|
المسار- العدد 30
الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)
الحوار المتمدن-العدد: 6305 - 2019 / 7 / 29 - 21:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العدد /30/ - تموز /يوليو 2019 1. الافتتاحية: محاولة واشنطن تجفيف امتدادات إيران الإقليمية تضمَّنت سياسة "الاحتواء المزدوج" للعراق وإيران، التي اتَّبعتها إدارة جورج بوش الأب بعد حرب ،1991 ثمَّ أعلنتها إدارة بيل كلينتون سياسة رسمية لها، اتِّجاهاً إلى عدم تغيير البنية الاجتماعية الحاكمة في بغداد منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921. وقد ظهرت ملامح ذلك، بعد استسلام الجيش العراقي بتلك الحرب أواخر شباط1991 في "خيمة صفوان" بأيام قليلة، لمَّا أغمضت الإدارة الأميركية عينيها عن سحق صدام حسين انتفاضة الجنوب، التي اعتبرتها واشنطن امتداداً لإيران واتّجاهاً إلى تقويض الواقع التقليدي القائم في بغداد. فيما صرَّح وزير الدفاع الأميركي هارولد براون في آب 1995، عقب انشقاق صهر الرئيس العراقي الفريق حسين كامل ولجوئه إلى عمان، أنَّ الولايات المتّحدة تريد "بديلاً من داخل النظام ومن منطقة الوسط". تغَّير ذلك مع إدارة بوش الابن، الذي اتّجه، وقبل (11 أيلول2001)، إلى سياسة التخلٍّي عن "الاحتواء المزدوج" لمصلحة احتواء منفرد لبغداد عبر سياسة "العراق أولاً" التي تحوَّلت، بعد ضرب البرجين، إلى اتّجاه واضح نحو غزو العراق، وهو ما بانت ملامحه الواضحة في "خطاب حالة الاتّحاد" الذي ألقاه الرئيس الأميركي في الشهر الأول من 2002 بعد قليل من غزو الأمريكان لأفغانستان. كانت الترجمة الفورية لذلك تقارباً ايرانياً – أميركياً علنياً، لم يقتصر على مظهر التلاقي الموضوعي، كما حصل بينهما تجاه كابول "طالبان" في خريف 2001، وإنًّما امتدًّ إلى تلاقي الإرادات، وهو ما أظهرته صورة وفد المعارضة العراقية، الداخل إلى مبنى الخارجية الأميركية في أوائل آب 2002، بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم، الذي صرَّحت مصادره بأنَّه قد أخذ الضوء الأخضر من المرشد خامنئي قبل حصول هذا اللقاء، وهو ما تَّكرر في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية في الشهر الأخير من عام2002، والذي حضره السفير الأميركي في أفغانستان سلمان خليل زادة، حيث بانت طبيعة التركيبة الحاكمة المقبلة في بغداد من خلال الحاضرين في ذلك المؤتمر، الذي غلبت عليه التركيبة الشيعية – الكردية. كان يوم سقوط بغداد بيد المحتل الأميركي في 9 نيسان 2003 بداية شهر عسل الزواج الايراني – الأميركي، وقد بانت ملامح ذلك عبر واقعة حصول حلفاء إيران التقليديين على الحصَّة الكبرى من كعكة "مجلس الحكم العراقي" الذي شكَله الحاكم الأميركي "بول برايمر" في تموز 2003، بعدما شكلوا الستارة المحلية الرئيسة للغزو، ثمَّ للاحتلال، فيما أعطت طهران تقاربات لافتة حيال الولايات المتحدة مقابل ذلك، كما جرى في شهر الرئاسة الدورية لمجلس الحكم من جانب السيد جلال طالباني، لمَّا اعترفت طهران بمجلس الحكم وأعادت فتح سفارتها في بغداد، الأمر الذي ترافق في الشهر نفسه، أي تشرين الثاني 2003، مع اعلان طهران وقف برنامج التخصيب النووي الايراني. كان قرار السلطة الايرانية استئناف برنامج التخصيب النووي في 8 آب 2005، بعد قليل من انتخاب المتشدِّد أحمدي نجاد وهو المدعوم من السّيد خامنئي، إعلاناً عن حصول الانشقاق الايراني–الأميركي بمبادرة من طهران. ويبدو أن الإيرانيين درسوا ملياً، في حركتهم الهجومية الاستباقية هذه، ما حصل لدمشق التي وُضعت في موقع دفاعي من جانب القطب الواحد الآتي بحضوره المباشر إلى الاقليم منذ يوم 9 نيسان 2003، والذي أراد بعد هذا الحضور إعادة النّظر في الأدوار الاقليمية السابقة، وهو ما أدَّى إلى صدام مباشر مع دمشق، توضَّحت ملامحه منذ زيارة الوزير "باول" للعاصمة السورية بعد أسابيع من سقوط بغداد، ثمَّ وضعت عناوينه وأجنداته مع القرار 1559 (2 أيلول 2004) الداعي لسحب القوات السورية من لبنان. لم يكن هذا القرار الايراني رد فعل على ما جرى عند شاطئ المتوسط، وإنّما تعبيراً عن محصلة قوى رأت طهران أنَّها أصبحت تمتلكها، عقب أن أزالت الولايات المتحدة أعداء ايران في الشرق والغرب، الذين دفعت طهران مئات الآلاف من جنودها عبثاً لإزالة أحدهم عند حدودها الغربية، وبعد أن تحقَّق لطهران نفوذ في بلاد الرافدين (عبر مشهد شبيه بالذي عبَّر عنه كارل ماركس تجاه ما قام به بسمارك من تحقيق للوحدة الألمانية في عام 1871، بعبارة "إنّه يقوم بجزء من عملنا"، وهو ما يستدعي الانطباعات الداعية للتأمُّل حول الفرق بين العقليتين الإنكليزية والأميركية اللتين يمكن تلمُّس الفرق في استيعابهما للوضع العراقي من خلال مطالعة "اوراق" "جيرتروود بيل" التي أقنعت لندن بتبنِّي فيصل ملكاً على العراق في صيف 1921 وقراءة مذكرات "بول بريمر" عن العام الذي قضاه في العراق) النفوذ الذي سعى اليه حكام بلاد فارس خلال الخمسة قرون الفاصلة التي تبدأ مع نشوء الدولة الصفوية (1502)، ليضاف ذلك إلى ما تملكه طهران من أوراق قوة امتدادية في لبنان وفلسطين، حيث أصبحت ايران، عبر قوى محلية فيهما، لاعباً رئيسياً في الصراع العربي – الاسرائيلي، ثم ليضاف ذلك إلى نفوذ ايران في اليمن عبر أتباعها الحوثيين الذين سيطروا على صنعاء في 20أيلول2014. ربَّما، لن يكون هناك الكثير من المغالاة في القول إنَّ هناك بداية تنازع نفوذ بين طهران وواشنطن، على العراق، الآن. حيث يوجد للثانية قوات وقواعد عسكرية، فيما تملك الأولى الامتداد السياسي المحلي، ويملك الموالون لها الكتلة البرلمانية الأقوى ومفاصل السلطة والمراكز الكبرى. تعطي المسافة المتزايدة، باطِّراد، بين واشنطن والقوى الشيعية العراقية، مؤشِّرات على ذلك. هنا، كان حديث وزيرة الخارجية الأميركية "كوندوليزا رايس" عن "معتدلين في مواجهة متشددين" في الشرق الأوسط، في أثناء زيارتها للمنطقة في تشرين الأول 2006، مؤشِّراً أوّلياً على الاتجاه نحو تبنِّي هذه الاستراتيجية الجديدة، بما تعنيه من انشاء حلف اقليمي ضد طهران برعاية واشنطن، بكلِّ ما يحويه ذلك من اتِّجاه أميركي مستعاد لإعادة الاعتماد على العديد من الأنظمة العربية القائمة، وما يعنيه هذا من التخلّي عن اتِّجاه الدمقرطة الذي تبنَّته الإدارة الأميركية عبر "مشروع الشرق الأوسط الكبير" (13 شباط 2004). هذا، أيضاً، يترافق مع ملامح أولية عند واشنطن للتخلي عن السياسة التي اتَّبعتها، منذ تولي بوش الابن للأمور عام2001، بوضع عملية "التسوية" للصراع العربي الاسرائيلي في البراد، ربَّما للاتّجاه نحو محاولة تجفيف ينابيع الامتداد الايراني إلى شرق المتوسط عبر البؤر المتفجِّرة في هذا الصراع. طرح ما يسمى ب "صفقة القرن" من خلال (ورشة البحرين) في 25-26حزيران2019، ولو عبر شقِّها الاقتصادي، فيماشقّها السياسي سيطرح بعد الانتخابات الاسرائيلية (17أيلول) وتشكيل حكومة جديدة هناك، يدل على ذلك. من الواضح، الآن منذ سحب ترامب التوقيع الأميركي على اتّفاق 2015 النووي مع إيران بيوم 8أيار2018 ثمَّ بدء تطبيق العقوبات الأميركية على طهران في 4تشرين ثاني2018، مع اشتراط واشنطن ثلاثة شروط جديدة: تعديل الاتفاق النووي، اتفاق أميركي-ايراني على البرنامج الصاروخي الايراني، طرح ملف التمدد الايراني الاقليمي، إنَّ المنطقة، الممتدَّة بين أفغانستان وساحل شرق المتوسط وصولاً للجنوب عند باب المندب، أصبحت ساحة للمجابهة بين القوتين العظميين في الشرق الأوسط الراهن، أي واشنطن وطهران: إلى أين سيقود كل ذلك؟ إلى تسوية، وهو ما تدلُّ ظواهر عديدة على امكانية حصولها، أم إلى حرب؟
2- مقال مترجم: تاريخ النشر 12 نيسان 2019. https:\www.newspapersglobal.comAReuropeFrancefrance.htm "هل انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران يعني انهيار الاتفاق تماماً؟ او بالأحرى، هل يكون انسحاب ترامب بداية لإعلان دول أوربا المشاركة في الاتفاق انسحابها هي الأخرى نزولاً عند رغبة الأمريكي؟ ترجمة: هيئة التحرير كانت تلك الاسئلة التي جالت في أذهان الكثير من المحلّلين والمراقبين لشؤون الشرق الأوسط بعد لحظات من إعلان ترامب انسحابه من الاتّفاق النووي الذي يعتبره "الأسوأ" في التاريخ، رغم أنَّ دول أوروبا والأمم المتحدة حذَّرتاه أولاً من هذا الأمر وطلبتا بديلاً يمكن اللجوء إليه إذا كان يرغب فعلاً في الانسحاب من الاتفاق، لكن على أي حال حدث ما حدث ولم يعد هناك مجال للرجعة، فالرئيس الأمريكي الذي يأتي للمرة الأولى من خارج دوائر صنع القرار السياسي وأثار جدلاً كبيراً منذ تولّي السلطة، نفَّذ ما عزم عليه وتعهَّد به منذ اللحظة الأولى، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات لا تحصى حول المتوقَّع لما بعد الانسحاب الأمريكي.
