|
فيلسوف نزع الخوف الذكرى التسعين لميلاد يورغن هابرماس
حامد فضل الله
الحوار المتمدن-العدد: 6267 - 2019 / 6 / 21 - 09:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فيلسوف نزع الخوف1 الذكرى التسعين لميلاد يورغن هابرماس هيريبرت برانتل مهداه الى د. هشام عمر النور، أستاذ الفلسفة ــ جامعة النيلين، السودان ترجمة وعرض د. حامد فضل الله " بلغ يورغن هابرماس في 18. 6. 2019، 90 عاماً ، إنه الفيلسوف الأكثر شهرة - فهو يؤمن بعقل الإنسان وقوة الديمقراطية. تقاطرت كلمات التقدير من جميع أنحاء العالم. نشرت صحيفة دي تسايت الاسبوعية في 13 يونيو 2019 لوحدها، 25 مقالا وبحثا من العلماء واساتذة الفلسفة. أعرض هنا المقال الطريف للكاتب والحقوقي وأستاذ شرف في جامعة بيلافلد وكاتب عمود في صحيفة سوددويتشا تسايتنج اليومية الشهيرة و يعتبر هيربيرت برانتل أهم صوت يساري ليبرالي في الصحافة الألمانية . كُتب المقال بحميمية ونشر في مجلة "أوراق للسياسة الألمانية والدولية عدد 6/2019 ". في نظرية الفعل التواصلي ، التي تعد جزءاً أساسياً من عمل يورغن هابرماس العلمي ، لا يلعب الضحك أي دور - على الرغم من أن الضحك لا يجب أن يترجم إلى أربعين لغة ، كما حدث مع أعماله الفلسفية. فلا يحدث فعل تفاهم بأي حال من الأحوال بهذه السرعة وبهذه الدقة وبدون مقدمات، مثل فعل الضحك. الضحك هو خطاب من نوعية خاصة، له قوة تواصل وقوة معدية. يقول المنطق الحديث والفلسفة التحليلية، بأن الضحك هو في الواقع ليس قولا وانما " تعبيراً" ــ مثل آه. يمكن أن تكون الأقوال صحيحة أو خاطئة ، وليست التعابير. لذلك ، يقال أن الخطابات تتكون فقط من التعابير. لكن هذا لا يُنصف مغزى الضحك تماماً. لذلك يجب إعطاء مساحة لمعنى خطاب الضحك. الحديث هنا ليس عن القهقهة الغبية وليس ايضا عن الابتسامة الازدرائية و لا حتى عن الضحكة المهينة ؛ على الرغم من أن هذا أيضاً جزء من شجرة عائلة الضحك ، ولكن هذا يشكل جانباً فقط ، فهو انحراف أو انحطاط. الحديث هنا عن الضحك الحقيقي، الضحك التحرري الكبير الذي يبدأ أحياناً بابتسامة تتكشف وتزداد لتدغدغ وتهز الشخص بالكامل وتنتهي في بعض الأحيان بفترة من النعيم مع تنهد بارتياح. يحول مثل هذه الضحك الرسميات الى انبساط ؛ يجعل الأشخاص الذين بالكاد أو على الاِطلاق لا يعرفون بعضهم البعض ، أصدقاء - أحيانًا لأمسية واحدة ، وأحيانًا لسنوات. يمكن أحياناً لمثل هذا الضحك، لبضع ساعات، تغيير العالم. مثل هذا الضحك هو المقياس الذي يجعل المرء ينزل من عليائه.. إنه يصنع فيلسوفًا ، ويجعل الرئيس شخصًا عاديًا. إنها أجمل بداية لخطاب عدم الهيمنة، و يجعل الضحك من الناس في هذه اللحظة أحراراُ وأقراناً. يعرف يورغن هابرماس ذلك و أنه يعرف أنه يستطيع أن يفعل ذلك ، وهو في حياته الخاصة شخص مرح للغاية. ربما يكون هذا هو السر ، ولكن ربما يكون ذلك أيضا نتيجة نجاحه. لا تعرف قارئة أطروحته الشهيرة حول " التحول البنيوي في المجال العام " " في أن هذا الرجل يمكن أن يكون صاخباً و بشوشاً؛ وهذا ينطبق ايضا على قارئ عمله العظيم: "الحقيقة والتبرير" في نظرية خطاب القانون: بأن هذا الكاتب العلمي الرصين وأحد من مبدعي نظرية الخطاب، الذي يصوغ الأفكار المعقدة للغاية، يسيطر