|
فيلم ( the grey ) ، وقفة ، ونظرة تأمل
عمر عزيز النجار
(Omar Aziz Elnaggar)
الحوار المتمدن-العدد: 6322 - 2019 / 8 / 16 - 23:15
المحور:
الادب والفن
وظيفة في نهاية العالم ، لا أعرف لمَ فعلت نصف الأمور التي فعلتها ، لكنني أعرف أنني في المكان المناسب لي ، ويحيط بي أشباهي ، أنا رجل لا أصلح للعيش مع البشر . بتلك الكلمات افتتح النجم ( ليام نيسون ) أو ( اوتواي ) كما كان اسم شخصيته في هذا الفيلم ( the grey ) هذا الفيلم الذي يعد من أفضل الأفلام التي شاهدتها وتأثرت بها واندمجت فيها ، بالضبط كما في رواية عزازيل وكيف تخيلت نفسي مكان الشخص محور الرواية وهو الراهب هيبا ، بل وتلبست روحه بداخلي ، فيلم ( the grey ) الذي يحكي عن شخص فقد كل شئ في حياته ، زوجته وابنته وعمله ، والأسوأ من هذا كله أنه فقد نفسه ، و فقد إحساسه بالحياة وقيمة الوجود ؛ الأمر الذي حدا به في النهاية إلي التفكير في الانتحار ليتخلص من حياته البائسة التي لا معني لها ولا مغزي من بقائه فيها ، إلا أن القدر كان يخبئ له أمرا اخر . انتهي المطاف ب ( اوتواي ) إلي عمله كقاتل مأجور للذئاب والمفترسات ، في مناطق عمل للبحث عن النفط في أماكن نائية ، وظيفة لم ترق له علي ما يبدو ، إلا أنه تقريبا فقد الأمل في كل شئ فلم يعد يبالي بطعم الحياة و رونق الوجود ، ولم يعد يكترث بما يصلح له وما لا يصلح . استقل العمال الطائرة في تلك الليلة المشئومة ، لا أدري ربما للعودة إلى ديارهم او ربما للعطلة و الأجازة ، و كان معهم صاحبنا الشريد ، و لسوء الحظ العاثر واجهت الطائرة صعوبات في التحليق بسبب سوء الأحوال الجوية ، وتساقط الثلج بشكل مستمر ، الأمر الذي أدى في النهاية إلي تساقط الطائرة في منتصف اللامكان المحيط بالثلوج من كل ناحية ؛ ليجد ( اوتواي ) نفسه من بين السبعة الناجين من أصل الركاب كلهم ، وتبدا رحلتهم في البحث عن الخلاص ، طوال الرحله لا يهدأ ( اوتواي ) ويتذكر بين الحين والاخر زوجته التي هجرته، و ابنته ، و والده ، لكن زوجته هي التي كانت محور تفكيره طوال الوقت، يا الهي لقد كان يحبها حبا جما، يا الهي كيف واتتها الجرأة ان تهجره بهذه الطريقه الموحشة ، وهي تعلم مدى حبه لها و تعلم كيف سيكون وحيدا بدونها ، يتذكر ( اوتواي) زوجته دائما خاصة في اوقات الشدة والبكاء والضعف والخوف ، ولم لا ؟؟!! إن لم يتذكر المحب حبيبه وقت الاحساس بالخوف والضعف فمتي يتذكره ، أين أنت يا عنترة ، حين قال :- ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم . آه يا عنترة ، كم كان يحبها هذا الرجل ، تذكر محبوبته في خضم المعركة ، والدماء تسيل ، والرؤوس تتطاير ، وتري ما الذي ذكره بها ؟؟ لقد رأي لمعان السيوف في ساعة الظهيرة ، تحت حمي الشمس ، فتذكر لمعان اسنان محبوبته حين تبتسم ، فتمني حينها لو استطاع تقبيل تلك السيوف ، آاااااه يا عنترة ، إن لم يكن هذا هو الحب فيا ليت شعري ما تشخيص هذه الحالة ؟؟!! عودا إلي (اوتواي) تذكر هو الاخر حبيبته ، وتخيل أنه يحدثها قائلا ( لا تمر ثانية إلا و أتذكرك بطريقة ما ، أتمني رؤية وجهك ، وأن أتحسس يديك بين يدي ، وأن أشعر أنك بجواري ، لكنني أعرف أنك لن تكوني بجواري ، فأنت ِ هجرتني ، ومن المستحيل استعادتك ) . لم يتحدث الفيلم بشئ من التفصيل عن علاقته بحبيبته التي هجرته ، إلا أنني أقولها وأعنيها ، لقد كان يحبها هذا الرجل ، فهذا الكلام لايقوله إلا إنسان أحب بكل ما لديه من طاقة و مشاعر ، ولم يجد في النهاية إلا هجرا وحرمانا . أقلعت الطائرة ، وواجهت ما واجهت من صعوبات أدت بالنهاية إلي سقوطها في منتصف الثلوج ، نجا من نجا ، حاولوا قدر امكانهم الخروج من أزمتهم ، إلا أن الواقع كان أقوي من إيمانهم وأعمالهم ، سقطوا واحدا تلو الآخر ، أحدهم بسبب افتراس الذئاب له ، وآخر بسبب سقوطه من أعلي المرتفع ، وهذا من برودة الجو ، و ذاك الذي يئس من النجاة واستسلم ، و غيره و