الشرخ القاري:
إنِّ الأمر الذي يطرح نفسه بقوة هو أنَّ يحدث انقسام بين الولايات المتَّحدة وأوروبا، فالدول الأوربية لا تريد أن تضيّع 21 شهرا من المفاوضات جرت خلال عامي 2013، 2014 من أجل التوصل إلى اتِّفاق2015 مع إيران هباءً. وإيران لن تدخل المعركة مباشرة وتواجه الولايات المتحدة، بل ستلعب دور العاجز في هذه الأزمة، وستتواصل مع باقي الدول التي وقَّعت على الاتفاق النووي، وأيضاً لروسيا والصين اللتان تساندانها بالفعل، وحينها ستطلب اتِّفاقاً يعوّضها عن العقوبات الأمريكية الجديدة وستبقي الاتِّفاق مع الدول الأوروبية فقط. وبالنتيجة ستجد أوروبا نفسها غارقة في أصعب معضلة بتاريخها. حيث أنَّ المفوَّضة الأوروبية "فريدريكا موغيريني" تدعم وتؤيِّد بقوَّة الاتِّفاق النووي، ولكنها ستكون مقوّضة الصلاحيات إذا كان لأصحاب القرار في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا رأي آخر في شأن الاتّفاق النووي، أو إذا لم تتوصَّل الدول الثلاث إلى اتِّفاق مشترك فيما بينها. بمعنى أدق، هل يمكن لقادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا اتِّخاذ قرار يتخطَّى أمريكا؟ وهل في وسعهم الدخول في مفاوضات لإبرام اتِّفاق جديد مع الإيرانيين دون موافقة أمريكية، أم أنَّهم سيرتبطون سراً وعلانيةً بقرارات ترامب وإدارته. هذه اللحظة، ستكون حاسمة للدول الأوروبية، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل سيعارض هؤلاء القادة سياساتهم التي تبنُّوها بأنفسهم على مدار السنوات الماضية؟ أم أنَّهم سيودون ببلادهم إلى صدع رهيب مع أمريكا؟ وهناك أمر ثالث مطروح، إذا قرَّرت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" وجارها الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الالتزام بالاتِّفاق النووي، حينها ستجد بريطانيا نفسها في مواجهة أزمة أخرى، فهل ستضحِّي بفرنسا وألمانيا أم تتخلَّى عن علاقاتها مع الولايات المتحدة؟ لا تتعلَّق الأزمة بالتداعيات السياسية فقط، فهناك مسألة أخرى لا بدَّ من وضعها في الحسبان، وهي أنَّ أي خلل في العلاقات الأمريكية الأوروبية من شأنه أن يؤثِّر على حلف شمال الأطلسي (ناتو) واستقراره، وهو ما يعني بالتالي أنَّه سيكون من مصلحة إيران أن تعلن تمسُّكها بالاتِّفاق النووي رغم تراجع واشنطن حتَّى تجد الولايات المتَّحدة وأوروبا أنفسها في مواجهة مشكلة لها تداعيات سلبية مهما كانت الاختيارات، وهو ما سيلتقي مع مصلحة إيران وروسيا والصين. إيران أصبحت في انتظار الرد الأوروبي ومدى استجابته للضغوط الأمريكية للانسحاب من الاتِّفاق النووي، فهذا الرد سيكون حاسماً إلى جانب قوة العقوبات الجديدة المفروضة على إيران، في تقدير رد فعل نظام "آية الله خامنئي" في طهران. فمثلاً يمكن أن تقرِّر إيران أن تعود إلى تهديداتها بالانسحاب من الاتفاق النووي لكنَّها لا تنسحب منه رسمياً حتَّى لا تفقد مليارات الدولارات التي حصلت عليها مع تخفيف العقوبات، وربَّما بإمكانها أيضاً أن تنسحب تماماً من الاتفاق، لكنَّها على أي حال لن تغامر في البداية وستلجأ إلى المراوغة والبحث عن حلول وسط. وهناك وسائل أخرى في يد إيران للضغط، حيث يمكن لإيران أن تعود لتخصيب اليورانيوم بنفس المستويات التي كانت تقوم بها في السابق قبل إبرام الاتفاق النووي، أو أنَّها ربَّما تعمل على إعادة تشغيل المفاعلات التي تمَّ تخفيض نشاطها بفعل الاتفاق، وهذا لا يعني أنَّ إيران تعلن انسحابها من الاتفاق النووي أولاً، حيث ستلجأ إيران إلى حجة أنَّ الولايات المتحدة هي من نقض الاِّتفاق أولاً، وستؤكِّد أنَّ تخصيب اليورانيوم لا يتم بالمستويات التي تنتهي بصناعة الأسلحة النووية، وأنَّها ملتزمة بالاتِّفاق النووي وباتِّفاقية نزع السلاح والاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتكون إيران بذلك قد استأنفت تخصيب اليورانيوم (رمزياً) . هذا السيناريو لا يعني بالضرورة أن يوشك الوضع على الانفجار كما كان في السابق قبل إتمام الاتِّفاق النووي عام2015، فبكل سهولة يمكن أن تكون هذه ورقة مقايضة في أيدي الإيرانيين ضد أوروبا لإجبارهم على الالتزام بالاتفاق النووي، بل أنَّها قد تصل إلى حد تجعل الجميع يتوقَّف ليفكر قليلاً في مآلات وتداعيات ما قام به ترامب، وسيكون أمام الجميع فرصة للتراجع عن الحافة التي وصلت إليها التيارات المتشدِّدة في كل من إيران والولايات المتحدة. في نفس الوقت، هناك عنصر حاسم وهو الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس الذي يعمل في سوريا ولبنان، فوفقاً لمزاعم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، تعمل طهران منذ فترة على توجيه ضربة انتقامية ضدَّ أهداف إسرائيلية بعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت قواعد إيرانية في سوريا. وعلى الرِّغم من أنَّ هناك حرب في الظل تجري بين إيران وإسرائيل على أرض سوريا، وبينما هذه الحرب تبدو صراعاً منفصلاً، فإنَّ الواقع يؤكد أنَّ أي تغيير على جبهة الاتِّفاق النووي الإيراني سيغذِّي الصراع بين كل الأطراف. ولو حدث فعلاً وشنَّت إيران هجوماً انتقامياً على إسرائيل، فإنَّه من المستحيل التنبُّؤ بكيفية رد ترامب ومدى العقوبات التي يمكن أن يفرضها، وكذلك من الصعب التنبُّؤ برد فعل الأوروبيين. الفخ العالمي: حين تمَّ توقيع الاتِّفاق النووي، كان التأكيد دوماً على أنَّ هذا الاِّتفاق غير مرضٍ، وهو ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لكن الحقيقة هي أنَّ أحداً لم يكن يصدِّق أوباما أنَّه سيجنِّد قوَّاته العسكرية للترويج لحرب ضدَّ إيران وفي الجانب المقابل ورغم تأكيدات إيران على حقوقها في استخدام الطاقة النووية، فأنَّها كانت على استعداد للتنازل عن جزء من هذا الحق في مقابل رفع العقوبات. الآن، وبعد وصول ترامب للبيت الأبيض، تغيَّرت نظرة طرفي المعادلة كثيراً، والسؤال الآن هو إلى أي حد بات الطرفان على استعداد للمزايدة بشكل أكبر؟ بمعنى آخر، سيكون العالم أمام سباق من ردَّات الفعل المتواصلة دون أي حدود أو قيود. وحينها سنجد إيران وكوريا الشمالية قادرتين على تطوير السلاح النووي دون أي عوائق، وهذا يعني أنَّ العالم سيكون على شفا حرب جديدة لا مفرَّّ منها، وستكون هناك عدّة ضحايا لهذه الحرب، أبرزها المملكة العربية السعودية وسوريا ولبنان واسرائيل. إنَّ هذا السيناريو لا يزال بعيداً إلى حدٍ ما، ولكنه خيار مطروح متوقِّف على مدى استجابة طهران والجانب الأوروبي للقرار الأمريكي. حرب الوكلاء: في عام 2014، حين سقطت أغلب محافظات العراق في أيدي تنظيم (داعش) الإرهابي، كانت إيران أولَّ من أسرع بتجهيز وتنظيم وتسليح ودعم الحكومة العراقية ودرَّبت الآلاف من المقاتلين الشيعة تحت اسم (قوَّات الحشد الشعبي) التي باتت من أهم القوى السياسية والعسكرية في العراق، وهذا يعني أنَّه بإمكان إيران استخدام قوَّات "الحشد الشعبي" التي تسعى بالأساس لإجبار الولايات المتَّحدة على مغادرة الأراضي العراقية، لتنفيذ هجمات ضدَّ القوَّات الأمريكية المتمركزة في العراق. وهذا السيناريو له العديد من الجوانب التي يمكن اللجوء إليها دون أن تكون إيران متورطة بشكل مباشر، فمثلاً يمكن أن تكون قذيفة هاون أو صاروخ او قنبلة على أحد جانبي الطريق، وبالتَّالي لن يكون هذا مرتبطاً بالحشد الشعبي أو بإيران، وستكون طهران قادرة على التبرُّؤ من هذه الهجمات طالما لا يوجد أي دليل على ارتباطها بها. وسوريا أيضا هي الأخرى ملعب يمكن أن تلجا إليه إيران للرد على القرارات الأمريكية، ولدى إيران ميليشيات شيعية في سوريا قوامها يزيد عن 80 ألف مقاتل، يمكن اللجوء إليهم في هذه الحالة، حيث يمكن من خلالهم استهداف اسرائيل للمرة الأولى منذ بداية النزاع في سوريا، كما أنَّه بإمكان إيران وميليشياتها التابعة في سوريا استهداف ما يزيد على 2000 مقاتل أمريكي متواجدين في شمال وشرق سوريا. كذلك يمكن لطهران استخدام ميليشياتها في لبنان وفي اليمن للضغط على أوروبا والولايات المتحدة، من خلال حرب عصابات عبر وكلائها في منطقة الشرق الأوسط، وبما أنَّها حرب عصابات ووكلاء، فلن يكون هناك دليل واحد يمكن اتهام إيران بأنَّها وراء هذه الهجمات في أي دولة. إنَّ السيناريوهات المطروحة أمام الجميع لا تبشِّر بالخير، وتهدِّد بتحوُّل العالم وتغيّره، في إطار تغييرات تعصف بمنطقة الشرق الأوسط بأكملها على مدار الثماني سنوات الماضية، وهو ما يتطلَّب من الجميع الالتزام بالهدوء والتوقُّف قليلاً للتفكير في مآلات وتداعيات تحركاتهم، فهل تكون القوى الكبرى على قدر المسؤولية؟ أم أنَّ حمى "ترامب" والتصرُّفات المرتبكة والقرارات السريعة انتشرت في أنحاء العالم؟ المصدر: https:\www.newspapersglobal.comAReuropeFrancefrance.htm ___________________________________ 3- أنقرة بين واشنطن وموسكو
مصطفى سعد سيطرت الدولة العثمانية على مدينة القسطنطينية عام 1453 عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، ليبقى الصراع قروناً عدة بين روسيا القيصرية التي ترى نفسها روما الثالثة، والعثمانيين، بذرائع عقائدية ولأسباب اقتصادية أهمَّها السيطرة على المضائق البحرية. إلى أن اعتلى البلاشفة سدة الحكم في روسيا عام 1917 الذين امتلكوا رؤى مختلفة عن سابقيهم، فحدث تغييراً واضحاً لكن ليس جذرياً في العلاقة بين البلدين. أسفر عن هذا التغيير توقيع معاهدة الصداقة والأخوة في آذار 1921، ورغم انتهاء دولة الخلافة عام1924واستلام كمال مصطفى أتاتورك مقاليد الحكم وتبني العلمانية كنظام للدولة، إلاَّ أنَّ العلاقات لم تتطوَّر بين تركيا والاتحاد السوفياتي، بل بقيت في صعود وهبوط، مع ميل واضح للأتراك نحو الغرب. خصوصاً أنَّ العالم صار واضح المعالم محدد بقطبين وحيدين أحدهما تمثّله الولايات المتحدة الأميركية وثانيهما يتزعّمه الاتّحاد السوفياتي. اختارت تركيا الغرب لما رأت أنَّه يحقق مصالحها الذاتية ويوائم مسعاها في الاندماج بحضارته. بعد الحرب العالمية الثانية أخذت العلاقة بين واشنطن وأنقرة بالتطوُّر لتصبح تحالفا في عهد الرئيس الأميركي ترومان بعد نجاح الحزب اليميني الوسطي (الحزب ال0000000ديمقراطي) في الانتخابات عام 1950 ليصبح "جلال بايار" رئيساً للجمهورية، و"عدنان مندريس" رئيساً للوزراء. شاركت تركيا الولايات المتحدة في الحرب الكورية. وبوجود برجوازية كمبرادورية مسيطرة في تركيا، قام الرأسمال الأميركي بالاستثمار على أراضيها، ممَّا أدَّى لدخولها في حلف النّاتو في شهر شباط من عام 1952، وبالتّالي تكسب واشنطن حليفاً قوياً وحدودياً، مع عدوها اللدود الاتحاد السوفييتي حتىَّ أنهَّ في عام 1962 أصرَّ "خروتشوف" على تفكيك قواعد تنصت وصواريخ تستخدمها واشنطن في الشمال الشرقي لتركيا مقابل صفقة تفكيك الصواريخ السوفياتية في كوبا. بقيت علاقة أنقرة بواشنطن وموسكو على ما هي عليه في إطارها العام، مع بعض الحالات الخاصة مثل غزو تركيا لليونان عام 1974، الذي سبَّب توتُّراً في علاقة الحليفين أميركا وتركيا. عام 1991 شهد حدثين هامين في المنطقة والعالم أولهما حرب الخليج الثانية، وثانيهما تفكك الاتحاد السوفياتي. في الحدث الأول شاركت أنقرة عبر قوات التحالف التي كانت تنطلق من أراضيها (قاعدة أنجرليك) لضرب العراق، وفي الحدث الثاني كانت أول من اعترف بروسيا الاتحادية. وظهرت محاولات لبدء مرحلة تاريخية جديدة تختلف عن سابقاتها بين البلدين. وبعد زيارات متبادلة وقع رئيس الوزراء التركي سليمان ديميرل (الذي أصبح رئيساً لبلاده في العام التالي) مع الرئيس الروسي بوريس يلتسن معاهدة مبادئ العلاقات بين جمهورية تركيا والاتحاد الروسي في 25أيار1992، وكان من المتوقَّع أن تكون تلك المعاهدة قاعدة صلبة يبنى عليها مستقبل جديد. إلاَّ أنَّ المتغيرات الإقليمية سرعان ما أظهرت اختلاف مصالح البلدين، وبالتالي تباين المواقف وتناقضها كالأزمة الشيشانية وموقفهما منها، وتدخل الناتو في آب 1995ضد يوغوسلافيا في حربها على البوسنة والهرسك، كما في صراع أرمينيا المدعومة من روسيا وإيران وأذربيجان على أقليم "نارغوني كارباخ". فكان هناك حلم تركي سعت له أنقرة بفترة حكم الرئيس "توركوت أوزال" لخلق عالم أو أمة تركيا تمتد من بحر إيجه حتى حدود الصين. كانت تركيا تعمل كما ترغب الولايات المتحدة وإن كانت أسبابهما وغاياتهما مختلفة. في كانون الثاني من عام 1997 طلبت حكومة قبرص اليونانية من موسكو شراء منظومة صواريخ (سام_300)، مما جعل تركيا تخرج عن دبلوماسيتها بتصريحات رسمية تهدِّد فيها باستخدام القوة العسكرية مباشرة في حال نشرت هذه الصواريخ. حاول النظام في روسيا الوصول لتسوية مفادها سحب تركيا لقواتها العسكرية من قبرص الشمالية، مقابل إلغاء تلك الصفقة، لكن طلبه قوبل بالرفض. وكي لا تذهب الأمور لصراع إقليمي بين دولتين حليفتين في الناتو تدخلت واشنطن بكل ثقلها الدبلوماسي ونجحت بإقناع القبارصة اليونانيين بالعدول عن صفقتهم. وجدير بالذكر أنَّ العلاقات التجارية الرسمية وغير الرسمية لم تتوقَّف أبداً بين موسكو وأنقرة. ومع بداية الألفية