|
ثورة الرابع عشر من تموز حدث تأريخي مجيد .
صادق محمد عبدالكريم الدبش
الحوار المتمدن-العدد: 6292 - 2019 / 7 / 16 - 09:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثورة الرابع عشر من تموز حدث تأريخي مجيد . ثورة تموز أعظم حدث في التأريخ العراقي الحديث ، وما أحدثته من تغيير شامل في حياة شعبنا والمنطقة . ولكن مع شديد الأسف ، قد قتلها ثوارها وصناعها !!.. وأكلوا لحم بعضهم وتناثرت أشلائهم !.. فبكتهم العراقيات والعراقيون ، دما ودموع وألم ولوعة ، على امتداد إحدى وستون سنة !.. هذه حقيقة مرة وصادمة ، وكان مصاب وحدثا جلل ، واحتار الساسة والكتاب والمثقفون والنقاد ، في تقيمها !.. اختلف المختلفون والمحللون والنقاد عليها . وحار في وصفها المؤيدون والمناصرون ، كونها ثورة الشعب .. كل الشعب ، ومن ساقته عاطفته ونبله وحبه للتغيير والتجديد ، للشهادة والإشادة بما أنجزته وما قدمته خلال عمرها القصير والقصير جدا . وفي كلتا الحالتين ، تبقى ثورة تموز منارة عظيمة وزلزالا غير مجرى الحياة في بلاد الرافدين . يستقي من نورها المناضلون والثوريون والمتبصرون المتابعون لحركة المجتمع وشروط تطوره وانتقاله من مرحلة دنيا الى مرحلة أرقى ، ولقيام نظام جديد أكثر تطورا وتقدما وعدلا وانصاف ومساواة ، ليقوم على أنقاض القديم المتهالك والمعادي لتطلعات وأماني شعبنا ، والذي أصبح لا يلائم ولا ينسجم مع حركة الحياة . ويسعى المتنورون والطليعة الواعية في المجتمع ، الساعون الى الغد السعيد ، هؤلاء ذهبوا لدراسة هذه التجربة وما أفرزته ، شاخصة عقولهم وأبصارهم الى تلك الظروف وما استجد فيها من أحداث وما خلقته من جديد ، فيعيدوا الدراسة والتمحيص والتقييم لهذه التجربة ، الدراسة المتأنية والنقدية المتبصرة والواعية ، وبعيدا عن العواطف والانحياز والتعصب والأحكام المسبقة ، سلبا كان ذلك أم إيجابا . والنقاد والمفكرين والمثقفين والمهتمين بحركة المجتمع البشري ، ينظرون الى الحدث الاجتماعي بشيء من التجرد ، ويحرصوا على القراءة المتأنية والموضوعية ويستخلصوا من تلك الرؤى والتجارب ما يساعدهم على رسم حاضر البشرية ومستقبلها ، ووفق قوانين التطور الاجتماعي وانتقاله من مرحلة لأخرى ، وينظرون الى خصوصيات كل مجتمع على حدة ، وأن لا يحاكموا الثورات وما يطرأ من تبدل في الكم والكيف ، وما تحدثه من تغيرات وما تفرزه من وقائع جديدة على الأرض . التغيير أو الثورة تصنع رجالاتها وأدواتها من رحمها ، باعتبارها شريحة مختلفة في كثير من الأحيان ولها سمات تميزها وتؤهلها في تصدر الثورة وقيادتها ، هذه الرموز تكون مهيأة فكريا وسياسيا وتنظيميا لقيادة هذا الحدث الاجتماعي الفريد في شكله ومضمونه . قادتها ورموزها الذين تم دفعهم في تصدر المشهد السياسي ، الذين خرجوا من رحم الثورة ومن رحم هذا المجتمع ويعبرون عن هموم الناس ، هؤلاء يشكلون رأس الحربة والمعول عليهم لإحداث التغيير المنشود . ويحملون على عاتقهم مسؤولية قيادة التغيير وإدارته وتحقيق أهدافه ، والتي يجب أن تمثل إرادة الفئات الدنيا في المجتمع . هؤلاء الذين نهضوا بمسؤولية قيادة عملية التغيير أو الثورة ، لما