أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - شعر الأشياء: قراءة فلسفية عابرة لأرض المطلق*














المزيد.....


شعر الأشياء: قراءة فلسفية عابرة لأرض المطلق*


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 6326 - 2019 / 8 / 20 - 22:19
المحور: الادب والفن
    


الفكرة الأولى التي سيحصل عليها كل من يقرأ أعمال "لوران غاسبار" الشعرية هي أنّ هذا الشاعر لا يكتب قصائده بالكلمات وإنّما يكتبها بالأشياء ذاتها، أي أنّ اللغة عنده ليست مثلما هي عند "ماللارميه" أو "سان جون بيرس" موضوعا للكتابة الشعرية (ما يعني استخراج الشعر من القدرات الدلالية اللانهائية للألفاظ وترتيبها حسب الدوافع الداخلية للشاعر) بل هي في أحسن الأحوال أداة لجعل الموضوع الشعري (الأشياء، الأحاسيس، التماعات الفكر، لحظة التواصل بالعالم) محسوما على المستوى المادي.
إنّ اللغة نفسها تتكفل بأن لا يصبح شعرٌ ما شعراً غيرَ إنساني/ غيرَ بشري تماما، بصرف النظر عمّا إذا كان الشاعر يحاول أن يعكس داخلية خالصة نحو الخارج - كما فعل "ريلكه"- أو أن يفقد نفسه ويجدها في الحيوانات والنباتات والجمادات. قد يكون التوازن الدقيق ما بين التعبير عن الشعور والنفاذ في العالم الخارجي معضلة للشعراء حينما لا يكونون يكتبون الشعر. كما لنقادهم الذين تكون معظم اهتماماتهم نفسية وفلسفية. فإذا نجحت القصيدة فالمشكلة يتم حلها في تلك القصيدة. فضمن حدودها هي سيسود فعلا توافق سحري منشود. ويبدو أنّ شيئا ما من قابلية التبادل هذه يلازم التجارب في نوع من الشعر لا يعبّر عن أي شيء ولا يسجل أي شيء على الإطلاق بل يجعل الألفاظ وعلاقات الألفاظ المتبادلة مادته الوحيدة. ومن المهم حقا أن يكون هذا النوع من الشعر قد وصف بأنّه شعر مجرد وملموس على حد السواء. إنه شعر الملموس أو شعر الأشياء.
"لوران غاسبار" في "أرض المطلق"، عبر النسخة العربية من شعره بإمضاء محمد رضا الكافي*، شأنه شأن "وليم كارلوس وليمز" و"فرانسيس بونج"، يحفل عمله بالناس وبالأماكن وبالأشياء. هذا الاستغراق الناشط قائم على التبادل بين الخيال والواقع الخارجي. إنّ الشاعر يريد، فيما ما وراء اللغة وبقدراتها الإيحائية، أن يجعل الموضوع الشعري مرئيا وملموسا وحيّا أمامنا مثلما رآه ولمسه الشاعر لحظة الخلق.
ليس من أفكار إلاّ في الأشياء. هكذا كان يقول "وليم كارلوس وليمز" ليفتح أمامنا نهجا لقراءة "لوران غاسبار" عبر الثنائية الفلسفية العميقة الغور في التاريخ الناشط للإنسان، أقصد بها المادية والمثالية. إنّ شعره بهذا التقابل "مادي" إلى حد بعيد لأنّه عندما يترصّد حركة العالم لا يقدّم صورة مجرّدة عن الكائن بل إحساسا ماديا به. فالكائن ليس نقطة شفافة في نظام ذهني، بل هو جسد راغب يحمل معه دائما علامة الاستفهام ومقدرة التفاعل الحي، لذلك تختفي الكلمات الكبيرة، أعني الكلمات المفرغة من كل محتوى مادي محدد مثل: الحياة، الخير، القدر، الحب، الشر، الخ، فهي تجريدات ذهنية واعية ولا تشير إلى موجودات حية في الجسد وفي علاقته الانفعالية والفاعلة في المحيط. بهذا المعنى تختفي الحياة في شعر "لوران غاسبار" كموضوع ذهني مجرد (الشعر كموقف من الوجود) لتظهر في تجلياتها الأولى كما يراها ويلمسها الشاعر (الشعر كنظام تسمية للوجود).
إنّ الفعل الشعري عند "لوران غاسبار" هو فعل هيراقليطي – إذا ما استرسلنا في التقسيم الفلسفي- لأنّه يرصد ويسمي تحولات جغرافيا وبيولوجيا الكون- وهنا الشاعر لا تهمه الصورة التي نحملها عن الوجود بقدر ما تذهله الحركة المادية للموجود، سيلانه الدائم، تحوله عن خانة التحديد الأفلاطوني.
