|
أسرار
بكر الإدريسي
الحوار المتمدن-العدد: 6319 - 2019 / 8 / 13 - 21:25
المحور:
الادب والفن
ذهبت أسرار مع نسيم صديق حبيبها إلى صخور تطل على البحر.
أسرار كانت تحب تمارين الصوت أمام البحر، ولأن نسيم كان مهتماً بالغناء لم يكن يرفض الذهاب معها والدخول في طقوس الصراخ والآهات لتحسين طبقات صوته.
نسيم اصرخ أكثر لا تلتفت إلى الآخرين،أغمض عينك واستمر... خطأ خطأ انظر إلي كيف أجري التمرين...
أغمضت أسرار عينيها وأخذت نفساً عميقاً وبدأت تصرخ ونسيم يراقب الآه الطويلة المنبعثة من بطنها، ينتقل بنظره الى صدرها النافر، إلى حنجرتها وفمها المفتوح الصارخ، بدأ يشعر بموسيقى جامحة تحوم في الهواء، مع رجع الصدى وتلاطم الأمواج، تأمل في وجهها وشاهد دمعتين تنحدران على خديها من شدة الانفعال...
يا إلهي مرت دقيقة وهي مستمرة دون توقف! استغل نسيم عينيها المغمضتين ليتأمل وجهها كما لم يفعل من قبل،لم يستطع مقاومة التحديق أكثر في حروفها. فتحت أسرار عينيها على نظراته المتلهفة... نسي نسيم نفسه ولم يستوعب أنها كشفته متلبسا...انتبه فجأة وشعر بالحرج، أنقذت أسرار الموقف وقالت:
هيا جاء دورك! استمرا نصف ساعة في التمرين ثم جلسا على صخرة. عطشت! أجابت: وأنا أشد منك عطشاً، شربت أسرار وناولته الماء ليشرب...
مرت لحظة صمت لم يستطع نسيم خلالها أن يطرد من مخيلته وجه أسرار المتأوه بعنفوان أوبرالي. وبرغم خجله من إعجابه المباغت بحبيبة صديقه عمر إلا أنه خمن، ماذا لو أخبرتها أنني لوهلة أردت أن أقبلها؟
أسرار بماذا ستشعرين لو قلت لك كنت مثيرة وجذابة في التمرين لدرجة أني وددت لثم شفتيك حينها؟
ضحكت وقالت شعرت بك واحترمت رغبتك الآن أكثر عندما صرحت بها، وفي لحظة غروب جميلة كهذه لا أستطيع أن أرفض لك ذلك ولكن نسيم كأصدقاء، كأصدقاء فقط لا أقل ولا أكثر. اقتربت منه أسرار ومنحته قبلة.
*** عندما التقت بحبيبها عمر أخبرته بعفوية بكل ما حدث. صرخ فيها هل أنت مجنونة؟ أرجوك اهدأ أنت تعرف عفويتي و نسيم صديقنا ليس إلاّ... عن أي عفوية تتحدثين؟ هذه خفة، أنت خفيفة لدرجة لا تطاق، وهذا الكلب لي معه حوار آخر. يا حبيبي اهدأ أرجوك وسأضعك في الصورة...
أرادت أسرار أن تقول له أن الحنان الذي بداخلها يفيض على الآخرين بغير إرادة أو تخطيط مسبق منها، وأن صديقهم نسيم مسكين عاش يتيم الأم وهو بحاجة لجرعة من الحنان... ففي لحظة ما شعرت بالشفقة عليه ومنحته قبلة و أكدت كأصدقاء!
لم تكن أسرار تعرف أنها تعيش كالوردة من غير لماذا... فقط تتشارك الجمال مع العالم، وليست مطالبة بتبرير ذلك. وعندما تحدثت لم تتطرق لطاقة الحنان التي تسكنها، خانتها بلاغتها، و وجه عمر الغاضب أجهض كل الافكار التي رتبتها.
فقالت: كانت لحظة غروب ولا أعرف كيف منحت نسيماً القبلة، ربما لأنني أشفقت عليه... سامحني عمر!
لا غروب ولا شروق أنت خفيفة وربما ستفعلين أكثر من ذلك بداعي الشفقة.
أنت تعرف طبيعتي البسيطة،هل تتذكر تلك الليلة عندما غنى لنا نسيم موال "امبارح في الحلم حبيبي في أحضاني" وتحت تأثير شجوه نزلت على ركبتي وقلت له: هل تتزوجني على طريقة السينما، وضحكنا ثلاثتنا على ردة فعلي البريئة. كنت تقبلني وتتفهم، فما بك انقلبت على مبادئك وأصبحت تسقط عليّ صورا ساقطة؟
المنطق لو أنصت لك ينتحر! اخترتِ هذا التوقيت بالتحديد لتذكريني بتصرفاتك البهلوانية؟ يبدو أنك تتعمدين الدفع بي للحمق أو لأمر آخر أجهله.
