عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري
الحوار المتمدن-العدد: 6213 - 2019 / 4 / 27 - 22:31
المحور:
الادب والفن
ملحوظة: نشرت ابنتي ننسار دحنون-حفظ الله اولادكم جميعاً- هذه القصة في مجلة أسامة السورية في العدد 630 عام2005
حكي جدي قال:
عاشت فأرة في دكان بقّال حياة هنية رضية, أينما نظرتْ وجدتْ الطعام وفيراً, البرغل والسمسم, السمن والزيت, التين والزبيب, الجوز واللوز. مع ذلك كانت تخشى المكان, ولا تأمنه, لأن البقّال دأبَ على نصب مصيدة خشبية طِعمها قطعة تين يابس. وفي مساء أحد الأيام بعد أن أغلق البقّال دكانه, تسللت من فتحة صغيرة تحت عقب الباب, وراحت تبحث عن رفيق يؤنس وحدتها. في الجوار عند حوض الزرع, ربضت تُنصت لحفيف الأشجار, كانت الأوراق تتساقط على مهل, مُعلنة قدوم فصل الخريف. فجأة, ميَّزت بين الأصوات وقع دبيب ناعم على رصيف الشارع, حدقت لترى القادم, فرأت فأراً نحيلاً قادماً من صوب دكان الحلاق, استغربت الأمر, ماذا يفعل فأر في دكان حلاق؟ قالت:
- يا صغيري... ماذا جرى لك, أراك في أسوأ حال؟ تُقيم في جواري ولا أعلم, سامحك الله, مُرَّ عليّ, الجار للجار.
قال الفأر :
- ماذا يُفيد الكلام, والقال والقيل؟ حالي كما ترين, وأنا أحمد الله على نعمته, أعيش بأمان.
-ولكن على ماذا تقتات في دكان الحلاق؟
- أتدبر أمري , الله يخلق ويرزق, أقتات على لحس أثر الزيت الذي يبقى على المسن الجلدي الذي يشحذ عليه موسى الحلاقة.
- ما هذه الحياة التي تعيشها؟ اترك تلك الحياة الضنكة, وتعال إلى جنتي, وكل من ثمرها.
تردد الفأر في حسم أمره, ولكن الفأرة أغوته, فقالت:
- هيا بنا إلى جنتي. وليكن ما يكون.
تسللا عائدين إلى دكان البقّال. نظر الفأر في جنة الدكان, فرأى الطعام تلالاً و هضاباً, وقبل أن يفيق من ذهوله, أسرع نحو قطعة التين في المصيدة. وحين صاحت فأرة البقّال مُنبهة :
-لا تمسها.
كان الأوان قد فات, علق الفأر في المصيدة ,وصاح من ألم ممض:
- نحن في الجنة, فما الذي يخنق أنفاسي؟
هربت الفأرة, وتركت جارها يواجه مصيره المحتوم, ولكنَّ الفأر المسكين, وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة , قال:
- الأن عرفت أن لحس المِسَنّ في بلاد الأمان ليس له ثمن.
#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