الجديدة تولى ضابط المخابرات الأسبق فلاديمير بوتين الحكم في روسيا، الذي يمتلك مشروع وحلم بإعادة أمجاد روسيا القيصرية، تزامن عام2002مع نجاح حزب العدالة والتنمية في تركيا، معتمداً مبادئ عدَّة منها التأثير في الأقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار، ومبدأ السياسة الخارجية المتعددة الأبعاد. ولتطبيق هذين المبدأين لابدَّ من اتِّباع أو ابتكار أساليب دبلوماسية جديدة، فكان أسلوبها دبلوماسياً متناغماً، سرعان ما ظهرت نتائجه لتظهر تركيا بفعالية خارجية واستقلالية أكبر ممَّا كانت عليه في فترات سابقة. قد يمكّننا إسقاط فكرة لينين على الوضع التركي عندما تحدَّث عن إمكانية قيام ثورة في الأطراف ليست اشتراكية لكنها أيضاً ليست برجوازية. لنجد أنَّ كلاً من بوتين وأردوغان قادا مرحلة جديدة في علاقة البلدين، مرحلة لا تهتم بالقضايا الخلافية، بالقدر الذي لا تنساها، لكنها تصبُّ كل تركيزها على المصالح التبادلية بين البلدين، فشكل هذه العلاقة الجديدة محدَّد واضح المعالم عنوانه المصلحة المشتركة. وظهرت مواقف غزلية متبادلة، فما كان من روسيا -التي هي ليست ضمن الاتحاد الأوروبي-إلاّ أن تؤيِّد انضمام تركيا إليه، والأخيرة أيَّدت انضمام الأولى إلى منظمة المؤتمر الإسلامي كدولة مراقبة. وعام 2005 شهد افتتاح خط أنابيب (بلوستريم) الذي يقوم بنقل الغاز الطبيعي الروسي تحت مياه البحر الأسود. والتوافقات شملت عدة قضايا مختلفة منها العمل على حل الصراع العربي الإسرائيلي برعاية الأمم المتحدة، والعمل على عدم تغيير أنظمة الشرق الأوسط بقوة السلاح الأميركي (بعد مشاركة تركيا للمرة الثانية في غزو العراق)، كما كانت كل من أنقرة وموسكو مع تبنِّي الحلول السلمية جنوب القوقاز وكأنِّه هناك اتّفاق على عدم وقوع أي تغييرات جيوسياسية خصوصاً في منطقة البحر الأسود. لكن عام 2007 عقدت روسيا اتفاق مع بلغاريا واليونان لنقل الغاز عبر بلغاريا إلى أوروبا عبر البلقان، ممّا كان يدّل على عدم وجود رغبة روسية في استعمال الأراضي التركية كمعبر للغاز الروسي نحو أوروبا، ممّا شكلّ خيبة أمل للأتراك. مع بداية الربيع العربي، وتحديداً منذ بداية الأزمة السورية آذار 2011، بدأ الخلاف العلني في قراءة الحريق السوري، أسبابه، وطريقة إخماده، بدا كأن أردوغان يراهن على تسوية سياسية بين الإخوان المسلمين والنظام السوري، وعندما هبّت الرياح لا كما تشتهي سفنه، اتَّخذ موقفاً حاسماً من السلطة القائمة في دمشق، وذهب مع الإخوان المسلمين ومن لفَّ لفَّتهم، لتأسيس المجلس الوطني في 2تشرين أول 2011، بعد زيارة فاشلة إلى دمشق لوزير الخارجية أحمد داوود أوغلو في الأسبوع الأول من آب. ومع قطيعة باريس والدوحة مع دمشق، بتنسيق تركي-قطري، جرى في أيلول ترتيب دعوة لثلاثة تنظيمات معارضة سورية في قطر، هي الإخوان المسلمين وإعلان دمشق وهيئة التنسيق، للدخول في محادثات من أجل تشكيل ائتلاف وطني سوري معارض، على غرار المجلس الليبي، يكون ذريعة لتدخل عسكري أجنبي. فشل المسعى التركي بسبب الموقف الحاسم لهيئة التنسيق على أن يتم ذكر في النص التأسيسي عبارتين هما: الرفض لأي تدخُّل عسكري خارجي والرفض للعنف من أي جهة أتى. أمَّا الموقف الروسي فكان واضحاً منذ اليوم الأول للأزمة، بأنَّه رافض لأي تدخُّل، تحت أي بند، لعدة أسباب منها أهمية سوريا ومياهها الدافئة بالنسبة له، ولأنَّه يرفض تكرار التجربة الليبية عاد منها خالي الوفاض. الرئيس الأميركي باراك أوباما كان متردِّداً ومتناقضاً، راضياً بأنَّ تستلم تركيا وقطر ملف المعارضة السورية وتسليحها. وما إن ظهرت الرايات السود(النصرة عام2012وداعش عام2013، والمنظمات العابرة للحدود، قرَّر الرئيس الأميركي محاربتها. أراد أوباما أن يثبت إبرة فرجاره لرسم الدوائر، فكان الشمال الشرقي الاختيار الأنسب له جغرافياً وديموغرافياً، فالأكراد هم الأكثر حاجة للدعم والأكثر قابلية للتَّعاون وبالأجر الأدنى، بسبب ضعفهم والعداء المتبادل مع الجوار، مع ما ترافق بانقلاب سياسة الرئاسة الأميركية على الاخوان المسلمين منذ عام 2013، الذي أدى إلى خلاف أميركي_ تركي، فرأى الأول بأكراد سوريا كيان متجانس غير مطيف، ولم تنجح فئات مدعومة من تركيا وغيرها في شق صفوف الأكراد فصاروا الكيان الوحيد القادر على التنظيم والاستقرار السياسي والأمني. عملوا على إيجاد تباين موجود في مخيلتهم فقط بين منظمة كانوا قد صنفوها عام 1997إرهابیة هي "حزب العمال الكردستاني" وقوة حليفة لهم ومدعومة بشكل مباشر منهم هي "الاتحاد الديمقراطي" التي الفرع السوري لحزب عبد الله أوجلان. لم تنس تركيا أنَّ ثمرة مكافأتها على مساهمتها في غزو العراق 1991 كان نواة لكيان كردي في العراق نفسه، برزت تلك النواة سنة 1992، ولم يعد إسقاط الأسد أولوية بالنسبة للأميركي ولا للغرب، فوجدت أنقرة نفسها على خلاف مع واشنطن وموسكو في آن واحد. ظهر الخلاف التركي-الأميركي بوضوح تام يوم 15 تموز 2016 بمحاولة الانقلاب الفاشل على نظام الحكم في تركيا، حيث سارع وزير الخارجية الأميركي جون كيري للتعبير عن أمله بالهدوء والسلام، ووجود سلطة تدير شؤون البلاد. السفارة الأميركية في واشنطن أصدرت بياناً ليلة الانقلاب، تصف به ما يجري في تركيا على أنَّه انتفاضة، على عكس الموقف الروسي من الانقلاب، والذي أشيع أنه تم إحباطه بمساعدة الروس. جاء هذا الحدث ليعزز التقارب الروسي _التركي، وليثمر عنه اتفاق يقتضي بموجبه وقف الدعم التركي للمسلحين المقاتلين في حلب والغوطة وشمال حمص، مقابل غطاء روسي لعملية عسكرية تركية في خط جرابلس-الباب – أعزاز عام 2016. ومقابل صمت موسكوعن العملية العسكرية في عفرين أوائل 2018 ومقابل اتفاق بوتين – أردوغان في 17 أيلول 2018 التي أعطى غطاء روسياً للوجود التركي العسكري-السياسي في محافظة إدلب. أخذت تركيا شريطاً حدودياً يمتد من جرابلس حتى منطقة ربيعة قرب بلدة كسب في محافظة اللاذقية على طول الحدود السورية-التركية فيه وجود تركي عسكري مع أتباع سوريين محليين من الاسلاميين يتبعون سياسياً لأنقرة بموافقة ومباركة روسية. وأضيف لهذا الثنائي طرف ثالث هو إيران ليصبح مثلثاً زواياه مختلفة. نجح هذا المثلث في عقد مؤتمر سوتشي في كانون ثاني2018، وكان من أبرز مخرجاته الاتفاق على تأسيس لجنة دستورية تعد دستوراً جديداً للبلاد، ودعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية، وانتخابات للإدارة المحلية بديمقراطية ونزاهة وحسب الدستور الجديد، وستنطلق هذه اللجنة خلال الشهر القادم(آب2019) أو الذي يليه على أبعد تقدير. لكن ينبغي أن نسأل هل هذا يعني انفكاك العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا؟ من الصعب جداً قطع العلاقات بين البلدين، إن لم يكن مستحيلاً، فروسيا لا تستطيع تعويض الفراغ الأميركي لدى تركيا، والعكس صحيح. لهذا علينا أن نذكِّر دائماً أنَّ تركيا لم تتوانى يوماً عن تأكيد استعدادها لحوار الولايات المتحدة بغية التوصٌّل لتسوية لا تكون تحت الإذعان والرضوخ وأنَّ صفقة الصواريخ (اس_400) التي اشترتها من روسيا كانت بعد طلب شراء منظومات باتريوت لأهداف دفاعية رفضت إدارة الرئيس أوباما بيعها. ويبقى السؤال الأهم هل تستطيع القوى الإقليمية فرض حل للأزمة السورية على القوى الدولية أو بشكل أدق بعدم تدخل أميركي مباشر؟
4- بين تركة الماضي وتحديات المستقبل سمير سالم
في بقعة من شرق المتوسط، تقاسم الفرنسيون والبريطانيون تركة الإمبراطورية العثمانية. وفي سنة 1920 أعلن الجنرال "غورو" قيام دولة "لبنان الكبير" وقاد جيشه إلى دمشق، وكان من الطبيعي أن تنشأ علاقات اقتصادية وسياسية بين هذين الكيانين. فمن بعيد تبدو الأراضي اللبنانية بمثابة خاصرة بحرية لسوريا، وتلتقي المسارات التاريخية لهاتين الدولتين في العديد من النقاط. الدولتان اللتان قسمتهما "سايكس بيكو"، وبمؤسسات مشتركة بقيت لفترة من الزمن مثل بنك سورية ولبنان، والذي حمل هذا الاسم لفترة تجاوزت استقلال البلدين. وارتبطت العلاقة بين الشقيقتين بالكثير من القصص التي يمكنك أن تسمع نسخاً عديدة ومتنوعة منها، إلاَّ أنَّها وعبر التاريخ الحديث تشكّلت في المخيّلة السياسة عبر عدد من الأحداث البارزة، التي صنعت التاريخ السياسي للعلاقة بين البلدين. لعلّ أكثر حادث تاريخي تتجلَّى فيه نوع العلاقة بين البلدين هو حين انفجر الوضع الداخلي في لبنان إثر محاولة الرئيس "كميل شمعون" الدخول في تحالف مع الغرب عام 1958 بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ولم تنته الأزمة إلَّا بعد تدخٌّل الرئيس "جمال عبد الناصر" سياسياً ممّا أدّى إلى حلول "فؤاد شهاب" محل الرئيس "كميل شمعون". وتمّ التوصُّل إلى اتفاق يمنح لبنان الحرية الكاملة كدولة مستقلة في الداخل اللبناني، أمَّا فيما يتعلق بسياسته الخارجية فإنَّه لا يجوز للسلطة اللبنانية اتّخاذ القرار إلاَّ بعد التنسيق المسبق مع "الجمهورية العربية المتحدة". تتجلَّى في هذه الحادثة التاريخية النظرة الإقليمية إلى لبنان بوصفه خاصرة قاصرة لسوريا. "الأخ الأكبر" الغريب: دائماً ما اعتبرت سوريا بمثابة الشقيقة الكبرى للبنان، وذلك بحكم الجغرافيا، وفي رواية "جورج أورويل" الشهيرة "1984" يستخدم "أورويل" مصطلح "الأخ الأكبر" برمزية الخوف من الدولة الأمنية، "الأخ الأكبر" يراقبك، في حكايتنا هذه تحوّلت الشقيقة الكبرى إلى "الأخ الأكبر"، فلا يمكننا تناول العلاقات السورية – اللبنانية دون التطرُّق إلى حقبة أساسية من تاريخ لبنان، وهي حقبة الدخول السوري إلى لبنان والتي استمرت منذ سنة 1976 وحتى 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء "رفيق الحريري"، وخلال هذه السنوات شهدت السياسة اللبنانية والدور السوريّ نفسه العديد من التَّحوُّلات، فبعد التدخُّل عام 1976 تحت غطاء "قوات الردع" لإيقاف الحرب الأهلية، تحوَّل الدَّور السوريّ باتِّجاه ضبط القوى المتصارعة، وتجريد الميليشيات من سلاحها، ومن كان يرتدي اللباس العسكري من أمراء الحرب والطوائف البارحة صاروا رجال برلمانيين يرتدون البدل الرسمية. ولم يكن التدخُّل السوريّ في لبنان يهدف فعلياً إلى تمكين أحد الأطراف المتقاتلة من السيطرة على الساحة السياسية أو العسكرية على حساب الأطراف الأخرى، فنفس القوَّات التي قصفت "بيروت الشرقية" كانت إلى جانب الميليشيات المسيحية في "تل الزعتر"، وأصبح الدور السوري هو حجر الأساس في السياسة اللبنانية، وتمثّل ذلك بنموذجين بارزين هما اللواء "غازي كنعان" الذي مات في ظروف غامضة بعد أشهر قليلة من اغتيال الحريري، وخلفه اللواء "رستم غزالة"، ويتحدَّث معارضو الوجود السوريّ عن دورهما بصفتهما حاكما لبنان الفعليين في فترة الوجود السوري، وبالتأكيد تشكَّلت حالة من العداء للوجود السوري وخصوصاً في الشارع المسيحي الذي عدَّ قسم كبير منه نفسه أكبر الخاسرين جراء "وثيقة الوفاق الوطني اللبناني" عام 1989 -المعروفة بـ "اتفاق الطائف"- الذي كان فعلياً حصيلة اتفاق أميركي - سوري – سعودي. فبعد أن كان "بشير" يصفهم بـ "قديسو هذا الشرق وشياطينه"، وما تبع ذلك من نفي لـ "ميشال عون" ومحاسبة "سمير جعجع" وحده دون الكثير من أمراء الحرب، عزز هذا المشهد كلّه الشعور بالاضِّطهاد لدى قسم كبير من الشارع المسيحي، الذي شعر أنَّه المستهدف دون غيره. فيما كان أكبر الرابحين من هذه التغيرات هو رئيس الوزراء "رفيق الحريري" الذي صعد إلى واجهة المشهد الاقتصادي والسياسي في الفترة الممتدة من نهايات الثمانينيات إلى اغتياله عام 2005. تكرَّس العداء للوجود السوري في لبنان وظهر إلى العلن بحدة أكبر وشمل شريحة أكبر من الشارع اللبناني بعد عام 2005. وحين نتذكَّر أحد أكثر المشاهد تأثيراً في تاريخ المنطقة في مخيّلتنا السياسية خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، يظهر أمامنا شريط بصريّ للأحداث التي توالت بسرعة كبيرة في عام 2005. ابتداءً بالسيارات المحترقة في مشهد من السحب الرمادية في يوم 14 شباط اليوم الذي شهد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، حتى الحشود التي كانت تظهر في أيدي بعضهم صور الرئيس السوري بشار الأسد بين أعلام لبنان في تظاهرة 8 آذار التي دعت إليها بعض القوى اللبنانية وأبرزها حزب الله لتشكر الدولة السورية على ما قدمته للبنان، في مقابل الرد بعد بضعة أيام بحشود كانت تنادي بضرورة رحيل القوات السورية فوراً عن أراضي لبنان في 14 آذار، وصولاً إلى مشاهد باصات الجيش السوري تنسحب خارج الأراضي اللبنانية والعسكر يرفعون إشارات النصر ويلوحون للكاميرات التي تصوِّرهم في أواخر شهر نيسان عام 2005. ليلة سقوط الملك: ومع بداية الأزمة السورية سنة 2011، كان الأمر بالنسبة للمخيلة السياسية لكثير من القوى بمثابة انكسار صنم القوة. لذلك استغلت القوى المعارضة للنظام السوري في لبنان الفرصة، للدعوة لإسقاط النظام وفق النموذجين "المصري" و"التونسي" أولاً، ثمَّ النموذج "الليبي" تالياً، وظهر بشكل جليّ شرخ واضح في الشارع اللبناني تجاه القضية السورية. فمن جهة أولى بدا أنَّ حزب الله