أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - الحرب على الأرهاب: الدروس المستفادة من منظور حضري















المزيد.....



الحرب على الأرهاب: الدروس المستفادة من منظور حضري


حامد تركي هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6222 - 2019 / 5 / 6 - 01:45
المحور: الادب والفن
    


وفّر حريق لندن في عام 1666 فرصة كبيرة لصانعي القرار لإعادة بناء مدينة عالمية جديدة . وكذلك أصبحت مدينة شيكاغو مدينة مزدهرة مباشرة بعد الحريق الكبير الذي وقع عام 1871، فقد اعتمدت تقنيات مبتكرة وأساليب وأنظمة بناء جديدة. وطالما تأثرت النظرية المعمارية والحضرية كثيرا بأحداث اعتبرت مدمرة في وقتها الا أنها أسهمت في اغناء وتحديث الفكر والممارسة بشكل كبير. فهل يمكن استنتاج مقاربات نظرية جديدة من خلال تفحص المشاكل التي يمر بها مجتمعنا اليوم ؟ وهل يستثمر معماريونا ومخططونا مشاكل (الآن وهنا) لتبني رؤى جديدة؟
لقد واجه العراق أحداثا خطيرة خلال السنوات القليلة الماضية منذ أن أقدم الإرهابيون على احتلال بعض مدنه. وكانت الجهود الرامية إلى دفع هؤلاء المسلحين بعيدا عن المناطق الحضرية مؤلمة للغاية. ان التجربة المريرة التي مر بها العراق تضع على كاهل الأكاديميين والمفكرين،كلٌ حسب اختصاصه مسئولية اعادة النظر بكل المتبنيات الفكرية والتي يمكن أن تكون قد أغفلت جوانبا معينة من المحتمل لو أنها قد أضيأت نظريا لكان بالامكان تفادي الأوضاع التي وقعت بها البلاد. وعلى الرغم من أن لظاهرة الأرهاب واحتلاله للمدن مسببات جيوسياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة، فإنها وقعت على الأرض، ولا سيما في المناطق الحضرية، لذا فمن المحتمل أنها تتصل بظروف محددة في النسيج الحضري، لذا ستحاول هذه الدراسة بحث جانبا من هذه المسألة .
فقد ترددت في وسائل الاعلام في معرض تغطيتها لمعركة الموصل مصطلحات ذات صلة ، اذ وصف جورج أس وهو صحفي في صحيفة الأندبنديت في شباط عام 2017، تقدم القوات العراقية في الجانب الشرقي من المدينة بأنه كان سريعا، في حين ان الجانب الغربي من المدينة باعتباره موطنا لبعض أقدم الأحياء ذات الشوارع الضيقة جعل المهمة أكثر صعوبة. وأفاد مراسل شبكة روداو الإعلامية في 5 حزيران 2017 أن القوات العراقية واجهت صعوبة أثناء محاولتها تحرير الموصل القديمة، حيث الشوارع أضيق من الجانب الشرقي من الموصل. وكتب أرانغو تي، وهو مراسل لصحيفة نيويورك تايمز في 18 من الشهر نفسه أن معركة القوات العراقية ضد الإرهابيين باتت شاقة حين بدأت تخترق الشوارع الضيقة للموصل القديمة المكتضة. وذكر ان قادة التحالف الدولي وصفوا هذه المعركة بانها واحدة من أشد معارك حرب المدن منذ الحرب العالمية الثانية. وبعبارة أخرى، لوحظ من خلال هذه الاقتباسات وغيرها كثير مما ذكرته وسائل الاعلام في حينها وجود علاقة بين النسيج الحضري والأمن. إن القتال ضد الإرهابيين داخل الجزء التقليدي من الموصل كمثال على المدن العراقية الأخرى، التي تتميز بأزقتها الضيقة وبنيتها المكتضة، ونسيجها الحضري العشوائي أكثر صعوبة مما هو عليه في الأحياء الحديثة المخطط لها.