غيره ، ولم يتبق في النهاية إلا (اوتواي) ، وصديقه الذي بوفاته سيصير (اوتواي) وحيدا ، نعم لقد مات صديقه أمامه غرقا ولم يستطع (اوتواي) نجاته ومساعدته ، إنه وحيد الآن ، يحيط به اليأس والفشل والخوف والضعف ، يتذكر كل شئ في حياته ، كما لو كان شريط ذكرياته يمر أمام عينيه ، حتي جاء المشهد الذي يبكيني كلما شاهدته ، حينما مات كل من نجا معه ، وبقي وحده وسط الثلوج ، رفع رأسه إلي السماء ، وكأنه يتحدث مع هذا الكائن المدعو بالرب أو الإله أو أيا كان اسمه ، قائلا له ( افعل شيئا ، افعل شيئا أيها المزيف والمخادع والبائس ) ثم يصيح غاضبا بأعلي صوته ، افعل شيئا ، هيا ، برهن قدراتك ، أرني شيئا حقيقيا ، يبكي (اوتواي) بحرقة الغريب والوحيد والضعيف اليائس قائلا ( أريد عونك الآن ، و ليس لاحقا ، أرني معونتك ، و سأؤمن بك حتي مماتي ، إنني أدعوك ، إنني أدعوك ..... ) . ولم يدرِ المسكين أن الإله الذي يدعوه قد مات قبل أن يوجد ، ليرجع بعد ذلك إلي رشده و صوابه و يقول ( تبا ، سأعتمد علي نفسي ) ويظل يسير ، و يشق طريقه ، لتقوده خطواته في النهاية إلي حتفه وهلاكه ، تقوده خطواته إلي ما كان يفر منه طوال الطريق ، عرين الذئب ، و يجد نفسه محاصرا من الذئاب مجتمعة ، فيبتسم ابتسامة المستسلم ويعرف أنها النهاية ، يري وجه محبوبته مرة أخيرة وهي مستلقية بجواره ، و تلمس وجهه بيديها و تقول له ( don t be afraid ) ، لا تخف ، فيعزم علي أن يقاتل لآخر نفس فيه ، حتي لو كانت النتيجة محسومة ، و يلقي بحقيبته التي كان حاملا إياها طوال الطريق ، و يستخرج منها بعض زجاجات صغيرة فارغة ، يربطها بأصابعه ، و يقوم بكسرها ليقاتل بها الذئاب ، ثم يأتي مشهد نهاية الفيلم حين ينقص (اوتواي) علي الذكر القائد ،كبير الذئاب . النهاية . لا يعد هذا الفيلم الوحيد الذي يتناول هذه القصة أو هذا المشهد ، أعني قصة تحطم طائرة ووجود ناجين يحاولون الخلاص بأنفسهم ، فقد جمح خيال المؤلفين لأكثر من سيناريو يصور هذه القصة ، فشبيه جدا لهذا الفيلم ، فيلم (the mountain between us ) والذي يحكي قصة تحطم طائرة صغيرة لم يكن يستقلها سوي شخصين رجل وامرأة والطيار ، و مات الطيار ، ونجا الشخصان ، ويحاولان طوال الفيلم العثور على النجدة والخلاص ، إلا أنه في هذا الفيلم تأتي المساعدة ويتم العثور عليهم ، وتكون النهاية السعيدة الاعتيادية ، ولذلك فهذا الفيلم لم يرُق لي كثيرا ، فأنا بكوني انسان غريب الأطوار كما يصفني البعض لا أميل أبدا للمقدمات البديهية ، ولا النتائج النمطية ، أو النهايات النرجسية ، فأنا الذي لطالما اتخذت من هذه المقولة شعارا لي لأن أكون تعيسا في الواقع ، أفضل عندي من أن أكون سعيدا في الخيال وفي تقديري أن( the grey ) قد قدم لنا صورة حقيقية للحياة بكل ما فيها من واقعية بعيدا عن زخرفة الحقائق ، والخيال الغير منطقي تحياتي لكم كثيرا عمر النجار
#عمر_عزيز_النجار (هاشتاغ)
Omar_Aziz_Elnaggar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجد كل المجد لكِ يا اسرائيل
-
بعيدا قليلا عن الواقع ، دعونا نستمع إلي نداء الموسيقي
-
نزهة البستان في فضيحة الفستان
-
تعليق علي تعليق
-
لنفسي ثم للذكري
-
الدين (الفكرة - الأخلاق - النظام الاجتماعي )
-
أنا وعزازيل والواقع _2 _الراهب والفيلسوفة
-
أنا وعزازيل والواقع
-
ليست الأولي ولن تكون الأخيرة ، متي ينتهي الارهاب الديني
-
وفاة الراقصة ونفاق الطبال
-
لا لتدخل الدين في الأحوال الشخصية
-
العالم كما ينبغي أن يكون, لا كما هو
-
(أبيات بسيطة) حياتي أمر واقع
-
أبياتي / عتاب امرأة مقهورة
-
أين تكمن قداسة الأشياء ؟
-
فليسقط الاله وليسقط الدين وليسقط الوطن ويعيش الانسان
-
لا أدري
-
قصيدتي جزي الله داعش كل خير
-
يا من أحببت يوما لن أنساك أبدا
-
الشعب يريد تطبيق شرع الله !!! عن أي شعب يتحدث هؤلاء ؟؟؟
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|