|
سورة الجدوى
احمد ابو ماجن
شاعر وكاتب
(Ahmed Abo Magen)
الحوار المتمدن-العدد: 6319 - 2019 / 8 / 13 - 21:24
المحور:
الادب والفن
في لحظات اكتظاظ الحزن وانعدام الرؤية من شدة الدموع قالت لي أبي: لاتحزن يابني فأنا وأنت وجميع الناس لسنا سوى ذرات هواء خلقنا الله لنطير في هذا الكون الفسيح وفي لحظة ما ينفخنا القدر في بالونات الضيق بعضنا يطول حبسه والبعض الآخر يقصر لكن تأكد يابني حتَّى وإن طال أمر الحبس فلابد أن تنفجر البالونات ونتحرر من جديد ________________________
منذ طفولتي وأنا أمارس هواية القفز أقلد الكنغر من حيث لا أعلم أقفز هنا وهناك وحتى في المدرسة لم يشتكِ أحد مني سوى المعلمة كوني كنت أقفز على مقاعد الدراسة أحياناً يشتكي أبي من تلك الضوضاء التي يتسبب بها تقفيزي على سطح المنزل كنت أتمنى أن أقفز قفزة وأطير أطير... أطير بعيييييدا لكن أمي كانت تمنعني من تلك الأمنية فأخبرتني بأن خالي كان يقفز أيضا لكنه أفضل مني في هذا المجال وذات مرة قفز قفزة وطار بعيييدا وَعندما تسائلت عن ذلك! قالت: إنه قفز فطار. قلت لها: بالطبع إنه داس على قطعة من مطاط مضغوط أليس كذلك؟ قالت لا، بل داس على لغم. __________________________
في أزقةِ الحَيِّ رجلٌ متوجٌ بِزعامةٍ ما مُعبأٌ بالأحقادِ الطَّوطميَّة يَتبخترُ طولاً وعرضاً في الشَّوارع من دون أن يبادرَهُ النَّاسُ بِالتَّحية إلا وَهم مُكللونَ بِالخضوعِ والاحترامِ خِيفةَ تَعنتِهِ وَغَلاظةِ لسانِهِ المعتاد لَكنْ اليومُ صَباحاً تَفتَّحَ وجهُ الحيِّ كثيراً بِلطافةِ شابٍ مُصابٍ بِمتلازمةِ داون كانَ يُغني وَيَرقصُ في الأزقة وَبَدلاً من المُعايداتِ المُتكررة كانَ يُحيي النَّاسَ جميعاً بِالشتائمِ وَحينما وَصلَ إلى هذا الرَّجلِ المُتسلط قالَ الشَّابُ : كلّ عامٍ وأنتَ حافلٌ بالمصائبِ وَإن شاءَ الله نراكَ على جبلٍ من نار الجحيم وحينها أهرع أنا وأهل الحي لنطفئك.. فقال الرجل: بالطبع، ستطفئونني بماء الورد!! قال الشاب: لا، بالبصاق __________________________
تجربين الحب مرة مرتين ثلاث مرات وأكثر.. وفي كل مرة تحاولين الهرب بطريقتك النافذة فتبلعين لسانك عن التصريح وتلوحين حينئذ بحجتك القائلة: (إنك لاتجدين سياسة العواطف) في حين إنك تزخرفين الكلم في أوقات إقلاعك عن الحب وما إن تحبي يبلغ التذمر عندك مبلغ الذروة وكأن الحب خطيئة وجب عليك اقترافها صدقي وعليك أن تصدقي إن الحب أطهر من أن يكون فستانا مزينا بالورد ترتديه الأشواك العارية وأسمى من صمتك في لحظات فوران الشعور وأبلغ من تقلبك في كل الأحيان لكنك لايمكن أن تعلمي كل ذلك ولاتعلمي أيضاً إن القلوب ماهي إلا جياد تحتاج دائما إلى الترويض ولاتعلمي بتلك اللهفة الحارقة وهي تخرج إليك من الأحشاء على مضض كمن يقتعلون قلبه بشدة أمام مرآى عينه حتَّى تتشكل أمامك على هيأة أحبك وما إن تصل مسامعك الوجيفة تصفعيها بكف تجاهلك الرتيب وبعدما يستتب أمر عنادك تجلسين على مقعد مزخرف بالأنوثة وتطلقين جزافا مدافع الانتقاد لتدكي بها معالم الرجل الشرقي الذي في مخيلتك العظيمة _______________________
أعرف عمودا وفيا في نهاية الشارع كان يقف مستقيما في أزمات الحروب وصلدا بوجه الشظايا والعواصف الترابية لكن اليوم صباحا لم أشاهده تساءلت عنه فقيل لي سقط منتحرا بعد أن فارقته الكهرباء لكني شككت بذلك القول حتَّى قال لي رجل عجوز يبيع السجائر بالقرب منه: أعلم يابني، إن العمود تعرض للكثير من الحوادث المرورية ويوم أمس تعرض لحادث مروري مقصود جعلته يسقط متهشما والذي أخبرك بأنه انتحر هو صاحب السيارة التي صدمته.. ___________________________