على الضحك باعتباره أحد الأشكال الجميلة للحد من التعقيد. تنتمي النكتة والمزاح والدعابة والمرح في الممارسة الحياتية اليومية لهابرماس. التقى يورغن هابرماس وديتر هيلدبراندت شخصيا، لأول مرة في حياتهما قبل عقد من الزمان، في دائرة صغيرة و في محيط خاص و على طاولة كبيرة. كل منهما فيلسوف بطريقته الخاصة. هابرماس ، مفكر سياسي كلاسيكي ، عالمي ، شخص يحاول الوصول إلى عمق الأشياء. والآخر هو فنان كوميدي سياسي رائع، يفكر في هذه الأشياء بطريقته الفريدة اللاذعة.. لقد رافقا النزاعات والمناقشات السياسية للجمهورية الفيدرالية بطريقتهما الخاصة، وكلاهما يعتبران من اليسار، وانخرطا في الحركات والمناقشات العظيمة للجمهورية الفيدرالية القديمة والجديدة، بداية بحركة "مكافحة القتل بالسلاح الذري" و مسيرات عيد الفصح ضد تقييد حق اللجوء. ويرى هابرماس أن تعديل حق اللجوء القديم بحذف المادة 16 الفقرة 2 من القانون الأساسي تعبيراً عن عقلية الرفاهية الشوفينية". تأمل الاثنان بعمق في الثورة والثورة الزائفة في فترة الاضطرابات الطلابية ، ونبذا العنف ؛ لقد قام كلاهما بمراجعة الماضي النازي ، وجادلا حول اديناور وانتقدا انجيلا ميركل. ولهبرماس مقالات وكتابات عديدة طبق فيها ما قام بتدريسه في أعماله العظيمة عن الخطاب والتواصل ، في المناقشات الحالية. فعل هيلدبراندت ذلك في "جمعية الضحك والرماية" بميونيخ وفي المداخلات التليفزيونية التي كانت لاذعة للغاية، لدرجة أن محطة التلفزيون البافارية أغلقت البرنامج لتجنب غضب الحزب الاجتماعي المسيحي الحاكم. لقد أثر هابرماس وكذلك هيلديبراندت ، بطرق مختلفة تماما ، على المناقشات التي رافقت طريق الجمهورية الفيدرالية إلى أوروبا - أوروبا التي تمثل لهابرماس "جماعة سياسية عالية المستوى" وتُعتبر خطوة حاسمة في طريقها إلى مجتمع عالمي مكون من الناحية السياسية. دافع هيلدبراندت ، الذي تُوفى في عام 2013 ، عن أوروبا بنفس الشدة والصرامة وبطاقة شبابية ، ضد القومية الجديدة والتطرف الشعبوي كما فعل هابرماس في السنوات الأخيرة بلا كلل. يكتب هابرماس في مساهمة له في صحيفة "سوددويتشا تسايتنج" عام 2015 : "المواطنون، وليس البنوك، هم الذين يتعين عليهم الاحتفاظ بالكلمة الأخيرة في المسائل الأوروبية المصيرية". لقد شجع منذ ذلك الحين، تطوير الاتحاد النقدي إلى اتحاد سياسي. يجب على الدول القومية منح السيادة لأوروبا الديمقراطية، هكذا كانت ولاتزال عقيدته. جلس هذان الشيخان - أعظم فيلسوف ألماني و أعظم كوميدي ألماني جنبًا إلى جنب على طاولة كبيرة بدعوة خاصة، عندما اكتشفا حيوانا باللون الأصفر على رف كتب، مستلقٍ على راديو، طوله 35 سم. وهو مثل اللعبة، التي يتم شرائها من محطات خدمة الطرق السريعة الإيطالية، لينشغل بها الأطفال لفترة من الوقت في المقعد الخلفي. كان الحيوان ممدودًا، وهو مزيج جريء من الدود والبط، مع منقار أحمر، وعند تشغيل المفتاح الصغير ، ومع دوران حركة الحيوان، ينطلق لحن جذاب ورائع. وضع السيدان هابرماس وهيلديبراندت حيوان بطة القطيفة على المنضدة وشاهدا لفترة من الوقت بمتعة كيف تتحرك البطة مع اللحن، ثم وضعا الحيوان، بحماس وضحكة مكتومة ومتنامية على كتف أو ساق بعضهما البعض، ليس فحسب من أجل الكرة (الحركة) اللولبية للبطة، بل وليمارساها بنفسهما. وصفَ هوميروس في الاِلياذة والأوديسة الآلهة وهو يضحكون. واصبحت ضحكة هوميروس مثالا يحتذى، أنني اتصور ضحك هابرماس وديتر هيلدبراندت وهما يلعبان مع البطة، مثل ضحكة هوميروس. نحن نعلم منذ رواية "اسم الوردة" ، لـ أومبرتو إيكو ، بأن الأصوليين يخشون الضحك ، الذي يضحك ليس خائفاً ، فالضحك يمثل نوعا من النضال. لذلك يخفي خورخي بورغوس ، راهب وأمين المكتبة في رواية إيكو، كتاب الشعر الثاني لـ أرسطو في مكتبته بكل الوسائل أمام العالم ، أنه كتاب يمتدح الضحك. يعتقد خورخي بورغوس بأن الخوف وحده هو الذي يمكن أن يقود الناس إلى حياة إلهية. يخشى الراهب و أمين المكتبة من أن الضحك يمكن أن يسقط نظام التخويف في القرون الوسطى. هابرماس هو عكس أمين المكتبة. نظرية الخطاب ونظرية التواصل هما فلسفة نزع الخوف. يورغن هابرماس فيلسوف ديمقراطي عالمي. ومطبوعا بالحقوق الأساسية وحقوق الانسان. ويمكن للمرء أن يتصور هابرماس، الذي له حس حميم بالقانون والعدالة، كرجل قانون. و لو اصبح قانونياً، لعرفنا اليوم، من هو القانوني العالمي. فهو على أية حال مؤلف بارع، واحد الذين اعتنوا ويعتنون دائما ً بمستقبل الصحيفة الجادة، لأنه لا يمكن لديمقراطية أن تتحمل فشل السوق في هذا القطاع. ويحذر في عين الوقت من " تغيير شكل الصحافة، لصحافة رعاية تهتم جنبا الى جنب مع الطبقة السياسية من اجل "رفاهية العملاء" ــ ومن ثم تشارك في تخدير ما بعد ديمقراطية المجال العام. وسوف يكون ذلك رعباً له. و هذا سيكون ليس من أجل الضحك، بل من أجل البكاء. الحكيم العالمي الاِنسان السياسي يورغن هابرماس كل التوفيق في عيد ميلاده التسعيني. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ Heribert Prantl, der Philosoph der Entängstigung, Jürgen Habermas zum 90. Geburtstag, Blätter für deutsche und internationale Politik, 6 /2019 برلين في 20 يونيو 2019 ربما يعتبر برانتل أهم صوت يساري ليبرالي في الصحافة الألمانية هيريبرت
#حامد_فضل_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصراع على إفريقيا
-
ثورة سلمية في السودان
-
الربيع الثاني العالم العربي: الانتفاضات الشعبية في السودان و
...
-
هل لدى السودان فرصة لحرية حقيقية بعد سقوط الديكتاتور؟
-
ثلاثة سيناريوهات لتطور نظام السيسي في مصر
-
الى النور حمد ناقداً مبدعاً وهَارباً مجازاً
-
مع أحزان عبد السلام نور الدين وذكريات البقعة الحميمة
-
تعاون الاتحاد الأوروبي مع السودان ميثاق مشكوك فيه
-
أبي نجم كبير Superstar)) - مصلح أم ثوري؟
-
مقدمة البروفيسورة أنجليكا نويفرت لكتاب (كتابات سودانية: قص
...
-
أحاديث برلينية: حول قضايا أوروبا والإسلام والأدب والفكر
-
الحرب والفوضى في الشرق الأوسط*
-
التفكير عبر الحدود وأخلاقيات الهجرة
-
جوته1 والاسلام والشرق
-
الذين يحصدون العاصفة1 كيف زجّ الغرب سوريا في أتون الفوضى ميش
...
-
أعمال صادق جلال العظم وحضورها في أوروبا
-
الإسلام والحداثة
-
اربعينية الروائي والشاعر العراقي صبري هاشم
-
الحصاد المر للربيع العربي
-
المرأة السودانية في برلين: نور الاتحاد ونار القضية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|