاحة داخل المضيق حيث إنها تتحكم في المدخل إلى البحر الأحمر من جهة الجنوب، كما أن لها أهمية كبيرة مع اليمن، فهي لا تبتعد عن اليمن سوى 4.8 كم فقط، كما أنها قريبة من الساحل الأفريقي أيضاً. مضيق باب المندب عبر التاريخ: كان لمضيق باب المندب أهمية كبيرة عبر التاريخ، وقد بدأت تظهر أهميته في القدم عندما كان عمقه أقل مما هو عليه اليوم، حيث سمح ذلك بحدوث الهجرات المختلفة عبر مياهه، فقد كانت أوائل الهجرات البشرية تتم عن طريقه، ويُعتقد أن مضيق باب المندب كان الطريق الذي عبر عن طريقه الساميون الجعيز إلى أفريقيا حول 1900 ق.م، وفي الفترة الواقعة بين 100-940م سيطرت إمبراطورية أكسوم على مضيق باب المندب، حيث إنها حكمت المنطقة الواقعة الآن ما بين شمال إثيوبيا وأرتيريا، وفي عام 1799م سيطر البريطانيون على جزيرة بريم، وفي عام 1861م بنوا منارة على الجزيرة وبسطوا نفوذهم عليها ومارسوا التجارة فيها وسيطروا على الطرق التجارية التابعة لها. أهمية مضيق باب المندب في العصر الحديث يصل مضيق باب المندب البحر الأحمر مع المحيط الهندي عن طريق بحر العرب، والقرن الأفريقي، وبحر عُمان، كما يربط الخليج العربي مع البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وبسبب هذا الموقع تنبع أهميته، فهو طريق تجارة النفط الحاصلة بين دول الشرق الأوسط والدول الأوروبية، وعن طريقه يتم الاتصال بين الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، ولكون مضيق باب المندب يتحكم بطرق التجارة العالمية للنفط بمرور ناقلات النفط عبره، فإن إغلاق المضيق يجعل ناقلات النفط تنتقل بعبور الطرف الجنوبي لأفريقيا باتجاه الشمال وصولاً إلى الدول الأوروبية، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الجهد والمال بشكل كبير، والجدير بالذكر أن مضيق باب المندب يعمل كطريق ملائم للملاحة البحرية الأخرى عدا عن نقل النفط، فيسمح بحركة السفن بين دول الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. تشكّل سواحل البحر الأحمر العربية ما نسبته 90,2٪ من إجمالي المساحة الكلية لسواحل البحر الأحمر وخليج عدن، حيث يعتبر البحر الأحمر المنفذ البحر الرئيسي والوحيد للعديد من الدول العربية، خاصةً الأردن، وجيبوتي، والسودان، ويعتبر البحر الأحمر الممر الرئيسي الذي يتم تصدير النفط العربي من خلاله إلى الأسواق المختلفة، وتعتمد معظم اقتصادات الدول العربية على صادرات البترول التي تمثل 93 إلى 100٪ من إجمالي صادرات بعض الدول العربية، مثل السعودية، والكويت، وعمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، واليمن، والبحرين، ممّا يؤدي لزيادة أهمية مضيق باب المندب من الناحية الاقتصادية بسبب مرور ما يُقارب 40 في المئة من إجمالي حركة النفط العالمية من خلاله. ملاحة السفن: يعتبر مضيق باب المندب حلقة وصل بين الشرق الأوسط والدول الأوروبية، فهو يسمح بالانتقال المباشر بين الخليج العربي، والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، لذا فهو يعد طريق لملاحة للسفن غير النفطية التي تتحرك بين دول الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وتم اقتراح جسر يُسمى ب"جسر الأبراج" على مضيق باب المندب بين سواحل اليمن وجيبوتي في الوقت الحاضر، حيث اكسبه موقعه المتميز بين شبه الجزيرة العربية في الشمال الشرق، وأفريقيا في الجنوب الغربي، الذي يربط البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، أهميةً استراتيجية واقتصادية كبيرة، حيث ينطوي التدفق من خلال هذا المضيق على التداول بين البحر الأحمر والخليج العربي، حيث لا يحدث أي تدفق عبر قناة السويس. ----------------------------------------------------------- 3. قضية متفجرة: لماذا لا يزال مضيق هرمز أهم نقطة في العالم؟ ولماذا يجب على الولايات المتحدة ضمان أمنها؟ ألين جيمس فرومرز - 17 تموز/يوليو 2019 - مجلة "فورين أفيرز"الأميركية ترجمة هيئة التحرير
يربط مضيق هرمز غالبية سكان العالم الذين يعيشون على طول شواطئ آسيا وشرق إفريقيا بقلب الشرق الأوسط. وكان قبل فترة طويلة من اكتشاف النفط، الشريان السباتي في العالم. قم بقطع إمدادات الدم في أي مكان تقريباً وسيتكيف العالم. ومع ذلك، قد يكون الانقطاع قاتلاً: إذ يمر 90 في المائة من النفط المُصدَّر من الخليج، أي حوالي 20 في المائة من إمدادات العالم، عبر هرمز. ويُعتبر الشحن عبر المضيق، الذي يبلغ عرضه 21 ميلاً بحرياً في أضيق نقطة له، كثيف وخطير أيضاً. وبالإمكان سماع الراديو الفارسي من إيران في مسندم (محافظة مسندم هي محافظة عمانية تتبع سلطنة عمان، وتقع إلى الشمال من الإمارات وهي حاضنة لمضيق هرمز) المقاطعة التي تقع على الجانب الجنوبي من المضيق، مثل الراديو العربي. وتجعل الحرارة والرطوبة والرياح الحارقة المناخ غير مقبول، ومع ذلك، لا تزال العديد من سلاسل الجبال والوديان القريبة من هرمز مأهولة بالسكان. على الرغم من أن بلاد فارس حاولت المطالبة بالمضيق إلا أنها لم تسيطر أي مجموعة على مضيق هرمز بأكمله. في مسندم، حافظت قبيلة الشّحوح (هي قبيلة منتشرة في دولة الإمارات العربية المتحدة وعمان. والاسم المفرد هو الشّحي وهو اسم عائلي شائع في دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان اليوم.) كما حافظَ الصيادون الظهوريون في مسقط تاريخياً على بعض الاستقلال الذاتي. (الظهوريون هي قبيلة عربية أصيلة يسكنون حالياً في سلطنة عُمان وخاصة رؤوس الجبال (مسندم) وبعض اجزاء الإمارات العربية المتحدة في مدينة دبا وإمارة رأس الخيمة.) وعلى الجانب الفارسي الشمالي، إيران معرَّضة للاضطرابات مثلها مثل العديد من السفن التي تمر عبر المضيق. بنًتْ إيران محطة للنفط في جزيرة لارك في المضيق، بعد أن هاجم العراق منشأتها السابقة في جزيرة خرج داخل الخليج. وتقع لارك على الساحل الشرقي في مياه الخليج العربي بمضيق الباب أو مضيق هرمز تحت سيطرة إيران. ويسكن جزيرة لارك، هرمز، قشم، وساحل الخليج الفارسي في إيران، مزيج من الفرس والمتحدِّثين باللغة العربية من المذهب السنّي الذين هاجروا إلى هناك من شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الحدود البحرية الدولية والذين يختلفون عن غالبية السكان في إيران. كانت هناك مشكلة طويلة لإيران تختمر في التلال. ويسكن البلوش الجبال القريبة، وشنَّت حركة جند الله، وهي حركة سنية بلوشية انفصالية، هجمات مميتة ضد إيران، بما في ذلك مقتل 15 من أعضاء الحرس الثوري الإسلامي في تفجير عام 2009. يظهر التنوّع على الأرض فقط من خلال العدد الهائل وتنوُّع السفن التي تمر عبر المضيق. ومن مصلحة الولايات المتحدة، من دون قوة سيطرة واحدة، باعتبارها القوة البحرية الأهم في العالم، أن تكون الضامن النهائي للتجارة عبر مضيق هرمز. من الناحية التاريخية، كان هذا يعني منع البندول(رقاص الساعة) من التأرجُح بعيداً في اتجاه أو آخر. تدخّلت الولايات المتحدة في عام 1987، في الحرب العراقية الإيرانية، لمنع الهجمات على السفن الكويتية. وفي عام 1988، أغرقت الولايات المتحدة السفن الحربية الإيرانية وقوارب الدوريات خلال ما يسمّى حرب الناقلات. وبعد بضع سنوات فقط، بدأت الولايات المتحدة حرب الخليج الأولى لمنع العراق من الاستيلاء على الكويت. لقد تعلمت إيران من هذا التاريخ، مدرِكةً أن أكثر الاستراتيجيات فاعلية، في محاولتها للحصول على وضع تفاوضي أفضل وإنهاء العقوبات المعطلة، ليست صراعاً صريحاً بل حنكة. وقد بدأت بإرسال سفن صغيرة وخفيفة الوزن لمضايقة ومهاجمة ناقلات ضخمة وسفن الحاويات. إن المخاطر في المضيق اليوم أعلى بكثير ممَّا كانت عليه في الثمانينيات والتسعينيات، حيث إن المواجهة حول النقل البحري قد تؤدّي إلى حرب شاملة بين إيران والولايات المتحدة، حرب يمكن أن تتحول إلى السلاح النووي. ولكن بدلاً من ضمان أمن المنطقة، سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق فوائد قصيرة الأجل، حيث باعت الأسلحة لشركائها الخليجيين واتخذت مواقف غير مثمرة إلى حد كبير في الخلافات بين دول الخليج، وهو الأمر الذي دفع شركاء مثل قطر نحو إيران، والسماح للسعوديين بتحمل الكثير من المخاطر، مثل التدخل في الحرب الأهلية اليمنية. أحد أسباب هذه الانتهازية المزعزِعة للاستقرار قد يكون الافتراض الخاطئ من قبل صانعي السياسة في الولايات المتحدة بأن عقيدة كارتر، والتي بموجبها تعهَّدت الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها في الخليج، لم تعد سارية. كما أن الولايات المتحدة تستهلك كميات أقل من النفط من الشرق الأوسط ، الأمر الذي يقلل الحاجة إلى ضمان أمن المنطقة كما تعتقد الولايات المتحدة. ويُعتبر ذلك بمثابة الفهم السيئ لكل من التاريخ والجغرافيا السياسية. تعتمد الولايات المتحدة على أمن الخليج أكثر من النفط، هذا أولاً. والأهم من ذلك، أن الاحتمال المتزايد للصراع النووي ، حيث بدأت إيران بسرعة في تخصيب اليورانيوم بعد انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية، قد غيَّر ديناميكية الأمن في المنطقة. أصبحت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكثر اهتماماً الآن بالحصول على التكنولوجيا النووية، وتتمتعان بوصول أفضل إليها، حتى أن الولايات المتحدة زودتهما بالمواد النووية الحساسة والتقانة الفنية. أمن المضيق الآن ليس ضرورياً فقط بسبب التجارة. فالصراع في هرمز قد يشعل عاصفة نارية قد تنتشر بسرعة خارج الخليج. ثانياً، نمت كمية التجارة التي تمر عبر هرمز بسرعة مع صعود دول النفط الغنية على طول الخليج. أخيراً، استثمرت الولايات المتحدة بكثافة في القواعد البحرية في البحرين وقطر وأماكن أخرى، والتي لا يمكن الوصول إليها عن طريق البحر إلا