|
ارتفاع منسوب مخزون العنف في داخلنا
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 6299 - 2019 / 7 / 23 - 17:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ر كلما ازداد العنف من اطلاق نار وطوشات وسرقات وحوادث طرق وغيرها من سلاسل العنف التي تحيط بأعناقنا حتى وصلنا الى درجة الاختناق ، كلما ازدادت عواصف الاستنكار والشجب والانتقادات ، هذا ينتقد ممارسات الشرطة ودورها في ترك الحبل على الغارب في انتشار العنف داخل مدننا وقرانا ، وذاك يتهم لجنة المتابعة لأنها لا تحرك ساكناً من وجهة نظره لمنع حالات العنف المستشري داخل مجتمعنا ، وآخر يتهم الاحزاب العربية بأنها عاجزة عن خلق أجيالاً من الشباب مثقفة واعية منضبطة ، ومنهم من يتهم أعضاء الكنيست العرب بالمسؤولية عن انتشار العنف كأن أعضاء الكنيست هؤلاء هم الشرطة والقضاء والمدارس والآباء والأمهات والمجتمع بكامله . الاتهامات التي يرافقها الحزن أحياناً وانعدام الحيلة وفشة الخلق لا تتوقف ، تنطلق هذه كالشرر من بين شفاهنا وصدورنا ، لكن لا أحداً ينظر ويسأل نفسه ما هو دور المواطنين في احتواء ومنع أو على الأقل التخفيف من ممارسة العنف . نعترف بأن الشرطة لا تقوم بواجبها لمنع ممارسة الارهاب ، واذا تعاملت مع هذه الظاهرة فأنها تتعامل معها بمكيالين ، المكيال الأول بذل جميع جهودها للبحث عن الجريمة واكتشافها ومحاربة انتشار الاسلحة والحد من تغلغل العصابات الاجرامية في الوسط اليهودي ، أما المكيال الثاني فهو التعامل مع الارهاب ومحاربته في الوسط العربي وهي ترتدي القفازات البيضاء المخملية خوفاً من التلوث ، منطلقة من أرضية " فخار يطبش بعضه " ومن سقف " حادت عن المجتمع اليهودي بسيطة " . هذا هو حال الشرطة التي تمثل حكومة اليمين التي أبرزت وبشكل فاضح شعارها " الدولة للشعب اليهودي فقط " وما تبقى من سكانها هم من الدرجة الثانية أو الثالثة في كل شيء ، حتى في علاج الشرطة لقضايا العنف. هذا هو قدرنا الذي لم نشارك في اختياره ولم يشاورنا أحد في صنعه ، لكن يُطرح السؤال ، اذا كانت الحكومة تتعامل معنا ضمن قوانين عنصرية ، حتى قبل صدور قانون القومية وبعده ، ولماذا نحن لا نحارب ممارسات العنف بالسلاح الذي نملكه ، سلاح الوعي والايمان ، سلاح غريزي داخلي يتجسد بأن يكون كل واحد منا شرطي على نفسه وعلى عائلته ، لضبطها ودفعها للسير في الطرق القويمة . لكن هذا الشرطي لا يتواجد عند الجميع ، وان الغالبية من أبناء مجتمعنا ، والمجتمعات العربية تحمل جينات من العنف المتوارث من جيل الى جيل ، حيث هذه الجينات تبقى نائمة لكنها قابلة لأن تستيقظ بسرعة لأتفه الاسباب كالضغط أو الغضب أو ربما الطمع والفقر والانحلال ، انتخابات السلطات المحلية توقظها حيث تتحول الخيار الديمقراطي الى عنف ، ازدحام في المواصلات ربما يوقظ هذه الجينات ، وسريعاً ما تتحول الى عنف يصل الى درجة القتل ، الخلاف على الأرض أو المال أو ما يسمى بالشرف حيث تتحول الجينات الى نيران مشتعلة . تبعات الزواج والطلاق قابلة لفك