|
و هل أنصف واسيني الأعرج مي زيادة عندما اتهمها بالشذوذ الجنسي؟
ميرنا ريمون الشويري
الحوار المتمدن-العدد: 6237 - 2019 / 5 / 22 - 20:58
المحور:
الادب والفن
و هل أنصف واسيني الأعرج مي زيادة عندما اتهمها بالشذوذ الجنسي؟
حاول واسيني الأعرج في روايته "مي ليالي إيزيس كوبيا" تسليط الإضاءة على مرحلة غامضة من حياة الأديبة مي زيادة، بعد أن قضت حوالي السنة في العصفورية، حيث أودعها أقاربها للسيطرة على أملاكها وأموالها. روايته محاولة لإنصاف مي، وتبرئتها من صورتها المشوّهة في أيامها الأخيرة، فيقول على لسانها: " أتمنّى أن يأتي بعدي من يُنصفني". (5) ولكن هل بالحقيقة أنصفها الروائيّ في روايته أو كان مجحفاً بحقّها؟
لقد أنصفها في تسليط الضوء على هجانة ثقافتها، ولعلّ عنوان الرواية يرمز إلى ثقافتها الغربيّة والشرقيّة التي جعلتها سابقة لكتّاب الجسور اليوم كغلوريا أنزلدوا، أهداف السويف، سليمان رشدي الذين حاولوا في كتبهم أن يبنوا جسورا بين الشرق والغرب. ومي زيادة كهؤلاء الكتّاب، قد أتقنت عدّة لغات مكّنتها من الاطلاع على ثقافات متعدّدة. وهذا ما جعلها تتأثّر بحقوق المرأة في الغرب، إذ تناقش في كتابها "سوانح فتاة" حقوق المرأة في أمريكا وأوروبا. في هذا السياق كان واسيني الأعرج منصفًا لها، عندما أشار إلى دورها في دعم حقوق المرأة في الشرق، فيقول على لسانها:" أين الجمعيّات النّسائيّة؟ أين نصيرات المرأة؟ ألم توجد بينهنّ واحدة تدافع عنّي، أنا التي قضيت السنين الطوال أدافع عن حقّ المرأة، ووقفت قلمي على خدمة بنات جنسي، ورفع مستواهنّ، ورد الظلم عنهنّ؟" (257). بالفعل، فمن المعروف أنّ مي زيادة نادت بحقّ تعليم المرأة، ولقد اشتهرت بدراستها لثلاث شخصيّات نسائيّة شرقيّة: عائشة التيموريّة، وردة اليازجي، وملك حفني ناصيف، وهي نفسها كانت رمزاً للمرأة المناضلة، فصالونها الأدبيّ قد جمع أهمّ أدباء ذلك العصر. لقد أنصفها عندما صوّر التناقضات في شخصيّتها، فهي متديّنة، وتربّت في الدير، إذ تقول: إنّها مريميّة الله، ولكنّها في الوقت نفسه كانت قارئة ومطّلعة على معظم العلوم الإنسانيّة في ذلك الوقت، ولقد أكّد أمين ريحاني أنّها كانت تحضّر نفسها لترجمة كتاب فلسفيّ لكانت. على الرغم من كونها تقليديّة فريادتها في بدء حوار ثقافيّ من خلال صالونها الأدبيّ لم يكن أمرًا عاديًّا في ذلك الوقت، وهي تعدّ من أوائل النساء العربيّات اللواتي بدأن في الكتابة. لقد أنصفها واسيني الأعرج عندما استحضر تجربة النحّاتة كامي كلوديل، فحياتها مشابهة لزيادة، فقد أودعها حبيبها في العصفورية، ومن خلال هذه العلاقة حوّل مي زيادة إلى رمز للتمرّد النسائيّ في العالم. فلقد دفعت الأديبة ثمن عدم انصياعها للسلطة الذكوريّة، فعندما أودعتها عائلتها في العصفوريّة تخلّى عنها كلّ عشاقها، لأنّها لم تقبل أن تكون رقماً في حياة أحد منهم. يقول واسيني الأعرج على لسانها: "الرجل حيوان بلا رادع نفسيّ، المرأة هشاشة مفرطة. عند بعض الذكور لا يمكن تفادي غريزة التعدّد، ربما نتجت من الإحساس التاريخيّ بالقوة والحقّ في كلّ شيء، والحقّ المطلق في المتعة القصوى" (104) ولقد أنصفها في إضاءته على أصعب فترة في حياتها، وهي الأيام التي قضتها في العصفوريّة. يصور الأعرج المعاملة غير الإنسانيّة التي عوملت بها، وهذا ما يذكره أمين ريحاني في كتابه عن مي، إذ أخبرته التالي: "بحجّة التغذية وباسم الحياة ألقاني أولئك الأقارب في دار المجانين أحتضر على مهل، وأموت شيئاً فشيئاً، لست أدري إذا ما كان الموت السريع هيّناً أم الموت البطيء طيلة عشرة شهور وأسبوع مع التغذية القهريّة، تارةً من الفم بتقطيع لحمة الأسنان، وطوراً من الأنف بواسطة النبريج" (ريحاني، 13). هذه المعاملة غير الإنسانية في العصفوريّة وصفها ميشال فوكو في كتابه عن تاريخ الجنون، إذ أكّد أنّ هذه المؤسّسات لم تكن تعالج المرضى النفسيّين بل تحبسهم، وتعذّبهم، وهذا ما يؤكّد أنّ مي زيادة عانت الكثير في العصفوريّة.
لقد أنصفها واسيني الأعرج في شرحه أسباب اكتئابها الحادّ، فقد فقدت في فترة قصيرة والديها وصديقها الأقرب إلى قلبها جبران خليل جبران. كان عادلًا معها عندما أكّد أنّها كانت تعلم بأنّها مصابة بالاكتئاب، فردّد على لسانها أكثر من مرّة أنّها غير مجنونة، ولكن مكتئبة. وهذا منطقيّ لأنها قد عُرفت بثقافتها العالية، وكان الأعرج منصفاً لها في ذكره أنها تتحلّى بقيم عالية، ومعظم الأدباء الذين عرفوها قد أعجبوا بأخلاقها، فالعقّاد في كتاب سارة قد أطلق عليها الراهبة.
إلا أن واسيني الأعرج لم ينصفها في عدة نقاط. أولا عندما لم يذكر ريادتها في عدم فصل حقوق المرأة عن الإنسان. فقد كانت زيادة سابقة لعصرها، ومختلفة عن الحركة النسوية المتطرّفة وأهمها د. نوال السعداوي. فعلى الرغم من أنّها كتبت عن تجارب شخصيّات نسائيّة إلا أنّها لم تخصّص كتابًا لقضيّة حقوق المرأة، فلقد طرحت وجهة نظرها في هذه المسألة في كتابها المساواة، إذ يعكس هذا الكتاب وعيها الفكريّ والسياسيّ، ويبرز إلمامها بالمدارس السياسيّة في مطلع القرن العشرين، فتقول: "اعتصمت المرأة، فنهضت من تحت أقدام السيد الساحقة، ووقفت عالية الجبين إزاء مسالك الحياة وأعمالها" (زيادة، 151) . وفي كتابها سوانح فتاة تقول: " لقد نال بعض المفكّرين الذين أقنعوا أنفسهم بأنّهم مفكّرون في فصل المرأة عن النوع الإنسانيّ الذين كادوا يحصرونه في الرجل". (زيادة، 19). هذه النقطة واضحة في تأكيدها على أنّ حقوق المرأة لا تنفصل عن حقوق الإنسان. وهي أيضًا كانت سابقة لعصرها في مقولتها: إنّ أيّ امرأة قد تكون والدة، ولكن للأمومة شروط ، أهمها: أن تكون المرأة حرّة، لأنّ العبدة لا تربّي إلّا العبيد، وفكرتها هذه مشابهة لما كتبته جوليا كريستفا بأنّ كلّ أمّ امرأة، ولكن ليس كلّ امرأة أمًّا. أعتقد أنّ أكبر إجحاف بحقّ مي زيادة عندما أكّد الروائي على ميولها الجنسيّة إلى المرأة، فيقول: "بعض المغرضين يقولون: إنّ مي وجدت في بلوهارت المرأة الناعمة التي تحبّ وتشتهر، لكن هذا أمر آخر لا يخصّ هذا العمل مطلقاً. ربما سأتحدّث عنه بالتفصيل في كتاب مشترك، لأنّ روز تؤكّد على ميولات مي الأنثويّة