أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الثاني والعشرون














المزيد.....

شام-الفصل الثاني والعشرون


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6278 - 2019 / 7 / 2 - 21:32
المحور: الادب والفن
    


كانت زوجتي تنتفخ وتشعر بالدوار والثقل والتعب وتتقيأ أحياناً.
لكم تتعذب النساء! وعلى ماذا؟ كل هذا العناء من أجل أطفال لن يعيروا والداتهم أهمية حالما يكبرون.

بيت قدور بك لن يتسع للعائلة التي هي على وشك التمدد والإنتشار، فاستقر الأمر على إستئجار الطابق العلوي، بغرفه الأربعة، من بناء عباس الجديد في حي المعلمين في الحي الغربي، وعلى مقربة من ثانوية عربستان، مكان عملي.

بيت قدور بك ذهب، بدوره، للإيجار.
ظهرت بوادر خلاف بين زوجتي ووالدتي وأختي، فصرت أسأل نفسي للمرّة المليون إن كنت قد ارتكبت خطأً كبيراً بعودتي إلى القامشلي. ربما أخطأت بالإنتقال إلى القامشلي، لكنني فعلت صواباً حينما تركت دمشق.
هاأنذا أتفلسف مرّة اخرى. يا للعار.

أين ذلك الحماس الذي لم ينحدر قط، طوال السنوات العشرين الماضية؟
زوجتي، ولأسباب لا تعرفها سوى أمّهات الزوجات، لم تخفّف الوطأة عني، بل ساهمت بتأجيجها، بافتعال هذه الخناقات التافهة، مدعومة من عائلتها الكبيرة.
المنطق، بطبيعة الحال، يقول أن في كل خلاف، الجانبان مخطئان والجانبان على صواب.
الحزن وقلة الحيلة هما السيدان في مثل هذه الأوضاع، أليس كذلك أيها المتبجح الذي انتهى بك المطاف، بعد كل هذا التقافز، إلى مدرس رسم مغمور؟
هل أنطح الأشياء كأي تيس، أم أحاول إيجاد صيغة للتفاهم لمشاكل تحدث دون إنقطاع، حتى قبل أن ينطق الإنسان؟

إنه أمر يستثير فيّ الغم. شعرت أنني أفقد الزمن والتاريخ. إلا أنني كنت متيقناً، حينذاك، أن العقل سيفوز في النهاية.

تدريس مادة الفنون، مثل الموسيقا والرياضة، لا أهمية لها على الإطلاق. لا الطلاب ولا المدرسة ولا أولياء الطلاب تعني لهم شيئاً.
أردت تغيير الأمور قليلاً، علاوة على دروس الرسم الإعتيادية، فصرت أتحدث لهم عن تاريخ الفن وتاريخ السينما.

تاريخ السينما كان أكثر تشويقاً، وكانوا يفضلون، ليس السينما الأمريكية أو الفرنسية أو الإيطالية، بل تلك الفقرة حول تاريخ السينما الدانماركية وإطلاق البورنو.
الطالبات كن يأكلنني بأسئلتهن ويتلهفن لمعرفة الكثير، بينما الطلاب كانو غير مبالين كثيراً. لا مفاجآت هنا.

في المناسبات الوطنية، كنّا نُجبر على الخروج في مظاهرات التأييد. كانوا يدعونها مسيرات، اقتباساً من بعض التقاليد الشيوعية.
والذي كان يصدر إلينا الأوامر الإنضباطية هذه، هو نائب مدير ثانوية عربستان. الرجل الممّل، الخالي من الألوان، أسود، أبيض ورمادي.
كان يُطلق مطراً من الرذاذ، بينما يشرح لنا التعليمات التي يجب اتباعها أثناء المسيرة.
لو كان عندي أعداء، لكان مرّشحاً قوياً، هذا المدير الكردي، البعثي والحائز على شامة إصطناعية خضراء على إنفه، بتقليد متبع في العادة، لدى العشائر العربية في بادية الجزيرة.
دون أن أريد، صرت جزءاً من الهمّ العام المسيطر على رقبة القامشلي: الكهرباء التي تنقطع دوماً، أو لنقل أن الكهرباء كانت تعمل أحياناً.
ثم عدم توفّر الخضار، والمواد التموينية بشكل عام. الموز، على سبيل المثال، اختفى مثل عمل ساحر. وسمعنا حكايات عن مسافرين عادوا من دمشق وأحضروا الموز لأطفالهم، فكان هؤلاء الأطفال يزعقون وينتابهم الذعر من مشهد هذه الفاكهة الغريبة.
البعض كان يلتقط صوراً لعائلته ويضع موزاً في أيدي أطفاله.