وحلفائه يقفون بنسب متفاوتة إلى جانب بقاء الدولة السورية بوصفها "سند المقاومة"، ومن جهة أخرى كانت كلمة رئيس حزب "القوات اللبنانية" تثير الكثير من الصخب بقوله: فليحكم الإخوان وإن كان ذلك من باب اجتزاء لما قاله، إلاَّ أنَّ أحداً لم يتخيل أن يصرِّح قائد القوات اللبنانية التي يعرف الجميع تراثها الحربي والثقافي بكلمات كهذه. لم يكن سمير جعجع عاملاً أساسياً في الأزمة السورية بالطبع، بل هو كغيره من القوى السياسية اللبنانية بقيّ في موقعه الأساسيّ، وبنى موقفه من "الربيع العربي" والأزمة السورية على معيار وحيد هو مثنوية العداء/التأييد للنظام السوريّ. ازدادت حدّة المشهد مع مرور سنوات الأزمة، بتأسيس مشهدين إضافيين هما: تدخّل "حزب الله" عسكرياً في الأزمة السورية، والنزوح السوري إلى الأراضي اللبنانية. لم يتوقَّف إذاً الدَّعم عند الخطاب الإعلامي، شعرت الكثير من القوى اللبنانية أنَّ الأزمة السورية هي ميدانها الطبيعي، فتوجَّهت القوافل المسلحة، والأفراد المتحمسون، إلى ساحات قتال جديدة، يعتبرون أنفسهم فيها جزءاً من اللعبة الكبرى التي تجري في أراضي سوريا. وتحوّل ملف اللجوء السوريّ إلى ورقة سياسية بامتياز، بعد تجريدها من أيّ بعد غير سياسي. أصبحت مسألة النازحين بمثابة ورقة للضغط باتِّجاهين مختلفين، أحدهما استخدام النازحين كورقة ضغط على النظام السوري، وآخر التنسيق مع النظام لعودة اللاجئين قسرياً. ليبدو الوضع ميدانياً مختلف عما اعتادت أن تكون عليه العلاقات بين البلدين. فتكسرت رمزية "الأخ الأكبر" إلى حد كبير، ليصبح الوضع مقلوباً إلى حدِ ما. ولأول مرة كانت نقاط العبور الحدودية مزدحمة باتجاه بيروت وليس باتجاه دمشق. فبعد أن كان الوجود السوريّ هو المحور الأساسي في السياسة اللبنانية لفترة ليست قصيرة عند مقارنتها بتاريخ البلدين بعد الاستقلال، أصبحت أطراف الأزمة السورية تستعين بأشقائها إن كان على المستوى العسكري وعلى المستوى السياسي، لتحاول أن تفرض سيطرتها على أرض المعارك أو حتى خارجها. احتمالات: يبدو اليوم أنَّ نعمة أو نقمة الشقيقين مستمرة في مسارها في التاريخ، بحكم العديد من الارتباطات المستقبلية الحتمية، والأزمات الحياتية المشتركة التي تلغي أي شعور بالعداء بين الشعبين أو الحكومتين مستقبلاً. وتتعلّق احتمالات العلاقات السورية – اللبنانية بالتسوية الدولية التي تنتظر الأزمة السورية، والتي سيكون لها تأثيراً كبيراً على السياسات اللبنانية سواءً الحزبية أو الدولتية من خلال تعامل الّدولة اللبنانية مع ملف اللجوء السوري، الذي يبدو حتى الساعة ملفّاً عالقاً في وسط التجاذبات السياسية، بين خطابين أحدهما يتعامل معه بوصفه قضية إنسانية تشكّل إزعاجاً للنظام مع رفض أي قنوات دبلوماسية مع النظام السوري، والخطاب المقابل يتعامل مع اللاجئين وفق مبدأ ضرورة عودتهم إلى سوريا بعد التفاوض مع النظام على آلية رجوع اللاجئين. وفي ظل سوء وتردِّي الوضع الاقتصادي في الداخل اللبناني وانتشار خطاب الكراهية ضد اللاجئين المرتبط بالخطاب الشوفيني الشعبوي عند شخصيات مؤثرة في الشارع اللبناني – أبرزها وزير الخارجية "جبران باسيل"-، وقلة فرص العمل وازدياد الطلب على المواد الرئيسية، والخوف المستمر عند بعض اللاجئين من عواقب العودة إلى الداخل السوريّ، يشعر العديد منهم وكأنَّ لا مكان لهم على هذه الأرض. وإلى جانب انتظار حلّ ملف النازحين السوريين، وغيره من الملفات المرتبطة بالأزمة السورية والتي تلقي بثقلها على الواقع الاقتصادي في لبنان يبدو أنَّ هناك اتجاه في لبنان إلى انتظار تسويات ما بعد الحرب حتى تسنح الفرصة لبعض الشخصيات المقرَّبة من السلطة للمشاركة في إعادة الإعمار أو غيرها من الملفَّات التي قد تعود بالفائدة المادية عليها، حتىَّ وإن كانت بعض هذه الشخصيات تبث طوال الوقت خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، أو تستخدم ورقة اللاجئين للحصول على مساعدات دولية، في صورة يتجلى فيها تماماً أنَّ رأس المال لا يعترف بأي فوارق أيديولوجية أو سياسية. بالتأكيد يبدو أنَّ قدر الشعبين كما كان مشتركاً ومتقاطعاً في العديد من صفحاته، سيبقى كذلك، فإنَّ التحوّل السوريّ إلى نظام يؤمن بمفاهيم المواطنة والسيادة سيشّكل مكسباً لكلا البلدين، وسيفكِّك الصورة الشبه بطريركية في العلاقة بين البلدين، والخوف كل الخوف من أن يتحوّل البلدين إلى بلاد تحكمها السفارات، وتقرر لهما اليوم والغد.
5- مقتطف من مقال "راهنية أفكار ماركس" لـ (آلان وودز): البيان الشيوعي:
الأغلبية الساحقة من الكتب التي كتبت منذ قرن ونصف لم يعد لها اليوم سوى أهمية تاريخية فقط. لكن الميزة الأكثر إثارة للدهشة للبيان الشيوعي هي الطريقة التي توقعَّ بها أكثر الظواهر الأساسية التي تشغل اهتمامنا على الصعيد العالمي في الوقت الحاضر. من العجيب حقاً أنَّ تعتقد أنَّ كتاباً ألف سنة 1847 يمكنه أن يقدِّم صورة لعالم القرن 21 بوضوح وبصدق. في حقيقة الأمر إنِّ البيان الشيوعي هو أصدق اليوم ممَّا كان عليه عندما ظهر لأول مرة في عام 1848. دعونا ننظر إلى مثال واحد. في الوقت الذي كان ماركس وإنجلز يكتبان البيان، كان عالم الشركات متعدَّدة الجنسيات الكبيرة مجَّرد صدى لمستقبل بعيد جداً. لكنهما، على الرغم من ذلك، شرحا كيف أن المشاريع الحرة والمنافسة من شأنها أن تؤدي حتماً إلى تركيز رأس المال واحتكار القوى المنتجة. من المضحك أنَّ نقرأ التصريحات التي أدلى بها المدافعون عن السوق بشأن خطأ ماركس المزعوم بخصوص هذه المسألة، بينما هي بالضبط في واقع الأمر واحدة من أبرع توقُّعاته وأدقها. خلال الثمانينات كان من المألوف أن نسمع أنَّ كل صغير جميل. ليس هذا هو المكان المناسب للدخول في نقاش حول الجماليات النسبية للأحجام الصغيرة أو المتوسطة أو الكبيرة، والتي يحق لكل شخص أن يتبنَّى رأيه بخصوصها. إلاَّ أنَّ الحقيقة التي لا جدال فيها على الإطلاق هي أنَّ عملية تركيز رأس المال التي توقَّع ماركس حدوثها، قد حدثت وتحدث، وقد وصلت بالفعل خلال السنوات العشر الماضية الى مستويات لم يسبق لها مثيل. في الولايات المتحدة، حيث يمكن رؤية العملية بوضوح خاص، شكلت ثروة 500 شركة 73،5% من كل الناتج الوطني الإجمالي في عام 2010. وإذا أقامت هذه الشركات الخمسمائة بلدا مستقلا، فإنها ستكون ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث ستأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. في عام 2011، حققت هذه الخمسمائة شركة أرباحاً قياسية بل غت824،5 مليار دولار، بمعدل ارتفاع بلغ 16% مقارنة مع عام 2010. وعلى الصعيد العالمي تحقق 2000 أكبر شركة في العالم إيرادات بـ 32 تريليون دولار، وأرباحاً بـ 2،4 تريليون دولار، وتمتلك أصولاً تبلغ قيمتها 138 تريليون دولار، مع ارتفاع أرباح مذهل يساوي 67% بين عامي 2010 و2011.
عندما كتب ماركس وانجلز البيان الشيوعي، لم تكن هناك أدلَّة تجريبية على كلامهما. إذ على العكس من ذلك، كانت الرأسمالية آنذاك تستند كلياً على الشركات الصغيرة، والسوق الحرة والمنافسة. أمَّا اليوم فتهيمن على اقتصاد العالم الرأسمالي بأكمله حفنة من الاحتكارات العملاقة العابرة للحدود الوطنية مثل "إكسون ووول مارت". تمتلك هذه الشركات العملاقة أموالاً تتجاوز بكثير الميزانيات الوطنية للعديد من البلدان. لقد تحقَّقت تنبؤات البيان الشيوعي بشكل كامل وأكثر وضوحا حتّى ممَّا كان ماركس نفسه يتصوَّر. لا يمكن للمدافعين عن الرأسمالية أن يغفروا لماركس لأنَّه، في الوقت الذي كانت الرأسمالية في مرحلة شبابها، كان قادراً على التنبؤ بأسباب انحطاطها الكامل. لقد عملوا بشدة طيلة عقود على نفي توقعاته حول السيرورة الحتمية لتركز الرأسمال والقضاء على الشركات الصغيرة من قبل الاحتكارات الكبيرة. لقد وصلت عملية تمركز وتركيز الرأسمال معدلات لم يكن من الممكن تخيلها قبل الآن. وقد اكتسب عدد عمليات استيلاء الشركات الكبرى على بعضها طابع وباء في جميع البلدان الصناعية المتقدمة. في كثير من الحالات ترتبط عمليات الاستيلاء هذه ارتباطاً وثيقاً بكل انواع الممارسات الإجرامية، كالتواطئات وتزوير أسعار الأسهم وغيرها من أنواع الغش والسرقة والنصب، كما ظهر في فضيحة التلاعب في سعر فائدة قروض ليبور من طرف "بنك باركليز"، وغيره من البنوك الكبرى. لا يعني هذا التزايد في تركيز الرأسمال تزايداً في نمو الإنتاج، بل على العكس تماماً. ففي كل مرة لا يكون القصد من ذلك هو الاستثمار في بناء مصانع جديدة وشراء آلات جديدة، بل هو إغلاق المصانع والإدارات الموجودة وطرد أعداد كبيرة من العمال من أجل رفع هامش الربح دون زيادة الإنتاج. ولنأخذ مثالاً عن ذلك لننظر فقط إلى عملية الاندماج الأخيرة بين اثنين من البنوك السويسرية الكبيرة، والتي تلاها مباشرة فقدان 13.000 وظيفة.
العولمة وانعدام المساواة:
دعونا ننتقل إلى التنبؤ الهام الآخر الذي قام به ماركس. لقد أوضح ماركس منذ عام 1847 أنَّ تطوُّر سوق عالمية سيجعل "من المستحيل كل ضيق أفق وفردانية قومية. إن كل البلدان، حتى أكبرها وأقواها، هي الآن تابعة تماما للاقتصاد العالمي ككل، والذي يقرر مصير الشعوب والأمم" (البيان الشيوعي). إن هذا التوقع النظري الباهر يبين، أفضل من أي شيء آخر، التفوَّق الهائل للمنهج الماركسي. ينظر إلى العولمة عموما باعتبارها ظاهرة جديدة. إلاَّ أنَّ البيان الشيوعي توقَّع منذ فترة طويلة ميل الرأسمالية نحو إنشاء سوق عالمية واحدة. إن الهيمنة الساحقة للسوق العالمية تمثل الآن الحقيقة الأكثر حسماً في عصرنا. وقد أثبت التَّصاعد الهائل للتقسيم العالمي للعمل منذ الحرب العالمية الثانية صحة تحليل ماركس بطريقة ملموسة. لكن على الرغم من ذلك، بذلت جهود مضنية لإثبات أن ماركس كان مخطئاً عندما تحدث عن تركيز الرأسمال، وبالتالي سيرورة الاستقطاب بين الطبقات. إنَّ هذه المحاولات تتوافق مع حنين البرجوازية لإعادة اكتشاف العصر الذهبي للمنافسة الحرة. مثلما يحن عجوز يحتضر لأيام شبابه البائدة. للأسف ليست هناك أدنى فرصة للرأسمالية في أنَّ تستعيد شبابها. فقد دخلت منذ فترة طويلة مرحلتها النهائية: مرحلة الرأسمالية الاحتكارية. وقد صارت أيام المشاريع الصغرى، بالرغم من حنين البرجوازية، جزءا من الماضي. ففي جميع البلدان صارت الشركات الاحتكارية الكبرى، المرتبطة بشكل وثيق بالبنوك والمندمجة بالدولة البرجوازية، تهيمن على حياة المجتمع. وتواصل سيرورة الاستقطاب بين الطبقات حركتها دون انقطاع، بل وتميل إلى التسارع. دعونا نأخذ الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية: تمتلك 400 أغنى عائلة في الولايات المتحدة ثروة تعادل ما يمتلكه 50% من السكان المتواجدين في قاع الهرم. ويمتلك أصحاب شركة "وول مارت" الستة وحدهم أكثر مما يمتلكه 30% من الأميركيين المتواجدين في قاع الهرم مجتمعين. يمتلك أفقر 50% من الأميركيين فقط 2،5% من ثروة البلاد. بينما رفع أغنى 1% من سكان الولايات المتحدة حصتهم من الدخل القومي من 17،6% في عام 1978 إلى 37،1% في عام 2011. خلال السنوات الثلاثين الماضية اتسعت باطراد الفجوة بين مداخيل الأغنياء ومداخيل الفقراء حتى صارت هوة شاسعة. في الغرب المتقدم يمثل متوسط دخل أغنى عشرة في المائة من السكان حوالي تسعة أضعاف متوسط دخل أفقر عشرة في المائة. هذا فرق هائل. وتبين الأرقام التي نشرتها منظمة التعاون والتنمية أن التباين الذي بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد امتد الى بلدان مثل الدنمارك وألمانيا والسويد، والتي كانت تقليدياً مظاهر عدم المساواة فيها منخفضة. لقد صارت ثروات أصحاب البنوك الفاحشة الآن فضيحة على كل لسان. لكن هذه الظاهرة لا تقتصر على القطاع المالي. ففي الكثير من الحالات، يتقاضى مدراء الشركات الكبيرة أجرة تزيد 200 مرة أكثر مما يتقاضاه عمالها الأقل أجراً. وقد تسبب هذا التفاوت الهائل بالفعل في استياء متزايد، تحوَّل إلى غضب يمتد إلى الشوارع في جميع البلدان الواحدة منها تلو الأخرى. وينعكس التوتُّر المتزايد في تصاعد الإضرابات والإضرابات العامة والمظاهرات وأعمال الشغب. وينعكس ذلك كذلك في الانتخابات من خلال التصويت العقابي ضد الحكومات وجميع الأحزاب القائمة، كما رأينا مؤخراً في الانتخابات العامة الايطالية. أظهر استطلاع للرأي أجرته مجلة "التايمز" أن 54% من المستجوبين لديهم رأي ايجابي عن حركة احتلال الساحات، وأنَّ 79% من المستجوبين يعتقدون أنَّ الفجوة بين الأغنياء والفقراء قد اتَّسعت إلى درجة كبيرة جداً، ويرى 71% أنه يجب محاكمة الرؤساء التنفيذيين للمؤسَّسات المالية، وقال 68% إنَّ الأغنياء يجب أن يدفعوا المزيد من الضرائب، وفقط 27% من المستجوبين لديهم رأي ايجابي عن حزب الشاي (مقابل 33% لديهم رأي سلبي عنه). بطبيعة الحال، من السابق لأوانه الحديث عن ثورة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن من الواضح أنَّ أزمة الرأسمالية تنتج مزاجاً متزايداً من الانتقادات بين فئات واسعة من السكان. بدأنا نشهد سخطاً ضد الرأسمالية ومسائلةً لها لم نكن نشهدها من قبل.
