أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - يوم عثر بشار على أمه














المزيد.....

يوم عثر بشار على أمه


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 6312 - 2019 / 8 / 6 - 01:38
المحور: الادب والفن
    


حدث هذا قبيل انتصاف الثمانينات، كنت أستعد برفقة عدد من زملائي لأداء الامتحانات النهائية في النادي الملحق بالأقسام الداخلية للمجموعة الطبية عندما حدث أمر غير طبيعي: فجأة، وسط القلق والصمت اللذين يهيمنان عادة على هذه الأوقات تفجرت عشرات الزغاريد ورأيت بعض الطلبة يتواثبون من الفرح ويرمون أوراق المحاضرات في الهواء ويركضون نحو الطابق العلوي من النادي حيث التلفزيون الملون الوحيد ليشهدوا الحدث الذي طال انتظاره لثلاثة أشهر: لقد عثر النحلة بشار على أمه!
وبشار، لمن لا يعرفه من أبناء الأجيال اللاحقة، بطل مسلسل كارتوني شغل الناس من بغداد حتى مسقط، فما قصته وما الذي جعله يثير كل هذا الاهتمام من الكبار والصغار؟
تدور قصة المسلسل الذي انتج عام 1970 وجرت دبلجته من قبل (مؤسسة الانتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي عام 1984) وعرض في 91 حلقة حول النحلة بشار الذي يبحث عن والدته ملكة النحل. فقبل أن يخرج بشار من البيضة هاجمت جماعات من الزنابير مملكة النحل وسلبتها وقتلت شعبها، لكن ملكة النحل نجحت في الهرب وكلها أمل أن تنجو إحدى بيضاتها على الأقل لتعينها على إعادة بناء مملكة النحل من جديد.
تنجو إحدى البيضات بالفعل وتجدها نحلة من نحل الطين فتقوم بتربيتها مع أبنائها ويخرج بشار إلى الدنيا ليجد أما ترعاه وتحبه كواحد من أبنائها التسعة الآخرين، بل أن حبها له يكاد يفوقهم خاصة أنه كان الأصغر بينهم. ويثير ذلك غيرة الأخوة الآخرين، لكنهم يعرفون بالصدفة من إحدى الجارات أن بشار ليس شقيقهم وأنه ابن ملكة النحل، ويعيّره أحدهم بذلك بعد أن تشاجر معه فيصعق للخبر وتصارحه أمه بالحقيقة لكنها تأمل أن يبقى معهم كابن لها. لكن بشار يعقد العزم على البحث عن أمه الحقيقية فتأذن له بالذهاب وتبدأ رحلته المضنية، رحلة الأمل للقاء الأم وإعادة بناء المملكة. يواجه بشار في رحلته العديد من المصاعب ويلتقي الكثير من الأشخاص ويعيش معهم قصصاً ومغامرات متنوعة ويتعلم الكثير من القيم السامية، وفي نهاية المسلسل، وبعد معاناة طويلة، يلتقى أخيراً بوالدته الحقيقة، لكنها تكون مسجونة عند الدبابير ويكون هو مسجوناً في الزنزانة المجاورة فيهب جميع الأصدقاء الذين عرفهم خلال رحلته الطويلة لمساعدته وأمه.
مع مشهد الفرح الغامر والهرج والمرج الذي ساد المكان (وعشرات الآلاف من المنازل) شعر زميلي الجاد على الدوام بشيء من الامتعاض وعلّق قائلا:
- بالله عليكم هل سيصبح هؤلاء الذين يتصرفون بهذه الصبيانية ويقيمون الدنيا ويقعدونها من أجل فلم كارتوني مخصص للزعاطيط أطباء المستقبل؟!
- ولم لا؟ (قلت له) دعهم يفرحون. هذه مناسبة عظيمة حقا! لم يبق لهم الكثير قبل أن يفارقوا أحضان امهاتهم وتتلقفهم هذه الحياة المريرة وجبهات الحروب ومواقع إخلاء القتلى والجرحى ومستشفيات الميدان والأعضاء المبتورة والرعب اليومي. دعهم ينسون ولو لدقائق بيانات القيادة العسكرية ومناظر الجثث التي يتحلق حولها الذباب في (صور من المعركة) التي تسبق فترة برامج الأطفال.
...
لم تكن مغامرات بشار مجرد مسلسل كارتوني عادي؛ فلقد كان عملا راقيا ومشوقا يخاطب مناطق شديدة الحساسية في قلوب الناس وضمائرهم، وكان يطرح الأمومة والبنوّة والعمل الجماعي والعرفان بالجميل قيما عليا مشتركة بين كل الأحياء الراقية. وأحسب أن كثيرا من الأمهات كن يتابعن المسلسل بأعين دامعات وقلوب وجلة على فلذات أكبادهن ولسان حالهن يقول: سوده عليّه وليدي، ماتت أمك وليدي!
وهنا أحد المفارقات الموجعة: فلم يكن بشوري وستوري وعلاوي وعموري وحمو وشيرو ومئات الآلاف من شبابنا الحلوين يجوبون الحدائق والآجام بحثا عن أمهاتهم، لكنهم كانوا يتعفنون في خنادق الحرب وترتفع حناجرهم بمواويلهم الباكية "يُمّه يا يمه جبتيني للضيم يا يُمّه!"
أما الآباء والأمهات فقد كانوا، وظلوا للآن يبحثون عن أبنائهم في "خلفيات" مطاحن الموت وفي مراكز جمع الشهداء والمستشفيات ومراكز الطب العدلي علهم يعثرون على خبر صغير أو بقايا أشلاء تهديهم للعزيز الغالي!
آه يا بشار.. ليتنا كنا معك فنفوز فوزا عظيما! عذرا لك لأننا لطخنا ذكراك البهيجة بأحزاننا الآدمية! وهنيئا لك ولأمك يا صديقنا الظافر.. ولنا الصبر والسلوان، نحن الذين خسرنا أمهاتنا للأبد!



#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشيد الى النفط
- توقف أيها الأحمق، إنك تدوس على ظلي
- حلم غبي
- عن خير الله طلفاح وكامل الدباغ والثقوب السوداء
- لماذا ضحك عليَّ الرفيق كاكه علي؟
- وداعا عصر الانترنت.. أهلا عصر الكرونونيت !
- من أجل يوم عالمي لإحراق الكراسي
- طالما حينبذن حنّه مصمصمين إعله الاستنخابات
- أغنية الخائفين من المطر - شعر
- بين عبّوسي، الغائب الوكيح، والمدرب الحالف -بستر خواته- ضاعت ...
- أتمنى أن يطول عمري حتى أرى...
- عن شبه الجهورية العراقية وأسمائها
- خمس مراث لشارع الرشيد
- أم في بيت الله - قصة قصيرة جدا
- سلالة النسائين العظام - شعر
- امتحان القواعد
- مع الباحث سالار فندي وحديث عن أول دراسة أكاديمية حول حركة ال ...
- أي رقيب - النشيد القومي الكردي في أول ترجمة موزونة الى العرب ...
- الرجل والجبل - شعر
- من الشعر الغنائي الفارسي - رفيقتي الأمينة


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - يوم عثر بشار على أمه