ويُفترض أن الخطاب الحضري والمعماري يسبق الأحداث ويكتشف المخاطر المستقبلية الكامنة في البيئات الحضرية التي يتعامل معها ، سواء أثناء الحرب أو السلم. لذلك فمن المحتمل أن الخطاب النظري العراقي في مجال العمارة والتحضركان قد توقع وجود علاقة ما بين الشوارع الضيقة، والبنية المتراصة، و العشوائية من جهة، وأمن المجتمع سواءا في زمن السلم أو في أوقات الاضطرابات من جهة أخرى. ولهذا، فمن المتوقع أن نجد بعض التحذيرات حول خطر هذه الخصائص وكيفية التعاطي معها في بعض الأبحاث الأكاديمية المحلية. ومن هذا المنطلق، أُثيرسؤالان: الأول حول ما اذا كان الخطاب الحضري المحلي قد شخص وجود علاقة ما بين الشوارع الضيقة والبنية الكثيفة والتخطيط العشوائي من ناحية وأمن المجتمع في زمني السلم والحرب من ناحية أخرى؟ والثاني ما هي المواقف المتضمنة في الخطاب الحضري المحلي تجاه هذه العناصر والخصائص الحضرية (الشوارع الضيقة والبنية الكثيفة والتخطيط العشوائي )؟
من الواضح أن هذه المصطلحات موجودة في مجالين: الجزء التقليدي من المدينة والأحياء غير الرسمية أو العشوائيات. يمكن ملاحظة هذين النمطين في جميع المدن العراقية بدرجات متفاوتة الى جانب احياء الاستثمار وتلك التي خططتهاالبلدية. فالنمط التقليدي موجود في جميع مراكز المدن العراقية تقريبا، بينما ظهرت العشوائيات في حافات المدن أولا ثم بدأت بالظهور بشكل واسع حيثما توفرت أرضٌ شاغرة. في حين ان الأحياء الي خططت لها البلديات هي السائدة من حيث المساحة والعدد ، ويتألف النمط البلدي في الغالب من شبكة شوارع مستقيمة ذات عرض متدرج، ومساحات مفتوحة، ومرافق اجتماعية مركزية.
وحيث أن هذه الدراسة ستعتمد تحليل الخطاب الحضري العراقي ،فلابد من تعريف الخطاب بشكل مقتضب. وفقا لقاموس أوكسفورد، فالخطاب هو أي مناقشة رسمية شفهية أو مكتوبة لموضوع ما. ويرد تعريف مماثل في قاموس كامبريدج حيث يتم تعريف الخطاب بأنه خطاب أو قطعة من الكتابة عن موضوع معين، وعادة ما يكون مهما. واصطلاحا فالخطاب هو مجموع التوجهات الفكرية والمقاربات التي ينتهجها مجموعة فكرية في مجال ما. في هذه الدراسة تم انتخاب مجموعتين من المقالات الأكاديمية لتشكل الخطاب الحضري المحلي ذا الصلة بالقضية المطروحة. هاتان المجموعتان هما: مقالات علمية محلية نشرها باحثون عراقيون عن مناطق المتجاوزين أو العشوائيات. وأخرى حول الأنسجة الحضرية التقليدية ، وذلك لمعرفة ما إذا كان الخطاب الحضري العراقي الممثل في هاتين المجموعتين من الوثائق قد ربط بين هذه المفردات الثلاث والأمن أم أنه ربما لم يعالج هذه العلاقة ألبتة ، أو ربما اتخذ هذا الخطاب مواقفاً متناقضة منها.
وقد أختير موقع المجلات العلمية الأكاديمية العراقية لتكون مصدر هذه البيانات. هذا الموقع هو موقع رسمي على شبكة الإنترنت، التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق. وهو يشمل 253 مجلة علمية مفتوحة تدعمها 50 مؤسسة، يتضمن أكثر من 122000 مقال في مختلف التخصصات. ويفترض الباحث أن الاعتماد على هذا المصدر يمكن أن يكون مفيدا لأسباب كثيرة؛ منها أنها موثوقة وتتضمن الأبحاث ذات الصلة والمنشورة حديثا. وعلاوة على ذلك، فإنه يسهل البحث في غضون الوقت القصير المتاح.
