فضيلة معيرش
الحوار المتمدن-العدد: 6213 - 2019 / 4 / 27 - 02:24
المحور:
الادب والفن
يتسلل بصيص شوق خافت لصدرها المكتظ بنشوة الطفولة ، تتفرس زوجة
والدها مديحة في جسد أروى الصغير المنهك ، لتزيد من أعباء توجعه .
تذكرت أروى وجه أمّها كحلم بعيد زار منامها ، حين تراقصت دمعات القسوة بعينيها المشتعلتين لوعة لفراقها المبكر إثر مرض مفاجئ ، ظل إخوتها الأكبر منها سنا يقومون بمساعدة والدهم في الزرع
والحصد ورعي الماشية . لم تشفع لها سنوات يتمها السبع من القيام بأعباء البيت ، أسرفت مديحة في اذلالها .
زاد من حدة طغيانها انجابها لتوأم انقاد الأب الطاهر وراء افتراءات زوجته التي هتكت سرّ الطفولة ، تمادت في قضم أصابع البراءة الطرية .
إنطفأ فتيل مصباح ليالي القسوة على وجه أروى ذات ليلة وقد أسرف والدها بدوره في تأنيبها ، لتنير شمس الحرية في مطلع الصّباح الموالي ملامحها المتذمرة الناقمة ، حملت عمرها الصغير وغادرت بيتها الكبير لوجهة مجهولة.
بحث إخوتها ووالدها عنها في كل شبر من قريتهم الجبلية الرابضة بأعالي جبال لمعاضيد التابعة لمدينة المسيلة دون جدوى ، تكومت في ركن قصي بإحدى البنايات المحاذية لسوق المدينة ، أنهكها التعب والسير ليلا . لمحتها سيدة
ركن زوجها سيارته الفارهة ليجلب لها فطورا صباحيا ، تبدو أثار السفر بادية عليهما ، توجس قلب السيدة فضولا وهي تدس عينيها الخضراوين برجفة وعري تلك الطفلة المختبئة خلف وجه الاهمال البائس.
ألحت في سؤالها هي وزوجها عن اسمها وبيتها وسبب مكوثها بوجه الجوع و العراء . أخبرتهما أروى أن لا أحد لها ، قد نست من تكون ، عاشت معهما وطفليهم
لم يجد الزوجين صعوبة في تسجيلها بالوثائق الثبوتية كون ابنتهما المقاربة لسنها توفت منذ فترة ليست بالبعيدة ، طبعت الزوجة حليمة قبلة شوق وهي تتحسس دفء قلب الطفلة الصغير المرتجفة للحنان والسكينة يخفق بهدوء بين يدها
الناعمتين، همهمت بصوت مسموع : سأنزع شرشف الفقد بعودة ابنتي دنيا مرّة أخرى إليّ . سحبت تباعا أشواك الألم من جسدها الذي بدأ يتعافى ، حين امتدت حبال الدلال لتخفف من حزنه ، مرّت أكثر من عشر سنوات ، صار وجه
أروى يضاهي القمر جمالا ، استعصى انسكاب بوحها السخي على عتبات الكتمان ، ارتدت كسـوة المسؤولية .بزواجها من ابن أحد أعيان المدينة ، اختارت أروى تكوين عائلة بدل مواصلة
الدّراسة باسم ابنة السيدة حليمة التي ربتها في كنف الحنان وإغداق الهدايا .
#فضيلة_معيرش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