فليذهب المنطق إلى الجحيم أنت تعرف أنني لا أجيده، أنا عفويه وبسبب عفويتي أغرمت بي كما أخبرتني والآن تنقلب عليّ وتحدثني عن المنطق.
التزم عمر الصمت! أتُراه صَمَت تجاوزاً أو خوفاً مما تتمتع به الأنثى من حدس ومنطق عفوي قادر على تقويض كل حججه والدفع به لاستخدام قبضة يده؟ مرت عشر دقائق من الصمت كان عمر يشعر فيها بالإهانة وعدم المساواة في علاقتهما فعبر لها عن ذلك بصراحه: لماذا أنت بهذه الوقاحة؟ جربت أن أمنح الحب أو الحنان كما تسميه للأخريات ولكني لم أستطع، وجدت نفسي غير مهيئ لمنحه لغيرك، ولكنك متهيئة لإعطائه بسخاء للآخرين!
أنا وقحه لأني أعدّك أعظم عشق! لم أصل مع أي كان إلى الجنون الذي بلغته معك. ولكن ربما ترى أنني أخف إنسانة التقيتها!! يبدو أننا لسنا على ذات الرتبة من العشق،هل تستطيع أن تنفي؟ حتى لو حرّمت على قلبك النظر الى الفتيات، حتى لو كنت مخلصاً في مخيلتك لي وحدي، يظل حبك أقل درجة، فلا تغالطني في العطاء. وعوض أن تخبرني بأنك جربت أن تمنح غيري ولم توفق أثبت لي عظمة عشقك المتوحد بي!
***
في ساعة الاستراحة أسرعت فدوى الخطى تجاه نسيم، هيا هيا معي. انتظري سأجلب معي سجائر، معي ما يكفي لا تقلق. أشعلت سجارتين و بادرته لا أخفيك أنني كتمت نشوتي عندما كان عمر يشتم أسراراً، ولكن لم يرقني يا صديقي أنك طرف في الموضوع.
طرف في الموضوع؟ ماذا تقولين يا فدوى؟
وهي تخبره بقصة القبلات على الشاطئ بدا أنه قد توتر ولكنه سرعان ما ضحك متعجباً: أسرار كذبت على عمر، لم يحدث ذلك بالطريقة التي روتها. في لحظة ما، صحيح أنني أُثرت وربما نظرت لها بعين شبقة ولكنها هي من بادرت حينها وقالت لي بالحرف:(وش فيك ما تعمل ولا غتبقى غير تشوف فيا) ودون الدخول في التفاصيل كان هناك أكثر من مجرد قبلات.
كان لدي إحساس أن تلك الطفلة تتلاعب بعمر ولكن دائماً أترفع عن مصارحته بذلك حتى لا أسقط في فخ الغيرة وأصبح في نظره امرأة نكديه. فأنت تعلم يا نسيم أنني لست غيورة ولست ضد مشاعر الحب، فجميعنا لدينا الحق في أن نحب واحدا أو أكثر، الحق في الحب بلا قيد ولا شرط.
وأنت أيضا يا نسيم لديك الحق وليس هناك ما تخجل منه، اليوم عندما ننتهي من العمل نذهب سوياً ونخبره بالحقيقة.
فدوى! إذا كان عمر تريحه الحقيقة النابعة من روايات أسرار فلا أريد أن أكون المكدر لذلك النبع الذي يرتوي منه. لا يا نسيم هكذا تصبح خائناً، يجب أن تصدقه وتخبره الحقيقة وأنا سأكون معك.
هل بإمكانك أنت ان تصدقيني وتخبريني عن سبب هذه الشعلة من الحماس التي تسري فيك، أترى من أجل الحقيقة أم لتلويث النظرة الملائكية التي ينظر بها عمر لطفلته؟
أصدقك القول نعم لكي يكف عمر عن النظر بسذاجة ملائكية لهذه الطفلة، حتى لو كانت صادقة لا يغير ذلك شيء يجب أن يعرف عمر أنها بشر ولها الحق في الشر.
#بكر_الإدريسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ردة أبدية
-
العود والحلم البريء
-
المسألة اليهودية: هل يبرر الماضي الحاضر
-
اضطراب اللاوعي الافتراضي
-
هوية محايدة على أرض محايدة
-
الإلحاد وجنس المحارم.. أي علاقة؟
-
الحلول في النص
-
غواية السماء
-
تأملات متوحشة
-
السعودية بين الزمن الإرهابي و قانون جاستا
-
أورلاندو تعاقب على طريقة سدوم وعمورة
-
نحو عدمية أكثر حداثة
-
الطهرانية عاهرة .. وأكثر
-
هل توجد شرطة كونية ؟
-
الكونية .. الأصل / الملاذ / المخرج
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|