وقد تم ترشيح 6 أوراق لتشكيل العينة التي تمثل الخطاب الحضري المحلي حول الأحياء العشوائية (المجموعة الأولى)، بالتوازي مع 14 ورقة أخرى لتشكيل عينة تمثل الخطاب الحضري المحلي حول النسيج الحضري التقليدي (المجموعة الثانية) . أذ تفي جميع هذه الأوراق بمعايير الترشيح المعتمدة. تم تحليل هذه المقالات العلمية العشرين كما مبين بالفقرات التالية للإجابة على الأسئلة المذكورة أعلاه.

المجموعة الأولى من العينة: دراسات حول العشوائيات
خمنت وزارة التخطيط أن عدد الأحياء العشوائية في العراق بلغ 1552 حي في عام 2013، حيث تحتوي على 346881 وحدة سكنية، يعيش فيها 2418864 نسمة. ويشكل هذا العدد من المنازل غير القانونية 7.3٪ من إجمالي الوحدات السكنية على المستوى الوطني. فقد ركزت شيماء حمزة (1) على مشكلة العشوائيات في مدينة بغداد، واستكشاف أسباب وخصائص وحلول هذه المشكلة الحضرية الخطيرة التي ما فتئت تتوسع بشكل مستمر على أساس يومي خلال السنوات الأخيرة. وأبرزت الباحثة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية للعشوائيات. وكان من بين هذه الحالات الافتقار إلى الخدمات الاجتماعية، والافتقار إلى الأماكن المفتوحة، والحالة الصحية والبيئية السيئة، وتدني مستوى التعليم، وتدهور مستويات المعيشة. فضلا عن كونها كثيفة وذات مسارات حركة ضيقة وعشوائية. وأبرزت الدراسة المشاكل الأمنية الناجمة عن العشوائيات وارتفاع مستوى الأنشطة الإجرامية. أما انتظار جاسم جبر وشروق نعيم جاسم (2) فقد أتبعتا منهجا مماثلا في دراسة الأحياء الفقيرة في مدينة بغداد. ووجد صلاح الزبيدي(3) أن مشكلة الأمن في الأحياء العشوائية لا تقل أهمية عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. وأشار إلى خصائصها العمرانية ومن أبرزها صعوبة الوصول التي عدها مسئولة عن ارتفاع معدل الجريمة فيها. وأشار عبد الرزاق أحمد سعيد (4) الى أن سكان العشوائيات ليسوا متجانسين ومعزولون عن النسيج الاجتماعي للمدينة، وبالتالي يسبب ذلك العديد من المتاعب لمجتمع المدينة. فالفقر والجهل والتجزؤ الاجتماعي يقفان وراء الكثير من الأمراض الاجتماعية المتعلقة بالأمن المجتمعي. وأبرز حاتم كنزاع وسلام غربي (5) مشكلة التشغيل غير القانوني للأطفال والنساء ، الأمر الذي يسبب أنواعا كثيرة من الجرائم في المناطق غير الرسمية. ووجدت زينب البلداوي (6) أن الأحياء العشوائية تتشكل وفقا للتركيب العرقي والطائفي الذي يمثل خطرا جسيما يهدد المجتمع بأسره.
نخلص مما تقدم أن جميع الدراسات المذكورة أعلاه، تعتبر الأحياء العشوائية ظاهرة سيئة ، وتشكل خطرا جسيما على المجتمع. وتتعلق تلك المخاطر بالخصائص العمرانية للأحياء العشوائية، ولا سيما شوارعها العشوائية والضيقة وغير المخططة، التي تتسبب في عدم إمكانية الوصول إليها ومنع قوات الأمن من السيطرة عليها، مما يجعل العشوائيات مكانا للجرائم وبؤرا محتملة للعنف والإرهاب. فالرؤية الأكاديمية اذن نحو العشوائيات حيث الشوارع الضيقة، البنية المكتضة، والتخطيط العشوائي تتمثل بكونها ظاهرة سلبية، محفوفة بالمخاطر. ربطت هذه المجموعة بين الخصائص العمرانية وبين الأمن في زمن السلم ولكنها لم تتطرق الى طبيعة هذه العلاقة في أوقات الاضطراب والحرب.

