|
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6248 - 2019 / 6 / 2 - 17:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أصبحت مسألة الانسجام بين القول والفعل ، بين الادعاء والواقع العملي ، إحدى اهم المسائل التي تواجه الانسان المعاصر ، والمجتمع البشري كله . وتكتسب هذه المسألة الحيوية ، أهمية اكبر عند تحديد ورسم الخط السياسي الصائب ، تجاه مختلف الاحداث ، وتجاه مختلف المنظمات ، والأحزاب ، والقوى ، وحتى الدول . فلا احد في الكون ، لا يدعي الاستقامة ، والنبل ، والشرف . لا يوجد تاجر في السوق التجاري ، يقول عن بضاعته ، انها تالفة " متجاوزة الصلاحية " ، بل يقسم اغلظ الايمان ، بانها احسن بضاعة في السوق . كل الحكام في العالم يؤكدون انهم يمثلون الشعب مائة بالمائة . كل العرب يتكلمون باسم الوحدة العربية ، ويدّعون ان قضية فلسطين ، هي قضية وطنية ، وانها قضية العرب المركزية ، والأولى ، وهي قضيتهم بالذات . الحكومات والأحزاب تصدر اطنانا من الكتب ، والمنشورات ، والبيانات عن حقوق الانسان ، شعارات براقة كثيرة ، لا فتات جميلة عن : الديمقراطية ، والاشتراكية ، والتقدمية ، والحرية ، والثورية ، والماركسية ، والوحدة ووووو ، وتجدها في كل مكان .... اجتماعات .. ندوات .. مؤتمرات .. قرارات ... ولكن المهم جدا ، التمييز بين النظرية والممارسة ، وربط النظرية التقدمية ، بالممارسة الوطنية والإنسانية ، فلا حركة ثورية بدون نظرية ثورية ، والحركة مقصود بها هنا ، الممارسة العملية . فكم عاهر ادعى الشرف كذبا وبهتانا ؟ وكم " عربي " تآمر على العروبة وفلسطين ، باسم العروبة وفلسطين ؟ وكم أولئك الذين رفعوا شعارات تقدمية وثورية ، مارسوا التخلف والرجعية ؟ وكم أولئك الذين رفعوا شعارات الوحدة ، مارسوا الانفصال والتكتل ؟ وكم أولئك الذين نادوا بالماركسية ، ومارسوا الدجل والدوغماتية ؟ كم هم ادعياء الثورية الذين مارسوا الإصلاحية والرجعية ؟ كم داعي " يساري " مارس اقصى اليمين ؟ كم أولئك الذين رفعوا شعارات التضحية ، والفداء ، والمصلحة العامة ، وفي التطبيق العملي ، وضعوا مصالحهم الشخصية / والذاتية / والأنانية أولا وقبل كل شيء ، وفوق كل مصلحة شعبية أخرى ؟ كم داعية " المبدئية " مارس الوصولية ، والتسلق للتسلق ؟ كم داعية " الصدق والإخلاص " ، مارس الكذب والنفاق ؟ كم من زاهد ، وهو تاجر في السياسة ، والدين ، والضحايا ؟ كم داعية ادعى بانه عالم ، وهو جاهل ؟ كم داعية حق ، مارس الباطل والاباطيل ؟ وكم وكم وكم ...؟ ان احدى القضايا المركزية والاساسية التي يجري " ذبحها "اليوم في مجال الممارسة العملية ، هي قضية الديمقراطية ، سواء في بعض الأحزاب الحاكمة ، او التي هي خارج الحكم ... فكل المواثيق الدولية تدعو الى الديمقراطية ، وكل الدساتير في العالم تقر الممارسة الديمقراطية ، وكل برامج ومواثيق الأحزاب ، والمنظمات تنص على الديمقراطية ، وكل المؤتمرات المحلية ، والإقليمية ، والدولية تطالب بالديمقراطية .. ولكن كم هم أولئك الذين رفعوا شعار الديمقراطية ، ومارسوا الكبت والقمع ؟ وتحفزني هنا قولة للأستاذ الكبير العراقي شمران حمادي ، وهو عضو بالحزب الشيوعي العراق ، الذي درسنا مادة الأحزاب السياسية وعلم السياسة في سبعينات القرن الماضي عندما قال : " اننا كديمقراطيين علمانيين وتقدميين ، لا نتصرف مع بعضنا كديمقراطيين ، وفي رأيي انه ينبغي ان نحقق الديمقراطية الداخلية أولا ، وبعدها نفكر في الديمقراطية خارج الاطار او التنظيم .. فكيف استطيع انا ان اقنع الاخرين بأني ديمقراطي ، بينما انا قمعي حتى العظم ... وحين تتاح لي فرصة استلام السلطة قد أكون جلادا اكثر من الأعداء .. لا بد من تحقيق الديمقراطية في الفكر الديمقراطي ، وبالاعتراف بالاجتهاد ، وتعدد وجهات النظر ، والحق في الاختلاف .. " . وعندما يدور الحديث عن الديمقراطية ، يجب ان نفهم جيدا ، بان البشرية تعيش العشرية الثانية من الالفية الثالثة ، وهذا يعني ان مفهوم الديمقراطية يتطور هو الاخر ، انسجاما مع التطور التقدمي للبشرية ، وانتهاء التشكيلات الاقتصادية / الاجتماعية الأكثر تخلفا ، أي العبودية ، والاقطاعية في عدد أوسع من بلدان العالم . ان الدعوة النظرية الصائبة ، الى السياسة الديمقراطية ، للجماهير الشعبية ، ولقواعد الأحزاب الوطنية ، والتقدمية ، والماركسية ، من جهة ، وممارسة سياسة " النخبة " ، و " القادة العظام " ، و " العصا الغليظة " من جهة أخرى ، سواء في أحزاب وقوى حاكمة ، او خارج الحكم ، تؤدي بكل تأكيد الى شل إمكانيات ، وطاقات كبيرة ، تبقى محبوسة بسبب سياسة القمع والكبت ، في مجال الممارسة العملية ، لأن الجماهير الشعبية هي مصدر كل تقدم ، وهذا لا يعني طبعا نفي او التقليل من دور أصحاب الكفاءات العلمية ، والسياسية ، والعسكرية ، والفنية ، والقيادية ...لخ ، لا يعني نفي دور الفرد ( الدور الخاص ) في التاريخ ، على شرط ان يكون هؤلاء الأشخاص ، قد شغلوا مراكزهم العلمية ، والسياسية ، والحزبية ، نتيجة كفاءاتهم العلمية الحقيقية ، وليس بسبب المحسوبية ، والزبونية ، والمنسوبية ، والوراثة ، والسند العقاري الذي تنتقل ملكيته من اشخاص الى آخرين بالوراثة . ان احدى المظاهر التي تتحقق خلالها إنسانية الانسان ، هي الديمقراطية . فالحرية تنسجم مع طبيعة الانسان الفيزيولوجية ، و السيكولوجية ، امّا القمع والكبت ، وسياسة اصدار الأوامر البيروقراطية ، فهي اقرب في التعامل مع مجتمع العبيد والاقنان . ومن هنا فان النضال ضد ذبح الديمقراطية ، والقيم الإنسانية العامة ، سواء الأحزاب الحاكمة او التي في الحكومة ، او الأحزاب خارج الحكم ، بصرف النظر عن الاشكال التي يتخذها هذا الذبح ، والاقنعة الضرورية التي يتستر بها ، مهمة كل انسان شريف وحر ، وبشكل خاص أولئك الذين عانوا فعلا من الظلم ، والاضطهاد بأشكال مختلفة ، واكتووا بنار النضال ، وصقلتهم المعارك الوطنية ، والقومية التقدمية ، والثورية ، والاشتراكية . كما ان السعي الحثيث لإزاحة القناع ، عن كل ما ينطق بالخير ويمارس الشر ، وينسجم مع النضال في سبيل تحقيق الديمقراطية في الممارسة العملية . وعندما يدور الحديث عن النضال الديمقراطي ، وربط النظرية الثورية ، بالممارسة العملية ، في هذا المجال الحيوي ، وغيره من المجالات ، فيجب الاخذ بعين الاعتبار ، الصعوبات الكبيرة التي يواجهها هذا النضال في البلدان المتخلفة ، سواء في الأحزاب الحاكمة ، او الداخلة للحكومة ، او الأحزاب خارج الحكم ، طبعا مع