أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - نزار قباني … نهرٌ دافقٌ وشركٌ صعب














المزيد.....

نزار قباني … نهرٌ دافقٌ وشركٌ صعب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6306 - 2019 / 7 / 30 - 22:15
المحور: الادب والفن
    


======================

إجلسي خمسَ دقائقْ/ لا يريدُ الشَّعرُ كي يسقطَ كالدرويش في الغيبوبة الكبرى/ سوى خمس دقائق/ لا يريد الشِّعرُ كي يثقبَ لحمَ الورق العاري/ سوى خمسِ دقائق/ فاعشقيني لدقائق/ واختفي عن ناظري بعد دقائق/ لست أحتاجُ إلى أكثر من علبة كبريتٍ/ لإشعال ملايين الحرائق/ إن أقوى قصص الحب التي أعرفها/ لم تدُم أكثر من خمس دقائق.
هل مات نزار؟ نعم، ماتَ منذ خمس دقائق. أو كأنه لم يمُت أبدًا. فهو "رقمٌ صعبٌ" عصيٌ على الموت. وهل تموتُ الأرقام؟! مَن منّا، نحن شعراءَ الراهنة، نجا من "شَرَك" نزار؟ الإجابة، تقريبًا: “لا أحد!”. نزار عتبةٌ حتميةٌ؛ يمرُّ عليها الشعراءُ، ثم يبرحونها بعد برهةٍ، أو برهتين، وقد علق بعباءاتهم شيءٌ، قَلَّ أو كَثُر، من غبار تلك العتبة الصعبة. معظم شعراء الراهنة قلِّدوا نزار في البدايات، بوعي أو دون وعي، أو تأثروا به. وإن وجدت شعراء كبارًا ينهلون من معين نزار حتى في مراحل نضوجهم، فلا تندهش، ولا تلُمهم. فهو "شَرَكٌ" صعبٌ، والتخلُّص من خيوط الشرك يحتاج إلى عزمٍ قويّ لا يمتلكه إلا أولو العزم.
نزارُ، سهلٌ سهولةَ الماء، وعصيٌّ كما خيط العنكبوت. نهرٌ دافقٌ إن خضتَ فيه، تحتاج إلى شمس حارقة وبعض يوم حتى تجفَّ ثيابُك من مائه. وأحبولةُ عنكبوتٍ إن علِقتَ فيها، تحتاجُ دهورًا حتى يستخلّص جسدُك من كامل خيوطه.
في بداية الصبا، حين بدأتُ كتابةَ الشعر، تأثرتُ بإبراهيم ناجي. كنتُ أحاكي قصائده وأغيّر في كلمات المتن والقوافي. وسرعان ما خرجتُ من عباءته لأسقطَ في أحبولة نزار. ولما اكتشفتُ أن التخلُّصَ من خيوطه صعبٌ على ضعفي، عاقبتُ نفسي عقابًا مُرًّا. حرّمتُ على نفسي كتابة الشعر أعوامًا ثلاثة. كلّما راودني شيطانُ الشعر، دحرتُه وكتمتُ الكلماتِ في صدري لئلا تخرج ممزوجةً بعطر نزار. كنتُ أجاهِدُ نفسي، وأجاهدُ الشعر، وأجاهدُ العنكبوت. معركة ثلاثية مُرّة وصعبة على طفلةٍ تحبو على عتباتِ الأدب. لكن عنادي كان صلبًا وكبريائي كانت حادّة. كلما ضعفتُ أمام نزار وقلتُ لنفسي ما قاله عنترة بن شداد: “وهل غادر الشعراءُ من مُتردّمِ؟"، كانت كبريائي تصفعُني قائلة لي ما قاله نزار: "إن لم تستطع أن تأتي بشيء مدهش، فلا تتحرّش بالورق الأبيض.” فكنتُ أقاوم التحرش بالورق حتى أصفو إلى صوتي الخاص. وصفا صوتي بعد برهة. فكتبتُ الشِّعر وأعلنتُ نفسي شاعرةً.

ولد نزار قباني في يوم الربيع. 21 مارس 1932، وطار إلى عالم الخلود قبل أن يبرح الربيعُ الأرض في مثل هذه الأيام من أبريل قبل عشرين عامًا. وكأنما لم يمت إلا منذ خمس دقائق. فهو عائشٌ لا في دواوينه هو فقط، إنما في ديوان الشعراء كافّة. فلابد أن تعثر عليه في كل ديوان شعري لشعراء الراهنة، مختبئًا بين سطرين أو متخفيًّا وراء كلمة أو نائمًا تحت ظلّ صورة شعرية. ولابد ستعثر به في أغاني المطربين هنا وهناك في شرق العالم العربي وغربه راقصًا فوق ألسنهم، متواثبًا فوق خيوط حناجرهم.
نزار قباني طفلٌ يتواثب فوق خرائط الفرح وخرائط العذاب وخرائط الهوى. قبض على خيوط جغرافيا القلوب والعشق فأحبّه العشاقُ وتلصّصوا على قلبه ليسرقوا من نزفه ما يكتبونه لحبيباتهم فتسقط الحبيبات في الهوى من فرط لوعة الكلمات.
أذكر أن أول قصيدة عشق وصلتني من "ابن الجيران" كانت من مُقرصنات نزار قباني. كنتُ صغيرةً جدًّا فلم أعرف وقتها أن القصيدة مُقرصنة من نزف نزار. لكنني عرفتُ أن الحبَّ وخطاباتِ الحبِّ وكلماتِ الحب، لا تكون إلا هكذا. فدقَّ قلبي دقَّتَه الأولى. أحببتُ الكلمات قبل أن أحبَّ مَن أحبّني وكتبَ لي شعرًا يشبه شعر نزار قباني. علّمني نزار أن أعشق قبلما أعرف ما العشقُ. علّمني نزار أنني أنثى قبلما أدرك ما الأنوثة. ولم أدر وقتها أنني بدأتُ مرحلة السقوط في أحبولة الشعر وأحبولة نزار قباني.
فيا نزار، مُتْ ما شاء لك الموتُ، فأنت حيٌّ على صفحات الشعر وفي نزيف الشعراء، وفي قلوب العشاق.

****



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مديح الضعف والضعفاء
- صُهَيْبَة
- صمتي صلاة
- المنهزمون!
- سمير الإسكندراني … يا غُصنَ نقا مكلّلاً بالذهب!
- سيادة الرئيس … انقذْ لنا مجمعَ مسارح العتبة!
- إمام مسجد … يدعو لنُصرة الأقباط
- موعدنا 30 يونيو!
- ماذا تنتظر؟
- الوطنُ …. عند السلف الصالح
- برقياتُ محبة للبابا تواضروس … من المسلمين
- لماذا مصرُ استثنائيةٌ؟
- مرسي ... جاوز الإخوان المدى
- طاووسُ الشرقِ الساحر
- لا شماتة في موت مرسي … ولكن...
- حول قِبطية چورج سيدهم!
- محاولةٌ أخرى للتنفّس
- عيد ميلاد جورج سيدهم
- سهير، آنجيل … ماتَ معهما … كلُّ شيء!
- 1 يونيو … عيدًا مصريًّا


المزيد.....




- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - نزار قباني … نهرٌ دافقٌ وشركٌ صعب