لست بهذا الهراء الذي ترونه ولست بهذا الفراغ الشاسع الذي في مخيلتكم الكريمة أنا مجرد وعاء مليء بما يسركم مليء بالتبسم بالحكايات بالمعلومات وأيضا ببعض السخرية والثرثرة أعمل بجهد إضافي لمجابهة الحياة وكلما قفزت على صدري حسرة أشهق توجعا ثم أقول لابأس، أنها طفلة بريئة من دون أن أعرض شكايتي ولو لمرة واحدة في سوق المنصتين هكذا تعلمت من جدي كيف أسوق جراحاتي بمفردي وأنا أعزف لها أغنية الشفاء لا يهمني ذلك كثيرا لطالما سحقت الكثير من الشوك وسمعته يصرخ توجعا من أقدامي وكأنني مخلوق عنيد خلقت لأعاند جحيم العمر إذا طغى لأعاند حيرتي بين أعينكم لأعاند كل ملامة تطلقونها جزافا لأعاند كل تهمة تشذ عن أفواه أحبتي لأعاند وجودي الملطخ بالتفاح لأعاند كل شيء حتَّى الصيف لطالما سحقني بأقدام حرارته ولم يجدني حينذ سوى مسمار مقلوب ____________________
لن ابتكر طريقة جديدة لتأنيب الضمير كما تفعل التكنولوجيا بل تفي بالغرض جميع الطرق التقليدية حتَّى وإن تراخت بداخلي حبال العافية لا أبالي ولم علي أن أبالي وأنا أصفعني بدل النقاش وأسكب مافي الكون من لعنة في قدر جمجمتي التعيسة بعد أن أحشو غربتي برصاص الاستعجال وأطلق وأطلق وأطلق حتَّى أصيب الهواء بعوق يجعله عاجزا عن السير باتجاه أنفاسي قد أختنق طوال الوقت وحيدا من يعي! لا أبالي... مادام في ضياعي نكهة تسر مرارة الورد حين يخلع أزهارها عاشق بليد وهو يردد تحبني... لاتحبني.. فينتهي به المطاف نائما كالعادة من دون أن يعرف شعور فتاته هكذا تعلمت كيف أكفر بدلا من أن أكفر عن حسناتي فبعض الناس كذبة والبعض الآخر كذبة أيضاً والحقيقة الوحيدة هي أن أكون بمفردي من دون أن اطبخ حياتي مع كذبتين والكثير من توابل الندم __________________________
امنحني يارب شرف الهدوء واسقني من عليائك سكينة وامسح ذاك الوجع المتين من على سطح مشيئتك واجعلني اتشبث بآخر حلقة من سلسلتك الطويلة كما لو أنني خلقت لهذا العمل بدلا من إتعاب كاهلي بثقل السلات من دون عنب يذكر وبدلا من ارتشاف الكثير من سموم الشوق من دون حب يذكر وبدلا من تداعي العافية بين الحين والأخر من دون سبب يذكر وبدلا وبدلا وبدلا حتَّى تساق جميع الأبدال ملغمة نحو ناحية الضمير.... فتنفجر كما تنفجر المسرات في عرس كبير حتَّى يروح ضحيتها الأحقر والعابس رباه اجعلني اتخطى هذا الحاجز بقدم واحدة نعم بقدم واحدة حتَّى إذا كان قرار الاجتياز خاطئا أعود بقدمي هذه إلى قدمي التي فضلت الثبات وهكذا أعالج جميع تسرعي بهدوء بدلا من الموت في تقديم عنقي ضحية لسيف الشعور بالندم ______________________
لستُ عَديمَ الشُّعور بِالعَكسِ تَماماً لديَّ شعورٌ كبيرٌ جداً يَشبهُ الإبريقَ الفَخاري القَديم أحتفظُ بِهِ وَسطَ صُندوقٍ تَحتَ السَّرير لَكنَّهُ رُبّما لايَعمل لأنَّ أحدَهم استعارهُ منِّي قَبلَ سنواتٍ وَأعادهُ إليَّ مَكسوراً ______________________
لطالما ضاعت حياتنا ونحن نردد أننا منسيون... منسيون... منسيون في حين أننا لانملك من يتذكرنا أصلا ليتسنى له نسياننا _________________
الشمس في الجانب الآخر الظلمة في جانبي وإذا تيبست ضمائر من وثقت بهم وتشققت... سأستغلها لنفاذ الضوء إلي ____________________
أقتفي أثر المعارك أختبئ في خزانة الكتب أرتدي الملابس الضيقة أحبس أنفاسي أحياناً وأحياناً أضع حجارة كبيرة على صدري أفعل ذلك كل صباح حتى يخيم الليل فقط لأن أبي قال لي: (بعد كل ضائقة فرج) ______________________
لأن قلبي ليس فولاذيا كان مجرد تجويف من خزف رقيق قررتم في كل مرة أن تفتحوا عليه نيران أخطائكم حتَّى تلاشى عن بكرة أبيه تلاشى كأن لم يكن بربكم، ماذا سيصلح الأسف !! ________________________