بالنسبة لي، كانت مشكلة الخبز هي الأساسية. الدقيق غير متوفر في الدكاكين، لذا فأنت مُجبر على شراء الخبز من الأفران.

على مقربة من ثانوية عربستان، بَنَتْ مديرية تموين المحافظة فرناً آلياً كبير الحجم.
ولشراء الخبز، كنت أقف في صف طويل في الساعة الثالثة صباحاً، أحياناً لعدة ساعات. وحين يبدأ بيع الخبز الحار الذي يلفّه دخان لذيذ، كانت تركن سيارة مخابرات، على أقدامنا المتثلّجة تقريباً، ويخرج عناصرها، ضاربين عرض الحائط صف الإنتظار.
ولأن الشجاعة إنتحار في مثل هذه الحالات، فإننا لم نتفوّه أبداً بكلمة.
كنّا فقط نراقبهم وهم يأخذون الأكياس المليئة بالخبز الدافئ.

بالإضافة إلى جولات الكونكان في نادي المعلمين، وجلسات العشاء في نادي الموظفين وإيشو، ذهبت عدة مرات لصيد الأرانب والقطا وأنواع اخرى من الطيور، مُسلّحاً ببندقية، مع عباس وطبيبنا إسماعيل عبد القادر الذي كنّا نقتله بفضولنا الذي لا ينتهي حول الأمراض والأعراض، وكان يرتدي أزياء الصيادين الإنكليز كما في السينما.
أطلقت الرصاص كثيراً، دون أن يحالفني الحظ باصطياد أي طائر.
في ظهيرة يوم جمعة، سمعنا صوت إطلاق رصاص غزير، ولم يكن بعيداً. هرعت إلى الشرفة، فرأيت عدة رجال يحملون أسلحة رشاشة وفردية يقفزون على حائط بيت الجيران ويختفون في الشارع الخلفي، على بعد خمسة أمتار.

جاء رجال الأمن وطوّقوا المنطقة، واستجوبوا بعض الجيران. أعطيتهم وصفاً غير دقيق للرجال، لأن الأمر تمّ بسرعة، وكان هناك سيارة إسعاف وضعوا فيها أربعة جثث.

القتلى كانوا أكراداً من تركيا، تابعين لحزب الپي كي كي، الذي كان على علاقة طيبة مع الحكومة السورية، والذين قتلوهم كانوا فرقة كوماندوز تركية، حطّت، في وضح النهار، بالقرب من شقتي لتصفية هؤلاء الرجال.

في الشهر الخامس صرت أباً لفتاة طولها بضع سنتيمترات، وكانت تشبه دودة مُجعّدة بعينين متورمتين.
لم أصدق مطلقاً، أن يتحّول هذا الشيء الشره، الذي يوشك على وضع حدّ لحياة ثدي أمّه، إلى كائن مثل الآخرين، ينمو، يأكل طعاماً إعتيادياً، يحزن ويفرح.

وفي نفس الوقت، كان العراقيون والإيرانيون مازالوا يخوضون قتالاً عنيفاً مميتاً على طول الحدود بينهما.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شام-الفصل الحادي والعشرون
- شام-الفصل العشرون
- شام-الفصل التاسع عشر
- شام-الفصل الثامن عشر
- شام-الفصل السادس عشر
- إنتخابات الدانمارك البرلمانية وشبح العنصرية المتزايد
- شام-الفصل الخامس عشر
- شام-الفصل الرابع عشر
- شام-الفصل الثالث عشر
- شام-الفصل الثاني عشر
- شام-الفصل الحادي عشر
- شام-الفصل العاشر
- شام-الفصل التاسع
- شام-الفصل الثامن
- شام-الفصل السابع
- شام-الفصل السادس
- شام-الفصل الخامس
- شام-الفصل الرابع
- شام-الفصل الثالث
- شام-الفصل الثاني


المزيد.....




- فنان مصري يوجه رسالة بعد هجوم على حديثه أمام السيسي
- عاجل | حماس: إقدام مجموعة من المجرمين على خطف وقتل أحد عناصر ...
- الشيخ عبد الله المبارك الصباح.. رجل ثقافة وفكر وعطاء
- 6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد ...
- -في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام ...
- واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة
- “الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2 ...
- طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
- -الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال ...
- نوال الزغبي تتعثر على المسرح خلال حفلها في بيروت وتعلق: -كنت ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الثاني والعشرون