عبر هرمز. سيظل مضيق هرمز نقطة التجارة البحرية الأكثر قيمة والأكثر هشاشة في العالم، بغض النظر عن مقدار انخفاض أسعار النفط. إن استمرار التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة أمر يصعُب على الكثير من الأميركيين قبوله. وذلك بالنظر إلى عدد الأرواح ومقدار الأموال التي ضحَّت بها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويريد الكثير من الأمريكيين من اليمين واليسار التخلّي عن المنطقة بالكامل. ولكن بغض النظر عن مقدار استخراج النفط من المنتجين الأمريكيين والكنديين، فإن الولايات المتحدة ستظل في مأزق أمني في الخليج. لا يمكن لنظام التجارة العالمي الذي يعتمد عليه الرخاء الأمريكي أن يعمل بدون المرور الآمن للسفن عبر مضيق هرمز ومنع أي تصعيد نووي إضافي في المنطقة. لذلك، لا تزال عقيدة كارتر ضرورية لكنها ليست مثالية. على الرغم من أن الولايات المتحدة لديها أقوى جيش في المنطقة، إلا أنها في كثير من الأحيان لا تأخذ في الاعتبار الجغرافيا البشرية المعقدة للمضيق. لا تقيم الولايات المتحدة على عكس المملكة المتحدة، التي قامت بتأمين طرق التجارة الخليجية من عام 1820 إلى عام 1970، علاقات عميقة مع الجهات الفاعلة من غير الدول. وهذا ينطبق على جانبي المضيق. من الجنوب، كانت عُمان والتي تُعتبر "سويسرة" الخليج بمثابة وسيط حاسم بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران، لكن السلطان الحالي، قابوس بن سعيد، والذي يبلغ من العمر 78 عاماً، ليس له خليفة واضح. احتفظ البريطانيون بمحطة تلغراف في مسندم، وربما لا تزال شبه الجزيرة نقطة استماع لعمان، والتي من المحتمل أن تشاركها مع الحلفاء بما في ذلك الولايات المتحدة. من الحكمة أن تفهم واشنطن الديناميكيات السياسية والاجتماعية المعقدة لشبه جزيرة مسندم بشكل أفضل في حالة عدم وجود انتقال سلس بعد وفاة السلطان قابوس. ومن غير المحتمل، لكن ممكن، أن تبدأ العديد من الفصائل والجماعات داخل سلطنة عمان ومسندم في تأكيد نوع من الاستقلال الذاتي إذا أدّى الانتقال إلى الاضطراب. يمكن لواشنطن الاستعداد لحقبة ما بعد قابوس من خلال دعم شركاء التفاوض المحتملين الآخرين، مثل الكويت، والموافقة على دعم خليفة قابوس إذا وافق هو/هي على مواصلة سياسات السلطان الحالية تجاه المضيق. لن يتم استبدال قيادة قابوس المستقرة والحكيمة بسهولة، ولا ينبغي على واشنطن أن تأخذ الموضوع كأمر مسلم به. ينبغي على الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالجانب الإيراني الشمالي من المضيق، تطوير فهم أكثر دقة للفصائل والكسور الكثيرة التي تقسم إيران. قد تدفع السياسات الأمريكية الفظة تجاه الشعب الإيراني أولئك الذين يعارضون النظام باتجاه طهران. هناك العديد من حالات التهديدات الأجنبية، مثل الحرب بين إيران والعراق، والتي ساعدت على ترسيخ حكم آية الله، عندما اتحد الإيرانيون المختلفون ضد المعتدي الخارجي. إن مهاجمة إيران على طول ساحل الخليج أو في قاعدة جزيرة لارك العسكرية ومحطة النفط حيث هاجر العديد من العمانيين في الماضي، وحيث يعيش ويعمل مزيج من الإيرانيين العرب والفارسيين، قد يحوِّل المنشقين المحتمَلين على السواحل إلى تأييد طهران. ليس للولايات المتحدة اهتمام كبير بتكرار دور الإمبراطورية البريطانية أو المحميات التي أنشأتها في دول الخليج ابتداءً من عام 1853 وانتهت في السبعينيات. ولكن لديها كل مصلحة في الاستمرار، مع شركائها، في دور الحَكَم. إن تاريخ الولايات المتحدة المتوتر مع إيران يعني أن ليس كل من في المنطقة سيرى واشنطن كحَكَم محايد. ولكن لا يمكن لأي قوة أخرى أن تترك مضيق هرمز بعيداً عن أي تدخل ولا تتمتع أي قوة أخرى بالقدرة على منع اللعبة من الابتعاد عن الحدود من أي جانب. يمكن أن تتحول الألعاب بدون حَكَم، وبسرعة إلى حروب لا يريدها أحد. يشترك معظم اللاعبين في الخليج، من قطر إلى المملكة العربية السعودية إلى إيران، في الرغبة في منع اللعبة من الخروج عن نطاق السيطرة. كذلك تعلم إيران على الرغم من العقوبات الصارمة، أنها لن تستفيد من الحرب. لهذا السبب نفت طهران في كثير من الأحيان وبشدّة مسؤوليتها عن الهجمات الأخيرة على الملاحة الغربية في المضيق. ومع ذلك، لتجنب التصعيد في اللحظة الأخيرة، كما فعل الرئيس دونالد ترامب عندما ألغى بحق الهجوم على إيران كرد فعل لإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار، ليس كافياً. يحتاج هرمز إلى ضامن ثابت للأمن، حتى لو ضامن غير تام. المصدر: https://www.foreignaffairs.com/articles/2019-07-17/why-strait-hormuz-still-worlds-most-important-chokepoint
-------------------------------------------------------------------------------
4. محاولة في تحديد " الأصولية " محمد سيد رصاص 19 سبتمبر 2014 / جريدة "الحياة" في مقدمة كتيب الشيخ ناصر الدين الألباني: "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام"، يقدم محمد عيد العباسي تعريفاً دقيقاً لـ "السلفية": "وما الطريق الصحيح إلا طريق الكتاب والسنة، وفهمهما على المنهج الذي فهمه سلفنا الصالح..." (مكتبة المعارف، الرياض 1425، ص 5). وفي تعريف ابن تيمية لـ "الأصولية" هناك اقتصار على الحدين الأولين أي (الكتاب) و(السنة): "إذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه نظر في ما قاله الله والرسول، فمنه يتعلم ومنه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر، وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنة" (ابن تيمية: "الفرقان بين الحق والباطل"، مكتبة دار البيان، دمشق1993، ص41). عند ابن تيمية يأتي فضل الحد الثالث، أي (السلف الصالح)، بعكس ما عند السلفية، ليس من ذاته باعتباره كما يقول السلفية الجسر للحدين الأول والثاني إلى المسلمين، بل من "اعتصامهم بالكتاب والسنة" (ص17)، مقتصراً في ذلك على الصحابة من دون مد ذلك إلى التابعين كما يفعل السلفيون ومن دون اعتبار "كل الصحابة في الفضل واحد ولكن بدرجات" كما يقول السلفيون، بل يصل (الأصوليون) من خلال مقياس ابن تيمية إلى امكانية تخطئ بعض الصحابة، كما فعل سيد قطب في كتابه "العدالة الاجتماعية في الاسلام" تجاه الخليفة الثالث عثمان بن عفان من خلال فحص "اعتصامه" بالحدين الأول والثاني، أي بـ (الكتاب) و (السنة). على خطى ابن تيمية تأتي أصولية حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في آذار 1928 : "وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم (صلى الله عليه وسلم) وكل ما جاء عن السلف (رضوان الله عليهم) موافقاً للكتاب والسنة قبلناه - وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع" (البنا: "مجموعة الرسائل"، دار الأندلس، بيروت 1965، ص8 ) في قياس لـ (السلف) عبر (الأصل). هذه الأصولية لها نظرة دائرية للتاريخ، آخره يقاس بأوله: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" (البنا:"المرجع السابق"،ص112-113)، وهو يستشهد بقول عمر بن عبدالعزيز: "لست بمبتدع ولكني متبع" (ص364). هذه النظرة الدائرية للتاريخ، حيث يعود فيه آخره إلى أوله، تحوي نظرة ترى فيها التاريخ كمسرى انحداري وليس تطوري تقدمي، وهي ترى العودة للبدء والأصل، الذي يمثل (النقاء)، بمثابة الشفاء من التلوث بعوائد الزمان الذي شهد، وفق الأصوليين، ابتعاد المسلمين، عبر المسار التاريخي، عن الاسلام وأصله الأول. هذا يعني وفق البنا أن الدين معطى بدفعة واحدة أتت عند النبع الأول ويجب العودة إليه كأصل كما كان آنذاك: هو يرى في نظرته أن "الاسلام معنى شامل ينظم شؤون الحياة جميعاً" (ص 100-101)، والاسلام ليس كالمسيحية يفصل الدين عن السياسة وعن الأمور العملية: "الاسلام عبادة وقيادة، ودين ودولة، وروحانية وعمل، وصلاة وجهاد، وطاعة وحكم، ومصحف وسيف" (البنا: "مذكرات الدعوة والداعية"، نسخة ألكترونية ب د ف، 324 صفحة، forum.roro44/269574.html، ص173 ). وهو يرى أنه "وضع في هذا الدين القويم كل الأصول اللازمة لحياة الأمم ونهضتها وإسعادها" ("مجموعة الرسائل"، ص146) من منطلق أن "القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة، ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصايا النبيلة، وإذاً فذلك من شأننا لا من شأن الغرب ولمدنية الاسلام لا لمدنية المادة" (ص127)، وهذا يقود حسب البنا إلى أن هناك رسالة هجومية اسلامية لتحقيق السيادة العالمية تتجاوز الحالة الدفاعية أمام الهجمة الغربية مما يتطلب "إعادة الكيان الدولي للأمة الاسلامية...حتى.. إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة" (ص14). اللافت للنظر هنا أن مقصده هنا من (الوحدة المنشودة) لا يشمل الجغرافيا فقط بل "تقريب وجهات نظر أهل القبلة جميعاً من غير دخول في مناقشات مذهبية عميقة" (إسحق موسى الحسيني: "الإخوان المسلمون كبرى الحركات الاسلامية الحديثة"، دار بيروت، طبعة أولى، 1952، نسخة ب د ف، ص27على الرابط: (ikhwanwiki.com/index.php/title) في ابتعاد ليس فقط عن السلفيين في موقفهم التكفيري للسنة الآخرين من أشاعرة وصوفية بل ليشمل في مفهومه لـ (أهل القبلة) ليس فقط مذاهب أهل السنة جميعاً بل أيضاً وأولاً السنة والشيعة معاً، وعلى الأرجح أن البنا كان متأثراً بفكرة طرحها السيد جمال الدين الأفغاني حول ( اسلام عام) عابر ليس فقط لحدود المذاهب السنية الأربعة بل يضع تحت خيمته السنة والشيعة معاً، وهو ما يفسر حماس البنا لفكرة التقريب بين السنة والشيعة وتأسيسه مع السيد محمد تقي القمي حيث قاما معاً بانشاء (دار التقريب بين المذاهب الاسلامية) عام1947، ثم التقارب الفكري - السياسي العميق بين الحركتين الإخوانية والخمينية. اللافت للنظر في أصولية حسن البنا دوافع قيامها وتأسيسها في النظر والعمل الحركي: هذه الدوافع عندما يعددها البنا في "مذكرات الدعوة والداعية" كلها آتية من نظرة دفاعية أمام "تيار التحلل في النفوس والآراء والأفكار باسم التحرر العقلي، ثم في المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي" (ص57) وأمام قيام "تركيا بانقلابها الكمالي ...