مثل أي عراقي توشح قلبه بالعشق أحاول أن أحتضنك بيد واحدة وباليد الآخرى أزيح ضباب الظروف السيئة وهي تزدحم في طريقنا فالواقع ياحبيبي (كل اثنين ثالثهما الظروف) وكأننا في فلم حربي كثيف الانفجارات والقصف والرصاص وأنت ابنتي الوحيدة هناك نعم.... هناك بجانبي وأحاول بجزع مرير تخليصك من لهيب النار ففي كل مرة أقول انظري ياحبيبتي أنه اسخليلوس لا أعلم لماذا يبكي كلما شاهدنا معا ربما هو يعاني من تأنيب الضمير كونه هو من كتب هذا النص نصي أنا وأنتِ الفلم الحربي الذي يجمعنا نعم هو من كتبه وجعله على رف مأساته القديمة.... ________________________
الذين رافقوني في الحرب كانوا يمسحون عن وجهي غبار الساتر ويحمون خلوتي بين الصخور جميعهم كانوا أوفياء ربما لأنني رسمتهم في لحظة خوف على علب السجائر من أجل أن لا أكون وحيدا هناك وبعد تكالب القذائف على موقعي تطاير كل شيء في الهواء حتَّى هم تطايروا بقوة وظلوا أحياء مشتتين في الصحراء مازالوا على قيد الحياة هناك تحركهم العواصف يمينا وشمالا لكنهم أوفياء كما عهدتهم أوفياء جدا لايبتعدون كثيرا عن رأسي الذي تركته هناك... ............ (مذكرات ميت) __________________________
مثل كل ليلة أسمع جاري العجوز يقول : ليس هنالك محمية يمكن أن يلوذ بها الإنسان ليحتمي من أمراض الواقع سوى الحب.. لكن يا إلهي ماذا لو كان الحب هو المرض! ________________________
تافهون جدا نحن البشر حين نستنزف الوقت بلا دراية ونهدره في الترقب والانتظار والنوم واللاأبالي في حين أن الوقت ثمين جدا تخيل أن ساعة هنا تعادل سنوات في عالم أخر كما هو الحال حينما نجالس بغيض ما لساعتين ونجالس من نحب لدقيقتين هنا يكمن سر الوقت وهو يركض في أعمارنا خائفا مصفر الوجه مثل جندي نفذت ذخيرته بمفرده وأمامه سرب من الأوغاد مثلي حينما كنت متكئا على سيارة ما وقيل لي ابتعد، أنها سيارة مفخخة ومثل الفراشة حينما يعترض طريقها عصفور والعصفور يعترض طريقه صقر والصقر يعترض له صياد ماهر... هكذا تتسلسل الحياة بنسق ممل وكأن أعمارنا ماهي إلا يوم واحد نعم... يوم واحد مستنسخ إلى آلاف النسخ الرمادية.... ______________________________
لاجدوى من الجدوى وهي تخر خوفا في كل لحظة مثل بصيص حلو في منطقة مالحة فكم من جدوى حب ماتت فقط لأن لقاء ما فات بلا جدوى وكم من جدوى استرسلت فرحا مثل عطر فتاة يانعة قبل أن يعترض طريقها دخان مكب نفايات وكم من جدوى انتظرت.. وانتظرت.. وانتظرت.. ثم هربت باكية مثل ورقة نقدية في مهب الريح من دون أن يمسكها الفارغون أنا جدوى بلا جدوى وليس معي من يسعفني بكلمة بأي كلمة كانت حتَّى وإن كانت كلمة لاسعة أنا بحاجة لمن ينبض لي نبضة واحدة قياسا بمليارات النبضات التي نبضتها سلفا وليس كما أنا الآن أكتب نفسي بنفسي وأبعثني لهم في ظرف حار ظرف جعدته الأيام وحالما أصلهم يقرأونني ببرود قبل أن يصلبوني على رف إهمالهم يالهم من فراغ شاسع يظنون العالم من حولهم فراغا أيضا فراغ... كساحة حرب في الجنة
#احمد_ابو_ماجن (هاشتاغ)
Ahmed_Abo_Magen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بديهياتها
-
تفاوت
-
صباح الخير
-
تنتظرين
-
هالات نيرة
-
سورة القلق
-
سقسقات مُوحشة
-
بوح الكتاب
-
نحن الشباب
-
منتهى الشدة
-
تراجيديا الأنين
-
قصيدة النبي
-
شفاه آيلة للسكوت
-
آلهة التبسم
-
وصية عراقي
-
نبض على خط الالتواء
-
ميزوبوتاميا
-
أعباء أغسطس
-
ماتعنين لي
-
أكاذيب عارية
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|