أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - السحور...دقات الطبل والوجل من - بغلة القبور - / فصل من ذكريات طفل بحي ميملال














المزيد.....

السحور...دقات الطبل والوجل من - بغلة القبور - / فصل من ذكريات طفل بحي ميملال


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 6229 - 2019 / 5 / 14 - 08:44
المحور: الادب والفن
    


نذر الرجل نفسه ليوقظ أهل الحي للسحور في كل ليلة غراء من رمضان ، في القر و الحر ، لا يكاد يخلف موعدا مع الشهر الفضيل . لا ينفك يستعد لعمله الدؤوب والشاق نفسيا وجسديا . هل اختار المهمة عن طيب خاطر أم سعيا وراء لقمة العيش ؟ المهم أن الأقدار وضعت هذا الرجل في خدمة الساكنة الذين يقدرونه ويجلون عمله . لا أحد يؤكد متى بدأ الرجل عمل ( المسحراتي ). يرتدي جلبابا قصيرا يتجاوز الركبة قليلا يشبه الى حد بعيد جلبابا يرتديه أفراد القوات المساعدة ، يشده من الخصر بحزام جلدي عريض وسميك ، يظهر إبزيمه الحديدي لامعا ، حتى لا يمنعه الجلباب من خفة الحركة والهرولة . غالبا ما يعلق في الحزام مصباحا يدويا يستعين به لإنارة دربه عندما يفتقد نور القمر . في هذا الزمان لايزال الحي يغرق في الظلام الدامس لأنه لم يربط بشبكة الكهرباء . يتدلى من كتفيه على صدره طبل صغير مشدود الجلد . وليس اعتباطا أن يختاره صغير الحجم ، فلو كان كبير الحجم لثقل عليه حمله مسافة طويلة . ينقر عليه ضربات متتالية وموزونة بعصا مميزة تكسر صمت الليل البهيم وتبعث الحركة في بيوتات كان اهلها يغطون في نوم عميق ويلفها الظلام والسكون . تكفي هذه الدقات على الطبل أن توقظ النائمون ليستعدوا لإعداد وجبة السحور ولصلاة الفجر بمسجد الحي الوحيد . يتفق كل الذين رأوه أو صادفوه أنه رجل متوسط القامة ، فهو ليس بالطويل ولا بالقصير وليس بالنحيل ولا بالسمين ، رشيقا في مشيته ، يسابق الزمن ليلف أزقة الحي دون استثناء بخطى ثابتة وسريعة ، وقد يتوقف لدقائق معدودات في رأس الزقاق لتتوالى الضربات على الطبل . . ضبط سكان الحي قيامهم للسحور على وقع طبل عمي ( عرباني ) وإن توفرت لبعضهم منبهات بصمت حياة الناس وعرفت ب ( الفروج ) الذي يزين بألوانه الزاهية وهو يلتقط الحب محاطا بالفراخ ميناء المنبه . تدور عقارب الساعة في دقة متناهية ، لهذا شبه الذي يضبط مواعيده بالساعة السويسرية . ولكن هذه الساعة التي لا يكاد يخلو بيت منها يعتريها الضعف أحيانا فتركن للسكون ..فلابد من ( ملأها ) كقطعة حديد لا روح فيها . بعض الذين يشخرون أثناء النوم يعزفون سنفونية عجيبة يضعون منبه ( الفروج ) في صينية مليئة بكؤوس( المردوم ) .
يسهر الأطفال ليلقوا عليه نظرة يملأها الإعجاب والإستغراب وأحيانا الخوف . بقي الرجل في نظرنا مقداما لا يهاب الظلام ويقهر الخوف من حكايات الأشباح والجن و ( بغلة القبور ) . كغيري من الأطفال حرصت كل الحرص على رؤية الرجل وألححت في ذلك الحاحا على أمي . لم تفوت علي فرصة رؤية الطبال دما ولحما. ومنذ ذلك الحين وشمت صورته ذاكرتي وبقي السحور كطقس من طقوس رمضان رديفا ب عرباني ... لم يسلم الرجل المسالم من مقالب بعض الجسورين من شباب ورجال الحي الذين بيتوا النية لترهيبه وتخويفه . ونحن صغار نسمع من أفواه الكبار شيوخا وعجائز عن ( بغلة القبور ) ونتساءل في براءة الطفولة كيف تكون للقبور بغلة ؟ تؤكد الحكاية أن بغلة القبور امرأة مات عنها زوجها ولم تلتزم بالعدة فترتدي اللباس الأبيض وتلزم دارها ، لهذا وعقابا لها مسخها الله . من المعتاد أن تخرج البغلة / المرأة ليلا لتتصيد فرائسها وهي تجر سلاسلا وأغلالا تحدث جلبة في المكان الذي تمر منه وتفضل جوار القبور .... وينشر ظهورها الرعب حسب شهادة من زعموا أنهم قابلوها . تفنن الكثير في وصفها حتى نافست في شهرتها عائشة قنديشة . لهذا ظل جيلنا يخشى الظلام . في أزقة تحاذي الحقول خرج على الرجل شاب يرتدي الأبيض ويجر وراءه علب الحليب الفارغة من نوع بورسيما ( الخميسة ) التي صفت بسلك حديدي . تحدث العلب عند احتكاكها بالأرض صفيرا متواصلا . ترك الرجل الدق على الطبل وأطلق ساقيه للريح يطوي الطريق الى بيته طيا فزعا مما رأى وسمع . يحكى أن ( المسحراتي ) ظل ملازما للفراش مدة من وقع الصدمة . عندما يحل عيد الفطر وفي الساعات الأولى من الصباح يفرش الطبال حصيرا أمام منزله . يتوافد السكان نساء ورجالا ويضعون فوق الحصير ما تيسر من حبوب أو قطع نقدية أجرة أو صدقة مقابل عمله طول ليالي رمضان . وهو لا يسأل الناس إلحافا أو زيادة لأنه يقنع بما جادت به نفوسهم .



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أوراق معلم / 1987 | السلسلة والخاتم
- وداعا صديقنا ( ميمون ألهموس ) من أشاوس أيت مرغاد
- في حضرة عرافة
- طقس الشاي وقدسيته
- الحل بين عناد رحل أيت مرغاد وتأويل النادل لسداد ثمن البراد
- تسبيح وحصى ..أمداح وقرآن يتلى
- من ذكريات التتلمذة / قصعة الكسكس
- من ذكريات التتلمذة بمدرسة تاشويت / التلاميذ وقصعة الطعام
- هوامش على هامش الحكم على زعماء حراك أحراش الريف
- جرادة....أنشودة الرغيف الأسود
- من ذكرى أبي عشق الراديو/ المذياع
- يوم بقرية بالجنوب الشرقي / أريج القهوة ولواعج العذرية
- من ذكرى أبي / ديك - تاحمدجوت -
- يوم بقرية بالجنوب الشرقي ( المغرب )
- الخطوة الأولى نحو المدرسة
- اللقاء الأخير
- الجمرة الخبيثة عراب موسم الخطوبة بإملشيل
- من ذكرى أبي الدراجة الهوائية
- من مذكرات معلم / وريث حمل ثقيل
- التزيين في قضية تعنيف الأساتذة المتدربين


المزيد.....




- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...
- بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا ...
- انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
- زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - السحور...دقات الطبل والوجل من - بغلة القبور - / فصل من ذكريات طفل بحي ميملال