|
الذكاء العاطفي
أيوب الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 6245 - 2019 / 5 / 30 - 18:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
"منبر الإنسانية قلبها الصامت لا عقلها الثرثار" خليل جبران
يعد الذكاء العاطفي ممن المهارات الأساسية في النجاح، في جميع المجالات، فالمتميزون يشتركون في خصائص متعددة أهمها الذكاء العاطفي، أي قدرتهم على قراءة مشاعر الأخرين وفهمها وبناء حوار ناجح رغم الاختلافات التي تحصل بين الأفراد والجماعات، فإنه توجد الكثير من الدراسات العلمية التي تؤكد أن النجاح المهني لا يرتبط فقط بالجانب المعرفي، أي ما يمتلكه الفرد من قدرات معرفية في التخصص الذي يدرسه إنما توجد أبعاد أخرى مهمة، تتجلى في قدرة الشخص على قراءة مشاعر الناس والتواصل معهم بشكل فعال الشيء الذي يمكن الجماعات والشركات من تحقيق رهانات كبيرة على المستوى الجماعي والفردي. إذن فإننا في حاجة إلى تعلم الكثير من المهارات والأساليب الفعالة من أجل خلق تواصل ناجح مع أشخاص مختلفين عنا في الأفكار والتمثلات.
كما أن العاطفة شيء بيولوجي في السلوك البشري، حيث نمتلك نحن البشر منطقة في الدماغ يطلق عليها علماء الأعصاب اللوزة الإمكديلا، تتحكم في ردود الأفعال مثل الغضب الفرح السعادة المتعة، وغيرها من المشاعر التي تعد المحرك الأساسي لسلوك الإنساني، و تعد المشاعر والعواطف من أقدم العناصر المكونة للذات البشرية، فمنذ القدم احتاج الإنسان لهذه المشاعر من أجل الحفاظ على وجوده من العدوان الخارجي، فالمشاعر السلبية أقرب إلى الطبيعة الإنسانية، بينما المشاعر الإيجابية تتطلب مجهودا ذهنيا وعقليا لأنها نتاج للحضارة، مثلا مشاعر الشكر والامتنان تحتاج إلى مجهود من أجل تحصيلها والحفاظ عليها.
وعلى هذا الأساس عرف مفهوم الذكاء العاطفي تطورا على المستوى الأبحاث العلمية مقارنة مع الذكاء الرياضي والمنطقيIQ، خصوصا في العقدين الأخيرين، أدت الكثير من البحوث إلى اكتشاف رهيب في مجال علم الأعصاب، ثم تحديد منطقة في الدماغ تدعى اللوزةAmygdale، وهي كتلة صغيرة في الدماغ الأوسط مسؤولة عن السلوكيات الانفعالية في الذاكرة العاطفية، التي تخزن المشاعر وردود الأفعال منذ لحظة الولادة لأنها تتشكل لدى الطفل منذ الشهور الأولى حيث تمكنه من قراءة ملامح الناس ومن خلالها يصدر ردود الأفعال، فالطفل قبل أن تتشكل لديه ملكة الوعي والفهم، يمتلك القدرة على قراءة أهم المشاعر الإنسانية مثل الخوف والغضب و التوتر.
وبموجب ذلك تجود علاقة مباشرة بين التفكير والانفعال العاطفي، بل أكثر من ذلك فإن الاستجابة التي تقوم بها اللوزةAmygdale تسبق الاستجابة العقلانية والمنطقية تجاه الموضوع الذي هو قيد التحليل أو الدراسة بشكل عام.ولهذا يؤكد العلماء على ضرورة فهم هذه الحالة من أجل التحكم في الية التي تفرزها اللوزةAmygdale، وهذا هو الدور المنوط بالذكاء العاطفي.
إذن ما هو الذكاء العاطفي؟
لديه مجموعة من التعريفات المختلفة لدى الخبراء والمتخصصين أهمها تعريف:
ماير سالفون: الذكاء العاطفي يدل على مجموعة من المهارات التي تسهم في التعبير والتقدير والتنظيم الفعال للانفعالات داخل الفرد نفسه وتجاه الأخرين المحيطين به كما أنها تتضمن القدرة على استخدام المشاعر في حفز الدافعية الذاتية.
تعريف غولمان: سمة تتضمن القدرة على التحكم في المشاعر والأحاسيس والعواطف، من أجل قراءة مشاعر الأخرين بشكل جيد، وحل المشكلات ذات الصبغة الانفعالية، وإدارة العواطف بشكل فعال.
أنواع الذكاء العاطفي:
1ـ معرفة الإنسان بعواطفه: فإدراك الشعور وقت وقوعه هو أساس الذكاء العاطفي، وذلك لأن عدم ملاحظتنا لمشاعرنا هو ما يجعلها تهيمن علينا.
2ـ القدرة على التحكم في العواطف وإدارتها: أي القدرة على ضبط النفس وتهدئتها، والسيطرة على القلق وعدم الاستسلام للفشل.
3ـ التحفيز الذاتي: عندما توجه عواطفك للسعي وراء هدف ما؛ فإنك بذلك تحفز ذاتك على التفوق، لأن السيطرة على الانفعالات والتحكم في الرغبات وتقييدها؛ هو أساس كل نجاح وإنجاز.