المجموعة الثانية من العينة: دراسات حول النسيج الحضري التقليدي
لا تزال الأسباب والعوامل التي أدت إلى انتشار الاهتمام الواسع بالتراث والتقاليد في الميدان الحضري والمعماري غير واضحة. أن انتقاد التخطيط الحضري الحديث ربما يكون أحد تلك الأسباب. ويحتل الاتجاه نحو التعلم من الحل الحضري التقليدي موقعا مهما في الخطاب الحضري العالمي المعاصر. وقد استخدم هذا التوجه كرد فعل مناهض للانتشار الحضري. ففي الهيكل الحضري المضغوط، يتم الجمع بين استعمالات الأرض المختلطة بشكل مماثل مع النسيج الحضري التقليدي، حيث المشي هو الوسيلة الرئيسية للحركة في الطرق الضيقة الى جانب المناطق الخضراء العامة والساحات.
وقد يكون الاهتمام بالتراث نابعا ربما من إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان، الذي تضمن الحق في التمتع بالفنون والمشاركة في الحياة الثقافية للمجتمع المحلي، أو أنه اتسع نتيجة تأسيس اليونسكو في عام 1954.وقد نشرت العديد من الكتب والدراسات الرائدة، مثل البيوت التقليدية في بغداد، لاحسان فتحي وجون وارن. بالإضافة إلى دراسة بسيم حكيم حول المدن العربية الإسلامية. ويحظى النسيج الحضري التقليدي بالأولوية ليس فقط في الخطاب المحلي وإنما أيضا في الخطاب النظري العالمي الحالي وهو ما يمكن أن يكون سببا كافيا لتأثر الخطاب المحلي بهذا التوجه.
تسعى هذه الورقة إلى دراسة 14 دراسة محلية حول النسيج الحضري التقليدي لاستكشاف المواقف المختلفة للباحثين العراقيين تجاه التقاليد الحضرية، والتعرف على الطرق التي يتناول بها الخطاب الحضري المحلي هذه التقاليد والمصطلحات المستهدفة، واستكشاف ما إذا كانت العلاقة بين الأمن في زمني السلم والحرب من جهة والنسيج الحضري من جهة أخرى قد درست أم أنها لم تدرس. تم تصنيف هذه الدراسات إلى أربع مجموعات فرعية كما يلي :-
دراسات الحفاظ
تناولت سمر رؤوف (7) أسباب هدم البيوت التقليدية في المناطق التقليدية. وأعربت عن اعتقادها بان نسخ العمارة الغربية وفتح شوارع جديدة للمركبات وتأثير التشريعات التى تشجع الناس على تجاهل أجزاء تقليدية من المدن تقف وراء هذا الهدم. وأشارت إلى أن الشركات الدولية التي أعدت تصاميما أساسية للمدن العراقية الكبرى هي المسؤولة عن فقدان البيئات التقليدية من خلال تركيزها على حركة المركبات وإهمالها للاحتياجات الاجتماعية والبيئية والثقافية للمجتمع. أما عمر حازم خروفة (8) في بحثه حول المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية التي تواجه الجزء القديم من الموصل،فقد عزا فقدان الأمن إلى اختراق حركة المرور غير المنضبط. وعزى تفتيت النسيج الحضري الى فتح الشوارع الجديدة.
لذلك، يبدو أن هاتين الدراستين لا تجادلان فقط بالحفاظ على النسيج الحضري التقليدي بل تقفان ضد الخطط الحديثة الممثلة في الشوارع المستقيمة والخصائص الفيزيائية الأخرى ذات الصلة.

