القانون المطلق / 22 _ رحلة العقل البشري

بتول قاسم ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 6248 - 2019 / 6 / 2 - 16:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

لقانون المطلق ..
22 - رحلة العقل البشري ..

مر معنا ان الوجود البشري مر بثلاث مراحل نعيد التذكير بها وهي : 1 - مرحلة (أصل العلاقة ) وهي تضم الوجود الخالص والعدم الخالص . 2 - مرحلة (العلاقة) وهي تضم النقيضين الوجود والعدم بعد وجود التناقض واتخاذ أحدهما صفة الضد من الآخر . 3- مرحلة الوجود المتعين الظاهر بعد نفيه للعدم الذي كان يحجبه وبقائه وحده .
المرحلة الأولى كان الوجود وحده وكان نقيضه عدما ولهذا قلنا عنه انه وجود خالص أي انه لم يتعين لأن العدم يحجبه أي يجعله كامنا ، وفي هذه المرحلة كان الوعي ( وعي الوجود ) مباشرا كما يسميه هيجل ونوافقه في هذه التسمية فالمعرفة هنا غير موسطة أي ليس هنالك توسط بين موضوع المعرفة وضده لذلك تبقى المعرفة مباشرة كما قلنا ولا معرفة بدون توسط او تناقض كما يقول هيجل وقديما قالوا : بضدها تتمايز الأشياء .
وبالنسبة الى التفسير الديني والحقيقة الدينية فقد قلنا ان هذه المرحلة تمثل مرحلة الوجود الملائكي وتبين سور القران الكريم والتفاسير ان الملائكة كائنات تقدس الله وتعبده وتسبح بحمده ووجودها قريب منه وهي تحظى برضى الله وتمجيده . ولكن الله تعالى - وكما أخبرتنا ايات القران الكريم - قرر ان يتجاوز مرحلة الوعي المباشر التي عليها الملائكة إلى مرحلة أخرى في الوعي تمثل العقل الأنساني وهي المرحلة الثانية التي سميناها مرحلة (العلاقة) اي علاقة التناقض كما قلنا فالعقل الانساني يعمل من خلال علاقات التناقض فهو يجمع المتناقضات ثم يميز بينها ويعرفها . وتخبرنا ايات القران الكريم ان الله تعالى امتحن وعي الملائكة بعد خلق الانسان ليؤكد لها سبب سعيه لخلق الإنسان بالرغم من عدم رضى الملائكة بخلقه وذلك عندما طلب من الملائكة ان تنبئه بأسماء الأشياء او بعضها وذلك بعد ان علمها لادم وهنا يتبين عجز (وعي ) الملائكة : ( وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين . قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم . قال يا ادم انبئهم بأسمائهم فلما انبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم اني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ماتبدون وما كنتم تكتمون . وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا . ) لقد أراد الله ان يثبت للملائكة معنى قوله لهم : (أني أعلم ما لاتعلمون ) عندما بينوا عدم رضاهم عن خلق الإنسان ، وها هو يثبت لهم مقدار علمه وأنه يعلم أن الإنسان أعلم منهم لذا أراد أن يتجاوز وعيهم بوعي آخر هو الذي سيتمكن من معرفة كل شيء وأهم ما يعرف انه سيعرف (الله) تعالى ، وذلك لأن الإنسان متناقض في خلقته يتضمن الضد وعقله يعمل من خلال التناقض وهو يفهم الأشياء من خلال اقامة علاقات التناقض بينها كما قلنا ، أما الملائكة فوعيها لا يتضمن ذلك . أن المعرفة هي الجمع بين المتناقضات لتتم معرفتها من خلال ذلك ومن عبقرية اللغة العربية ان كلمة العقل تعني (الجمع ) أي الجمع بين المتخالفات او المتناقضات لتتم معرفتها والتمييز بينها وقد قالوا كذلك ان المعرفة تمييز . ان العقل الانساني أذن مزود بالألية التي تمكنه من المعرفة ، ولكنه في الوقت نفسه بعيد عن المعرفة وبعيد عن الله لأنه يتضمن السلب او النقص الذي هو في الفكر الديني (الشيطان) وهذا يجعله بعيدا عن الله وليس قريبا منه كما كان في حالة الوجود الملائكي فالانسان يعرف ولايعرف ، يعاني من الجهل كما ينعم بالعلم . وهذا يعني أن العقل الانساني يكافح لكي يتخلص مما فيه من سلب او نقص او (شيطان) وهذا الكفاح هو صراع يخوضه العقل ضد نفسه لكي يزيح عنه نقصه ويصل الى الكمال في المعرفة ، ولقد ذكرنا ان التناقض موجب للصراع . أن الوصول الى الكمال المعرفي يحدث في المرحلة الثالثة ، في مرحلة الوجود المتعين وهو الوجود الذي استطاع أن ينفي عنه العدم تماما ، او الجهل تماما ، او الشيطان تماما . أن العقل موجه بغاية وهو يصارع نفسه لبلوغها ، يخوض صراعا قاسيا ضد ما يعترض طريقه لبلوغها من جهالات وضلالات واوهام حتى يزيحها عنه تماما فيكتمل . أن حالة العقل الكامل لابد أن يبلغها العقل الانساني فتلك غاية ألهية محمل بها . ان بلوغ حالة العقل الكامل او (الإنسان الكامل) لابد ان يبلغها التطور الدائم للعقل وسيحققها في العقل الذي يجلي المعرفة الالهية ، ولا أقصد المعرفة الالهية بكل طاقاتها وقدراتها ولكن المعرفة التي تمكن الانسان من الوصول الى الله من الإقرار بوجوده وعندها ستنتهي محاولات الشيطان بأبعاد الإنسان عن الله ، فها هو يصل إليه وتلتحم النهاية بالبداية ويؤول الأمر إلى انتصار الله تعالى . لقد بين تعالى ان الإنسان يكدح للوصول اليه وهذا الكدح هو كدح معرفي كذلك : ( يا أيها الإنسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ) ..

#بتول_قاسم_ناصر (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات