|
ملامح الشخصية المصرية المعاصرة
محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ
(Mohamed Wagdy)
الحوار المتمدن-العدد: 6324 - 2019 / 8 / 18 - 00:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بادئ ذي بدء يجب الاعتراف بأنه من الصعب معرفة عوامل تكوين الشخصية المصرية فهي مليئة بالتناقض والمتغيرات، والذي يمكن القول إن الكثير من تلك العوامل كان سببها إلى تعاقب الحضارات والأديان والتغيرات السياسية والاجتماعية الناتجة عن التحول من حضارة لأخرى. وقد حاول الدكتور ميلاد حنا في كتابه " الأعمدة السبعة للشخصية المصرية " تفسير انتماء الشخصية المصرية لعدة حضارات أخرى بحكم تاريخ توحدها مع هذه الحضارات وبحكم موقعها الجغرافي الذي جعلها جزء من حضارات أخرى، فيقول في كتابه : " " من الناحية التاريخية تأثرت الشخصية المصرية بالرقائق المتتالية للحضارات التي عاصرتها مصر والتي تمثلت في الحقبة الفرعونية بمراحلها المختلفة وما تلاها من الحقبة اليونانية الرومانية وهى متداخلة في المرحلة القبطية ثم الحقبة الإسلامية بمراحلها المختلفة، وفى هذه المراحل المتتالية غيرت مصر لغتها وديانتها ثلاث مرات، فكانت أولا اللغة المصرية القديمة بحروفها الهيروغليفية، ثم غيرت مصر لغتها إلى اللغة القبطية وقد صاحبها تغير مصر للديانة المسيحية، ومع دخول العرب إلى مصر وتدريجيا تم التغيير الثالث في مصر والتحول للإسلام ثم أصبحت اللغة العربية هي اللغة التي يتكلم بها كل أفراد الشعب المصري " .. ويضيف: " أما من الناحية الجغرافية فقد انتمت مصر إلى مجموعة شعوب دول حوض البحر المتوسط، وقد انعكس ذلك على كافة صور الحضارة وعلى التركيبة النفسية للإنسان المصري فوجد في نفسه تشابها مع كثير من شعوب البحر المتوسط، فمن يدرس بتمعن التركيبة النفسية وعادات وتقاليد وملابس أهل الإسكندرية وبورسعيد ورشيد ودمياط يجد تشابها مثلا مع أهالي قبرص واليونان وتركيا وإيطاليا وغيرها من الدول المطلة على البحر المتوسط، وهناك أيضا انتماء مصر الجغرافي لأفريقيا وتأثرها بشعوب هذه القارة وارتباطها بالدول المشتركة معها في وجود النيل " .. هل هناك خصوصية لنفسية الإنسان المصري؟؟ لقد تميزت الشخصية المصرية في أغلب الفترات التاريخية بسمات أقرب إلى الثبات أو يمكن أن نطلق عليها السمات الأصيلة التقليدية، ومن هذه السمات الشائعة المعروفة عن الشخصية المصرية القديمة ما يلي أولاً: شخصية متغيرة
يرى كثير من الدارسين للشخصية المصرية أنها شخصية متغيرة على الدوام، ومن أهم المؤشرات التي يستدل بها الباحثون على وجود الاستعداد للتغير لدى الشخصية المصرية أن المجتمع المصري قد قام بتغيير لغته وديانته أكثر من مرة في العصور السابقة ، والميل الطبيعي للاستقرار السياسي لدى الشخصية المصرية لا يتنافى مع كونها شخصية متغيره على مستوى القيم الاجتماعية والنفسية والسلوكية، فتغير اللغة أكثر من مرة بما تحمله كل لغة من معاني ومفردات وقيم ومدلولات قد ساهم في إحداث تغيرات كبرى للشخصية المصرية، وأيضا تغير الدين والتجاور الذي حدث فيما بعد بين الديانة الإسلامية والمسيحية كل ذلك جعل الشخصية المصرية متغيرة اجتماعيا ونفسيا على مر العصور ولا تحظى بقدر كبير من الثبات النسبي للقيم .