بإلغاء الخلافة في عام 1924 وفصل الدين عن الدولة في أمة كانت إلى بضع سنوات في عرف الدنيا مقر أمير المؤمنين" (ص57) وأمام تأرجح مصر في "حياتها الاجتماعية بين إسلامها الغالي الذي ورثته وحمته... وبين هذا الغزو الغربي العنيف المسلح" (ص58). يحدد البنا الهدف في "الفكرة التي ملكت على نفسي، وهي فكرة الدعوة إلى الرجوع إلى تعاليم الاسلام، والتنفير عن هذا التقليد الغربي الأعمى، وعن مفاسد قشور المدنية الغربية" (ص69) للوصول إلى "رد هذا الكيد عن الاسلام" (ص59) والعمل على إحياء "الاسلام والعمل على إحياء مجده" (ص81). تم التأصيل النظري لـ (الأصولية) بعد ثلاثة عشر عاماً من تأسيس (جماعة الاخوان المسلمين) على يد الهندي أبو الأعلى المودودي في كتابه "المصطلحات الأربعة في القرآن: الإله والرب والدين والعبادة" في عام 1941 (نسخة ألكترونية ب د ف،، ahlalhadeeth.com/vb/showthread.php?t=36059. 63صفحة) وضع المودودي في هذا الكتاب نظرية (حاكمية الله) في عملية غير مسبوقة في النظريات السياسية الاسلامية، وإن كانت قد طرحت عند (الخوارج) ولكن من دون تأصيل نظري: "إن كلاً من الألوهية والسلطة تستلزم الأخرى" (ص15) و "الألوهية تشتمل على معاني الحكم والملك" (ص17) و "أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة"(ص13) و"القرآن يجعل الربوبية مترادفة مع الحاكمية والملكية sovereignty " (ص43). يعتبر المودودي أن "كلمة (الدين) في القرآن تقوم مقام نظام بأكمله، يتركب من أجزاء أربعة هي:1- الحاكمية والسلطة العليا، 2- الطاعة والإذعان لتلك الحاكمية والسلطة، 3- النظام الفكري والعملي المتكون تحت سلطان تلك الحاكمية.4- المكافأة التي تكافئها تلك السلطة العليا على اتباع ذلك النظام والاخلاص له أوعلى التمرد عليه والعصيان"،(ص56(. كان كتاب المودودي تأسيسياً لاتجاه أصبح رئيسياً في الحركة الإخوانية العالمية من خلال مناظيره الفكرية السياسية والعملية التي أصبحت واضحة عبر كتاب سيد قطب: "معالم في الطريق" الصادر عام 1964 والذي كان استناده إلى المودودي واضحاً. في عام 1969 رد المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حسن الهضيبي من سجنه وعبر كتاب "دعاة لا قضاة" على المودودي وسيد قطب محاولاً تثبيت الاتجاه الدعوي في وجه وبالتضاد مع نظرية (الحاكمية). امتدت تأثيرات المودودي وقطب إلى التنظيم الإخواني السوري عبر مروان حديد وسعيد حوى، ثم عبر القيادي الإخواني الأردني الفلسطيني عبدالله عزام إلى أسامة بن لادن، ومباشرة أمتدت التأثيرات من كتب سيد قطب إلى أيمن الظواهري و (تنظيم الجهاد) المصري. في كانون أول (ديسمبر) 2009 استطاع الإتجاه القطبي، وعبر رجله القوي محمود عزت، أن يسيطر على قيادة جماعة الاخوان المسلمين في القاهرة من خلال انتخاب محمد بديع مرشداً للجماعة. لم يقتصر اتجاه المودودي على الامتداد عبر سيد قطب لتنظيم الإخوان المسلمين أوعبر جسر سيد قطب أيضاً لتأسيس اتجاه (السلفية الجهادية) من خلال قيام (تنظيم قاعدة الجهاد) في شباط 1998 بقيادة ابن لادن والظواهري، بل كانت تأثيرات المودودي واضحة في كتاب الخميني: "الحكومة الاسلامية" الذي هو مجموع دروس ألقاها في النجف في كانون الثاني1970، حيث يختلف الخميني مع قطب في وسائل تحقيق (حاكمية الله) فقط وليس في الفكرة، حيث يراها الخميني تتحقق من خلال (الولي الفقيه) الذي هو (نائب الإمام الغائب) ويتولى قيادة (الحكومة الاسلامية)، فيما يرى سيد قطب أن الطريق لتحقيق ذلك عبر "طليعة تعزم هذه العزمة وتمضي في الطريق... ولا بد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من (معالم في الطريق)، معالم تعرف منها طبيعة دورها، وحقيقة وظيفتها، وصلب غايتها، ونقطة البدء في الرحلة الطويلة" ("معالم في الطريق"، مكتبة وهبة، تشرين الثاني (نوفمبر) 1964، ص10-11). من دون هذا لا يمكن تفسير قيام آية الله علي الخامنئي، تلميذ الخميني، بترجمة عدد من كتب سيد قطب إلى الفارسية. ------------------------------------------------------------------------------
5. شرح مفهوم: "نظرية الركود الطويل الأمد"
قدم عالم الاقتصاد كينز نظريته لتفسير كيف يتحدد مستوى التشغيل في أية لحظة، وقد طبق بعض أنصاره هذه النظرية لتفسير ما حدث في البلاد الرأسمالية خلال تطورها منذ القرن التاسع عشر حتى الآن، وقد سميت نظرية الركود الطويلة المدى، وخلاصة هذه النظرية: أن البلاد الرأسمالية النامية كانت في القرن الماضي تميل إلى تحقيق مستوى التشغيل الشامل، ولم تكن تعاني من البطالة إلا لفترات ضئيلة، أما منذ العقد الثاني من القرن العشرين فقد تغير الحال فأصبحت تلك البلاد غير قادرة على تحقيق التشغيل الشامل في المدى الطويل، وتعاني من وجود قدر دائم ومتزايد من البطالة حتى في أشد فترات الازدهار والنشاط الاقتصاديين، حيث يميل في المدى الطويل للتطور نحو التزايد، لأن البلاد الرأسمالية كانت تتمتع في القرن الماضي بفرض استثمار كبير تعوض الادخار الذي كان يتحقق عند مستوى التشغيل الشامل، وترجع هذه الفرصة الكبيرة عن الاستثمارات التي كانت موجودة في الماضي إلى تزايد السكان بمعدل كبير، الأمر الذي كان يزيد من الطلب على السلع الاستثمارية، ويؤدي إلى أن مناطق كبيرة من الدول الرأسمالية كانت لم تتضح بعد، فكان لا بد لتصنيعها من إقامة استثمارات ضخمة، وكانت كل هذه المصادر تفتح أبواباً لاستثمارات جديدة تمتص الادخار المتأتي من التشغيل الشامل، وتمنعه من إحداث أثر الانكماش. ولكن منذ العقد الثاني من القرن العشرين ضعفت فرص الاستثمار، لأن معدل تزايد السكان أخذ بالتناقص في البلاد الرأسمالية النامية، فانخفض الطلب على الاستثمار من هذه الناحية فكانت المخترعات الحديثة من النوع الذي يوفر نسبياً في استخدام رؤوس الأموال والاستثمارات بالنسبة لعناصر الإنتاج الأخرى، وأصبح لا يكفي لامتصاص الادخار المتأتي من التشغيل الشامل، والنتيجة التي ترتبت على ذلك هي أن الاقتصاديات الرأسمالية أصبحت تعاني في القرن العشرين من عدم قدرتها على تحقيق التشغيل الشامل في الظروف العادية ومن وجود قدر من البطالة بصورة متزايدة حتى في أفضل أحوال الازدهار. هناك إذن بطالة تجثم في المجتمع الرأس مالي الحديث، وهذه البطالة تمثل خطراً كبيراً لأن العمال المتعطلين إذا اشتدت وطأة البطالة عليهم لن يصبروا على حالتهم هذه التي إذا لم تعالج فإنها ستدفعهم إلى الثورة على النظام كله وتحطيمه ليحل محله تنظيم اجتماعي اشتراكي، ويقرر فيلسوفنا كينز أن هذا التنظيم يقوم على ديكتاتورية تمحو حرية الفرد وذاتيته، وهو بذلك لا يقبل بهذا التنظيم لما فيه من قضاء على الحرية الشخصية لما فيها من مقومات أساسية للعيش، وبذلك يرفض كينز الاشتراكية على الطريقة السوفيتية، ولا يؤمن كما يؤمن ماركس بحتمية التاريخ، فليس في رأيه ما يحتم سير التاريخ في طريق معين، وبذلك هو من أنصار مبدأ المصادفة، ولذلك ينادي بأنه من الممكن تفادي هذه النتيجة المحتملة، وإنقاذ النظام الرأس مالي إذا قضينا على البطالة فهي الوسيلة الوحيدة التي يمكن للرأسمالية أن تعتصم لها لتبقى. وبذلك يهمل كينز مبدأ تضاعف الرأسمال في أيدي رأسماليين يقلون تدريجياً بالنسبة لعدد السكان، وبرأيه للقضاء على البطالة يجب التنازل نهائياً عن سياسة الحرية الاقتصادية، وتتدخل الدولة لتحقيق هذا الغرض. ولما كانت البطالة ناشئة عن عدم كفاية الطلب الكلي الفعلي على السلع لذلك تنحصر هذه السياسة التدخلية في العمل على رفع مستوى هذا الطلب حتى يزيد الإنتاج ويقضي على البطالة ويحقق التشغيل الشامل ويتكون هذا الطلب على نوعين هما طلب استهلاك وطلب استثمار. ومن الأمور التي تؤدي لزيادة طلب الاستهلاك بالنسبة لكينز تبدأ بإعادة توزيع الدخل بين الأفراد توزيعاً قريباً إلى المساواة، لأن أصحاب الدخل الكبير يدخرون جزء من دخلهم، في حين لو وزع هذا الجزء أو بعضه على أصحاب الدخل الضعيف لأنفقوه على الاستهلاك ولزاد الطلب الكلي، فالتفاوت في التوزيع في الدول الرأسمالية سبب من أسباب زيادة الادخار وعدم كفاية الطلب الكلي ووجود البطالة، ولذلك يجب أن تفرض الضرائب التصاعدية حيث تقطع جزءاً من ثروة ودخل الأغنياء، وتنقل الدولة هذا الجزء إلى الطبقة الفقيرة كإعانات اجتماعية نقدية أو كخدمات مجانية، وسيترتب على هذا زيادة الطلب الكلي على السلع. وقد لاحظ بعض أنصار كينز أن جزءاً كبيراً من أفراد الشعوب في البلاد الرأسمالية النامية مازال لا يحصل على الخدمات الضرورية في الحياة، فلكي يزيد الاستهلاك الكلي لهذه الخدمات نادوا بأن تقدمها الدولة مجاناً أو بأثمان بخسة على أن تتحمل الدولة ما يسببه ذلك من تكاليف، أما لزيادة الاستثمار فينصح الكينزيون بأن تقوم الدولة نفسها عند حصول بطالة بعمل مشروعات استثمارية، وأن تخفض من سعر الفائدة حتى تشجع المنظمين والمستثمرين وأن تقضي على احتكار المخترعات الجديدة، حتى يكون لكل منظم بمجرد ظهور اختراع جديد حق تطبيقه وإنشاء الاستثمارات الجديدة التي يأتي بها وأيضا ينصحون بالقضاء على الاحتكارات بصفة عامة. وهذه هي باختصار السياسة التدخلية التي رسمها الكينزيون لرفع الطلب الكلي حتى يزيد الانتاج والتشغيل. وقد أثرت أفكار كينز في الدول الرأس مالية النامية مثل إنكلترا وفرنسا وأميركا منذ الحرب العالمية الثانية وظلت تمثل الرأي شبه الرسمي لهذه الدول حتى ظهور الليبرالية الحديثة .