دراسات المناخ والاستدامة
عندما بدأ مفهوم الاستدامة يهيمن على المجال المعماري والحضري، ظهر عدد من الدراسات العراقية ينهج هذا المنهج الجديد. فقد أجرى تركي علي وبهجت رشاد شاهين (9) مقارنة بين البيئات القديمة والحديثة داخل مدينة الموصل. ووجد الباحثان أن الحيين يظهران سلوكيات مناخية مختلفة تماما، وكانت الظروف المناخية أكثر استقرارا في الجزء القديم ، أن التظليل في الأزقة الضيقة في الشوارع هو أحد الأسباب وراء هذا السلوك المختلف. وأوصيا باستخدام شبكات الشوارع الضيقة وتجنب استخدام الشوارع المستقيمة لضمان توفير الراحة المناخية. وتسائل جاسم عبود الدباغ (10) ، إذا كانت التقاليد ناجحة، فلماذا لا نستفيد منها؟ ووجد كل من سالي عبد الله وبهجت رشاد شاهين (11) أن البيت التقليدي والنسيج الحضري التقليدي فعالان فيما يتعلق بالحلول المستدامة. وحاول خالد مصطفى(12) ربط تصميم المباني الذكية بالهندسة المعمارية التقليدية ووجد أن العلاجات التقليدية ذكية. ولذلك، أوصى باستخدام هذه العلاجات كأساس لابتكار العمارة الذكية المعاصرة. وأجرى محمد علي الأنباري (13) دراسة مقارنة بين خصائص المدن العربية الإسلامية التقليدية والمدن العربية المعاصرة مركزا على التخطيط والمعالجة المناخية في المقارنة، واعتمد سيناريو المدينة المستدامة. وأظهرت نتائجه أن الحي المستدام يشبه الحي التقليدي لأنه يحد من اختراق المركبات واستخدام الزقاق المسدود والنسيج الحضري المضغوط.
ولذلك، يبدو أن هذه الدراسات الخمس تفضل النسيج الحضري التقليدي وقد جادلت بتطبيق المعالجات التقليدية المتعلقة بالمناخ والاستدامة في المشاريع الجديدة.

دراسات التوجه الإسلامي
جادل وسمي سحاب (14) إن المدن التقليدية تحافظ على الثقافة الإسلامية، وبالتالي تحقيق الراحة البيئية وتلبية الاحتياجات الإنسانية. وأعرب عن اعتقاده بأن النسيج الحضري التقليدي يواجه تهديدا خطيرا بسبب غزو مقاربات التخطيط الغربي. وأوصت الدراسة المخططين بتفادي المقاربات الغربية. أما الباحثتان نوال خميس ونقاء خضير(15) فقد سلطتا الضوء على مشكلة فقدان الهوية المعمارية بسبب ما أطلقتا عليه الاستخدام غير المبرر للمقاربات الغربية، التي هي غريبة عن الثقافة الإسلامية. ووصفتا الوضع الحالي للهندسة المعمارية العراقيةالمعاصرة بأنها حالة من الفوضى واعتبرتا الهندسة المعمارية التقليدية بنية للابتكار وليس للمحاكاة. وحاولت نور علاء الدين محمد (16) ربط المقولات الدينية بالسمات والعناصر الحضرية والمعمارية التقليدية. وبالتركيز على الخصوصية. على الرغم من أنها لم تجد أي نص ديني حول ضرورة أن تكون الأزقة متعرجة في الأنماط القديمة، أكدت على أصالة هذه الميزة. وحاول ماجد الخطيب (17) مطابقة الإسلام مع التصاميم الحضرية التقليدية. وذكر تغيير أنماط المنازل والأنسجة الحضرية من الأنواع التقليدية العضوية إلى الشبكة العضوية ومن ثم إلى الأنواع المغتربة الحديثة. يتبين أن حتى المصطلحات، التي ترتبط بالأنماط الحديثة، تحمل دلالات سلبية، وهذا الموقف موجود في معظم الأدبيات. فقد سلطت الباحثةشذى عباس حسن(18) الضوء على الصورة الجمالية للعمارة التقليدية من خلال استكشاف أفكار بعض المهندسين المعماريين الذين اعتمدوا هذا المنهج، وخاصة راسم بدران، الوكيل، مكية، وحسن فتحي. وحاولت ربط الأفكار الإسلامية، مثل العلاقة بين الإنسان والله، بخصائص العمارة الإسلامية، مثل الفناء المفتوح. ولخصت معالم المدينة الإسلامية في عشر نقاط. ومن هذه الخصائص الشعور بالأمن والانتماء بسبب وجود الشوارع الضيقة.