اختلاف الأوضاع الاقتصادية / الاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية ، وكذلك طبيعة القوى والأحزاب الحاكمة ، او الداخلة في الحكم ، او الخارجة عن الحكم ، في هذا ابلد او ذاك . وعندما أتكلم عن الأهمية القصوى للديمقراطية ، في مجال الممارسة العملية ، فأتكلم عنها بالمعنى الواسع للكلمة ، الديمقراطية الاقتصادية / الاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية ... لصالح الأكثرية الساحقة من الجماهير الكادحة ، والشغيلة في الميدان العضلي والذهني ، وخاصة هناك ظاهرة واسعة الانتشار في العديد من البلدان المتخلفة ، والتي تسير في طريق التقدم الاقتصادي / الاجتماعي ، حيث تسعى الأنظمة السياسية الى تحقيق بعض مظاهر الديمقراطية / الاجتماعية ، وتحقيق بعض الإنجازات في هذا المضمار لصالح الكادحين ( تعزيز دور قطاع الدولة ، تحقيق الإصلاح الزراعي ....لخ ) ، ولكن الأنظمة تخشى ممارسة الديمقراطية السياسية ، فتكبت الحريات الديمقراطية وتقمع حرية الرأي والفكر .... وكلمة التقدمية هنا كما هو واضح ، مفهوم واسع جدا وغير محدد تماما . فالانتقال من الاقطاعية الى الرأسمالية ، عملية تقدمية جوهرية ، وكذلك الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية ، عملية ثورية جوهرية تقدمية ، رغم الفرق الجوهري بين عملية الانتقال الأولى والأخيرة ، كما ان التركيب الاقتصادي / الاجتماعي المتخلف ، يعكس نفسه على الأحزاب والمنظمات التقدمية خارج الحكم أيضا ، وهذه مسألة علمية موضوعية . فعمليات القمع والكبت التي تجري في بضع الأحزاب ، والمنظمات ، والقوى الديمقراطية والتقدمية ( التي تدعو الى الديمقراطية نظريا ) في البلدان المتخلفة ، لا يمكن ابدا ان تجري إنْ جرت على نفس المستوى ، في أحزاب ومنظمات وقوى مشابهة في البلدان المتطورة . ان تشعب وتعقد المهام التي تواجه البشرية ككل ، وفي كل بلد على انفراد ، يتطلب المزيد من الممارسة الديمقراطية ، سواء بالنسبة للأحزاب والقوى الحاكمة ، او تلك التي هي خارج الحكم ، كما يجب حل المشاكل المختلف عليها ، بالحوار الديمقراطي ، وليس بروح الحقد والانتقام . وإذا كانت الممارسة الديمقراطية الحقيقية ، تعاني ازمة حادة ، في العديد من البلدان المتخلفة ( سواء الأحزاب ، والقوى الحاكمة ،او خارج الحكم ) ، فان النضال الجماهيري ، والتطور التاريخي ، سيؤديان الى ان تحرز الممارسة الديمقراطية ، مواقع اهم واكبر ، ولكن بصورة تدريجية وبطيئة ، لأنه حتى القادة الوطنيين والتقدميين في البلدان المتخلفة على النطاق الرسمي والشعبي ( داخل الحكم وخارجه ) يكون فهمهم على الغالب ، للممارسة الديمقراطية الحقيقية محدودا ، او محصورا في أحيان أخرى ، على التصفيق والتأييد . ولكن الجماهير الشعبية ، والقواعد الحزبية ، من اجل ان تضحي باقتناع ، وتساهم في العملية الثورية ، تريد ان تكون طاقتها غير محبوسة وغير مقيدة . ومن الجدير التأكيد ان اكثر المسائل تعقيدا هي عملية الربط السليم ، والصائب ، والموضوعي بين النظرية الاشتراكية العلمية ، كنظرية شاملة للكون والفكر والمجتمع ، والممارسة العملية لهذه النظرية العلمية . ان عدم الانسجام ، واحيانا التناقض الحاد بين النظرية الاشتراكية العلمية ، والممارسة العملية ، أدى الى الانحرافات والاخطاء لدى الأحزاب والمنظمات والقوى التي تتبنى هذه النظرية ، والامثلة في واقعنا المغربي واضحة في هذا المجال ، مما سبب الكثير من الخسائر المادية ، والمعنوية ، والبشرية ، واحيانا أدى الى المحن والنكسات ، حيث كان لازمة القيادة ، وعدم تمكنها من الربط الصحيح بين النظرية والممارسة ، دور رئيسي في ذلك . وبالتأكيد ان ذلك لا يعني خطأ النظرية نفسها ، بل خطأ الممارسة ، وعدم جدارة القيادة ، او عناصرها الأساسية طول تاريخ بزوغ المنظمات الماركسية ، والثورية ، والتقدمية ، والجماهيرية لهذا السبب او ذاك . ومما يزيد فداحة الخسائر والمحن في هذا المجال ، إصرار البعض على التمسك ب " كرسي الزعامة " البطريركي ، رغم ما سبّب هذا الكرسي المكسور ، من محن وآلام للشعب بصورة عامة ، وللجماهير الكادحة بوجه خاص . ولكن مع كل ذلك تشق الممارسة العملية والسليمة طريقها ، رغم الصعوبات الكبيرة لتضع يدها بيد النظرية العلمية في افق التحضير للمستقبل المشرق . تحية لكل انسان شريف ، وحر ، وديمقراطي ، وتقدمي ، حقا ، وقولا ، وفعلا ، نظرية وممارسة ، بصرف النظر عن اتجاهه السياسي الوطني ، وانتماءه الفكري التقدمي .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
La visite du conseiller principal du président Donald Trump
...
-
شروط الإمام المفتي في السعودية
-
عصر الشعوب / Le temps des peuples
-
خلفيات استقالت هرست كوهلر المبعوث الشخصي للامين العام للامم
...
-
10 مايو 1973 / 10 مايو 2019 / تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير ال
...
-
جبهة البوليساريو ومحكمة العدل الاوربية
-
الرئيس دونالد ترامب -- حماس -- قطر -- تركيا : Le président D
...
-
تحليل قرار مجلس الامن 2468 بخصوص نزاع الصحراء الغربية
-
ضابط سلاح الجو سابقا مصطفى اديب ، والامير هشام بن عبدالله ال
...
-
مسيرة الرباط الثانية
-
الحركة النقابية المغربية
-
الجيش
-
تأكيد الاحكام في حق معتقلي حراك الريف وفي حق الصحافي حميد ال
...
-
تصريح الامين العام للامم المتحدة حول نزاع الصحراء الغربية
-
لماذا يجب مقاطعة الانتخابات ؟
-
تقرير المصير
-
هل المغرب فعلا مقبل على هزّة شعبية ؟
-
تنظيم وقفات احتجاجية امام قصور الملك -- النقد الذاتي --
-
حراك الجزائر
-
دور الاتحادات النسائية في الدفاع عن حقوقهن
المزيد.....
-
تركي آل الشيخ وآخرون يتفاعلون مع لقطة بين محمد بن سلمان وأحم
...
-
قصة العالم النووي كلاوس فوكس.. -لا تتحدثوا معي عن المال مرة
...
-
من قطر إلى السعودية.. لغة التفاصيل في دبلوماسية الشرع
-
خبير يعلق على اعتراف زيلينسكي الذي صدم الغرب
-
ترامب: الوكالة الأمريكية للتنمية تديرها مجموعة من المجانين
-
إعلام: تركيا قد تنشئ قاعدتين عسكريتين وتنشر مقاتلات -إف 16-
...
-
-الأورومتوسطي-: الحالة الصحية التي يخرج بها المعتقلون من سجو
...
-
ترامب يكشف عن موعد اتصاله مع ترودو ويؤكد: سيدفعون الرسوم الج
...
-
برتراند بيسيموا زعيم حركة -إم 23- في الكونغو الديمقراطية
-
تداعيات فصل ضباط أتراك بعد حادثة أداء قسم الولاء لأتاتورك
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|