مقال مترجم :
6. الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وكيف ستكون النتائج إن استمر التصعيد ؟ حياة جازان تم النشر في 16|05|2019 – صحيفة" لو فيغارو" الفرنسية ترجمة هيئة التحرير
حسب الرسوم البيانية، وبعد موجة جديدة من الضرائب الجمركية فقد هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قطاع الاتصالات الصينية. في ذلك اليوم، بدأ ترامب يهدد بفرض ضرائب إضافية على كل السلع الأصلية تقريباً الصادرة من بكين، وهذا التصعيد قد دفع صندوق النقد الدولي إلى إطلاق تحذيرات خطيرة وجديدة لكل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية. لقد انتهت المجاملات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وقد حان وقت المواجهات التجارية فكلا الطرفين لم يكن قادراً على الاتفاق في أثناء الجولة الأخيرة من المفاوضات في واشنطن. إن دونالد ترامب يتهم الصين بعدم الوفاء بوعودها، وقد فرض ضرائب جديدة وأصدر مرسوماً يستهدف الصناعة الصينية للاتصالات، وخصوصاً الشركة الصينية العملاقة "شركة هواوي لصناعة الهواتف الذكية وغيرها"، وقد ردت الصين على ذلك من خلال فرضها تعريفات جمركية على 60 مليار دولار من البضائع الأمريكية، ومنذ ذلك الحين بدأت واشنطن التهديد وفرض ضرائب إضافية على كل المنتجات الصينية التي تدخل إلى الأراضي الأمريكية. وهذا التصعيد قد كانت نتائجه تقلق الأسواق الاقتصادية. مؤخراً، أكدت (جينا جوبيناث)، والتي تعد كبيرة الاقتصاديين في الصندوق الدولي، أن الضغوطات قد تتمكن بشكل خطير من التأثير بشكل سيء على كل من أجواء الثقة في الأسواق المالية، كما أنها ستفسد سلاسل الإنتاج. وتعرض متابعة النمو العالمي المتوقع في عام 2019 إلى الخطر.• ما هي السلع التي قد سلط دونالد ترامب نظره عليها واهتم بها ؟إن الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت مسبقاً ضرائب إضافية على عدد كبير من السلع، وتزيد هذه الضرائب عن 25%، وقد فرضت على العديد من المنتجات الصينية والتي كانت قائمتها طويلة ومتنوعة: الفولاذ، قطع الغيار، المحركات الكهربائية، والأدوات الآلية، والخلايا الضوئية، وآلات لحلب الأبقار وغيرهولكن العديد من البضائع الصينية ما زالت تحاول الفرار والهروب من الضرائب الأميركية كالهواتف، والتلفزيونات، والمظلات، والألعاب، والأحذية. وهذه الأخيرة هي التي يحاول ترامب تهديدها وذلك بفرض ضرائب عليها بنسبة 25%، في حال لم يتوصل إلى اتفاق في أثناء لقاء ترامب مع الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في قمة مجموعة الـ 20 المقامة في اليابان في أواخر حزيران. وهذا يعني أنه سيتم فرض ضرائب على جميع الواردات الصينية تقريباً باستثناء بعض الأدوية والمعادن مثل: الترب النادرة "وهي الترب التي تكون موجودة في مناطق معينة في بلدان قليلة والتي يتم الاستفادة منها في العديد من الأمور". وللتذكير أيضا لقد بلغ العجز التجاري للولايات المتحدة الأمريكية مع الصين 419 مليار دولار في عام 2018 "فقط بالنسبة للبضائع"، وقد تجاوز العجز أكثر من 11% في عام واحد وقد نما العجز بشكل متزايد ومستمر خلال العشرين سنة الماضية. • دونالد ترامب، ما الذي يأمله ؟ يأمل الرئيس الأمريكي ترامب تقليص العجز الذي تعاني منه بلاده مع الصين، ويطالب أيضاً بتغيرات جذرية مهمة، التي قد تتمكن من أن تزعزع النموذج الاقتصادي الصيني مثل: نهاية عمليات النقل القسري للتكنولوجيات الأمريكية وحماية الملكية الفكرية ونهاية المعونات الصادرة عن مؤسسات الدولة (الصينية) والاتفاق الذي يخص العملة المتداولة. • هل يؤثر الصراع هذا على الصين ؟ وهل للصراع عواقب على الصين ؟ في هذا النمط من الحرب التجارية تحاول الصين إرسال إشارات تباطؤ، وقد أكدت الإحصاءات الرسمية الأخيرة تراجع غير متوقع في الصادرات وانخفاض أيضاً في المبيعات التي تكون مجزئة، وفي الإنتاج الصناعي. وحسب بنك نومورا الياباني فإن السياسة الجمركية الأمريكية تحاول فرض ضغط على الصادرات والاستثمارات الصناعية وذلك يعد محاولة لخفضها أكثر "من حيث القيمة" ولقد طبقت بكين سياسة التحفيز المالي، ولكن الاقتصاديين يرون أن هذا غير كافي في هذه المرحلة من أجل الحد من التباطؤ في نمو البلاد الذي سجل أكبر ارتفاع له بنسبة 6.6%والذي يجب أن يصل إلى 6.3% في عام 2019 كحد أدنى وذلك حسب صندوق النقد الدولي. وإن خبراء اقتصاديين في أكسفورد يتوقعون بشكل تشاؤمي في هذه السنة الوصول إلى 6.2% في عام 2019 وإلى 5.9% في عام 2020 ضمن هذه المرحلة من الضغوطات الاقتصادية المتزايدة. • ما هو التأثير على الولايات المتحدة الأمريكية ؟ ما يقارب 90% من الرسوم الجمركية، المفروضة حتى الآن، كانت على المنتجات الوسيطة التي تستخدم لإنتاج السلع بصيغتها النهائية. ستيفين ديو، من بنك بوستال AM، يشرح نتيجة فرض الرسوم أنها ستكون تضخماً في تكاليف إنتاج الشركات الصغيرة التي بالكاد تكون قادرة على تنويع مصانع توريدها. مع ذلك فإن جزء كبير من هذه التكاليف الإضافية لم يتم فرضها على المنتجات بصيغتها النهائية، لأنه يتم تحمل مسؤوليتها من قبل احتياطي الشركات. بالمقابل، ما يقارب 4000 سلعة جديدة مستهدفة من قبل دونالد ترامب هي سلع ذات استهلاك كبير، وهذه المرة يقول ستيفين ديو: "الزيادات في التسعيرة سيؤدي إلى زيادة في أسعار المبيعات النهائية بشكل أسرع بكثير، وهكذا فإن المستهلك سيتأثر أيضا بشكل أسرع بكثير". حسب بنك (غولدن ساكس) إن هذا الإجراء سوف يخلق ضغطاً كبيراً، وربما بهذه الطريقة سيجبر (بنك الاحتياطي الفيدرالي) الأميركي على الرد .. كما أنه أكد مؤخرا رافاييل بوستيك، وهو رئيس الاحتياطي في أتلنتا، أنه سيتوجب علينا أن نرى كيفية تصرف الاقتصاد. من ناحية أخرى تأثر المزارعون بردات الفعل الانتقامية من الصين وقد عانوا منها أيضاً .. حيث أن الصين استهدفت في الواقع المنتجات الزراعية من بينها: لحم البقر، لحم الخنزير، فول الصويا، والفواكه أيضاً. وفي العام الماضي تم وضع خطة طوارئ بقيمة 12 مليار دولار من أجل تعويض ما فقد مسبقاً من الدخل عند المزارعين. ويعد دونالد ترامب بميزانية جديدة بقيمة 15 مليار دولار. وبشكل عام إن هذه السياسة الجمركية يمكن أن يكون لها آثار سلبية على النمو الأمريكي، حيث أنها وحسب تقرير المحللين وصلت تلك الآثار في الربع الأول لنسبة 3.2%. ويحذر (غولدن ساكس) قائلاً: "إن التصعيد المستمر للحرب التجارية يمكن أن يكون له تأثير على الناتج المحلي الإجمالي وهذا التأثير يمكن أن يصل إلى 0.4% . بالإضافة إن تسببت الضغوطات التجارية بهبوط حاد في سوق الأسهم، والتأكيد على أن النمو يمكن أن يزداد سوءاً بشكل ملحوظ. وتلخص فرانسوا نيكولاس "مديرة مركز آسيا" قائلة: "على المدى القصير دونالد ترامب يتوهم الفوز برهانه بما يخص تقليل العجز التجاري الثنائي مع الصين .. ولكن هذا ليس إلا مجرد وهم، سواء كان هذا العجز سيتوسع مع شركاء آخرين والذين سيحلون مكان الصين أو سواء كان هذا العجز ينخفض ولكن على حساب المستهلكين الذين يدفعون ثمن منتجات مرتفعة الأسعار". صندوق النقد الدولي يرى أنه من خلال التصعيد سيتولد التأثير سيكون تبعاً لذلك. وتصرح المنظمة، أي (صندوق النقد الدولي)، أن: "هناك المزيد من الشك فيما يخص السياسات التجارية". أما المخاوف من التصعيد فيمكن أن تقود إلى تقليل الاستثمار بين الشركات، وإلى تعطيل سلاسل توريد، وإلى إبطاء النمو الإنتاجي. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن احتمال تراجع وانخفاض أرباح الشركات من الممكن أن يضعف ثقة الأسواق المالية وأن يحد من زيادة النمو. وهذا الأمر قد تم بالفعل بانخفاض مقداره 3.3% في عام 2019، وكما أن صندوق النقد الدولي فيقول: النمو العالمي يمكن أن يتجاوز التوقعات إن تم حل النزاعات التجارية بسرعة". برونو لوماير "وزير الاقتصاد الفرنسي" قد أكد مؤخراً أنه لا يوجد ما قد يهدد النمو العالمي كالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية"، كما أنه حذر بقوله: "سنكون أقل قدرة على نقل بضائعنا، والحرب التجارية المذكورة من الممكن أن تدمر الوظائف في كل من فرنسا وأوروبا". • أما ما بعد الصراع .. ما الذي سيحدث ؟ دونالد ترامب ظهر وكأنه يراهن على أن الصين لن تتمكن من المقاومة والمتابعة على وتيرة الرد إن بقيت الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة بفرضها للضرائب. في بكين مساحات العمل هي محدودة من الأساس المتعارف عليه، لأنها قد فرضت مسبقاً ضرائب على كل المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية، مع ذلك الصين لا تزال تملك القدرة في فرض عقوبات على القطاعات الأمريكية الرئيسية مثل: صناعة الطائرات، صناعة السيارات، أو حتى فرض عقوبات على القطاع الزراعي. الصين أيضاً تعتزم بيع جزء من أصولها المالية عبر شراء الصين سندات الخزينة الأميركية والبالغة (1121 مليار دولار). أما على حسب تقدير أحد أطراف "بنك بوستال AM" فإن بيع أوراق مالية للحكومة الأمريكية يمكن أن يتسبب بإحراج للبيت الأبيض وذلك تحت الضغوطات المتصاعدة على فوائد طويلة المدى، ولكن قد يدفع هذا الأمر أيضا إلى تقليل شأن العملة الصينية "يوان"، وإن سعر الدفع هذا مرتفع ومن الممكن أن يحد من قوة التبادلات التجارية. يرى المراقبون أنه على الصين ألا تستسلم وذلك تبعا لأسباب سياسية، وذلك الأمر ذاته بالنسبة لدونالد ترامب الذي يقول: "متأهب للمتابعة في الأمر حتى النهاية". يقول اقتصاديو جامعة أكسفورد: إن احتمالية استمرار تدهور الوضع قد ازداد بشكل واضح .. حيث أظهر التطور الأخير مدى صعوبة الاتفاق على مجموعة السياسات والممارسات فيما يخص التكنولوجيات والوصول إلى الأسواق والملكية الفكرية لكلا الطرفين. وتلخص فرانسوا نيكولاس قائلة: "في هذه الحرب التجارية، ما هو مهم بالنسبة لي، هي أنها تشكل ذريعة قبل كل شيء فهذه الحرب ليست تجارية بقدر ما هي تكنولوجية. وإن السبب الرئيسي لمعارضة الولايات المتحدة الأمريكية هو عدم قدرتها في المحافظة على تفوقها التكنولوجي، أما عن الذي يتواجد خلف الستار ففي الواقع هو عبارة عن صراع على السلطة.
المصدر: https:||amp.lefigaro.fr|conjuncture|guerre-commerciale-chine-usa
----------------------------------------------------------------------------------------
7. مجموعة بيلدربيرغ: حكومة خفية تدير العالم أم منتدى للنخبة؟ نادر عازر
يجتمع، سنوياً، منذ عام ١٩٥٤، ما يقارب ١٣٠ شخصاً من القادة السياسيين والمسؤولين الأمنيين والخبراء من مختلف المجالات الصناعية والمالية والأكاديمية والفكرية، في فنادق فارهة بعيدة عن الضجيج، لمدة ثلاثة أيام. يُحجز فيها الفندق كاملاً تحت حراسة أمنية مشددة. لا تدعى الصحافة للاجتماعات، ويمنع دخولها وتغطيتها للحدث، ولا يسرَّب تفاصيل لها. كما لا يتم إصدار قرارات ولا بيانات ختامية بعد الاجتماعات. ضمن هذا الأسلوب من التجمع، وعلى مر السنين، تحولت اجتماعات بيلدربيرغ إلى هدف لعدد هائل جداً من نظريات المؤامرة التي تتهمها بحكم العالم من وراء الكواليس، والتخطيط لأحداث كبرى في العالم، وتعيين رؤساء أحزاب وحكومات ودول في مناصبهم. حتى أن الرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو اعتبرها حكومة خفية تدير العالم، مُبدياً اهتماماً بها! في المقابل، لا يرى العديد من الناس خطورة في هذا الاجتماع. الفيلسوف والكاتب الكندي مارشال ماكلوهان، مثلاً، حضر هذا المؤتمر سنة ١٩٦٩، ووصفه بأنه اجتماع لـ "عقول من القرن التاسع عشر تتظاهر بانتمائها إلى القرن العشرين"، قائلاً بإن "المواضيع المتناولة كانت تافهة". تسمى اجتماعات بيلدربيرغ Bilderberg بذلك لأنها عقدت أول مرة في فندق يحمل اسم Hotel De Bilderberg بقرية Oosterbeek الهولندية، في الفترة بين ٢٩ إلى ٣١ أيار/مايو ١٩٥٤ في. ومن أبرز من شارك في تأسيسها الأمير الهولندي برنارد، إلى جانب السياسي البولندي جوزيف ريتنجر. حينها دعي ممثلين عن مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية من دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية (دول حلف الناتو) إلى مناقشات، غير رسمية، لمواجهة تحديات تؤثر على دولهم الخارجة من الحرب العالمية الثانية، إلى جانب مقاربة خلافاتهم وتعزيز التعاون، ومواجهة توسّع الشيوعية السوفييتية. كان الأمير الهولندي برنارد أساساً ضابط مخابرات في قوات الأمن الخاصة المرتبط بالنظام النازي، وكان عضواً في الحزب النازي، لكنه استقال من الحزب عام ١٩٣٤، وساهم في مقاومة هجوم النازيين على هولندا في الحرب العالمية الثانية، ووصف هتلر بالطاغية الألماني. أما جوزيف ريتنجر أنشأ في منفاه أثناء الحرب العالمية الثانية علاقات مكثفة مع كبار المسؤولين مثل وينستون تشرشل. وأسس الحركة الأوروبية التي حصلت على دعم مالي أميركي، عبر المخابرات المركزية واللجنة الأميركية من أجل أوروبا موحدة، واستقال سنة ١٩٥٢ ليؤسس التجمع الذي سمي بيلدربيرغ. أصبح الاجتماع منتدى سنوي لمناقشة مجموعة واسعة من المواضيع، مثل التهديدات السوفييتية وما سمي بالخطر الشيوعي، والاستثمار والوظائف والتجارة والسياسة النقدية والتكنولوجيا، وتداعيات الحروب في العراق وأفغانستان وسوريا، والتحديات البيئية وتعزيز الأمن الدولي، إلى جانب مناقشة التطورات في روسيا والصين وإيران. يأتي حوالي ثلثي المشاركين من أوروبا والباقي من أمريكا الشمالية. ثلث الشخصيات سياسية وحكومية، أما الباقي من مجالات أخرى متنوعة. ويتم تنظيم الاجتماعات من خلال لجنة توجيهية من مهامها إعداد برنامج الاجتماع واختيار المشاركين وتوجيه الدعوات. ويتم تغطية النفقات عبر الاشتراكات التي تديرها أمانة صغيرة، وتقع مسؤولية تكاليف الضيافة في الاجتماع السنوي على عاتق عضو (أعضاء) اللجنة التوجيهية للبلد المضيف. تتغير قائمة المشاركين من عام إلى آخر ويتم نشرها على الموقع الرسمي للمجموعة قبل أيام قليلة من كل اجتماع سنوي، إلى جانب قائمة بالموضوعات الرئيسية. كان يتم عقد مؤتمر صحفي سنوي عشية الاجتماع لعدة عقود حتى تسعينيات القرن العشرين، لكن تم إلغائه بسبب قلة الاهتمام. وتعتبر اجتماعات بيلدربيرغ منتدى للمناقشات، غير الرسمية، أي أن الضيوف يشاركون بصفتهم الفردية وليست الرسمية، ولا يمثلون الجهة التي يعملون لديها أو يملكونها. لكنهم ملزمين بالاجتماع وفق قاعدة تشاثام هاوس Chatham House والتي تنص على أنه يحق للمشاركين استخدام المعلومات الواردة، ولكن لا يجوز الكشف عن هوية المتحدثين أو انتسابهم أو اقتباس بعضهم البعض. وبحكم الاعتبارات السياسية وانتماء المشاركين لمواقع حساسة وخلفيات مختلفة، تم وضع صرامة حول ما يخرج من الاجتماع وحول التغطية الصحفية، لكي يتمتع المشاركون بحرية مناقشة الأفكار والتعبير عن آرائهم دون أخذ مراكزهم بعين الاعتبار وفي جو من الثقة، بعيد عن التفسيرات واللغط. كما أن بعض المشاركين لديهم حاجات أمنية ثابتة، أينما تحركوا، وبسبب حصول تدخلات أمنية من قبل متظاهرين يمثلون متطرفين من اليمين واليسار وآخرون مولعون بنظريات المؤامرة، أدى إلى وضع مستوى عالٍ من الأمن حول المشاركين والاجتماع. يترأس حالياً اللجنة التنظيمية لمجموعة بيلدربيرغ الكونت الفرنسي هنري دي كاستري، وعقد اجتماع بيلدربيرغ السابع والستين في الفترة من ٣٠ أيار/مايو إلى ٢ حزيران/يونيو ٢٠١٩ في مونترو، سويسرا، ودعي إليها ١٣٠ مشاركاً، ومن الحاضرين في هذا المؤتمر جاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، ومدير غوغل للأفكار جاريد كوهين، والرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا، ووزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين، ووزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير، والرئيس السابق للمفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو. فيما أثيرت شكوك كبيرة حول مشاركة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي لم يرد اسمه في اللائحة، لكنه برر وجوده في سويسرا خلال فترة المؤتمر، بقوله إنه "من كبار محبي الشوكولا والجبنة". ومن المواضيع الرئيسية التي نوقشت كان مستقبل الرأسمالية، والوضع الأوروبي، وبريكسيت، وتغير المناخ، والصين