ولذلك، يبدو أن هذه الدراسات الخمس دفعت النقاش إلى حد بعيد من خلال ربط التقاليد الحضرية مع الدين. مسلطةً الضوء على المفهوم القائل بأن التقاليد الحضرية توفر الأمن، لذلك فهي توصي ليس فقط بالحفاظ على القائم منها ولكن علاوة على ذلك تدعو لتطبيق الحلول التقليدية على الممارسات الجديدة وتجنب ما أطلق عليه المقاربات الغربية.

دراسات نقد المقاربات الغربية
خلص الباحثان انعام البزاز البزاز وروني أبونا(19) إلى أن البيئة المعاصرة العراقيةالمعاصرة تعاني من ثلاثة أشكال من الاغتراب: الاغتراب العمراني والاجتماعي والنفسي. ووجد الباحثان أن عمليات الابتكار والتجديد مع التغيير السريع والمفاجئ كانت مسؤولة عن ذلك الاغتراب. وعلى الرغم من أن حسن حيدر كمونة وبهجت رشاد شاهين (20) قد درسا مدينة النجف الأشرف، فإن موقفها تجاه التنمية الحضرية بدا قاسياٍ حيث وصفا طرائق التنمية الحالية بأنها تحول ساحق وسريع ينطوي على أشكال غير متوافقة مع التقاليد فضلا عن هيمنة الاتجاه الغربي عليها. وحددا التحولات من حيث فتح شوارع جديدة مستقيمة وخلق مساحات مفتوحة هندسية واسعة كونها لا تتفق مع النسيج الحضري التقليدي. ولذلك، سلطت هاتان المقالتان الضوء على مصطلحات جديدة من خلال وصف ممارسات التخطيط الحضري الحديثة بشوارعها المستقيمة، ونمطها المخطط باعتبارها اغتراب وتحول ساحق وسريع.
لذا يمكن القول ان معظم المقالات التي تمت دراستها في العينة الثانية لا تتناول مباشرة المصطلحات المستهدفة، ولكنها اذ تتعامل مع اهتمامات أخرى، فهي تهمل العلاقة بين الأمن من جهة والشوارع الضيقة، والتخطيط العشوائي والبنية المتضامة من جهة أخرى، بل انها وجدت بصورة متناقضة أن هذه العناصر هي وسيلة لضمان الأمن بدلا من ذلك. ان غالبية هذه الدراسات لديها نظرة إيجابية نحو التقاليد في العديد من الجوانب. وفي الوقت نفسه، فهي تعتبر الممارسات الحديثة سيئة، مستنسخة، غريبة، ومستوردة من الثقافات الأخرى، ولا تنتمي للمجتمعات المحلية. وتتمثل الرؤية المشتركة في أن البيئات التقليدية المبنية، مع نسيجها الحضري المضغوط وشوارعها الضيقة، مستدامة ومريحة وآمنة وذات مغزى. غالبية الباحثين المشاركين في هذه العينة يعتبرون التحول الحضري داخل أجزاء قديمة من المدن عملا غير مدروس.

النتائج والمناقشة
يعد العثور على التنوع في الخطاب النظري بشأن أي قضية أمرا معقولا ومتوقعا. الا أن الكيفية التي تسبب من خلالها الشوارع الضيقة والعشوائية والتضام مشاكلا أمنية في العشوائيات، وفي الوقت نفسه توفر الأمن في المناطق التقليدية لا زالت غير واضجة. فقد أظهرت الأبحاث التي تم فحصها عدم اتساق مواقف الباحثين تجاه القضايا المطروحة. لذا فالخطاب الحضري والمعماري النظري المحلي فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة بدا غير متماسك بما فيه الكفاية لتقييم بيئات متماثلة بخصائصها العمرانية برؤية متماثلة. اذ أبرزت الدراسات التي تم تحليلها انعدام الأمن في الأحياء العشوائية بسبب تخطيطاتها العشوائية وكثافتها وعدم إمكانية الوصول إليها، وهي كلها منطقية. وفي الوقت نفسه، أغفلت دراسات أخرى تناولت الأنسجة الحضرية التقليدية الالتفات الى هذه المشاكل بل بالعكس فقد ركزت هذه الدراسات على أن المناطق التقليدية توفر الأمن بسبب أزقتها الضيقة .
