|
قالوا: فدوى طوقان
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 6318 - 2019 / 8 / 12 - 09:48
المحور:
الادب والفن
********************* توضيح
وقفات وليست مواقف، فالمواقف من ورائها غاية ما، والوقفات كلمات أو لحظات تَعِدُنا وتُعِدُّنا لنتخذ موقفًا، هدفي ليس هذا أو ذاك، هدفي توثيق بعض الكتابات عني في هذا المنبر، وفي هذه اللحظة الحاسمة من عمري الأدبي، وأنا أعيد زيارة الكتاب المقدس، وأتعرض لشتى ردود الفعل، وهي كذلك مناسبة لأرتاح.
*********************
ما أظن أن هذا "النص المذهل" إلا تعبيرًا عن حالة نفسية تعانيها
تحيات الشوق والمحبة، راجية أن تكون في عافية تامة وهدوء نفسيّ ورضى عن الحياة من حولك. أعرف أن السعادة غير ممكنة لأحد منا نحن الفلسطينيين أينما كنا، ففي نفس كل منا معارك عنيفة صامتة، وأحاسيس حادة مبعثها هذه الحياة التي نحياها وكأننا لقطاء في هذا العالم سواء أكنا داخل الوطن أو خارجه.
تسلمت من الصديق الطيب علي الخليلي هديتك إليّ "تراجيديات"، كتبتَ في كلمة الإهداء تقول لي: "هذا النص الذي أعتقد أنه مذهل". بلى، هو كذلك، بل إنه لمذهلٌ جدًا.
مضيت أقرأ، وأعيد القراءة، وأقف، وأطيل الوقوف، عند كل لوحة من لوحاته الست والثلاثين. حاولت أن أكتشف عناصره، أن أتوغل في مضامينه. فانتازيا عجيبة، ذات خصوصية فنية تعكس طاقة أدبية خارقة. أدهشتني شحنات النص التعبيرية الهائلة، شحنات محملة بالتمزق، بالألم، باللامعقول، عالم سوريالي، دادائي، ممتلئ باليأس، طافح بالأسى الذي يغرق فيه المرء حين يهاجمه طوفان العبث. كنت كلما توغلت أكثر في دهاليز الطلاسم والألغاز أجدني أتوغل في حلم كابوسيّ لا ينتهي يذكرني بواقع الأمة العربية المفعم بتراجيديات اللامعقول... قرطاجة التي كسرتها روما (إسرائيل؟) نتيجة للانقسامات والتنافس بين أسرها الكبيرة حيث يؤيد كل منها سياسة تعارض سياسة الأسر الأخرى –أليس هو حال الزعامات والقيادات العربية-؟... هانيبال القائد العظيم ينهزم في معاركه مع روما نتيجة لانقسام قرطاجة على نفسها. هذا الاستيحاء في النص من تاريخ قرطاجة، أتراني على صواب حين أتحسس فيه عالم الأمة العربية في هذا الزمن المجنون الذي تعيش فيه أمتنا حياتها وسط التمزقات والخرائب والإحباطات؟
أيها العزيز أفنان، ما أظن أن هذا "النص المذهل" إلا تعبيرًا عن حالة نفسية تعانيها، استدعت كل هذه الانعكاسات التي فرضت وجودها على هذه الفانتازيا المدهشة، والتي أرى فيها ثمرة يانعة من ثمار مواهبك الأدبية الأصيلة، فألف شكر على الهدية التي نفحتني بها، ألف ألف شكر.
بعد غياب أكثر من ستة شهور في عمان عدت إلى نابلس لأجد صديقنا علي الخليلي قد غادرها ليسكن في ضاحية قريبة من مكان عمله في جريدة "الفجر" في القدس، حيث أصبحت المواصلات بين نابلس والقدس غير محتملة في الظروف الراهنة، وقد قمت بزيارة له في البيت الجديد. إنني أفتقد جيرته، وأحس بالفراغ الذي تركه، فقد كان من أقرب الأصدقاء إلى نفسي، صديق يرتاح الإنسان إليه ويطمئن في دنيا تعج بالزيف والنفاق والشر. وفي مقالك البديع عن نابلس وجهت سؤالاً إلى "علي" تقول له فيه: "أما زلت جميلاً؟ وأنا أؤكد لك أنه لا يزال جميلاً جدًا، وكيف لا يظل جميلاً من كان يمتلك مثل نقاوة "علي" الإنسانية العالية؟
ما أجمل مقالك عن نابلس، وكم تأثرت بالذكريات والأشياء التي استغرقت شحنتها هذا المقال: إلحاحُ الذاكرة وانتصارها على الزمن والموت، الأماكن، الوجوه، صور الحياة التي ترسَّخت في الذاكرة. إن ماضينا يلاحقنا في كل لحظة من لحظات حياتنا، وهذا يذكرني بقول هنري برجسون بهذا الصدد: "كل ما فكرنا فيه وما شعرنا به وما أردناه منذ طفولتنا المبكرة لا يزال عالقًا بنفوسنا، متجهًا نحو الحاضر". ومما لا شك فيه أن الزمان الباطن le temps intérieur هو ثراء حياتنا الباطنة وجوهر حياتنا النفسية، أما لحظات الزمان الآلي، زمان الدقائق والساعات، فإنها تمضي وتتلاشى في فوهة العدم.
كما تقرأ وتشاهد على شاشة التلفزيون، نحن لا نزال نعيش واقعنا المأساوي مع الاحتلال، واقع النزيف والدم ومعاول الموت التي لا تتوقف ضرباتها، غير أن الانتفاضة تنزل السكينة على قلوبنا بتوهجها وألقها وعظمتها، وهكذا فالجو العام مفعم بالحيوية. إن مأساة الإنسان الفلسطيني هي هذا الخوف الدائم من عملية الإفناء والاندثار التي تلاحقه أينما حل، فهو في حالة تحفز دائمًا للصراع، إنه يقاتل ليس من أجل المجد بل من أجل الإبقاء على الحياة.
أخيرًا لعلك تتساءل عني، فماذا عني؟
إني أعاني من حالة تأزم نفسي سببها كون الشعر يتباعد عني في هذه المرحلة الهامة من مراحل قضيتنا. لم يعد يعجبني ما أحاول كتابته، أكتب وأمزق، أكتب وأمزق، على أنني لم يأخذني اليأس بعد، فإرادة العمل موجودة، وسنرى ماذا يتمّ بهذا الشأن.
نابلس
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قالوا: بركات زلوم
-
قالوا: غالي شكري
-
قالوا: علي الخليلي
-
قالوا: نافز علوان
-
الكتاب المقدس 50
-
الكتاب المقدس 49
-
الكتاب المقدس 48
-
الكتاب المقدس 47
-
الكتاب المقدس 46
-
الكتاب المقدس 45
-
الكتاب المقدس 44
-
الكتاب المقدس 43
-
الكتاب المقدس 42
-
الكتاب المقدس 41
-
الكتاب المقدس 40
-
الكتاب المقدس 39
-
الكتاب المقدس 38
-
الكتاب المقدس 37
-
الكتاب المقدس 36
-
الكتاب المقدس 35
المزيد.....
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|