"لوران غاسبار" إذن يعود إلى الشرق. إلى اليونان الشرقي تحديدا. أنه من أتباع أرسطو الآن وليس أفلاطون، مخلفا وراءه جدلية السيرورة الغربية، جدلية المادة والفكر، الحياة والموت، الخير والشر، الخ من تلك الثنائيات المقيتة، ليذهب إلى تلك المنطقة من الفعل الشعري التي تناظر ما فعله "نيتشه" في الفلسفة. يعيد النهر إلى المنبع. يعيد الغرب إلى حقيقته المكبوتة تحت تراكمات المعرفة الوضعية، إلى جسده الحر، جسد الشرق، سهوب الشرق، موقع البدايات المتواصلة.
----------------
* أرض المطلق، مختارات شعرية، لوران غاسبار، ترجمة محمد رضا الكافي، دار النورس، تونس 1987.
* محمد رضا الكافي: كاتب وصحافي ومترجم تونسي من مواليد 1955 درس الفلسفة بالجامعة التونسية ويعمل في الصحافة الأدبية. من مؤلفاته: خيط أريان، الألياف المتقاطعة. نشر العديد من الكتب السردية من بينها خريف (جائزة تونس للقصة سنة 1984) نساء (جائزة نادي الطاهر الحداد 1987) القناع تحت الجلد (جائزة معرض تونس للكتاب 1990) كما حصل على جائزة الدولة للنقد الثقافي في عام 1993.
* لوران غاسبار: ولد عام 1925 في رومانيا من أصل هنغاري لكنه حصل على الجنسية الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية. هو واحد من أهمّ الشعراء الفرنسيين في النصف الثاني من القرن العشرين. انتقل إلى تونس في السبعينات ليعمل كطبيب في مستشفى "شارل نيكول" بالعاصمة. وخلال إقامته في تونس، أسس مجلة "ألف" التي كانت تصدر بالفرنسية والعربية، وارتبط بعلاقات وطيدة مع الكثير من مثقفي تونس منهم الشاعر خالد النجار والروائي حسونة المصباحي. وبعد إصابته بمرض الزهايمر، أصبح يقيم في مأوى للمسنين في العاصمة الفرنسية.
-------------
من أعمال لوران غاسبار المنشورة باللغة العربية:
أرض المطلق، ترجمة محمد رضا الكافي، دار النورس، تونس 1987.
الرحيل عن سيدي بوسعيد، ترجمة صلاح الدين بوجاه، دار التوباد، تونس 1996.
البيت قرب البحر، ترجمة خالد النجار، دار التوباد، تونس 2003.
أجساد ناهشة، ترجمة خالد النجار، دار التوباد، تونس 2003.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمس قصائد
- البنيوية الفوقية
- الكتابة الجريحة
- القصة-القصيدة وقصيدة النثر وآفاق العمل المفتوح
- حول الموقف من الكوميديا وموت البطل في المسرح المعاصر
- مشكلة الأجناس الأدبية.. نظرة من جيرار جينيت
- ويتمان شاعر الشعب والعشب عربياً ملوحاً بالخيال
- تعال وكن حبيبي
- حجر الجنون - مقاطع من قصيدة نثر طويلة-
- لو افترضنا suppose
- حضور لا يضاهيه غياب
- هذا فقط لكي أقول
- صالونات ضيقة.. فضاءات مفتوحة
- حوار مع المسرحي التونسي لطفي ابراهم: أكتب انتصارا للمنسيين و ...
- بريشةِ نسْرٍ ستَرسمُ الغيابَ
- رُقْية لجَلْبِ الحَبيبْ
- يونس: أحد عشر عاما لستَ فيها
- برجك اليوم أو هوروسكوب
- حَمَّام
- الدكتور فخري الدباغ رائد الطب النفسي في العراق


المزيد.....




- الجزء الثاني من الفيلم الناجح -Freakier Friday- أصبح جاهزاً ...
- مسجد إيفري كوركورون الكبير.. أحد معالم التراث الثقافي الوطني ...
- من دون زي مدرسي ولا كتب.. طلاب غزة يعودون لمدارسهم المدمرة
- فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - شعر الأشياء: قراءة فلسفية عابرة لأرض المطلق*