الخاصّة، على الأقلّ في فترة من الفترات، ولا ترى فيها أيّ ضرر". (17) في مقولته هذه لا يختلف واسيني الأعرج عن المغرضين الذين حاولوا تشويه صورة مي. في الرواية يلمّح أكثر من مرة إلى هذه النقطة. ولكي يعزّز هذه الصورة عن زيادة يقول: إنّ روز خليل وهي لبنانيّة كنديّة متخصّصة في الدراسات النسائيّة العربيّة، أي أنّها ناشطة في حقوق المرأة كزيادة. ولكن لم ينتبه واسيني الأعرج إلى أنّ الحركة النسويّة للمثليّين انطلقت سنة 1970 أي فترة طويلة بعد زيادة، لذلك نظرة الأديبة إلى هذه المسألة مختلفة بالتأكيد عن روز خليل. ولقد غفل عنه بأن ليست كلّ الحركات النسويّة في الغرب مع المثليّة الجنسيّة، وفي الشرق حتى الآن لا توجد حركة نسويّة تنادي بحقوق المثليّين. زد على ذلك أنّ الروائيّ يناقض نفسه عندما يؤكّد أنّ تربيتها الدينيّة منعتها من قتل نفسها في العصفوريّة، وإقامة أيّ علاقة جنسيّة مع أيّ رجل خارج مؤسّسة الزواج، لذلك لم تحاول أن تلتقي بجبران، وعلى الرغم من عشق العقّاد لها إلّا أنّها رفضت أن تكون رقماً في حياته، قكيف لها أن تتقبّل أيّ علاقة مثليّة؟ إضافة إلى هذا الإجحاف بحقّ مي زيادة فإن واسيني الأعرج يؤكّد أنّها كانت على علاقة جنسيّة مع ابن عمّها جوزيف، وبالتأكيد لم يذكر أحد هذه المسألة من قبل بل أنّ ريحاني يقول عنها: "إنّ الآنسة مي على ما قاسته في السنتين الأخيرتين من العذاب الروحيّ والألم الروحيّ والجسديّ، ومن الحزن الذي يولد الاضطهاد، لم تفقد إيمانها بالله، ولم تفقد إيمانها بالحياة". (ريحاني 196). ويؤكّد أنّها كانت جدًّا متديّنة، فعلى الرغم من علاقات مي بالكثير من الملحدين الذين كانت تحترمهم إلّا أنّها لم تتأثّر بهم، ولم تتأثّر بشيء من نظريّات ذلك العصر: النشوء والارتقاء، الافتراض السديميّ، الحلول المطلق والعدميّة. على الرغم من أنّ هذه الرواية تعيد الأضواء إلى الأديبة مي زيادة، لكنّها تجعلنا نسأل أنفسنا: هل يحقّ لأيّ كاتب أن يصوّر شخصيّة أدبية بالطريقة التي يريد؟ أعتقد أنّ هذا يعدّ تعدّيًا ليس فقط على شخصية أديبة نابغة كمي زيادة، ولكن يعدّ تعدّيًا أيضاً على حياة إنسان لم تؤذِ أحدًا في حياتها. ومع أنّ واسيني الأعرج أشار إلى أنّ روايته تهدف إلى تخليص مي زيادة من صورتها المشوّهة، فمدح موهبتها، وعزة نفسها، لكنّي لا أعتقد بأنّه عندما اتّهمها بالميول الجنسيّة المثليّة قد أعطى الصورة الحقيقيّة لها.
المراجع. - الأعرج، واسيني، (2018)، مي ليالي إيزيس كوبيا، الأهلية. - ريحاني، أمين، (1980)، قصّتي مع مي، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر. - زيادة، مي. سوانح فتاة. زيادة، مي. السيادة
- Kristeva, J. (1988), Powers of horror, New York, Columbia. - Foucault, M. (1990), Madness and Civilization: A History of Insanity in the Age of Reason, Vintage Books.
#ميرنا_ريمون_الشويري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موقف أمين الريحاني من القضية الفلسطينية
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|