اكتسبوه من وعي وخبرة وتجارب ، وما استخلصوه من عبر أهلتهم ومكنتهم من صنع هذا الحدث التاريخي العظيم . هذه الثورة وما حققته من إنجازات ومكاسب للناس ، يشهد لها العراق والعراقيون ومنها ما زال شاخصا حتى يومنا الحاضر . لكنها تعرضت ومن بداية عمرها القصير ، الى نكسات وهزائم وتراجعات ، وما حيك ضدها من دسائس ومؤامرات وتدخلات فضة وغادرة ، وما عاشته من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية عاصفة ، وما أحدثه من تغيير واستقطاب واصطفاف في المشهد العراقي ، في المجالات السياسية والاجتماعية والفكرية والطبقية ،وتركت بصمات واضحة ، نتيجة لذلك الاستقطاب والتقاطع في الرؤى والأهداف ، والطبيعة السياسية والطبقية والفكرية لقادة الثورة ، وما أحدثه ذلك الانقسام والتناحر ، والذي أثر بشكل كبير على مسيرة الثورة وتعثرها وتراجعها . وكما بينا بأن البلاد تعرضت الى صراعات عنيفة ، بشكل تصاعدي محموم ، بتعدد وتجدد أشكال هذا الصراع بين القوى السياسية والاجتماعية ، حلفاء الأمس والخصوم والأعداء اليوم . من وجهة نظري المتواضعة والشخصية ، ناتج عن تدني الوعي المجتمعي ، وغياب التأثير الإيجابي والمحسوس لمنظمات المجتمع المدني الديمقراطية الواعية لمهماتها ، والواعية لمسؤولياتها والمنظمة تنظيما سليما وواعيا ، المتسلحة بالمعرفة وبالثقافة والوعي الديمقراطية وثقافة ومفهوم المواطنة ، الذي سيساهم بشكل أو بأخر الى التخفيف والتقليل من اتساع الهوة وتأجيج الصراع وزيادة حجم الهوة بين الفرقاء المتحالفين . هذا وغيره من الأسباب وغياب الإرادة السياسية الفاعلة ، لتتمكن من تبني هدف إرساء دعام الدولة الديمقراطية وسيادة القانون ودولة المؤسسات . إن هذا قد انعكس سلبا على كل الطيف السياسي العراقي بشكل عام ، وعلى توازنهم وصواب نهجهم . هذه القوى التي جاءت بعد الثورة ، لم يكن لديها رؤية كأحزاب سلطة وحكم ، فهي تخوض تجربة السلطة وإدارة الدولة وهذا عمل جديد على أغلب هذه الأحزاب ، فجميع القوى السياسية العاملة على الساحة العراقية كانت تعيش ثقافة المعارضة ، وليست ثقافة السلطة ، فانعكس بشكل واضح على سلوك ونشاط هذه القوى وعلى مجمل الحياة في البلد ، وكما نراه في عراق اليوم والتجربة الى حدما مشابهة بين الأمس واليوم . ونتيجة لما بيناه وغيره ، لم تتمكن القوى السياسية بمجملها من بلورة رؤيا موحدة تنسجم مع ما استجد من ظروف ومتطلبات عملية بناء دولة المؤسسات ، ولتطوير وإنضاج الأدوات المشترك بين القوى السياسية ، ومسك العصى من الوسط ، للأسف هذا لم يحدث ، وفقدت الثورة وقادتها ومعها الطيف السياسي التوازن والثبات والتبصر والرؤية السليمة ، وذهبت بالسفينة بعكس اتجاهها وخلافا لأهدافها وتطلعات شعبها . وما التأرجح والمناقلة والتباعد والذي أصبح السمة الغالبة على المشهد العام ، وكان ذلك واضحا وبينا ، بعد مرور أقل من سنة من عمر الثورة ، وراح بنائها يتأكل ، هذا البناء الغض الوليد من داخلها وتداع بنائها أو كاد ، فتراجعت شعبيتها وضعفت شكيمتها وعودها ، وبدء التراجع بينا وواضحا لكل المتتبعين للشأن السياسي العراقي ، وبالخصوص ونتحدث عن بناء الدولة