ويعتقد العديد من الباحثين أن البلديات قد ارتكبت أخطاء جسيمة من خلال تنفيذها أحياءاً مخططة. وهم يعتقدون أن المخططين حاولوا تغريب المدن العراقية. ويوسع آخرون هذه الرؤية الى النظر إلى الشوارع الحديثة التي تسهل وصول سيارات الإسعاف ومكافحة الحرائق قريبا من أبواب المنازل داخل الأحياء الجديدة باعتباره أهمالا للمتطلبات الاجتماعية والثقافية .

الاستنتاجات
یبدو أن هناك توجه سائد فی الخطاب الحضري العراقي يميل الى التقاليد الحضرية بشكل واضح.ان قضية الحفاظ على التراث هي قضية ملحة وضرورية وكذلك المفاهيم المتعلقة بالاستدامة وغيرها من الاتجاهات العالمية المعاصرة ، ولكن الى جانب ذلك فان المشاكل الآنية والمحلية يجب أن تعطى الأهمية التي تستحقها في الخطاب المحلي من أجل التوصل الى رؤى واقعية.
يثبت التحليل أن الخطاب الحضري المحلي لا يتناول الشوارع الضيقة والبنية الكثيفة والتخطيط العشوائي بشكل مترابط للربط بينها وبين أمن المجتمع في زمني السلم والحرب، على الرغم من أن البيئتين المدروستين (العشوائيات والنسيج الحضري التقليدي) تتقاسمان الخصائص الفيزيائية عينها في الغالب فقد فشل الخطاب الحضري المحلي في التعامل معهما في رؤية موحدة. ففي حين تعتبر دراسات المستوطنات العشوائية المفردات المدروسة خطرة، فإن دراسات النسيج الحضري التقليدي تعدها وسيلة لتوفير الأمن.
يجب استثمار الدروس والعبر التي تمخض عنها صراع العراقيين لدحر الأرهاب في بناء رؤية حضرية عقلانية بعيدا عن النستالجيا والتقليد. فالبيئات الثلاث وهي العشوائيات والمناطق التقليدية والاحياء المخططة يجب أن تقيم وينظر اليها في ضوء ما تحقق على أرض الواقع. فالعشوائيات يجب أن تعالج ويوفر السكن اللائق للأسر العراقية ، والأحياء القديمة يجب تطويرها والحفاظ عليها باعتبارها تراثا حضاريا وان توضع الخطط لاستثمارها كمشاريع ثقافية وسياحية مستدامة وليس بالضرورة لأغراض السكن وأن لا تترك عرضة للضياع وتبقى كما هي عليه الآن في الغالب بؤرا للفقر والجهل وانعدام الخدمات حيث يمكن أن يجد فيها التطرف بيئة ملائمة كي ينمو ويستفحل. أما الأحياء المخططة فيجب أن ينظر اليها باحترام لما قدمته من دور في الحفاظ على أرواح المدنيين الأبرياء . ان الأحياء المخططة تمثل محاولة من قبل الجهات التخطيطية العراقية والبلديات لتوفير السكن الذي يلبي متطلبات الأسر العراقية الحديثة ، وهي ليست مجرد استنساخ من الغرب وهي كذلك تمثل ذاكرة أجيال من العراقيين ولدوا فيها وعاشوا فيها . ومن دون أن ننكر أن الاحياء المخططة تنطوي على أخطاء ومشاكل بيئية واقتصادية ينبغي أخذها بالاعتبار في الممارسات التخطيطية المستقبلية ، الا ان ذلك لا يعني انها تمثل حالة من الاغتراب والفشل بشكل مطلق.