4ـ اكتشاف عواطف الآخرين: وهو الشيء الذي يدفعك لمساعدة الغير ومعرفة متى يحتاجون إليك وكيف يمكنك مساعدتهم.
5ـ القدرة على توجيه العلاقات: وهو عبارة عن مجموعة من العادات، التي يمكن تغييرها أو استبدالها بأخرى أفضل، لأن المخ دائم الاستجابة والتعلم، خاصة فيما يتعلق بالعواطف.
أهم الخطوات العملية من أجل تنمية الذكاء العاطفي والتواصلي:
-الوعي بالعاطفة الذاتية، أي قدرة الفرد على إدراك وتمثل عواطفه بشكل موضوعي غير متحيز.
-التعبير عن المشاعر الداخلية بشكل واضح ومفهوم.
-عدم اخفاء المشاعر التي تحس بها تجاه الأشخاص الذين تتواصل معهم.
-لا تجعل المشاعر السلبية تسيطر عليك مثل الخوف، الشعور بالذنب الخجل، الحيرة.
-القدرة على قراءة وفهم الأفعال الغير لفظية، أي فهم لغة الجسد بأسلوب جيد.
-الاهتمام بمشاعر الأخرين وانفعالاتهم.
-ممارسة التأمل والإسترخاء تقلص نسبة التوتر في العقل مما يساعد في تقليص الأفكار السلبية في الدماغ.-شكر الناس والإحسان إليهم يرسم شخصية فعالة ومنسجمة مع الحالة النفسية.
أهمية الذكاء العاطفي:
الهدف الأساسي من تعلم مهارات الذكاء العاطفي والاجتماعي، تتجلى في قدرة الفرد على التحكم في مشاعره وأحاسيسه، ولعل المزاج يعد من الموضوعات التي غفل عنها العلماء لمدة طويلة، إلا أن علماء النفس في هذه الأونة الأخيرة أضحى لهذا الأخير أهمية على المستوى البحثي، فالذكاء العاطفي مهارة تكتسب عن طريق تعلم مجموعة من الخطوات.
أول خطوة لتغيرعواطفنا من الحالة السلبية إلى الوضعية الإيجابية تبدأ مع الإدراك حيث أننا حين ندرك النماذج الذهنية التي نفكر بها نستطيع تجاوزها، لهذا يجب التركيز على الجوانب المشرقة في أي تجربة إنسانية مهما اختلف شكلها ونوعها، فقراءة مشاعر الناس بشكل ايجابي تعزز المودة والاحترام والتقدير بين الناس، فوراء كل سلوك توجد رسالة يجب علينا التركيز على الرسالة وتجاوز السلوك. كما يجب أن نتعلم في هذا الصدد القدرة على الانعكاس على الذات، أي امتلاك القدرة على قراءة المشاعر الذاتية، ومشاعر الأخرين بشكل ايجابي واضح، حتى نتمكن من انجاح عملية التواصل.
لذلك فإن الأشخاص الذين يمتلكون الذكاء العاطفي يكون لهم القدرة على قراءة مشاعر الناس بشكل أفضل، والتجاوب مع ردود الأفعال المختلفة، ومن هذا المنطلق يمكننا تجاوز الرؤية السطحية لعملية التواصل الإنساني التي لا يحكمها فقط البعد المنطقي والعقلاني بل توجد جملة من الاشتراطات الغير والواعية نحتاج الانتباه إليها من أجل بناء تواصل ناجح.
توجد في هذا السياق قصة تقول أن أبا أخبر ابنه أن يضق مسمارا في قطعة خشب كلما أحس أنه تعامل بشكل خاطئ ومسيئ للأدب مع شخص ما، وبعد مدة عاد الطفل إلى الأب وفي يده قطعة الخشب وهي مليئة بالمسامير، فقدم إليه الملاقط وقال له، أزل تلك المسامير، فإذا بالخشبة كلها ثقوب، فقال الأب لطفله إن مشاعر الناس مثل هذه الخشبة، انظر إلى هول الثقوب التي فيها كذلك الشأن لدى الناس، لذا حاول ألا تجرح الناس في المرة المقبلة حين تتحاور أو تتواصل معهم، فكرا جيد في تقوله لناس حتى لا تجرح مشاعرهم.
المراجع المتعمد:
1-كتاب" كيف تصبح إنسان؟" شريف عرفة
2-كتاب" اطلاق طاقة الحياة" مصطفى الحجازي
3-كتاب" الظكاء العاطفي" دانييل جولمان
#أيوب_الوكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نكتسب عادة القراءة؟
-
هل تقتل المدارس الإبداع؟
-
هل أنا ما أعيه؟
-
كيف يساهم الأدب في تنمية إنسانيتنا؟
-
تغيير السلوك من منظور علم الأعصاب
-
كيف اللعب وسيلة للتعلم والإبداع؟
-
نماذج الألعاب النفسية
-
نظرية الألعاب النفسية-علم تحليل المعاملات-
-
قوة الكلمة
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|