ثانياً: شخصية انبساطية الانبساط هو النقيض التام للانطواء وكلاهما من أنماط الشخصية الإنسانية، ومن أهم سمات الانبساطي انه اجتماعي الاتجاه، واقعي التفكير، يميل إلى المرح، ينظر إلى الأشياء في محيطه كما هي من حيث قيمتها المادية الواقعية، لا لأهميتها ودلالاتها المثالية، وهو بذلك يتعامل مع الواقع الذي يعيشه بدون خيالات أو تأملات ويعالج أمور حياته بالممكن والمتاح من الطاقة الفعلية وينجح في اغلب الأحيان في إيجاد الحلول التي يتوافق من خلالها مع البيئة الاجتماعية . ويتميز صاحب الشخصية الانبساطية بالقابلية العالية في التكيف السريع مع الأحداث والمواقف ويمتلك مرونة عالية حسب متطلبات الحياة وظروف التواصل الاجتماعي وتحقيق مكاسب مادية عالية ونجاحات تقترن بالرضا الذاتي والاجتماعي، وهذا النمط من الشخصية يلاقي الإعجاب والقبول من الكثير من الناس ولعله الأوفق بين شرائح المجتمع، ويرى البعض من الناس بأنه شخصية طبيعية يمكن التعامل معها بشيء من المرونة من خلال الأخذ والعطاء بسهولة .. والمصري انبساطي بطبعه وهو أيضاً انطوائي، بمعنى آخر أن الظرف يخلق جوّه النفسي العام من فرح ومرح وابتهاج، كذلك فإن الظرف يجعله يحزن ويكتئب وقد ينبسط وينطوي في فترة زمنية قصيرة، وقد يكون انبساطه هذا يعبر أحيانا عن حالة مرضية بمعنى أنه نوع من الحيل الدفاعية ” الإنكار “، فقد يضحك على المُحزن ولا يبالي بالذي يدعو للترقب والحذر " تكوين عكسي " . ثالثاً: شخصية عاطفية المصري عاطفي، رومانسي في آماله وأحلامه، رومانسي في حبه لمصر " وكأن مصر هي الكون كله " ورغم المنغصات يتمسك، أو يحاول التمسك بهذه الرومانسية، لكنه تدريجيا يفقد الثقة في أحلامه وفي عاطفته، فنجده يُصفع من أصدقائه، يُهزم، ويحزن، وتدريجياً لسلْب عاطفته حتى يصبح خشنا وفظا، يائسا وفاقدا للحلم . رابعاً: شخصية صبورة المصري صبور يجتر حزنه ويقتات بفرحه. يحزن، وينفجر فجأة، يتحمل حتى لو كان رقيقا، يخاف المستقبل ويخشاه ويعمل له ألف حساب، يتألم بشدة ويخشى الزمن وتقلباته، في داخله إحساس دفين بعدم الأمن والأمان ولا يثق في الآخرين بسهولة على الرغم من أنه ـ أحيانا ـ قد يصدق، رغبة في التصديق، أو رغبة في الهروب خامساً: سمة التدين على خلاف السائد بأن المصري متدين فقد ذهب بعض الباحثين المحدثين أن علاقة التدين لدى المصري علاقة نفعية. كموقف الفلاح المصري من الدين يتسم بطابع نفعي، فهو حينما يؤدى الشعائر ويتقرب إلى الله فإنما بهدف أن يبارك له الله في محصوله وأمواله وماشيته ويستند أصحاب هذا الاتجاه في تفسيرهم لطبيعة تدين الفلاح المصري بما يرصدونه من أمثال شعبية تشكل موقفاً انتقادياً من القدر، خاصة فيما يتعلق بالمفارقات التي يراها غير منطقية في توزيع الثروة والجاه، وبعضها يصف القدر بالتقلب وأحيانا بالظلم، وحتى هذه الأمثال التي تستخدم لتعزية النفس أو الآخرين عندما يقع مكروه فهم يرون أنها تستخدم كتبرئة للإنسان من مسئولية ما وقع عليه من شر وتحميل المسئولية للقدر، ويقولون إن هذا الميل لدى الفلاح إلى تبرئة نفسه وتجريم القدر قد يبدو مستغربا من فلاح مؤمن ولكن الأمر قد يبدو واضحا إذا ما وضعنا في الاعتبار أن القدر " تاريخيا " كان يعنى مشيئة آلهة الأرستقراطية الحاكمة التي كانت مصدر المظالم والشرور التي عانى منها الفلاح المصري في ثقافته القديمة .
سادساً: سمة التسامح يعتبر بعض الباحثين أن المجتمع المصري يعتبر مدرسة في التسامح والتعايش وقبول الآخر على مدى تاريخه الممتد، فعلى الصعيد الاجتماعي استطاع أن يطور أشكال مدنية راقية أثبتت فعاليتها في شتى المجالات العائلية والمهنية والطبقية وغيرها، وعلى الصعيد الثقافي طور تراثا شعبيا غنيا يتبنى مواقف قمة في التسامح والبعد عن التعصب والقدرة على التعايش مع الآخر المختلف، وهكذا عاشت على الأرض المصرية طوال تلك السنوات جماعات تنتمي إلى شتى الأديان والأعراق، وأنماط الحياة والعادات والتقاليد واللغات . سابعاً : شخصية ساخرة
النكتة من أهم الخصائص التي ميزت الشخصية المصرية وارتبطت بحياتها الاجتماعية، فيبدو أن النكتة كانت تحدث للإنسان المصري ترضية ذاتيه تريحه وتريح غيره ممن يستمع إليها، ومن ثم كان كثير من النكات المصرية البارعة تعويضا عما أصاب الشعب من كبت سياسي واجتماعي وتنفيسا له من الضائقات . وأوضحت الدكتورة نعمات احمد فؤاد أن الشعب المصري يسخر من الحكام بالنكتة تارة وبالقصص الشعبية تارة أخرى، فالنكتة المصرية وراءها بديهة حاضرة وذكاء لماح وقدرة على اصطناع التورية وتخديم الألفاظ في براعة وسرعة ولباقة أيضا، وقد ربط بعض الباحثين بين الحزن والفكاهة كإحدى سمات المصريين، والدراسة التحليلية للنكت المصرية وبخاصة السياسية والاجتماعية منها تبين أن هذه النكت برغم قوة تأثيرها في إضحاك المستمع إليها تدلنا على أن شدة الألم والحزن الذي يشعر به المصري في فترات الشدائد هو سبب إطلاق النكت القوية، ويؤيد ذلك أيضا قلة تداول النكت في فترات الرخاء والانتصار . ثامناً: الميل للاستقرار
الطبيعة التقليدية التي عاش فيها المصري على ضفتي النيل وتركت بصماتها على شخصيته في صورة ميل إلى الوداعة والطمأنينة والهدوء وطول البال والدعابة والمرح والتفاؤل والوسطية وحب الحياة، هذه السمات لا يمكن إدراكها بوضوح إلا إذا قارناها بسمات من يعيشون في بيئات مهددة مليئة بالعواصف والنوّات على سواحل البحار والمحيطات الهائجة، أو من يعيشون في بيئة صحراوية أو جبلية شديدة القسوة والفقر والجفاف، أو من يعيشون في غابات مليئة بالحيوانات المفترسة يتوقعون الخطر في كل لحظة، أو من يعيشون في القطبين تحت العواصف الثلجية ويلبسون ثيابا ثقيلة تحد من حركتهم وتلقائيتهم وتخنقهم تحت ثقلها .. وإذا كانت الطبيعة السمحة البسيطة المعطاءة قد أعطت للشخصية المصرية بعض الصفات الإيجابية فإن لها أيضا جانبا سلبيا، حيث منحت المصري شعورا زائدا بالطمأنينة والسكينة وصل به في بعض الأحيان إلى حالة من الكسل والتواكل والسلبية والتسليم للأمر الواقع والميل إلى الاستقرار الذي يصل أحيانا إلى حالة من الجمود، فالشخصية المصرية مثل الطبيعة المصرية لا تتغير بسهولة ولا تتغير بسرعة، بل تميل إلى الاستقرار والوداعة والمهادنة وتثبيت الوضع القائم كلما أمكن والتصادق معه وقبوله .
#محمد_وجدي (هاشتاغ)
Mohamed_Wagdy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعليم الكبار - كوريا الجنوبية كمثال
-
الغضب
-
هوامش الفتح العربي لمصر
-
ثقتي : هل أنتِ معي ؟
-
الإخوان المسلمون : من الصعود إلى الانهيار
-
ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي
-
المسيحية في جزيرة العرب قبل الإسلام
-
قراءة سريعة حول المسألة السنية الشيعية
-
تخاريف - 3
-
رسول الهوى - شعر
-
اصحى لحلمك - شعر عامية
-
قطعتان من روحي لها - شعر
-
فتح العزيز المنان في سيرة سيد ولد عدنان - بادئة
-
ولا ... أتأخر - شعر
-
مهرج ( ميكس عامية وفصحى )
-
حياتي و ... أكبر
-
تخاريف - 2
-
إني الذي
-
تغيبين عني
-
الحرية ضالة المؤمن
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|