6- شخصيات ماركسية: "نايف بلوز" /الماركسي المختلف (1931-1998) الهيثم العطواني
انَّه من أوائل الشيوعيين السوريين الذين اتَّسموا بثقافة موسوعية وامتلكوا منهجاً نقدياً متطوراً نقدوا من خلاله سياسة الحزب، داخلياً وخارجياً، ومواقفه من مجمل القضايا الملحة آنذاك، كما أنه من الأوائل الذين انتقدوا “عبادة الفرد”. لقد كان يحاضر في جامعة دمشق بكل ثقة دون القراءة من أي كتاب، وكان أستاذاً متميزاً مختلفاً على صعيد المعرفة والسلوك، وكان له الدور البارز في تشكيل الوعي الفلسفي لجيل من الأساتذة والطلاب، وهو من الأوائل الذين أدخلوا المنهج الجدلي الماركسي إلى قسم الفلسفة، جامعة دمشق، دون أيَّة نزعات أيديولوجية شيوعية، وكان يسخر ممَّا كان يسميها (النزعة التخطيطية للمنهج الماركسي المتداول)، وكان نهماً للقراءة ومقلاً جداً بالكتابة، إنَّ مسيرته تشبه مسيرة الفلاسفة الكبار الذين لم تستوعبهم أحزابهم، مثل الياس مرقص، وروجيه غارودي وهنري لوفيفر.. وغيرهم الذين طردوا من أحزابهم الشيوعية نظراً لسعة آفاقهم المعرفية والفلسفية والعلمية والتي لا يمكن أن تتكيف مع الأطر الضيقة للأحزاب الأيديولوجية ولا لأي أيديولوجية دوغمائية. درس في ألمانيا في مطلع الستينات من القرن الماضي، وأنجز أطروحة الدكتوراه في الفلسفة في (جامعة هومبولدث)، وهي بعنوان “الإسلام ونشأته وفرقه ومدارسه” مهتمَّاً بالمرحلة الأولى من الإسلام، حيث كانت تتسم بالحيوية، قبل مرحلة التقديس والانقسامات، مستخدماً المنهج الماركسي بمرونته من أجل قراءة التراث العربي الإسلامي عبر تطوراته التاريخية، معتقداً أنَّ الإسلام جاء ضمن الظروف الموضوعية التاريخية في وقته الطبيعي، وحين ظهر الإسلام في مجتمع الجاهلية العربية في أوائل القرن السابع الميلادي، لم يظهر بشكل مفاجئ منقطع الأسباب والصِّلات عمَّا كان يعتمل في حياة تلك الجاهلية، أو كما كان يتحرَك في ذلك المجتمع بشكل ظاهرات اقتصادية واجتماعية ودينية وبيانية، شعر، خطب، وقد آن الأوان كي يتغيِّر ذلك المجتمع القبلي من الأساس، وكانت تلك الظاهرات، إيذاناً بالأمر المنتظر الذي سيخرج من رحم الواقع الجاهلي نفسه، لينطلق نحو العالم كله خارج شبه الجزيرة العربية، ومن هنا لم تكن المفاجأة التي حدثت، بظهور الإسلام، والتي لم تقتصر على صعيد شبه الجزيرة العربية فقط، وإنَّ ما حدث، شكَّل اقتحاماً واختراقاً لأسس النظام القبلي البدائي الذي يعيش في ظله مجموعة من قبائل مبعثرة، وأنَّ هذا التبعثر القبلي سيتحوَّل بحكم الضرورة الموضوعية إلى كيان آخر مختلف كلياً، أي إلى زمن يتأطر فيه عرب الجزيرة بإطار من التَّوحيد يجمعهم نواة لشعب عربي أو يشكل إرهاصاً لأمة عربية، بهذا المعنى كان يرى أن الإسلام الأول في سياقه التاريخي شكّل نقلة نوعية تقدمية في تاريخ الفكر الديني، ومن خلال رؤيته المنهجية النقدية كان . بلوز يرى ، العمق الثوري للإسلام وهو ينطلق انطلاقته الكونية، منذ أربعة عشر قرناً، مستجيباً للضرورات التاريخية لحاجة أهل الجاهلية العرب، في شبه الجزيرة إلى ذلك التحول الكبير. كان يعتقد أنَّ الإسلام في عصرنا لا يمكن أن يقدم أجوبة على التساؤلات التي يطرحها هذا العصر، ولا يمكن أن يكون هو الحل، للقضايا الشائكة المعقدة التي تواجه الإنسان المعاصر، ربما نستطيع تكثيف مأثرته في المحاور: السياسي والمعرفي والعلمي الأكاديمي، من خلال منهجه النقدي، المفعم بطرح التساؤلات والشك في كل شيء، في زمن -عبادة الفرد- والاستكانة إلى ما يبدو أنَّها حقائق نهائية، وكان موقفه نقدياً من الفكر والفلسفة والدين، وحتَّى من نفسه، حيث كان ناقداً لاذعاً، وقد قدَّم دراسة نقدية عالية الأهمية لكتاب حسين مروة “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” حيث كان يتساءل دوماً، بعد قراءته لذلك الكتاب، عن مدى “حيازة التقدميين العرب لكفاءة نظرية وحرية في التحرك ورحابة في الرؤية تسمح لهم بوضع منجزاتهم الفكرية ولاسيما ما يدور منها على قضايا التاريخ الإسلامي. والحاضر العربي موضع التحليل والنقد العلميين”. وهو يرى ضرورة مواجهة الصعوبات النظرية والسياسية مواجهة صريحة غير عابئة بشيء سوى مقتضيات الدِّقَّة العلمية ومطلب الحقيقة المضيئة للفكر والعلم، وإنَّ هذه المراجعة النقدية البناءة التقدمية، وهذا الانصباب على الذات ليس أمراً مرغوباً فحسب بل إنَّه حاجة ضرورية على المستوى الفكري والسياسي، وقد يكون المستقبل مرتهناً لدرجة إسهام كل من السجال النظري الديمقراطي، والانفتاح الحي على الواقع، في صنع الوعي التنويري وصياغة الاستراتيجية العربية التقدمية، بهذه الرؤى، احتل بلوز موقعه المتميز بين المفكرين العرب، من خلال سعيه إلى ربط الفكر بالسياسة، وربطهما معاً بالواقع، عقلنة الفكر العربي وتحديثه من أجل عقلنة السياسة العربية وتحديثها، من أجل عقلنة المجتمع العربي وتحديثه مؤكِّداً على الدور النقدي التجديدي للفلسفة كي تكون بديلاً عن النظريات التقليدية التي تسعى لفهم الواقع وامتلاكه معرفياً فقط، بينما المطلوب هو تغيير هذا الواقع، ومن هذا المنظور النقدي قرأ العلاقة التي تربط جدل هيغل وجدل ماركس، معتقداً أنَّ نظرية ماركس الاجتماعية ليست منفصلة عن فلسفة التاريخ الهيغلية. ومفردات العقل والحرية والتقدُّم تدلِّل على وجود التقاطعات بينهما، فالفكرة القائلة بأنَّ التاريخ العالمي له علاقة بتوغُّل الحرية والعقل وتطوُّر البشرية يمكن أن نلمح لها درجة من التَرابط بين ماركس وهيغل، وقد نستطيع القول “إنَّ الفيلسوفين يؤكِّدان على أنَّ العقل يسود العالم في النهاية، وإن بأشكال مختلفة، هيغل يدع العقل والحرية يحدَّدان العملية التاريخية، لكن ماركس يعتقد وحده أنَّ قضاء البروليتاريا على البرجوازية يمكن أن يفهم بمثابة انتصار العقل على اللاعقل والظلم في العلاقات الاقتصادية – الاجتماعية”. وقد كان بلوز يلحّ على الأهمية الخاصة للنشاط النقدي في دراسة النصوص ودراسة الواقع، خصوصاً في تناوله النقدي للنصوص الماركسية، فمن المعروف أنَّ التأويلات الماركسية في الواقع العربي يمكن إجمالها في مسارين، تمثل المسار الأول في النزعة الميكانيكية التي تمظهرت من خلال التأكيد الحاسم لدور البنى التحتية (الاقتصادوية)، وينظر إلى التاريخ على أنَّه تقدُّم مطلق لا مكان للإنسان فيه، لأنَّ الاقتصاد هو المحِّرك الأساسي للتاريخ، بحسب هذا المنظور. والمسار الثاني يتمثل في النزعة الإرادوية، تلك التي تجعل من إرادة الإنسان محرِّكاً للتاريخ.وقد سعى بلوز من خلال منظوره النقدي إلى تجاوز ثنائية الاقتصادوية والإرادوية، وإلى الكشف عن علمية النظرية الماركسية بوصفها منهجاً للبحث وعبر تميزها عن الفلسفات الميتافيزيقية، المثالية الأخرى، وأراد أن يؤكِّد تميُّز الماركسية بوصفها علماً، وهذا ما بدا واضحاً في كتابيه مناهج البحث في العلوم الاجتماعية، ومناهج البحث في العلوم الطبيعية، إضافة إلى كتابه، علم الجمال، الذي قدَّم فيه محاضرات من كتابه المترجم لجورج لوكاتش عن الألمانية (دراسات في الواقعية 1972). وقد كان يطرح السؤال ما أهمية المنهج الماركسي، وماذا يمكن أن يقدِّم اليوم لليسار، وكان يظن أنَّ الفكر الماركسي لا يزال محافظاً على طموح الشباب وقوتهم الحاسمة ولا يزال يمتلك حيوية وقدرة كبيرة على الإلهام والسعي للتغيير، وإنَّ هذا الفكر ينطوي على حافز يهيب بنا أن نواجه مشاكل عصرنا كما واجه ماركس مشاكل عصره، حيث أن دور ماركس يتضمَّن منهجاً عاماً يكمن خلف المشكلات المعالجة ورؤية نظرية توجه أسلوب معالجة هذه المشكلات. إن المشاكل الملتهبة اليوم هي التي يمكن أن نسترشد بالمهنج المادي الجدلي من أجل معالجتها بروح الماركسية المعاصرة (ويمكن اعتبار الماركسية اليوم موقفاً معاصراً للثقافة الأوربية المحدثة)، وقد تكون عودة ماركس بقوَّة الآن إلى المسرح الثقافي العالمي مؤشِّراً على موقف نقدي من الرأسمالية المعاصرة. انطلاقاً من رؤاه السابقة جعل من الواقع السوري موضوع معرفة منطلقاً من علاقة الفكر بالواقع، زاعماً أنَّ هذه العلاقة ليست ذاتية فحسب، بل هي علاقة ديالكتيكية بين الذات والموضوع، وقد سعى إلى تفكيك مقولات ترسَّخت في الثقافة السورية، ورؤانا الفلسفية والسياسية، من أجل النهوض بالمجتمع عبر كل مؤسساته وجامعاته من خلال التنوير والنقد، ورأى أن الكتابات الماركسية الدوغمائية مقولات روج لها على أنها تقدمية ومحايثة لروح العصر، بينما التمحيص الدقيق لها يكشف أنَّها أيديولوجية جامدة، تدعم سلطة النص المدافع عنه على حساب الفهم النقدي والمثمر للنص وللواقع، فالأساس النظري الذي انطلق منه بلوز هو المفاهيم الماركسية التي أعاد إنتاجها وأنتجها بوصفها أدوات بحثية، فتحوَّلت لديه إلى دليل يكشف من خلاله، تجدد المفاهيم، ومنطق حركة التاريخ ومحاولة الإجابة على أسئلة الواقع المتجددة والمتجدِّد أبداً، كما أنَه كان يعتقد أنَّ ماركس في رؤيته لم يكن يهدف إلاَّ إلى تحقيق حرية الإنسان، وهذا الهاجس نفسه هاجس بلوز، وانعتاقه من عبودية العمل، وجعله حقاً من حقوقه لا فرضاً عليه. المصدر: https://www.jadaliyya.com/Details/38733
7- وثيقة نظرية حول الإمبريالية الجديدة
تجمع اليسار الماركسي في سورية
الحوار المتمدن-العدد: 3202 - 2010 / 12 / 1 ( اعداد لجنة الدراسات في تجمع اليسار الماركسي في سوريا / تيم/ ) I - الإمبريالية: عودة إلى توضيح المفهوم ، كمفهوم اقتصادي/ سياسي مع نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين بدأ يظهر في الأوساط الثقافية التي تشرف عليها وتديرها المؤسسات الثقافية الإمبريالية مفهوم جديد هو "العولمة" ليشير به أصحابه ومطلقيه إلى مرحلة اقتصادية جديدة في الرأسمالية تتجاوز الإمبريالية . وقد انقضى عقد التسعينات من القرن الماضي ومفهوم "العولمة " ما يزال يتداول بشكل بدهي بالرغم من غزارة الأدب الاقتصادي/ السياسي الجاري حوله . لقد أزيل مفهوم الإمبريالية من التداول ، لا بل تجرأ بعض الكتاب العرب (الليبراليين حالياً والماركسيين سابقاً) على وصف الرأسمالية بأنها مع العولمة والدعوات "الديمقراطية " الأميركية ، ومع التدخل العسكري الإنساني لمؤازرة الأقليات القومية والعرقية والطائفية ، باتت تتخلص من النزعة الإمبريالية وتميل إلى نزعة إنسانية. أي باتت تميل للتخلص من الميل إلى الرجعية في السياسة وإلى الإلحاق والضم وإلى السيطرة و الغزو و إخضاع الأمم الضعيفة والفقيرة . وقام مفكر عربي "ماركسي" آخر للتبشير في منتصف تسعينات القرن الماضي بقدرة الرأسمالية مع عصر العولمة على تصنيع الأطراف وعلى إلغاء التفاوت في تطور الأمم والدول. بالتالي باتت الرأسمالية حسب وجهة نظره ميالة للتخلص من النزعة الإمبريالية، وهلم جرا من كل أنواع هذا الهذر الرخيص والفاسد. لكن الظروف التي رجحت كفة مفهوم "العولمة" وغلّبته بدأت بالتدهور مع كشف النظام الإمبريالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة عن وجهه العدواني والرجعي عبر غزو أفغانستان ولاحقاً غزو العراق 2003 واحتلاله. لقد ذاب الثلج تحت وقع القصف الجوي الليلي الإمبريالي البربري لبغداد . وهكذا ظهرت الحاجة لتفنيد مفهوم "العولمة" ودوره الوظيفي كتمهيد للغزو الإمبريالي مثله مثل مفاهيم عديدة طرحت في نفس الفترة كـ "الديمقراطية الأميركية " و"صراع الحضارات" ، و "نهاية التاريخ"، "والمجتمع المدني " كبديل للدولة السياسية ، ومفهوم "التدخل العسكري "الإنساني" . وهدف ذلك إلى خلق بلبلة فكرية وسياسية في صفوف المناهضين للإمبريالية تمهيداً للغزو وتقبله. من هنا ضرورة نقد مفهوم العولمة و إعادة التعريف بمفهوم الإمبريالية كمفهوم اقتصادي/ سياسي ومفهوم طبقي. نشأت الإمبريالية باعتبارها تطوراً واستمراراً مباشراً لما فطرت عليه الرأسمالية بوجع عام من خصائص أساسية ، فالمزاحمة الحرة والإنتاج البضاعي بوجه عام هي أخص خصائص الرأسمالية. ومع ظهور الإمبريالية في الرأسمالية بات الاحتكار (النقيض المباشر للمزاحمة الحرة) يحل محل المزاحمة الحرة منشئاً الإنتاج الضخم ومزيحاً الإنتاج الأصغر ، حالاً الأضخم محل الضخم. لا تزيل الاحتكارات المزاحمة الحرة ، بل تعيش فوقها وإلى جانبها ، خالقة بيئة تهيمن عليها الاحتكارات الدولية العملاقة ، ومولدة جملة من التناقضات والاحتكاكات والنزاعات في منتهى الشدة . لقد دفع تمركز الإنتاج والرأسمال إلى درجة نشأت وتنشأ عنها الاحتكارات الصناعية ، دامجة فيها رأسمال حفنة صغيرة من البنوك العملاقة. الإمبريالية بالمعنى الاقتصادي وبإيجاز هي الرأسمالية في مرحلة الاحتكار ، وهذا التعريف يضم الأمر الاقتصادي الرئيسي لأن الرأسمال المالي هو نتيجة اندماج رأسمال حفنة من البنوك الاحتكارية الكبرى برأسمال اتحادات الصناعيين الاحتكاري (كارتيلات، سنديكات ، تروستات). ولكي نقدم فهماً لوجوه الظاهرة جميعها ؛ فهماً للإمبريالية الرأسمالية في حالة تطورها الكامل ينبغي الإشارة إلى الأمور الخمسة التالية: 1- تركز الإنتاج والرأسمال تركزاً بلغ في علو تطوره درجة نشأت معها الاحتكارات التي تلعب الدور الفاصل في الحياة الاقتصادية . 