شيطان الشر القابع في نفوسنا ، الضغط السكاني والازدحامات المرورية في بلداتنا ، بؤر الشر والفساد قادرة على التحكم وكسر قيود جينات الشر والعنف القابعة داخلنا ، انها كالخلايا الارهابية النائمة قابلة لأن تستيقظ في كل لحظة . هذا من وجهة نظري ليس نتاج يوم وليلة أنه متوارث ، العنف يسود مجتمعنا منذ مئات السنين وأكثر ، انتقل من العصر الجاهلي الى عصر ما بعد الدعوة الاسلامية ، الاسلام بكل ثقلة وقيمه وقوانينه واحكامه ، لم يتمكن من القضاء على آفة التعصب القبلي ، التي تراجعت وأصبحت تعصب عائلي داخل المجتمعات العربية ، لا زالت العشائر بمثابة حكومات داخلية داخل الحكومات المركزية خاصة في العراق وسوريا والجزيرة العربية والسودان ودول شمال افريقيا . كيف يمكن نزع فتيل العنف من عقول وأدمغة أبناء هذه العشائر ، ونحن لا زلنا نتغذى من وحي هذا السلف البعيد القريب . الخلاف على السلطة داخل امبراطوريات الخلافة الراشدية والأموية والعباسية أغرق البلاد في بحار من الدماء ، الانقسامات الطائفية كانت ولا تزال مستنقعاً للعنف ، أقباط ومسلمين في مصر سنة وشيعة في العراق ، بربر وعرب في الجزائر والمغرب والأمثلة كثيرة . لم تهدم الصراعات الناتجة عن هذه الانقسامات ولا زال مردودها حتى اليوم ولكن ربما بوتيرة وصورة مختلفة ، وكلما قل منسوب هذه الصراعات كانت السلطة المركزية تصب الزيت فوق نيرانها ، كما ساهمت القوى الأجنبية أيضاً في اشعال نيران الفتن التي تتحول بسرعة الى عنف تمتد تبعاته مئات السنين ، فأثناء الحكم العثماني ساروا على سياسة فرق تسد ، فأشعلوا نيران النزاعات الطائفية في لبنان خاصة بين المعنيين والشهابيين ، كما كانوا يعملون على اشعال نيران الفتن بين القبائل العربية التي يعود نسبها الى يعرب بن قحطان وتعرف بالقبائل اليمنية ، أو عرب الجنوب وبين القبائل التي يعود نسبها الى قيس وهو من نسل اسماعيل وعرفت بالقبائل القيسية أو عرب الشمال ، لقد استمر الصراع القيسي اليمني مئات السنين ولم ينته الا بزوال الدولة العثمانية ، التي كانت تغذي هذا النزاع . اذا العنف المستشري اليوم هو امتداد لهذا العنف المتوارث لدى الكثيرين ، في الماضي القريب ، آخر العهد وفي زمن فترة الانتداب اعتادت القبائل البدوية غزو القرى التي قطنها الفلاحون ، كانوا يقتلون وينهبون ما يجدوه أمامهم ، ويذكر التاريخ كيف في زمن الانتداب غزت قبيلة بني صخر القادمة من الاردن العديد من قرى الساحل ، وقد سجل الكاتب احسان النمر هذا الغزو في كتاب " تاريخ نابلس والبلقاء " الفرق بين العنف بالأمس والعنف اليوم ، ربما أن العنف بالأمس كان جماعي ، أما اليوم العنف فردي أو ينحصر في مجموعات صغيرة . الفرق أيضاً ان العنف قبل عشرات السنين كان يحدث دون أن تصل معلومات عنه الى جميع المواطنين ، أما اليوم فإن وسائل الاعلام متوفرة ، تنتقل سريعاً عبر وسائل الاعلام المتعددة و بالصوت والصورة والوصف الكامل ، وهذا يجعلنا نؤمن بأن ظاهرة العنف ليست جديدة في مجتمعنا ، بل العنف تطور مع تطور حاجيات