ومؤسساتها الاجتماعية والسياسية والقانونية !.. أصبح الانقضاض عليها يسيرا ومتاح ، لكل من يجمع ولو نفرا قليلا لإسقاطها ، نتيجة غياب سلطة القانون والإرادة السياسية التي بيدها ناصية القرار ، والتهاون مع أعداء الثورة وهم كثر !.. وفعلا قد قيض لهؤلاء وتمكنوا من تنفيذ مؤامرتهم المكشوفة والمفضوحة ، وهذا هو الذي حدث فعلا في شباط الدم الأسود الحزين !.. أقولها وبثقة مطلقة بأن ثورة تموز قد سقطت قبل الثامن من شباط الأسود ، وبعيد الأول من أيار 1959 م ، وهذه حقيقة مرة ومريرة ومحزنة ، بل كارثية ومصيبة كبرى حلت في العراق وما أصابت شعب العراق من ألام وما كلفه من تضحيات جسام لن ينساها شعبنا على امتداد قرون . ما زال شعبنا يدفع ضريبة انهيار هذه الثورة العظيمة وما نتج عنها من تراجعات وانكسارات وهزائم في مختلف مناحي الحياة في العراق . المجد لثورة تموز ولقادتها الأماجد ولثوارها الشجعان الذين قدموا أرواحهم قربانا على مذبح الحرية والاباء والشرف . المجد والخلود لشهدائها وللضحايا الكرام ولكل المدافعين عن العراق وشعبه وعن جمهوريته الفتية . الخزي والعار سيبقى يلاحق القتلة المجرمين ، ومن اغتال ثورة تموز وقادتها وزعيمها الشهيد عبدالكريم قاسم ، وكل من ساهم في إجهاض هذا الحدث التاريخي العظيم . صادق محمد عبد الكريم الدبش 16/7/2019 م
#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نعي الرفيق والصديق فالح أحمد الثابت .
-
تغريد ما قبل الغروب !..
-
الموت والأقدار والزمن البغيض ؟؟..
-
الحزب الشيوعي العراقي والتحالفات !..
-
القائد حسن سريع في الذاكرة !..
-
نظام العراق السياسي القائم فاقد للمصداقية !..
-
حوار مع من تهواها العقول ويعشقها الحبيب !..
-
في شرعة الله وكتابه .
-
تعليق على ما يجري على الساحة .
-
إرفعوا أصواتكم لتغيير اسم العراق !!..
-
متى يتوقف الموت والخراب في عراقنا ؟
-
وسالة الى قوى شعبنا الديمقراطية .
-
الشيوعية كفر وإلحاد ؟..
-
الى أين نحن سائرون ؟..
-
خبر وتعليق جديد !..
-
بغداد تعانق الموت واقفة ؟..
-
من وراء الحملة الظالمة على الشيوعيين ؟..
-
الوقوف الى جانب الشعب السوداني واجب وطني وأممي .
-
الثورة السودانية ترعب الأنظمة الدكتاتورية .
-
عيشنا المشترك حقيقة لابد منها .
المزيد.....
-
الدورة الأولى للانتخابات التشريعية الفرنسية. حريق رفضا للنتا
...
-
من بينهم مدير مستشفى الشفاء.. فلسطينيون مفرج عنهم يكشفون ما
...
-
تحذيرات من إعصار -كارثي محتمل- في الكاريبي (فيديو)
-
كوبا.. -دودة مضادة للثورة- بين -ماشية- العائلة واستخبارات ال
...
-
السفارة الروسية في لندن تعلق على اتهام موسكو بالتدخل في الان
...
-
فتاة سعودية تلتقي بسيدة أجنبية داخل قطار في روسيا وتتفاجأ به
...
-
كارلسون يوضح خطط الديمقراطيين للانقلاب على بايدن
-
السويد تقر رسميا دفع رواتب للأجداد ليقوموا برعاية أحفادهم
-
مصر تعلن وصول -ثالث معدة نووية طويلة الأجل- لمفاعل الضبعة
-
تقرير يكشف خطوة ديمقراطية لمواجهة دعوات استبدال ترشيح بايدن
...
المزيد.....
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
المزيد.....
|