المصادر
1. حمزة ، شيماء، "العشوائيات في مدينة بغداد- دراسة تحليلية" مجلة الهندسة والتمية المستدامة، المجلد19 العدد الأول ص1-28، (2015 )
2. جبر،انتظار جاسم، وجاسم ،شروق نعيم "تطوير البيئة الحضرية للعشوائيات- مدينة بغداد نموذجا" ،مجلة البحوث الجغرافية، المجلد الأول العدد 23 ص 357-386،(2016)
3. الزبيدي ، صلاح " المناطق العشوائية في مدينة بغداد –واقعها وآثارها البيئية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية " مجلة ديالى ، العدد52 ، ص 406-430،(2011)
4. سعيد، عبدالرزاق أحمد" العشوائيات تغيير للملامح المورفولوجية للمدينة العراقية – مدينة المحمودية أنموذجا" مجلة الأاستاذ ، المجلد 2 ، العدد 22 ، ص 25-56، (2017)
5. كنزاع ، حاتم و غربي ، سلام " استعمالات الأرض غير المخططة ( السكن العشواءي ) وأثرها على الخدمات في مدينة الكاظمية، مجلة مداد الآداب ، العدد 12، ص 740- 772،(16 20)
6. البلداوي ، زينب" المناطق العشوائية بين الواقع والطموح – نحو بيئة حضرية مستدامة- حالة دراسية أم الورد" مجلة المخطط والتنمية ، العدد 18، ص 23-55، (2008)
7. رؤووف سمر "دراسة عن هدم الدور التراثية في مدينة الموصل-دراسة اجتماعية اقتصادية " ، مجلة تنمية الرافدين ، المجلد 32العدد 97، ص 257-27،(2010)
8. خروفة، عمر حازم" سياسات التجديد الحضري وفق مناهج الاستدامة –تقويم للمدن التقليدية- الموصل أنموذجا" مجلة القادسية للعلوم الهندسية، مجلد 7، العدد 3، ص 105-113،(2014)
9. علي ، تركي و شاهين ، بهجت " الأداء المناخي الموعي لأنسجة حضرية مختلفة من مدينة الموصل " مجلة الرافدين ، المجلد 21 العدد 3 ، ص 111-118،(2012)
10. الدباغ، جاسم عبود" الاستدامة والنسيج الحضري التقليدي- البيت البغدادي أنموذجا" مجلة كلية الهندسة جامعة المأمون، المجلد 16، العدد 2 ص1 -35،(2013)
11. عبد الله ، سالي و شاهين ، بهجت" الحلول التقليدية في التكيف المناخي المستدام وتوظيفها في السكن المعاصر " مجلة الهندسة ، المجلد 15العدد 1، ص 584-604،(2009)
12. مصطفى ، خالد "الذكاء في العمارة ما بين العمارة التقليدية والمعاصرة" مجلة الهندسة ، المجلد22 العدد 10 ، ص 1- 10 ،(2016)
13. الأنباري ، محمد علي "استراجية المدينة المستدامة كسيناريو للتوازن بين المدينة العربية الأسلامية التقليدية والمدينة العربية المعاصرة" مجلة البحوث الجغرافية، العدد 8، ص 35 1- 146،(2013)
14. سحاب ، عايد وسمي ، " العناصر الأساسية في تخطيط المدن العربية الأسلامية " مجلة الآداب ، العدد 112، ص 425-448،(2015)
15. خميس ، نوال و خضير ، نقاء " العمارة العربية المعاصرة وخصوصيتها المحلية " مجلة الأنبار للعلوم الهندسية ، المجلد 3 العدد2 ص 125-144،(2010)
16. محمد ، نور علاء الدين " الأختراق البصري في البيئة التقليدية " مجلة الهندسة والتنمية ، المجلد17 العدد6 ص 15-35، 2013
17. الخطيب ، ماجد " الفكر التخطيطي وأثره في تصميم البيت التقليدي في المدينة العربية الأاسلامية " مجلة كلية المأمون الجامعة ، العدد 16، ص 38- 61،(2010)
18. حسن ، شذى عباس " التواصل المعماري والحضري للتراث العربي الأسلامي " مجلة المخطط والتنمية ، العدد 25، ص 79-92،(2012)
19. البزاز ، انعام وأبونا ، روني " الاغتراب في البيئة العمرانية"، مجلة الهندسة، المجلد13 ، العدد1، ص 1-22،(2007)
20. شاهين ، بهجت و كمونة ، حسن ، " التحولات العمرانية في مراكز المدن المقدسة –مدينة النجف الأشرف نموذجاٍ" مجلة الهندسة ، المجلد 15، العدد 4، ص 764-784،(2009)



#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في ...
- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - الحرب على الأرهاب: الدروس المستفادة من منظور حضري