رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6330 - 2019 / 8 / 24 - 18:25
المحور:
الادب والفن
ذات نداء
موسى صالح الكسواني
بقلم: رائد محمد الحواري
عندما تتماهي المرأة والطبيعة معا، فسينعكس ذلك على الألفاظ المستخدمة، فتكون مطلقة وناصعة البياض، بحيث لا نجد أي شوائب أو خدوش تشوه المعنى أو اللفظ، والجميل في الوحدة بين المرأة والطبيعة أنها تقدمنا من الربة الهلالية "عشتار" التي نجدها بصورة امرأة، وبصورة الطبيعة، فعندما تفرح "عشتار" يعم الخصب، "موسى الكسواني" يعبر عن هذا الخصب الثاني، خصب الطبيعة وخصب المرأة بقصيدة "ذات نداء" فتبث الفرح وتنثر النشوة، ونتحرر مما علق بنا من جذب وقحط، يفتتح الشاعر القصيدة:
"ذات نداء
كان يستحم الضوء بضحكتها
وكانت تسقي الماء الظمآن بشفتيها"
أحدى صفات "عشتار" الخصب فهي التي تمنح ماء الحياة على الأرض وما عليها، واهمية ما يقدمه الشاعر في تجاوزه للماء المجرد، فجعل الماء نفسه بحاجة إلى المرأة، وإذا تقدمنا من "يستحم الضوء" وما في الاستحمام من معنى ـ الانتقال إلى حالة اجتماعية اكثر رقيا وإنسانيا ـ فكرة الاستحمام تعود بنا إلى الاساطير القديمة، "انكيدو" تحول إلى إنسان بعد الاستحمام، في الديانة السماوية هناك التعميد بالماء والاغتسال كشرط للدخول في الدين.
لكن الشاعر لا يتناول الاستحمام بالماء، بل يجعل الضوء يستحم بضحكة المرأة، وهنا يكون الشاعر قد قلب مفهوم الطبيعية/الكون، وأصبحت المرأة هي من يمنح الحياة نفسها، هي من أوجد الكون، الكون الجميل البهي، لهذا يكون "موسى الكسواني" هو من الذين تجاوزوا الطرح العادي للمرأة إلى ما هو أبعد من العقل وحتى الأسطورة.
وإذا ما توقفنا عند الألفاظ المستخدمة سنجدها بمجملها بيضاء: "يستحم، الضوء، بضحكتها، تسقي، الماء، بشفتيها" لكن هناك لفظ "الظمآن" القاسي، فكيف يكون البياض مطلق؟، اعتقد ان اعطاء خاصتين للماء "يستحم، تسقي" ويلغي ويزيل حالة القسوة من "الظمآن" وهذا الخط القاسي ما جاء إلا لتبيان ناصعة البياض، فلا يمكن للمشاهد/للقارئ أن يتعرف على ناصعة البياض إلا بعد مقارنته بنقيضه الأسود.
"ذات نداء
كان السحاب يسّاقطُ
ياسمينا راقصا في قلبها
ويزهر جوريا فوق خديها"
يتحرر الشاعر من الربة المطلقة ويتقدم من الربة الإنسانة، فجعلها محل اهتمام الطبيعية، حيث تسقط السحب الياسمين وجوريا عليها، واعتقد أن هذا التحول يحسب للشاعر، فهو لا يريد ربة سماوية، بل امرأة إنسانية، لهذا كان هذا (البرزخ) الفاصل بين الربة المطلقة والربة الإنسانية،.
وإذا ما توقفنا عن (وصف المرأة) نجد ان الشاعر يركز على وجهها، فهناك الضحكة، والشفتين، وخدها" وهذا الشكل الجميل لا بد من وجود جوهر/مضمون يتوازى معه في جماله، فكان "قلبها".
إذن الشاعر لا ينذهل بشكل المرأة فقط، بل بجوهرها أيضا، جوهرها الإنساني، لهذا يختم قصيدته:
"ذات نداء
غفيت عيناها في نغم حالم
كي ترقص مع عاشقها المجنون
فوق بساط من نسيم حنون"
وهنا تكون المرأة إنسانية كاملة، فلم تعد ربة سماوية، بل مخلوق أرضي، لكنه مخلوق يُوجد السعادة/الرقص.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