الانسان خاصة الحاجات المالية . من الصعب القضاء على العنف في مجتمعنا دون التخلص من درناته المختبئة في داخل أجسامنا والتي من الممكن في أي لحظة الخروج قاذفة حممها ، مشعلة الطريق والأجواء والمجتمع . لا يمكن القضاء على العنف باتهام الشرطة فقط ، أو اتهام مؤسساتنا المختلفة ، القضاء على العنف بحاجة الى برامج عمل، بحاجة الى تطوير مفهوم العائلة والتزاماتها ومراقبة الأبناء جيداً خاصة في هذا العصر المليء بالمغريات ، بحاجة الى ربط الاجيال الصاعدة بعجلات المشاريع التي تنمي الروح الانسانية والثقافية والفنية وترفع من القدرات العقلية والتفكيرية ، وهنا نسأل أين سلطتنا المحلية من توفير تلك المشاريع ، جمعينا نبكي ونستنكر ونرفض ونخرج في المظاهرات ، ولكن هل سألنا أنفسنا ماذا قدمت السلطات المحلية لتلك الاجيال لحمايتها من العنف ، البلد التي لا يوجد فيها ملاعب رياضية ومكتبة عامة ومعهد موسيقى ومسرح وأماكن تبلور وتطلق مواهب تلك الاجيال وتنبههم لخطورة العنف والانزلاق نحو مستنقعات الدم ، من السهولة تسلل العنف الى نفوسهم . لذك ليس بالشعارات نحمي الاجيال ونحارب العنف ، وليس بوجود رجال الشرطة نستطيع أن نضمن الامن والامان في مجتمعنا .
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تموز يا تكوز عد الى الوراء وتجدد
-
لا جديد تحت شمس المذابح الصهيونية
-
القدس تركل ترامب وتصيب نتنياهو بخيبات الامل
-
أوجه الشبه بين نظم الانكشارية والفكر الصهيوني
-
من أول السطر إلى آخره - الحل هو القائمة المشتركة
-
أكثر من وجهة نظر
-
السيسي وصفقة القرن
-
يهودية يهود الفلاشا في خانة الشك
-
ارادة الفلسطيني أقوى من صواريخهم
-
مدرسون عرب يعملون داخل أتون العنصرية
-
من أجل ابعاد نتنياهو عن السلطة يجب تغيير الشعب
-
المستعرب الياهو ساسون 2
-
المستعرب الياهو ساسون
-
في كل صراع دامي هناك أصابع اسرائيلية
-
وداعا ماما تسيبورا
-
سياسة العنصرية غب اسرائيل = استشهاد المزيد من الطلاب العرب ف
...
-
صراخ في فضاء الانتخابات
-
لكل حزب صهيوني جديد رقصة عنصرية
-
عندما كانت مصر قبلة العرب الوطنية والسياسية
-
القائمة المشتركة خيار استراتيجي وليس مزاج انتخابي
المزيد.....
-
نتنياهو يبحث المرحلة الثانية من اتفاق غزة خلال زيارته إلى أم
...
-
السودان: أكثر من 60 قتيلا في هجوم لقوات الدعم السريع على سوق
...
-
هيغسيث: -داعش- تكبدت خسائر جراء الضربة الأمريكية في الصومال
...
-
قلق في إسرائيل بسبب منصب رئيس وفد المفاوضات مع حماس
-
وزير الخارجية المصري: لن تنعم المنطقة بالسلام ما لم تقم دولة
...
-
تقدم روسي.. وترمب يصر على الحل بأوكرانيا
-
لقطات جوية من مكان تحطم طائرة طبية في مدينة فيلادلفيا الأمري
...
-
بولندا.. مرشح المعارضة للرئاسة يتعهد بإعادة 20 مليون بولندي
...
-
ويتكوف ونتنياهو يتفقان على بدء مفاوضات المرحلة الثانية لوقف
...
-
الدفاع الروسية: القوات الأوكرانية ارتكبت جريمة حرب جديدة بقص
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|