2- اندماج أو اقتران الرأسمال البنكي مع بالصناعي مشكلاً "رأس المال المالي" ، ونشوء الطغمة المالية على أساس "الرأسمال المالي" هذا. 3- تصدير الرأسمال وتوظيفه في الخارج، حيث يكتسب هذا التصدير للرأسمال أهمية في منتهى الخطورة . كان تصدير البضائع هو السائد في مرحلة رأسمالية المزاحمة الحرة ، ومع صعود رأس المال المالي وظهور الإمبريالية الرأسمالية بات تصدير الرأسمال والتوظيفات المالية في الخارج هو المهيمن ، وبات هذا التصدير يشكل التمفصل الحاسم بين الجانب الوطني والجانب الدولي لنشاط رأس المال المالي. 4- تشكل اتحادات رأسماليين احتكاريين تقتسم العالم من أجل السيطرة على مصادر الخامات الأساسية والمواد الأولية الأساسية للصناعة الرأسمالية ومن أجل أسواق التصريف والاستثمار. 5- انتهى تقاسم أقطار الأرض من قبل كبريات الدول الرأسمالية . و سوف تتصارع الدول الإمبريالية الرئيسية عبر حربين عالميتين لإعادة اقتسام ما تم اقتسامه .. وسوف تتفلّت عدة بلدان من الشبكة الإمبريالية عبر ثورات اجتماعية كروسيا والصين ، وعبر حركات تحرر قومي متفاوتة التجذر و العمق وذلك اعتباراً من نهاية الحرب العالمية الأولى . كل هذه التعريفات غير كافية للإحاطة بظاهرة الإمبريالية. لذلك يتوجب إعطاء الإمبريالية تعريفات أخرى منها: 1ð - علاقة الإمبريالية بالاتجاهين الأساسيين في حركة العمال (الاتجاه الانتهازي والاتجاه الثوري) . إن الوضع الاقتصادي الذي خلقته الإمبريالية يجعل من الانتهازية في حركة الطبقة العاملة في الدول الإمبريالية الرئيسية حالة سائدة ، تُصدر بدورها إلى الدول الرأسمالية الطرفية 2ð- الإمبريالية هي تراكم هائل للرأسمال النقدي في عدد قليل من البلدان . حيث يميل رأس مال البنوك إلى العمل في قطاعين متناقضين : القطاع الأول ، رساميل موظفة في قطاعات "منتجة" (التجارة والصناعة والزراعة). والقطاع الثاني ، رساميل "مضاربة" موظفة في البورصات والعمليات المالية (أسهم، سندات حزينة ، سندات دين ، أوراق مالية ، الخ..). وقد لاحظ لينين ومؤلفون آخرون سابقون (قبل الحرب العالمية الأولى) تعاظم التوظيفات في القطاع المضارب وتفوقها على التوظيفات المنتجة ، حيث تشير هذه الظاهرة إلى بروز الطابع الطفيلي للرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية . 3ð - لقد سبق ورأينا أن الاحتكار هو أعمق أساس اقتصادي للإمبريالية وهو احتكار رأسمالي ، أي أنه ناشئ عبر الرأسمالية وقائم ضمن الظروف العامة للرأسمالية وللإنتاج البضاعي والمزاحمة، و ضمن تناقض مع هذه الظروف العامة دائم لا مخرج منه. لهذا السبب ليس كل احتكار هو إمبريالية ، وليس كل ميل للغزو والعدوان هو إمبريالية . الإمبريالية هي احتكار في كنف علاقات الإنتاج الرأسمالية ، حيث تسيطر الملكية الرأسمالية الخاصة. من هنا فاحتكارات الدولة الصينية الحالية ليست إمبريالية . وميل إيران لنشر أفكار الثورة الإيرانية ذات المظهر الديني ليست إمبريالية. ومع ذلك فالاحتكار الرأسمالي ككل احتكار يولد الميل إلى الركود والتعفن . 4ð - مع التراكم الهائل للرأسمال النقدي ولكتلة هائلة من الأوراق المالية في حفنة من الدول الرأسمالية تنمو بصورة خارقة فئة من أصحاب المداخيل ، أي من الأشخاص الذين يعيشون على "قص الكوبونات" ؛ على استثمار رؤوس أموالهم في الخارج . وهم أشخاص منعزلين تماماً عن الاشتراك في أي مشروع منتج ، أشخاص مهنتهم الفراغ وتصدير الرأسمال وتوظيف الرساميل في الخارج . وهذا الأمر يشكل أساساً من أسس الإمبريالية الاقتصادية الجوهري ، يشدد لدرجة كبيرة عزلة هؤلاء عن العمليات المنتجة ، ويسم بطابع الطفيلية كامل البلاد التي تعيش من استثمار عدد كبير من البلدان ما وراء المحيطات. 5ð- من خواص الإمبريالية المرتبطة بجملة الظواهر السابقة الذكر انخفاض الهجرة من البلدان الإمبريالية وازدياد الهجرة إليها : انتقال العمال ونزوحهم إلى هذه البلدان من بلدان أكثر تأخراً حيث الأجور هناك أكثر انخفاضا إلى حد كبير. 6ð- تميل الاحتكارات إلى بيع منتجاتها في الداخل بأسعار احتكارية عالية وفي الخارج بأسعار منخفضة لسحق المنافسين . وذلك لكي تحقق أكبر قدر من الأرباح . وهذا يبين تهافت "الديمقراطية" الإمبريالية. 7ð- في الأزمات الرأسمالية يشتد الميل نحو الاندماج ويبرز تدخل الدولة الإمبريالية الرأسمالية ، حيث تهرع هذه الأخيرة إلى مساعدة ونجدة البنوك المفلسة أو المهددة بالإفلاس . حيث يظهر مرة أخرى تهافت "ديمقراطية" الإمبريالية . حيث تأخذ هذه الدولة الرأسمالية من الناخبين الفقراء والمتوسطين ومن المنتجين وتعطي للأثرياء والمضاربين المقامرين بالاقتصاد الوطني والعالمي . هكذا تعيد الدولة الإمبريالية الرأسمالية توزيع الثروة القومية عبر الميزانية العامة والضرائب لصالح حفنة من المضاربين الأثرياء الأفاقين. 8ð- إن الاحتكارات والطغمة المالية والنزوع إلى السيطرة بدلاً من النزوع إلى الحرية والميل إلى العنف والعسكرة والعدوان والظلم القومي والضم والإلحاق للدول الضعيفة واستثمار عدد متزايد من الأمم الضعيفة والصغيرة من قبل حفنة من الأمم القوية أو الغنية . كل ذلك خلق ويخلق السمات السياسية المميزة للإمبريالية التي تحمل على وصفها بالرأسمالية الطفيلية أو المتعفنة . إن كل ما قلناه فيما تقدم عن طبيعة الإمبريالية الاقتصادية/ السياسية يستنتج أنه لا بد من وصفها بأنها رأسمالية انتقالية ، أو بالأصح محتضرة . وهذه الكلمة الأخيرة إشارة إلى أفول الدور التقدمي التاريخي للبورجوازية كطبقة عالمية في مراكز النظام وفي أطرافه بالرغم من التقدم التقني السريع في ظل الرأسمالية ، وبالرغم من النمو السريع لقطاعات ودول بشكل منعزل ومتفاوت . كما تشير إلى عنف وعدوانية وعسكرة الإمبريالية وإلى اشتداد الظلم القومي وإلى الرجعية في الفكر وفي السياسة في ظل جميع النظم سواء أكانت جمهورية أم ملكية ، فاشية أم بونابرتية ..بالرغم من أهمية الفروق بينها. 9ð- من خواص الرأسمالية في المرحلة الإمبريالية بوجه عام فصل ملكية الرأسمال عن توظيف الرأسمال في الإنتاج ، فصل الرأسمال النقدي عن الرأسمال الصناعي /التجاري أو المنتج وعن جميع المشتركين مباشرة في إدارة الرأسمال . والإمبريالية أو سيطرة الرأسمال المالي هي مرحلة الرأسمالية العليا التي يبلغ فيها هذا الفصل مقاييس هائلة . وهيمنة الرأسمال المالي على بقية أشكال الرأسمال تعني سيطرة صاحب الدخل (المستثمر المضارب ) الذي يعيش فقط من عائدات الرأسمال النقدي تعني بروز عدد ضئيل من الدول التي تملك "البأس " المالي بين سائر الدول ويمكننا أن نتبيّن نطاق هذا السير من أرقام إحصاءات الإصدارات المالية والأسهم والسندات ، أي حجم إصدار مختلف أنواع الأوراق المالية . II - البلبلة الفكرية الحاصلة على أثر تفكك الاتحاد السوفييتي ، وما تبع ذلك من نشاط إمبريالي ثقافي / إعلامي هائل. لقد شكلت نهاية السبعينيات من القرن الماضي لحظة ظهور تغيرات مهمة على المستوى الدولي شملت: 1- كساد عالمي تبع ارتفاع أسعار النفط على أثر حرب 1973 بين العرب وإسرائيل. وكانت الحرب الباردة واعتماد دولة الرعاية الاجتماعية (بعد أزمة 1929 ، وعلى أثر انتصار الثورة الاجتماعية في روسيا 1917 ) قد ساهمت في تعميق هذا الوضع . 2- علامات واضحة على توقف النمو الاقتصادي السوفييتي بفعل اهتراء النظام البيروقراطي السوفييتي وضغط الحرب الباردة المنهك . 3- انتصار الثورة الشعبية الإيرانية بقيادة آيات الله ممثلي طبقة البازار التقليدية البورجوازية الصغيرة. وما ولده هذا الانتصار من ديناميات ثقافية/ سياسية . 4- اعتماد الدول الإمبريالية الرئيسية (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة) سياسات ليبرالية جديدة تدعو لتحرير الأسواق أمام نشاط وتدفق رؤوس الأموال الموظفة في الخارج والعاملة في المضاربات المالية نظراً لتحرير النظام النقدي من مراقبة البنوك المركزية والدول الرأسمالية . مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي ظهرت نتائج العوامل سالفة الذكر: 1 ً- تفكك الاتحاد السوفياتي 2 ً- ظهور نوع من المد الديني السلفي ، مع ميل للثقافة الدينية للعمل في الحقل السياسي (تعاظم ظاهرة الحزب الديني) 3 ً- ظهور بعض نتائج السياسات الليبرالية الجديدة : ميل النظام الإمبريالي لتعزيز قدراته العسكرية عبر تعزيز حلف شمال الأطلسي وتكليفه بمهمات عدوانية عبر ما سمي بالتدخلات العسكرية ذات النزعة الإنسانية لدعم الأقليات القومية والإثنية ووالطائفية . انهيار عملات بعض البلدان ، ظهور دعوات الخصخصة وتحرير الأسواق أمام نشاط رأس المال المالي الدولي ، وإجراء تغيرات اقتصادية هيكلية أو كلية في اقتصادات الدول المتخلفة أو الناشئة تحت إشراف وتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . وذلك لتسهيل دخول وخروج الاستثمارات الدولية قصيرة الأجل المضاربة بكل شيء حيوي وأساسي لحياة البشر. 4 ً- ظهور مفاهيم جديدة في التداول الثقافي العالمي (العولمة، المجتمع المدني ، صراع الحضارات أو الثقافات ونهاية التاريخ ، الخصخصة و كف تدخل الدولة في العملية الاقتصادية الاجتماعية(نهاية دولة الرعاية الاجتماعية) الخ..). إن السهولة التي انتشرت بها هذه المفاهيم ناجمة بالأساس عن الآلة الإعلامية الضخمة للمؤسسات الاحتكارية الدولية المستفيدة من وجود ما سمي بالتقنية ذات الطابع الدولي (البث الفضائي، والاتصالات الفضائية ، والربط الإلكتروني) ، ومن تطور وسائل الإعلام المرئي والمسموع والاتصالات والمواصلات . ومستفيدة من البلبلة الفكرية العالمية التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة ، وما سببته هذه البلبلة وذاك الإعلام الهائل الموجه من انجراف آلاف المثقفين من حقل اليسار الماركسي إلى الحقل الليبرالي الجديد . III- تبعات الهجوم الأمريكي (قصف يوغسلافيا واحتلال العراق وأفغانستان) : بربرية النظام الإمبريالي الرأسمالي أدى احتلال العراق وأفغانستان وقصف يوغسلافيا من قبل قوات التحالف الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى زعزعة الكثير من المفاهيم السالفة الذكر . وقد توضح على أثر العدوان زيفها ونفاقها الأيديولوجي ودورها الوظيفي في التمهيد النفسي للعدوان خاصة مفاهيم الحرية والديمقراطية والازدهار الاقتصادي بفعل الاستثمارات الأجنبية والخصخصة ، وغير ذلك .. لقد استطعنا ،خاصة مع انفجار الأزمة الرأسمالية الاقتصادية/المالية الأخيرة، من أن نميز العناصر الأساسية التي قام عليها مصطلح "العولمة" وذلك على النحو التالي : 1- فك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971 بمبادرة من نيكسون 2- نشأة وتعزز التكنولوجيا ذات الطابع الدولي (البث والاتصال الفضائي ، الربط الإلكتروني)، ثورة المواصلات والاتصالات . 