وروسيا، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والتهديدات الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي. أما أبرز المشاركين في الاجتماعات السابقة، وزير الخارجية التركي السابق علي باباجان، ووزير المالية التركي السابق محمد شيمشك، وطوني بلير وديفيد كاميرون ومارغريت تاتشر، وهيلاري كلينتون، والأميرين تشارلز وفيليب من بريطانيا، إلى جانب ملوك من النرويج وإسبانيا وبلجيكا وهولندا، ورؤساء حكومات وسفراء من دول مختلفة، حتى السياسية والدبلوماسية الصينية فو ينغ. إن النظر إلى هذه المنتديات والتجمعات بشكل مؤامراتي بعيد عن الواقع الحقيقي يؤدي إلى إهمال البحث والمعرفة والتحليل المنطقي، كما يشوه الحقائق ويفسح المجال للمغالطات، ويدخل الناس في متاهات لا نهاية لها، في الوقت الذي يجب فيه فهم آليات عمل النظام الاقتصادي-الاجتماعي (الرأسمالي) المسيطر، وأين تكمن القوة الحقيقية المهيمنة على العالم وكيفية صنع القرار السياسي، واستيعاب التوازنات الدولية من أجل فهم السياق الذي ظهرت به هذه التجمعات، كما هي تماماً، وبدقة شديدة، لمعرفة التعامل معها وتنظيم الناس لمواجهتها بطرق فعالة. ليس من الغرابة أبداً، في نظام اقتصادي-اجتماعي متطور ومعقد كالرأسمالية، أن توجد هكذا تجمعات نخبوية من أجل مناقشة المشاكل التي تهدد النظام الرأسمالي الذي تتمثل مصالحهم فيه وأصبحوا نخبة من خلاله، وبالتالي فإن دفاعهم عنه أمر طبيعي تماماً. إن ما كان سيثير الدهشة هو عدم وجود هكذا تجمعات. مجموعة بيلدربيرغ شبيهة، إلى حد ما، بمجموعات وأندية، شكلت هوساً للعديد من الناس، وخاصة في بلداننا العربية، كالماسونية والمتنورين، أخذت شهرة أكبر بكثير من حجمها الفعلي، وتشبعت بالنظرات المؤامراتية وأدخلت الناس في تفاصيل من الصور والرموز والأرقام والمثلثات والعيون وكيفية أداء التحية، أبعدتهم عن أسباب بؤسهم الحقيقي، الواضحة لكن غير المفهومة، التي يعيشونها ويمارسونها يومياً، في ظل فساد واستبداد في بلادنا، وتبعيَّة اقتصادية وسياسية للدول الغربية، التي تحكم بقوة السلاح وهيمنة الدولار، وتفرض نظاماً تنافسياً ظالماً مبنياً على تراكم رأس المال وزيادة الثروات. تُنهب عبره الدول الفقيرة وتُركَّع، ويُغرّب الناس في الشرق والغرب عن ذواتهم، ويخرج منهم أسوأ ما فيهم، ويضعهم في غابة ينهش فيها قويهم ضعيفهم، وسط هوس استهلاكي مُدمِّر للبيئة ومُستنفِذ للثروات الباطنية والأرض التي ليس لدينا غيرها. إن بعضاً من الجهود الموضوعة في البحث عن الخطط السرية المؤامراتية وفك الرموز الخيالية، لو وضعت في نشر المعلومات الصحيحة وتوعية وتنظيم الناس لكانت أنظمة الاستبداد والفساد في بلداننا أكثر خوفاً، ولكان جدول أعمال مجموعة بيلدربيرغ أكثر قلقاً لهذه النخبة من أجندتها الحالية. ---------------------------------------------------------------------------------------------------
8. مقتطف من كتاب "في التناقض" لـ(ماو تسي تونغ): "التَّناقض الرئيسيّ والطَّرف الرئيسيّ للتناقض"
بقي من قضيَّة خاصّيَّة التَّناقض جانبان آخران ينبغي أن يفردا للتحليل هما: التَّناقض الرئيسيّ والطَّرف الرئيسيّ للتناقض. توجد في كل عمليَّة تطوُّر معقدة لشيء ما تناقضات عديدة، ولا بد أن يكون أحدها هو التَّناقض الرئيسيّ الذي يقرر وجوده وتطوُّره وجود وتطوُّر التَّناقضات الأُخرى أو يؤثر في وجودها وتطوُّرها. ففي المجتمع الرَّأسماليّ مثلاً، تشكل القوتان المتناقضان، البروليتاريا والبرجوازيّة، التَّناقض الرئيسيّ، أما التَّناقضات الأُخرى – كالتَّناقض بين الطبقة الإقطاعيّة المتبقية والبرجوازيّة، والتَّناقض بين برجوازية الفلاحين الصَّغيرة والبرجوازيّة، والتَّناقض بين البروليتاريا وبرجوازية الفلاحين الصَّغيرة، والتَّناقض بين البرجوازيّة غير الاحتكاريّة والبرجوازيّة الاحتكاريّة، والتَّناقض بين الدِّيمقراطيّة البرجوازيّة والفاشية البرجوازيّة، والتَّناقض بين البلدان الرَّأسماليّة نفسها، والتَّناقض بين الإمبرياليّة والمستعمرات..إلخ – فيقررها جميعاً ذلك التَّناقض الرئيسيّ أو يؤثر فيها. وفي البلدان شبه المستعمرة كالصِّين، تظهر العلاقة بين التَّناقض الرئيسيّ والتَّناقضات غير الرئيسيّة في حالة معقدة. فعندما تشن الإمبرياليّة حرباً عدوانية على بلد ما من هذا النوع، فإن الطبقات المختلفة في هذا البلد، باستثناء حفنة من الخونة، يمكن أن تتحد مؤقتاً كي تخوض غمار حرب وطنية ضد الإمبرياليّة. وحينئذ يصبح التَّناقض بين الإمبرياليّة وذلك البلد التَّناقض الرئيسيّ، بينما تصبح مؤقتاً جميع التَّناقضات بين مختلف الطبقات داخل ذلك البلد (بما فيها التَّناقض الرئيسيّ بين النِّظام الإقطاعيّ وجماهير الشَّعب الغفيرة) في مركز ثانوي وتابع. هكذا كانت الحال في الصِّين أثناء حرب الأفيون عام 1840(1)، والحرب الصِّينية اليابانيّة عام 1894(2)، وحرب يى خه توان عام 1900(3)، وكذلك هي الحال في الحرب الصِّينية اليابانيّة الراهنة. لكن مراكز التَّناقضات تتبدل في حالة أُخرى. فعندما تمارس الإمبرياليّة أشكالاً من الاضطهاد معتدلة نسبياً، سياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة..إلخ، بدلاً من الاضطهاد عن طريق الحرب، فإن الطبقات الحاكمة في البلدان شبه المستعمرة سوف تستسلم للإمبرياليّة، ويتحالف الاثنان ويتعاونان على اضطهاد جماهير الشَّعب الغفيرة. وفي مثل هذه الحال كثيراً ما تلجأ جماهير الشَّعب الغفيرة إلى شكل الحرب الأهلية للوقوف في وجه تحالف الإمبرياليّة والطبقة الإقطاعيّة، بينما تتخذ الإمبرياليّة على الأغلب طرقاً غير مباشرة لمساعدة الرَّجعيّين في البلدان شبه المستعمرة على اضطهاد الشَّعب دون أن تقوم بعمل مباشر، وعندئذ تبرز حدة التَّناقضات الدَّاخليَّة بصورة خاصّة. وهكذا كانت الحال في الصِّين في الحرب الثَّوريّة عام 1911، وفي الحرب الثَّوريّة 1924- 1927، وفي أعوام حرب الثَّورة الزِّراعيَّة العشرة منذ عام 1927. ولمكن أن نجد حالة مماثلة أيضاً في الحروب بين مختلف الكتل الحاكمة الرَّجعيّة في البلدان شبه المستعمرة – كالحروب بين أمراء الحرب في الصِّين. وحين تبلغ الحرب الثَّوريّة الأهلية، في تطوُّرها، حداً تهدد معه في الأساس بقاء الإمبرياليّة وأذنابها الرَّجعيّين المحليّين، فإن الإمبرياليّة كثيراً ما تتخذ طرقاً غير الطُّرق المذكورة أعلاه محاولة الحفاظ على حكمه؛ فهي إما أن تحاول شق الجبهة الثَّوريّة من الداخل وإما أن ترسل القوات المسلَّحة مباشرة لتساعد الرَّجعيّين المحليّين. وفي هذه الحال تقف الإمبرياليّة الأجنبيّة والرَّجعيّون المحليّون بصورة علنية مفضوحة في قطب، بينما تقف جماهير الشَّعب الغفيرة في القطب الآخر، فيتألف من ذلك تناقض رئيسيّ يقرر تطوُّر التَّناقضات الأُخرى أو يؤثر فيه، فالمساعدة التي قدمتها البلدان الرَّأسماليّة للرجعيين الروس بعد ثورة أكتوبر/ تشرين الأول هي مثال للتدخل المسلح. وخيانة تشيانغ كاي شيك للثورة عام 1927 هي مثال لشقّ الجبهة الثَّوريّة. ولكن مهما تكن الحال، فمما لا يتطرق إليه أدنى شك أن ثمة تناقضاً رئيسيّاً واحداً فقط يلعب الدور القيادي في كل مرحلة من مراحل عمليَّة التطوُّر. ونعلم مما تقدم، أنه إذا كانت في أية عمليَّة من العمليَّات تناقضات كثيرة ، فلا بد أن يكون بينها تناقض رئيسيّ يلعب الدور القيادي الحاسم، أما بقية التَّناقضات فإنها تحتل مركزاً ثانوياً تابعاً. ولذلك ينبغي لنا في دراسة أية عمليَّة معقدة يوجد فيها تناقضان أو أكثر أن نبذل قصارى جهودنا كي نكتشف التَّناقض الرئيسيّ فيها. فإذا أمسكنا بزمام هذا التَّناقض الرئيسيّ، استطعنا حلّ سائر التَّناقضات بسرعة. وهذه هي الطَّريقة التي علمنا ماركس إياها عندما درس المجتمع الرَّأسماليّ. وقد علّمنا لينين وستالين أيضاً هذه الطَّريقة عندما درسا الإمبرياليّة والأزمة العامَّة للرأسمالية، وعندما درسا الاقتصاد السُّوفياتيّ. وإن آلاف الباحثين والمشتغلين بالقضايا العمليَّة لا يفهمون هذه الطَّريقة، وهم بنتيجة ذلك متحيرون كالملاحين التائهين في بحر عظيم، لا يستطيعون الاهتداء إلى لبِّ الموضوعات، ولذلك يعجزون عن الاهتداء إلى طرق حلِّ التَّناقضات. إنه، كما ذكرنا آنفاً، لا يجوز لنا أن نعامل جميع التَّناقضات الموجودة في عمليَّة ما على قدم المساواة، بل لا بد لنا أن نميز بين التَّناقض الرئيسيّ والتَّناقضات الثَّانويّة ونولي انتباهاً خاصّاً للإمساك بزمام التَّناقض الرئيسيّ. لكن هل يجوز لنا أن نعامل الطَّرفين المتناقضين، في أي تناقض رئيسيّاً كان أم ثانوياً، على قدم المساواة؟ كلا، لا يجوز ذلك. فإن تطوُّر كل طرف من الطَّرفين المتناقضين، في أي تناقض كان، متفاوت عن تطوُّر الطَّرف الآخر. ويتراءى أحياناً أن ثمة توازناً في القوى بين طرفي التَّناقض، لكن تلك ليست سوى حالة مؤقتة ونسبية، فالتفاوت هي الحالة الأساسيّة. فلا بد أن يكون أحد الطَّرفين المتناقضين رئيسيّاً والآخر ثانوياً. فالطَّرف الرئيسيّ هو الذي يلعب الدور القيادي في التَّناقض. وإن طبيعة الشَّيء يقررها في الدرجة الأولى الطَّرف الرئيسيّ للتناقض، الذي يحتل مركز السَّيطرة. لكن هذا الوضع ليس ثابتاً، إذ أن الطَّرف الرئيسيّ وغير الرئيسيّ لتناقض ما يتحول أحدهما إلى الآخر، فتتبدل طبيعة الشَّيء تبعاً لذلك. إننا نجد، في عمليَّة معينة لتطوُّر تناقض ما، أو في مرحلة معينة من مراحل التطوُّر، أن الطَّرف الرئيسيّ هو ""أ"" وأن الطَّرف غير الرئيسيّ هو ""ب""؛ ولكن في مرحلة أُخرى من التطوُّر أو في عمليَّة أُخرى منه تنعكس الحالة، وهذا تبدل يقرره مدى ازدياد أو نقصان قوة كل من الطَّرفين المتناقضين في صراعه مع الطَّرف الآخر في مجرى تطوُّر الشَّيء. وكثيراً ما نتحدث عن ""حلول الجديد محل القديم"". إن حلول الجديد محل القديم هو قانون عام للكون، لا يمكن مقاومته أبداً. إن تحول شيء إلى شيء آخر تبعاً لطبيعته وللظروف المحيطة به وبواسطة أشكال مختلفة من القفزات. تلك هي عمليَّة حلول الجديد محل القديم. إن كل شيء يحوي تناقضاً بين طرفه الجديد وطرفه القديم، تناقضاً يشكل سلسلة من الصِّراعات الملتوية. ونتيجة لهذه الصِّراعات يتعاظم الطَّرف الجديد ويرتفع فيحتل مركز السَّيطرة، بينما الطَّرف القديم يتضاءل بصورة تدريجية حتى يضمحل. وحالما يسيطر الطَّرف الجديد على الطَّرف القديم، فإن الشَّيء القديم يتحول إلى شيء جديد من حيث الطَّبيعة. ومن هذا نرى أن طبيعة الشَّيء يقررها بالدرجة الأولى الطَّرف الرئيسيّ للتناقض، الذي يحتل مركز السَّيطرة. وعندما يطرأ تبدل على الطَّرف الرئيسيّ للتناقض، الذي يحتل مركز السَّيطرة، فإن طبيعة الشَّيء تتبدل تبعاً لذلك. ففي المجتمع الرَّأسماليّ، تحولت الرَّأسماليّة من قوة تشغل مركزاً تابعاً في عصر المجتمع الإقطاعيّ القديم إلى قوة تحتل مركز السَّيطرة، فتبدلت طبيعة المجتمع تبعاً لذلك من الإقطاعيّة إلى الرَّأسماليّة. وفي عصر المجتمع الرَّأسماليّ الجديد، تحولت القوى الإقطاعيّة، من قوى كانت في الأصل مسيطرة، إلى قوى تابعة، ومن ثم سارت نحو الاضمحلال بصورة تدريجية، كما حدث في بريطانيا وفرنسا. ومع تطوُّر القوى المنتجة تتحول البرجوازيّة من طبقة جديدة تلعب دوراً تقدمياً إلى طبقة قديمة تلعب دوراً رجعياً، حتى تسقطها البروليتاريا في النِّهاية، فتصبح طبقة مجردة من الوسائل الخاصّة للإنتاج ومن السُّلطة، وتضمحل بصورة تدريجية. أما البروليتاريا التي تفوق البرجوازيّة كثيراً في عددها، والتي نمت مع البرجوازيّة في وقت واحد، لكنها تقع تحت سيطرتها، فهي قوة جديدة، تنمو وتزداد قوة بصورة تدريجية، بعد أن كانت تشغل في البدء مركز التابع للبرجوازية، فتصير طبقة مستقلة تلعب دوراً قيادياً في التَّاريخ، حتى تستولي في النِّهاية على السُّلطة السياسيّة فتصبح الطبقة الحاكمة. وعندئذ تتبدل طبيعة المجتمع، فيتحول من المجتمع الرَّأسماليّ القديم إلى المجتمع الاشتراكي الجديد. وهذا هو الطَّريق الذي اجتازه الاتحاد السُّوفياتيّ، والذي ستجتازه سائر البلدان حتماً. خذ الوضع في الصِّين مثلاً. إن الإمبرياليّة تحتل المركز الرئيسيّ في التَّناقض القائم في تحويل الصِّين إلى شبه مستعمرة، وهي تضطهد الشَّعب الصِّيني، بينما الصِّين تتحول من بلد مستقل إلى شبه مستعمرة. لكن هذا الوضع سوف يتبدل بصورة محتومة. ففي الصِّراع بين الطَّرفين، سوف تحول حتماً قوة الشَّعب الصِّيني النامية تحت قيادة البروليتاريا بلاد الصِّين من شبه مستعمرة إلى دولة مستقلة، بينما الإمبرياليّة سيطاح بها، والصِّين القديمة ستتحول، لا محالة، إلى صين جديدة. إن تبدل الصِّين القديمة وتحولها إلى صين جديدة، يتضمَّن أيضاً تبدلاً في الوضعية بين القوى الإقطاعيّة القديمة والقوى الشَّعبية الجديدة داخل البلاد. فطبقة ملاك الأراضي الإقطاعيّة القديمة سيطاح بها وتصبح طبقة محكومة بعد أن كانت حاكمة، وتضمحل بصورة تدريجية. أما الشَّعب فيصبح، تحت قيادة البروليتاريا، حاكماً بعد أن كان محكوماً. وهما يطرأ تبدل على طبيعة المجتمع الصِّيني، فيتحول المجتمع القديم شبه المستعمر وشبه الإقطاعيّ، إلى مجتمع ديمقراطي جديد. وفي تجاربنا الماضية أمثلة على هذه التَّحوُّلات المتبادلة. إن أسرة تشينغ الملكية التي حكمت الصِّين قرابة ثلاثمائة سنة قد أُطيح بها أثناء ثورة 1911، أما العصبة الثَّوريّة تحت قيادة صون يات صن فقد كسبت النصر لفترة من الزمن. وفي الحرب الثَّوريّة التي دارت رحاها بين 1924- 1927، تحولت القوى الثَّوريّة في الجنوب التي تمثل التَّحالف بين الحزب الشيوعيّ والكومينتانغ من قوة ضعيفة إلى قوة عظيمة، وكسبت النصر في الحملة الشَّماليَّة؛ أما أمراء الحرب الشَّماليون، وقد كانوا أصحاب قوة وجبروت في فترة من الزمن، فقد اندحروا. وفي عام 1927 أصبحت القوى الشَّعبية التي يقودها الحزب الشيوعيّ ضعيفة جداً تحت ضربات قوى الكومينتانغ الرَّجعيّة؛ لكنها تعاظمت من جديد بصورة تدريجية بعد أن استأصلت الانتهازية من صفوفها. وفي القواعد الثَّوريّة تحت قيادة الحزب الشّيوعيّ، تحول الفلاحون من محكومين إلى حاكميّن، بينما طرأ على ملاك الأراضي تحول معاكس. وعلى هذا النَّحو يحدث في العالم باستمرار، زوال القديم وولادة الجديد، حلول الجديد محل القديم، وتحطيم القديم وإنشاء الجديد أو انبعاث الجديد من القديم. وفي أوقات معينة في مجرى النضال الثَّوريّ، تطغى المصاعب على الظروف المؤاتية، وحينئذ تشكل المصاعب الطَّرف الرئيسيّ للتناقض، أما الظروف المؤاتية فإنها تشكل الطَّرف الثَّانويّ. إلا أن الثَّوريّين يستطيعون بفضل جهودهم أن يتغلبوا على الصعوبات خطوة فخطوة وينشأ من ذلك وضع مؤات جديد، وهكذا يحلّ الوضع المؤاتي محل الوضع الصعب. تلك كانت الحال بعد إخفاق الثَّورة في الصِّين عام 1927، وخلال المسيرة الكبرى للجيش الأحمر الصِّيني. وإن الصِّين تجد نفسها من جديد، في الحرب الصِّينية اليابانيّة الراهنة، في وضع عسير، لكننا نستطيع أن نبدل هذا الوضع ونحقق تحولاً أساسيّاً في وضع كل من الصِّين واليابان. وعلى العكس، يمكن للظروف المؤاتية أن تتحول إلى مصاعب إذا ارتكب الثَّوريّون أخطاء. فقد تحول انتصار ثورة 1924- 1927 إلى هزيمة، كما أن القواعد الثَّوريّة التي نشأت في المقاطعات الجنوبيَّة منذ عام 1927 قد لحقتها الهزيمة جميعاً عام 1934. وينطبق الأمر نفسه على التَّناقض القائم في انتقالنا من الجهل إلى المعرفة أثناء الدِّراسة. ففي بدء دراستنا للماركسيَّة يقف جهلنا بها أو معرفتنا الزهيدة بها موقف التَّناقض من المعرفة الماركسيَّة. لكنا نستطيع بالدِّراسة المجدة، أن نتحول من الجهل إلى المعرفة أو من المعرفة الزهيدة إلى معرفة غزيرة ومن التَّطبيق الأعمى للماركسيَّة إلى تطبيق حاذق لها. ويظن بعض النَّاس أن الأمر على خلاف ذلك في بعض التَّناقضات. مثال ذلك أن القوى المنتجة هي الطَّرف الرئيسيّ في التَّناقض بينها وبين علاقات الإنتاج؛ وأن الممارسة العمليَّة هي الطَّرف الرئيسيّ في التَّناقض بين النظريَّة وبينها؛ وأن القاعدة الاقتصاديّة هي الطَّرف الرئيسيّ في التَّناقض بينها وبين البناء الفوقي؛ ولا يحدث تحول متبادل في مركز أي طرف منها. هذه هي نظريَّة المادِّيّة الميكانيكيَّة، لا نظريَّة المادِّيّة الدِّيالكتيكيّة. صحيح أن القوى المنتجة، والممارسة العمليَّة، والقاعدة الاقتصاديّة، تلعب عادة الدور الرئيسيّ الحاسم، ومن ينكر هذه الحقيقة لا يكون مادياً. لكن يجب أن نعترف كذلك بأن علاقات الإنتاج والنظريَّة والبناء الفوقي تلعب بدورها، في ظل ظروف معينة، الدور الرئيسيّ الحاسم. فعندما يتعذر تطوُّر القوى المنتجة بدون تبديل علاقات الإنتاج، فإن تبديل علاقات الإنتاج يلعب الدور الرئيسيّ الحاسم. وحين ""لا توجد نظريَّة ثورية لا يمكن أن تكون هناك حركة ثورية""(4) كما قال لينين، فإن خلق النظريَّة الثَّوريّة والدعاية لها يلعب الدور الرئيسيّ الحاسم. وعندما ينبغي القيام بعمل ما (وهذا ينطبق على أي عمل كان) لكنه لم ترسم بعد سياسة عامَّة أو طريقة أو خطة أو سياسة محددة، فإن رسم كل هذه يصبح العامل الرئيسيّ الحاسم. وعندما يعوق البناء الفوقي، كالسياسة والثقافة، تطوُّر القاعدة الاقتصاديّة، فإن التجديدات السياسيّة والثقافيّة تصبح العامل الرئيسيّ الحاسم. أترانا نخالف المادِّيّة بقولنا هذا؟ كلا. والسَّبب هو أننا إذ نعترف بأن المادِّيّ، في التطوُّر العام للتاريخ، هو الذي يقرر الروحي، وأن الوجود الاجتماعيّ هو الذي يقرر الوعي الاجتماعيّ فإننا نعترف أيضاً، ويجب أن نعترف، برد فعل الروحي على المادِّيّ، برد فعل الوعي الاجتماعيّ على الوجود الاجتماعيّ، برد فعل البناء الفوقي على القاعدة الاقتصاديّة. وليس هذا مخالفاً للمادية، بل يعني بالضبط تفادي المادِّيّة الميكانيكيَّة، والتمسك الحازم بالمادِّيّة الدِّيالكتيكيّة. إذا لم نبحث أثناء دراستنا لقضيَّة خاصّيَّة التَّناقض، مسألة التَّناقض الرئيسيّ والتَّناقضات غير الرئيسيّة في عمليَّة معينة ومسألة الطَّرف الرئيسيّ والطَّرفي غير الرئيسيّ لتناقض معين، يعني إذا لم ندرس الفارق المتمثل في كلا هذين الوضعين من أوضاع التَّناقضات، فإننا سنتورط في دراسات مجردة ونعجز عن فهم أوضاع التَّناقضات بصورة محددة، ونعجز بنتيجة ذلك عن إيجاد الطَّريقة الصَّحيحة لحلها. وإن هذا الفارق أو هذه الخاصّيَّة المتمثلة في كلا الوضعين تمثل التفاوت بين القوتين المتناقضتين. فلا شيء في العالم يجري في تطوُّرات متساوية بصورة مطلقة، وينبغي لنا أن نعارض نظريَّة التطوُّر المتساوي أو نظريَّة التوازن. وفي الوقت ذاته، فإن هذه الأوضاع المحددة الخاصّة بالتَّناقض، والتَّبدُّل الذي يطرأ على الطَّرف الرئيسيّ والطَّرف غير الرئيسيّ للتناقض في مجرى تطوُّره، تظهر بالضبط قوة الأشياء الجديدة في إزاحة الأشياء القديمة والحلول محلها. إن دراسة أوضاع التفاوت في التَّناقضات، دراسة التَّناقض الرئيسيّ والتَّناقضات غير الرئيسيّة والطَّرف الرئيسيّ وغير الرئيسيّ للتناقض، هي إحدى الطُّرق المهمة التي يقرر بها حزب سياسيّ ثوري، بصورة مضبوطة، خططه الاستراتيجية والتكتيكية في الشؤون السياسيّة والعسكرية، وهي دراسة من واجب جميع الشّيوعيّين أن يولوها الاهتمام.
الهوامش: (1) خلال عشرات السنوات منذ أواخر القرن الثامن عشر ظلت بريطانيا تصدر الأفيون إلى الصِّين بكميّات متزايدة. وقد ألحقت بريطانيا بذلك ضرراً بالغاً بصحة أبناء الشَّعب الصِّيني، ونهبت من الصِّين كميّات كبيرة من الفضة. وقد قاومت الصِّين تجارة الأفيون. وفي عام 1840 أرسلت الحكومة البريطانية قواتها لغزو الصِّين بحجة حماية التجارة البريطانية. وخاضت قوات الصِّين بقيادة لين تسه شيو حرب المقاومة ضد الغزاة. ونظم أهالي قوانغتشو من تلقاء أنفسهم ""فصائل قمع البريطانيين""، وأنزلوا ضربات قاسية بالغزاة البريطانيين. وفي عام 1842 عقدت حكومة أسرة تشينغ المتفسخة مع الغزاة البريطانيين ""معاهدة نانكين"" التي تنص، إلى جانب دفع تعويضات لبريطانيا والتخلي لها عن هونغ كونغ، على فتح موانئ شانغهاي وفوتشو وشيامن (آموي) ونينغبوه وقوانغتشو في وجه التجارة البريطانية وتحديد الرسوم الجمركية على البضائع البريطانية المصدرة إلى الصِّين عن طريق التشاور بين الطَّرفين الصِّيني والبريطاني. (2) وقعت الحرب لصينية اليابانيّة عام 1894 من جراء عدوان اليابان على كوريا واستفزازاتها ضد قوات الصِّين البرية والبحرية. وقد قاتلت القوات الصِّينية في الحرب بشجاعة وبسالة. ولكن نظراً لتفسخ حكومة أسرة تشينغ وانعدام الاستعداد لصد العدوان بحزم انهزمت الصِّين في الحرب. وفي عام 1895 عقدت حكومة تشينغ مع اليابان ""معاهدة شيمونوسيكي) المخزية. (3) كانت حرب يي خه توان حركة عفوية واسعة النطاق قامت بها جماهير الفلاحين والحرفيين بشمال الصِّين في عام 1900، وكافحوا فيها الإمبرياليّة بقوة السلاح، منظمين أنفسهم في جمعيات سرية يحيطها الكتمان والغموض. ولكنها تعرضت للقمع المتناهي الوحشية من قبل القوات المسلَّحة المشتركة المؤلفة من قوات ثماني دول إمبرياليّة بعد احتلالها لتيانجين وبكين. (4) لينين: ""ما العمل؟""، الفصل الأول، المبحث الرابع. _____________________________
9. شخصيات ماركسية: من سلسلة الأمناء العامون للأحزاب الشيوعية العربية: "جورج حاوي" (تنشر السلسلة على موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي http://www.scppb.org)
ولد في بتغرين في المتن الشمالي شرق بيروت عام ١٩٣٨. تزوج من الدكتورة سوسي مادويان ابنة أرتين مادويان أحد مؤسسي الحزب الشيوعي السوري – اللبناني في العشرينيات. في بداية حياته تأثر بأفكار أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي قبل أن ينتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني عام ١٩٥٥.
اتبع دورة داخلية على الصعيد الحزبي في لبنان, وكان من أبرز أساتذته نقولا الشاوي وحسن قريطم ويوسف فيصل وأرتين مادويان. كان أحد قادة الاتحاد الطلابي العام في أواخر الخمسينات وقد شارك في كل التحركات الجماهيرية والمظاهرات والإضرابات وكان يقود معظمها بعد انتخابه كعضو في قيادة الاتحاد الطلابي عام ١٩٥٧ عندما انتسب لكلية الحقوق بالجامعة اليسوعية في بيروت. انتخب اواخر العام ١٩٦٤ عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني وكان أصغر أعضائها سناً. كما انتخب في عام ١٩٦٨ كعضو في المكتب السياسي وفي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ثم انتخب أميناً عاماً مساعداً للحزب في عام ١٩٧٢ وانتخب أميناً عاماً للحزب في عام ١٩٧٩ وأعيد انتخابه في عامي ١٩٨٧ و ١٩٩٢ قبل أن يقدم استقالته عام ١٩٩٣. انتخب رئيساً للمجلس الوطني للحزب في العام ١٩٩٩ واستقال منه أواخر العام ٢٠٠٠. كان أحد أبرز قادة الحركة الوطنية إلى جانب الزعيم الراحل كمال جنبلاط في فترة ١٩٧٥ – ١٩٧٧، وانتخب نائباً لرئيس المجلس السياسي للحركة الوطنية. وفي مواجهة احتلال الجيش الإسرائيلي لبيروت صيف العام ١٩٨٢ أعلن في ١٦ أيلول ١٩٨٢ مع محسن إبراهيم الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول).
اغتيل جورج حاوي بتفجير عبوة ناسفة بسيارته في منطقة وطى المصيطبة في بيروت بتاريخ ٢١ حزيران/يونيو ٢٠٠٥. ---------------------------------------------
___________________
زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت: www.scppb.org
موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن): www.ahewar.org/m.asp?i=9135
#الحزب_الشيوعي_السوري_-_المكتب_السياسي (هاشتاغ)
The_Syrian_Communist_Party-polit_Bureau#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسار- العدد 30
-
المسار- العدد 29
-
المسار- العدد 28
-
المسار- العدد 27
-
بيان بمناسبة عيد الجلاء
-
المسار- العدد 26
-
حول الجولان العربي السوري
-
المسار- العدد (25) – كانون ثاني /يناير 2019
-
المسار- العدد (24) – كانون ثاني /يناير 2019
-
رسالة تضامن مع انتفاضة الشعب السوداني والحزب الشيوعي السودان
...
-
المسار- العدد 23
-
الرؤية سياسية المعتمدة من اللجنة التحضيرية لتشكيل الجبهة الو
...
-
بيان إشهار (الجبهة الوطنية الديمقراطية /القطب الديمقراطي)
-
المسار- العدد 22
-
المسار- العدد (21)
-
سلامة كيلة.. وداعاً
-
المسار - العدد 20
-
المسار - العدد 19
-
المسار - العدد 18
-
المسار - العدد 17
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|