|
معلمتي الجميلة
محمد طالبي
(Mohamed Talbi)
الحوار المتمدن-العدد: 6328 - 2019 / 8 / 22 - 18:05
المحور:
الادب والفن
معلمتي الجميلة كنت في سن السابعة ، الثامنة او التاسعة عاما لا أذكر سني بالتحديد،و لم أكن مقيدا بكناش الحالة المدنية الخاص بأسرتنا . لا اعلم السبب، الذي منع ابي من أن يسجلني به. شاءت الاقدار و العناد و الاصرار ، وبكائي في وجه ،ابي ان الج مقاعد الدرس. اسوة باقي اقراني وهربا من جحيم الفقيه المخيف. و الحصير البالي النتن، رائحة البول و الضراط..كنت ادرس في قسم الابتدائي الثاني. درست لمدة شهرين كاملين، نلت احترام استادتي. كانت طيبة وعطوفة ،جميلة،شعرها الاسود و لون بشرتها الابيض و وجهها الجميل في تناقس تام ابتسامهتا الدائمة زادتها جمالا وبهاء لوحة "جوكاندا" ادمية تسير على رجليها و تدرس الاطفال الصغار. هبة رباينة . نلت اعجابها و تقديرها.اراجع دروسي بانتظام ،اجيب في غالب الاحيان على الاسئلة المطروحة.أجد متعة كبيرة في الدراسة و التحصيل، عكس ما حدث لي في الكتاب .أنا و استاذتي كنا على وفاق تام .وفاق بين المرسل و المستقبل.بين المرسل و المتلقي كانت العملية التعلمية بيننا سهلة و سلسة..كنا متفاهمان الى أقصى حد.و كتعبير منها ،على تعاطفها معي ،كانت تدعوني كلما ولجت الفصل.تدعوني للجلوس قرب المدفئة ،الى حين ان تجف ثيابي المبتلة . الثياب المبتلة بفعل الامطار المتساقطة علي ، على طول المسافة الفاصلة بين زنقة "ايت اوتوهان" و مدرسة البنين "المدرسة الشرقية "حاليا. كنا أطفالا، نبتل من رؤوسنا حتى اخماص اخماص أقدامنا.من كان يتوفر انداك على تبان يكون هو أيضا مبتل. نعاند الزمان و المناخ و قساوة الظروف الطبيعية،لنتابع و باصرار و تحد دراستنا .حجرات الدرس تشبه ثلاجات بنوافد .. في بعض الاحيان كنا مطالبين بتزويدها بالحطب كي نستطيع تدفئتها ثم نستطيع التحصيل. يتكلف كل طفل في المدرسة بجلب نصيبه من الحطب حتى نتمكن من تدفئة حجرات الدرس.من فشل في جلب نصيبه من الحطب، قد ينال نصيبه من الضرب و التعنيف، من لذن بعض المعلمين القساة ،وهي عقوبة قاسية ،شديدة خصوصا في فصل، جوه قارس كفصل الشتاء بالاطلس المتوسط و خاصة مدينة "القصيبة".. بدون تدفئة تصبح الدراسة مستحيلة. و تصبح الحجرة مسرحا لسيمفونية و لكورال يمكن تسميتها ب سمفونية "اسنان الاطفال المصطكة" تعزفها اسنان الاطفال بقيادة المايسترو "البرد القارس" .الاطفال لا يستطيعون جمع اصابع اياديهم من شدة البرودة و هزالة الاجسام وسوء التغدية و قساوة المناخ كما لا يستطيعون مسك الاقلام بين اصابعهم. يمكن اعتبارهذه العوامل مجتمعة جريمة ضد الطفولة ،جريمة ضد الوطن وجريمة ضد الانسانية ، جريمة مه سبق الاصرار .جريمة كاملة الاركان ارتكبت في حق اجيال بكاملها. امس ليلا تساقطت الثلوج بكثافة، نزلت درجة الحرارة بشكل فجائي ، قياسي. تسلل البرد القارس الى عظامنا، امي اشعلت النار لنتمكن من الاستمرار في العيش، لا نستطيع مبارحة غرفتنا. صباحا لم استطع الذهاب الى المدرسة. سألت الاستاذة عني وعن سر تغيبي عن الدرس . أجابها صديقي "عمر " قائلا :" استاذة راه عندو غير واحد الصندالة ديال الصبع.و ما يقدرش يجي بها في الثلج" .نعم صديقي العزيز لا تستطيع قدماي الصغيرتين مقارعة قساوة برودة الثلج بصندالة بئيسة. بعد ادان المغرب، الطرق يتوالى على باب منزلنا. فتحت الباب صديقي "محمد " يبتسم في وجهي كعادته، صديق لطيف و بشوش ومحب للحياة، لاعب كرة قدم موهوب و متميز. اخبرني بما رواه صديقي "عمر" للمعلمة ثم اعطاني رزمة .اخبرني انها هدية من معلمتي.شكرته ذهب لحال سبيله ،فرحا بانجار مهمته.. أكيد ان المعلمة اعطته هو الاخر شيئا ، جزاء لتادية مهمته غلى لحسن وجه. قد تكون الهدية حلوى او فاكهة.حلوى المعلمة أو فاكهتها تعادل ميدالية ذهبية. اما ان كانت قبلة على الخد فتعتبر فوزا بالبطولة الوطنية .. دخلت الغرفة فتحت الرزمة .وجدت بها ثلاثة احدية جلدية من النوع الرفيع.شكرت الله عز وجل. شكرت معلمتي و شكرت صديقي "عمر" و "محمد". فرحت فرحة كبرى لا توصف. اخيرا سأتمكن من هزم برد الرجلين. ياسلام..أخيرا سأودع القر و الوخز على اصابع رجلي. مرحبا بالدفء و "بالتفركيس" .. بعد تجريب الاحدية الثلاثة تبين انها كلها كبيرة و لا استطيع ارتدائها. يا الله لا شيئ يستقيم معي في هذه الحياة.كل الظروف ضدي لماذا ؟. تنظر الي امي برهة ثم نبتسم سويا ثم قالت هل وجدت حلا؟ اجبت اجل، ساضع كومة صغيرة من ورق الجرائد لملء الفراغ الزائد، حتى اتمكن من تثبيت رجلي في الحداء. نجحت الحيلة . تمكنت من ارتداء حداء قياسه اكبر من قياس رجلي بسنتمترات عديدة، بفضل ورق الجرائد.. قلت في نفسي بعض الجرائد لا تستحق القراءة بل تستحق ان تمسح بها المؤخرات ،او تداس بالاقدام، او ن يلفف فيها "حمص كامون" ساخنا.
#محمد_طالبي (هاشتاغ)
Mohamed_Talbi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستقلال المنقوص ومشكل الصحراء المغربية (1/3)
-
حافي القدمين
-
القصيبة و السوق الاسبوعي
-
ذكرى رحيل نجمة حمراء
-
السودور
-
الكوري
-
رسالة مفتوحة
-
بيتي الاول
-
في الكتاب
-
فضل -العضان - في محاربة المدافعين عن حقوق الانسان
المزيد.....
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
-
الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
-
عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
-
مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا
...
-
مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ-
...
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|