3- اعتماد ما سمي بالسياسات الليبرالية الجديدة من قبل الدول الإمبريالية الرئيسية وامتداد ذلك لاحقاً إلى الكثير من الدول الرأسمالية الطرفية المتخلفة . شمل ذلك تحرير الأسواق وكف يد الدولة عن مراقبة الأسعار . حرية تدفقات رؤوس الأموال الموظفة والمضاربة عبر الحدود القومية ، خصخصة مؤسسات الدولة ، وانسحاب الدولة من التزاماتها الاجتماعية تجاه الطبقات الفقيرة . 4- تعاظم الاستثمارات المالية في الخارج إلى حد هائل ، واتجاه المضارب منها إلى الأسواق الناشئة والبلدان المتخلفة الكبيرة . وتعاظم التوظيفات الأميركية في الخارج خاصة في أوربا. 5- ميل متعاظم لرأس المال المالي النقدي للتوظيف في الخارج كاستثمارات مباشرة قصيرة الأجل ومضاربة . 6- محاولات النظام الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ، وعبر الغزو والعدوان لاستعادة البلدان التي تفلتت من الشبكة الإمبريالية على أثر الحرب العالمية الثانية . IV- الأزمة الاقتصادية /المالية الرأسمالية الأخيرة هي أزمة اقتصادية/مالية للرأسمالية وليست أزمة عامة للرأسمالية نظراً لغياب حركة اشتراكية ماركسية قوية وبالتالي نظراً لغياب البديل بالمعنى التاريخي . بالرغم من ظهور علامات أولية على حركات كهذه في أمريكا اللاتينية . لهذا السبب فالأزمة أزمة اقتصادية هائلة الحجم لكنها متلاشية ، نظراً لقدرة الرأسمالية مستعينة بدولتها في الخروج المؤقت من هكذا أزمات. لكن طبيعة وحجم الأزمة الراهنة تجعل تكرارها أمرا واردا وبفترات متقاربة نسبة إلى التاريخ القريب للرأسمالية. خاصة وأن رأس المال المالي النقدي الناشط في المضاربات الدولية وفي الاستثمار والرهن العقاري وفي المواد الأساسية بلغ من الضخامة حداً قارب قيمة الناتج الإجمالي الأمريكي واعتباراً من 1979 سنة الإعلان الرسمي عن تبني السياسات الليبرالية الجديدة ، سوف تظهر القروض قصيرة الأجل و المضاربات المالية كوسيلة لتحريك الفائض الاقتصادي من دون زيادة في الإنتاج الحقيقي ، لكنها ستلعب في الوقت نفسه دوراً مدمراً لأسواق بكاملها: أزمة النمور الآسيوية وانهيار أسواقها 1997 ، ومن ثم أزمة الغذاء العالمي والارتفاع الجنوني في أسعار مواد الغذاء الرئيسية خاصة الأرز، والارتفاع الجنوني في أسعار النفط الخام ، وآخرها الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت ببنوك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري في الولايات المتحدة وامتدت بسرعة لتشمل الاقتصاد الرأسمالي عامة متسببة بموجة ركود اقتصادي وكساد شاملة. يميل الفائض الاقتصادي الرأسمالي للارتفاع من حيث حجمه المطلق ومن حيث نسبته إلى الناتج الكلي معاً كلما تطور النظام الرأسمالي الاحتكاري. يحقق النظام الرأسمالي الاحتكاري زيادة في فائض الإنتاج عبر الآليات التالية: 1- التسعير الاحتكاري 2- ميل تكاليف الإنتاج للانخفاض نتيجة التقدم السريع والمتواصل في التكنولوجيا وفي إنتاجية العمل 3- إعانات الدولة الرأسمالية الاحتكارية (الدولة الإمبريالية) للبحوث الزراعية والصناعية وإعانات تسهيل اندماج الشركات القومية في الصناعات الرائدة (شيبات الذاكرة ) بهدف زيادة حصة الشركة "القومية " الأميركية في السوق الدولية. قد يبدو هذا من ناحية الشكل حجة في مصلحة الرأسمالية الاحتكارية ، إذ تبدو على هذا الشكل نظاماً رشيداً أو تقدمياً. ولو أمكن فصل اتجاهها لخفض التكلفة عن التسعير الاحتكاري على نحو ما ، وإيجاد وسيلة لاستخدام ثمار الإنتاجية المتزايدة لمصلحة المجتمع ككل ، لأصبحت هذه الحجة قوية فعلاً. ولكن هذا بالضبط ما لا يمكن تحقيقه. إن الحافز الكلي لخفض التكلفة هو زيادة الأرباح ، ويمكّن تركيب الأسواق الاحتكاري الشركات من الحصول على نصيب الأسد في ثمار الإنتاجية المتزايدة على شكل أرباح أعلى. وهذا يعني أن التكاليف المتناقصة في ظل الرأسمالية الاحتكارية تنطوي على توسيع حدود الربح باستمرار. بدوره ينطوي توسيع حدود الربح باستمرار على أرباح إجمالية تزيد ليس فقط بصفة مطلقة وإنما كحصة من الناتج القومي أيضاً. هكذا تتراكم باستمرار كتل نقدية هائلة لدى حفنة من الدول الإمبريالية سوف تجد مجالاً لتحركها في القروض قصيرة الأجل للدول التي تخضع لشروط صندوق النقد الولي ، وفي المضاربات المالية الدولية عبر بنوك الرهن العقاري وصناديق الاستثمار. ففي صيف 1997 "تعرضت النمور الآسيوية لحركة واسعة من المضاربات وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج بكميات هائلة مما عرّض موازين مدفوعاتها لعجز شديد. وقد تم تمويل هذه المضاربات من خلال التحويلات الخاصة والقروض الخارجية قصيرة الأجل التي شكلت في التحليل النهائي ، أموالاً ساخنة Hot Money تتطاير بسرعة من سوق نقدي لآخر في شكل أسراب جارحة تنقض على الأرباح الموجودة في سمي بالأسواق الناشئة بجشع شديد . ثم تلتهمها وتخرج سريعاً للخارج إلى سوق آخر ... والحقيقة أن التزايد الهائل الذي حدث في حركة رأس المال الدولي المضارب في السنين الخمسة الأخيرة [1994-1999 ] إنما يعود إلى تأثير عولمة[انفلات] أسواق النقد من خلال تحرير المعاملات المالية وسرعة حركة وانتقال رؤوس الأموال في لمح البصر عبر وسائل الربط والاتصالات الإلكترونية بين مختلف أصقاع العالم وصعوبة مراقبة هذه الحركة من قبل البنوك المركزية . كما عضّد نمو هذه الحركة تطور الابتكارات المالية التي وفرت أشكالاً مختلفة ومتعددة من الاستثمار المضارب . كما عكست هذه الحركة النشاط الواسع الذي قامت به الشركات عابرة القوميات في هذا المجال وكذلك نشاط ما سمي بصناديق الاستثمار Investment Funds التي يصل عددها الآن على صعيد العالم إلى حوالي 770 صندوقاً استثمارياً ضخماً. تم حشد الموارد المالية لها من شركات التأمين وصناديق التأمين والمعاشات وكبريات الشركات الصناعية . وهذه الصناديق تتعامل الآن في أصول مالية تتجاوز بكثير حجم الاحتياطيات الدولية التي تملكها البنوك المركزية في مختلف دول العالم. وتشير البيانات المتاحة إلى أن المعاملات المالية في الأسهم والسندات عبر الحدود (للمقيمين وغير المقيمين) في البلدان الصناعية كانت في حدود 10 % من الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان في عام 1980 ، لكنها الآن ، تزيد على 100 % من هذا الناتج .. وقد ارتبط تزايد المعاملات المالية العالمية في الأسهم والسندات (أو فيما يسمى بالاستثمار في الحافظة المالية Portfolio Ivestment) بذلك النمو غير العادي الذي حدث في تداول النقد الأجنبي يومياً على الصعيد العالمي . فالمتوسط اليومي لحجم المعاملات في أسواق الصرف الأجنبي قد ارتفعت من حوالي 200 مليار دولار في منتصف الثمانينات إلى حوالي 1,2 تريليون دولار يومياً في عام 1996 ، وهو ما يعادل 85 % من حجم الاحتياطيات الدولية لجميع بلاد العالم . وذلك يوضح مدى الصعوبة التي أصبحت تواجهها البنوك المركزية في التأثير في أسعار صرف عملاتها الوطنية أمام جحافل رأس المال المالي الدولي قصير الأجل." "هذا النشاط المضارب الهائل الذي أصبحت تتسم به الحركة الدولية لرؤوس الأموال وعلى نحو يتجاوز بكثير حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، أصبح يشير إلى حقيقة خطرة جداً . وهي أن الشطر الأكبر من الأرباح التي أصبحت تحققها كبريات الشركات الصناعية في العالم لم يعد يتحقق في مجال الإنتاج الحقيقي ، بل في الاستثمار في حافظة الأوراق المالية . وهذا دليل دامغ على الطابع الطفيلي الذي تتسم به الرأسمالية الاحتكارية المعاصرة (الإمبريالية الرأسمالية) . كما أن هذا النشاط المضارب يقف وراء كثير من الأزمات النقدية والمالية التي حدثت في بلاد كثيرة بسبب ما يسببه من ارتفاع جنوني في الأسعار دون مبرر حقيقي . ثم هبوطها مرة واحدة . تماماً مثل بالون ينتفخ أكثر من اللازم ولا بد أن تأتي لحظة انفجاره . وفي ضوء هذا النشاط المحموم والجنوني الذي حدث في ارتفاع أسعار الأصول المالية والمادية بسبب المضاربات نشأت ما تسمى " الاقتصادات المنفوخة ) التي من أنشطتها المضاربات وتتهددها الأزمات " وإذا أضفنا سعي النظام الإمبريالي لاستعادة ما فقدته الشبكة الإمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية وتفكك الدولة السوفييتية كعقبة كانت قائمة أمام حرية التحرك الأميركي الإمبريالي تكون لوحة ما يدعى بالعولمة قد اكتملت . "فبعد انتصار الثورة الروسية 1917 دخل عنصر جديد في هذا الصراع التنافسي : النزوع إلى إعادة السيطرة على هذا الجزء من العالم الذي انفلت من النظام الإمبريالي والحاجة إلى منع مناطق أخرى من الهرب من الشبكة الإمبريالية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية أدى اتساع الجزء الاشتراكي من العالم وتحطيم القسم الأكبر من النظام الاستعماري إلى زيادة حدة النزوع إلى إنقاذ أكبر قدر ممكن من الشبكة الإمبريالية واستعادة الأقاليم التي فقدتها. وفي هذا الإطار يتخذ الغزو صوراً مختلفة حسب الظروف: عسكرية وسياسية واقتصادية ." ومنذ 1945 كانت الظاهرة الجديدة هي تولي الولايات المتحدة زعامة النظام الإمبريالي بأكمله. إذ أنه نتيجة لنضجها الاقتصادي وقوتها العسكرية من ناحية وللتدمير الذي أحاق بمنافسيها من ناحية أخرى صار لدى الولايات المتحدة القدرة والفرصة لتنظيم الشبكة الإمبريالية المعاصرة وقيادتها.. وقد سارت عملية تنظيم النظام الإمبريالي بعد الحرب عن طريق الوكالات التي أنشئت قرب نهاية الحرب : الأمم المتحدة، البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي. وقد استطاعت الولايات المتحدة ، لأسباب مختلفة ، أن تمارس في كل منها دور الزعامة. وتم تدعيم هذا النظام عن طريق أنشطة هيئة التعمير والإغاثة ومشروع مارشال وبرامج المعونة الاقتصادية والعسكرية العديدة التي تمولها واشنطون وتسيطر عليها. لقد حاول أيديولوجيو الإمبريالية إحلال "العولمة " كمفهوم أيديولوجي وهو يؤشر إلى تحولات جزئية في عمل الإمبريالية وسياسات ليبرالية جديدة قائمة على حرية حركة رؤوس الأموال عبر الدول وعلى خصخصة المشروعات وعلى محاولة إعادة الأجزاء التي تفلتت من الشبكة الإمبريالية ، ومعتمدة على التطور التكنولوجي ذي الطابع الدولي ، محل مفهوم الإمبريالية الاقتصادي/ السياسي الشامل وذو المغزى الاجتماعي (الطبقي). لكن المحاولة فشلت إلى حد كبير مع سلسلة الغزوات الأميركية ومع احتلال العراق وأفغانستان وأخيراً مع الأزمة المالية والاقتصادية الضخمة التي انفجرت عبر إفلاس بالجملة لبنوك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري في الولايات المتحدة. وبعد : فإن "الدرس الهام الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى (الأزمات الاقتصادية) لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياً... فمصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات الناشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال النظام القائم" V- الإمبريالية ؛ عرض تاريخي 1- أنواع الإمبراطوريات الإمبراطوريات القديمة القائمة على أنماط إنتاج ما قبل الرأسمالية كالرومانية والعثمانية والصينية والعربية والمغولية وغيرها وهي عبارة عن رابطة سياسية بفعل سيطرة قوة رئيسية ما أن يضعف المركز السياسي حتى تتفكك الإمبراطورية (Impire) الإمبراطوريات القائمة على نمط الإنتاج الرأسمالي في مرحلتيه التجارية والصناعية مثالها الكلاسيكي الإمبراطورية البريطانية القائمة على احتكار الصناعة الحديثة والتجارة وهي قائمة على حيازة المستعمرات وتصدير البضائع المصنعة واستيراد المواد الأولية . وتعمل على تدمير الصناعات المحلية الحرفية بسرعة بفعل المنافسة ورخص الأسعار والقوة العسكرية الإمبريالية كمفهوم جديد ظهر اعتباراً من عام 1900 وهو مفهوم اقتصادي سياسي أساسه الاحتكار وسيطرة رأس المال المالي والطغمة المالية وتصدير الرساميل بدلاً من تصدير البضائع ، والميل إلى الاغتصاب والعنف والرجعية في السياسة والفكر والضم والإلحاق والغزو والاعتداء على سيادة الدول الضعيفة والظلم القومي ؛ أي الميل للرجعية والسيطرة من الناحية السياسية . كما يميل إلى مراكمة كميات ضخمة من الأوراق المالية النقدية وإلى فصل متعاظم للتوظيف في المضاربات المالية بالمقارنة مع التوظيف في القطاعات المنتجة من صناعة وتجارة وزراعة 2- 1860 بداية مرحلة جديدة في الرأسمالية: كساد 1876 في أمريكا وما نتج عنه من حركة اندماجات واسعة . إن تمركز رأس المال الناتج عن الاندماجات سمح بتطبيقات تقنية للاكتشافات العلمية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر. 3- 1900 تبلور الظاهرة الجديدة ؛ تمركز رأس المال في المؤسسات الصناعية العملاقة وفي حفنة من البنوك الضخمة واقتران الإثنين مع هيمنة البنك على النشاط الصناعي والتجاري وظهور النشاط في سوق الأوراق المالية والمضاربات المالية. ظهور رأس المال المالي كتعبير عن الاقتران السالف الذكر. هذا التمركز الشديد قاد إلى ظهور الاحتكارات العملاقة : احتكار السوق القومية الداخلية والتمدد نحو احتكار الأسواق العالمية ونشوء الاستعمار الإمبريالي الاقتصادي (الكولونيالية الاقتصادية) : يكتسب تصدير الرأسمال والتوظيفات في الخارج والنشاطات المالية المضاربة أهمية شديدة في نشاط رأس المال المالي ودولته 4- 1910 : صعود متسارع لثلاث اقتصادات فتية هي ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية واليابان . 5- بروز ظاهرة انقسام نشاط رأس المال المالي إلى مضارب ومنتج [ظاهرة الأوراق المالية وإصدارات السندات والأسهم والمتاجرة بها وبسندات الدين الحكومية والخاصة ] 6- اقتران رأس مال البنوك مع رأس مال اتحادات الصناعيين مع هيمنة البنكي وظهور احتكارات عملاقة يهيمن البنك عليها (رأس المال المالي) ؛ واقترانها (اندماجها ) مع احتكارات الدولة ؛ اندماج الاقتصادي بالسياسي في حركة جبارة واحدة وظهور الإمبريالية كظاهرة اقتصادية/ سياسية تنزع إلى السيطرة والإخضاع والإلحاق لا إلى الحرية وتجعل من الديمقراطية البورجوازية كذبة سخيفة. وهم الديمقراطية والحريات السياسية والاقتصادية في عصر الإمبريالية . لا تعمل الإمبريالية على تخفيض الحس النقدي في الفكر الحديث فحسب بل حاولت أن تدمج وتستوعب مشروع الطبقة العاملة السياسة في البلدان المركزية (ظهور الإنتهازية العمالية كظاهرة دولية ؛ المنشفية أو الاشتراكية الدولية كظاهرة عالمية ؛ انقسام البروليتاريا العالمية ). تهدئة أوربا وأمريكا الشمالية اجتماعياً والهجوم الإمبريالي على بقية العالم للسيطرة عليه واستثماره وخاصة آسيا ومعها روسيا. 7- اقتسام العالم من قبل الاحتكارات الدولية لا يعني الصراع على إعادة الاقتسام : "لا يستطيع الاحتكار في نظام الرأسمالية أن يزيل المزاحمة من السوق العالمية بصورة نهائية ولبرهة طويلة .. ومن الواضح أن إمكانية تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح عن طريق إدخال التحسينات التكنيكية تعمل في صالح التغيرات [إعادة الاقتسام بفعل تغير موازين القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية].. ولكن ما فطر عليه الاحتكار من ميل إلى الركود والتعفن يواصل عمله بدوره وهو يتغلب في وقت معين في بعض فروع الصناعة وفي بعض البلدان ... إن الإمبريالية هي تراكم هائل للرأسمال النقدي في عدد قليل من البلدان (مالكي الأوراق المالية) " ما يدفع لنشاط المضاربات المالية عبر الحدود وتصدير الرساميل قصيرة الأجل حيث يمكنها الانسحاب بسرعة من سوق لأخرى ويسم بطابع الطفيلية كامل البلاد التي تعيش من استثمار عمل مئات البلدان ما وراء البحار ، ويشدد هذا الوضع لدرجة أكبر عزلة فئة أصحاب المداخيل التامة عن الإنتاج. 8- هيمنة الولايات المتحدة على النظام الإمبريالي بعد الحرب الثانية . تركز الثروة فيها وسيطرة الدولار كعملة عالمية وقومية .نييورك مصرف العالم بدلاً من لندن . إعمار أوربا واليابان عبر مشروع مارشال ؛ وتغلغل الشركة الاحتكارية الأميركية في أوربا واليابان وكندا. وهيمنتها على هذه الأسواق. 9- تصاعد الاستثمار في الخارج والتوظيفات المالية بشكل هائل بعد الحرب العالمية الثانية (الإمبريالية من دون مستعمرات أثناء الحرب الباردة على أثر انتصار السوفييت في الحرب وحركة التحرر الوطني/ القومي) ظهور السلاح النووي كقوة ردع عالمية 10- كساد منتصف السبعينات على أثر الحرب بين العرب وإسرائيل : موجة اندماج في الشركات الدولية ، ظهور ما يسمى بالتقنيات ذات الطابع الدولي (تكنولوجيا الفضاء والاتصالات الفضائية ، الحواسيب والربط الإلكتروني ، ثورة المواصلات : السيارة والطائرة) 11- 1980 : تحرير الأسواق وحركة تدفق رؤوس الأموال والتوظيفات عبر الحدود القومية ، الانفلات من مراقبة الدولة والبنوك المركزية: التنظيرات المعادية لدولة الرعاية الاجتماعية . كف يد الدول عن التدخل في حركة سوق يسيطر عليها رأس المال المالي والشركات الاحتكارية الدولية والمضاربات المنفلتة من عقالها. الخصخصة ووحشية السوق الإمبريالية . 12- 1997 انفجار أزمة النمور الآسيوية وقبلها أزمات مالية في المكسيك والأرجنتين (انهيار عملات وطنية). وقد سبق هذا حرب الخليج الأولى ولاحقاً قصف يوغسلافيا ومن ثم احتلال أفغانستان والعراق . تجدد الغزو الإمبريالي في محاولة لاستعادة الأجزاء المتفلتة من الشبكة الإمبريالية على أثر الحرب العالمية الثانية . 13- أزمة الغذاء العالمي بعد 2005 والارتفاع الجنوني في أسعار النفط كل ذلك نتيجة المضاربات الهائلة في هذه المواد الأساسية والحيوية للشعوب. 14- 2007 انفجار أزمة الرهن العقاري وانهيار بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة: الإمبريالية الرأسمالية تشهد أخطر أزمة مالية واقتصادية وأضخمها في تاريخها الحديث. توضيب البيت الأوربي عدا روسيا من قبل الولايات المتحدة للهجوم على بقية العالم خاصة آسيا، تظهر الصين وروسيا وإيران وفنزويلا ، الخ .. كدول تقاوم مشروع التوسع الإمبريالي يظهر وهم ديمقراطية الإمبريالية خلال الأزمة : خطة للإنقاذ بمليارات الدولارات تؤخذ من الناخبين الفقراء عبر الضرائب وتمنح للمضاربين والأثرياء من أصحاب البنوك والشركات العملاقة الاحتكارية. على أثر الأزمة زيادة التفاوت في الدخل والثروة في أمريكا وأوربا حلال فترة اعتماد السياسة الليبرالية الجديدة . أظهرت الأزمة الرأسمالية الأخيرة من جديد أن الاشتراكية- الديمقراطية [الاشتراكية الماركسية ] هي البديل الحقيقي للنظام الرأسمالي على المستوى العالمي، والقومي . كم أظهرت بشكل واضح أن الخيار الشعبي في سوريا هو الحل وليس الامتثال لسياسات التكييف الهيكلي الكلي التي يمليها صندوق النقد الدولي الذراع المالية للسياسات الإمبريالية والتي تهدف إلى خصخصة مؤسسات الدولة وتحرر السوق من المراقبة الحكومية و إثراء قلة من السكان على حساب أغلبية الشعب، قلة تعمل سمسارا لرأس المال المالي وتغدو صورة للعلاقة الإمبريالية في أطراف النظام.
VI- السمات الجديدة للإمبريالية الرأسمالية الراهنة تتميز إمبريالية الوقت الحاضر بعدد من السمات الجديدة وهذه السمات هي: 1- تحول موطن التركيز الرئيسي من التنافس على تقسيم العالم إلى الصراع ضد تقلصات النظام الإمبريالي. بكلام آخر: ظهور ديالكتيك جديد للعلاقة بين الدول الإمبريالية الرئيسية وهو ديالكتيك الاندماج/ المنافسة مع هيمنة الاندماج بين الدول الإمبريالية الرئيسية. و ديالكتيك آخر هو الصراع بين النظام الإمبريالي تحت قيادة الولايات المتحدة والدول ذات التحرك القومي "المستقل " (الصين ، روسيا، إيران، كوريا الشمالية ، فنزويلا، كوبا، الخ..) والتي تعرقل تحرك النظام الإمبريالي في سعيه لاستعادة ما تفلت من الشبكة الإمبريالية أو منع تفلتات جديدة. 2- الدور الجديد للولايات المتحدة كمنظم وقائد للنظام الإمبريالي العالمي 3- نشأة التكنولوجيا ذات الطابع الدولي (البث الفضائي والاتصال الفضائي، الربط الإلكتروني ) علينا أن نضيف ملاحظتين هامتين عن الإمبريالية: 1- بما أن الدولة الحديثة هي صاحبة حصة كبيرة في تروست الدولة الرأسمالية ، فإنها (الدولة الإمبريالية الرأسمالية) هي الذروة المنظمة الأعلى والأكثر شمولية لهذا الأخير. ومن هنا تأتي سلطتها الضخمة ، بل والرهيبة الهائلة تقريباً. 2- يتضمن قانون رأس المال المالي ، كلاً من الإمبريالية والعسكرة ، وبهذا المعنى فإن العسكرة لا تقل عن رأس المال المالي ، في كونها ظاهرة تاريخية نموذجية. أي الارتباط العضوي بين العسكرة والإمبريالية ؛ بين العسكرة ورأس المال المالي إن أهمية النفقات العسكرية قد أثرت في الواقع في جميع البلاد الرأسمالية الصناعية .. وغدت النفقات الحربية حافزاً للنمو الصناعي ... تُعلِّم مجموع البلاد الرأسمالية الرئيسية الإنتاج بالجملة . كذلك كان يجب أن يطابق استهلاك بالجملة في كل وقت هذا الإنتاج. ولم يلبث تحالف اقتصاد الحرب ودولة الرفاهية(الرعاية) أن أعطى التدخلات الحكومية وسائل ضمان الاستهلاك بالجملة . إن الطلبيات الحكومية العسكرية هي سوق هائلة للشركة الاحتكارية العملاقة ، ومن خلال ذلك يعاد توزيع الدخل القومي مرة أخرى لصالح الشركة الاحتكارية العملاقة ، ويظهر مرة أخرى نفاق و تهافت "الديمقراطية " الإمبريالية. وهو ما يجعل من المسألة الديمقراطية مهمة أساسية للحركة الاشتراكية الماركسية، ولليسار الماركسي عموماً. --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ملاحظة: إن المواد المترجمة المنشورة تعبّر عن آراء كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء وتوجهات "الحزب الشيوعي – المكتب السياسي -----------------------------------------------------
___________________
زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت: www.scppb.org
موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن): www.ahewar.org/m.asp?i=9135
#الحزب_الشيوعي_السوري_-_المكتب_السياسي (هاشتاغ)
The_Syrian_Communist_Party-polit_Bureau#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسار- العدد 29
-
المسار- العدد 28
-
المسار- العدد 27
-
بيان بمناسبة عيد الجلاء
-
المسار- العدد 26
-
حول الجولان العربي السوري
-
المسار- العدد (25) – كانون ثاني /يناير 2019
-
المسار- العدد (24) – كانون ثاني /يناير 2019
-
رسالة تضامن مع انتفاضة الشعب السوداني والحزب الشيوعي السودان
...
-
المسار- العدد 23
-
الرؤية سياسية المعتمدة من اللجنة التحضيرية لتشكيل الجبهة الو
...
-
بيان إشهار (الجبهة الوطنية الديمقراطية /القطب الديمقراطي)
-
المسار- العدد 22
-
المسار- العدد (21)
-
سلامة كيلة.. وداعاً
-
المسار - العدد 20
-
المسار - العدد 19
-
المسار - العدد 18
-
المسار - العدد 17
-
المسار - العدد 16
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|