|
من يحسن فهم الموت.. يحسن الحياة..
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 6211 - 2019 / 4 / 25 - 22:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وديع العبيدي من يحسن فهم الموت.. يحسن الحياة.. (1) ما هو الموت؟.. (لا جواب).. ان علاقة الانسان بالموت هي علاقة سلبية.. الانسان طرف سالب في معادلة الموت.. والموت هو الطرف الموجب.. هو المتسلط، الحاكم باسمه، المرعب والرهيب والمخلص. الثقافة الشرقية الشعبية حافلة برهبة الموت.. تاريخ العالم حافل بالموت.. ويقوم الانسان بقتل انسان آخر بكل سهولة وسرعة، كأنه قدح عود ثقاب ، لاشعال سيجارة.. وبعدما يطلق زفير دخانه.. يكون قد تنفس الصعداء، وأنتهى الأمر. لا توجد صلة عقلية/ منطقية، بين رهبة الموت وسطوته الملاحقة للكثيرين، وبين سهولة ممارسة الانسان للقتل، ولأسباب تافهة. في الموت يتساوي الانسان والحشرة، وكذلك هو في القتل، تدعس انسانا، كما تدعس حشرة، أو تطلق رصاصة على كلب. لم ينظر الشرق للموت، نظرته لواقع. الموت ظاهرة حياتية، ولكنه غير صادر عن الواقع. والتوصيف الملحق به على قدر من الغرائبية واللامسؤولية.. فيقال.. (الموت سنة طبيعية)، (الموت أمر إلهي)، (الموت نهاية الحياة)، (الموت باب للعالم الآخر)، (الموت قضاء الله وقدره).. الموت ميتافيزيكا.. الحياة هي الفيزيك.. الحياة الدنيا عالم منظور، يقابله الموت عالم غير منظور.. الموت، الذي كان كابوس جلجامش، والصدمة العظمى لعلاقته بصديقه انكيدو.. ارتبط بالفكر الديني.. الفكر الديني قتل (الموت).. قتل السؤال والتأمل.. قتل الانسان.. صار الانسان قتيلا يمشي على الأرض.. حتى تسحبه الحفرة من قدميه بغتة.. الفكر الديني تولى تعطيل العقل، وهندسة نفسه نحو الخنوع والقناعة لقبول الموت: (كلّ من عليها فانٍ/الرحمن55 : 26).. (ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك/ الفجر 88: 28).. الحياة هي فاصلة بين موتين.. منطقة عبور طارئة نحو الأبدية والاستقرار.. وهكذا تشكلت فكرة أفضلية الموت على الحياة، وهامشية الحياة ازاء الابدية والخلود.. (وللآخرة خير لك من الأولى/ الضحى 93: 4)، (والأخرة خير وأبقى/ الأعلى 87: 17).. لكن الفكر الديني يقدم الموت أيضا في صورة العقوبة .. (فأغرقناهم في اليمّ/ الأعراف 7: 36).. (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون/ العنكبوت 29: 14).. (فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون/ الذاريات 51: 44).. (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية/الحاقة 69: 6).. (فخسفنا به وبداره الأرض/القصص 28: 81).. ورغم تأكيد القرآن على الناس لاستخدام (عقولهم) والتفكر والتأمل، فقد وقف الاقطاع الديني بين وصايا القرآن وعقول الناس، حتى يمنعوهم عن التفكر والتعقل، ويتمكنوا من ابقائهم في خانة العبيد الخاضعين (للسادة)، متفانين في خدمة البشر أكثر من طاعة (الله).. وحاشا لله من وصايا الاقطاع والكهنوت وزبانية التدين.. ولو أنه شاء أن يساق البشر -بلا عقل- سوق الحيوان، لما حباهم بآلة العقول/ (أولي الالباب).. ولجعل كفايته في عالم الحيوان.. وحما الأرض ممن يفسد فيها ويسفك الدماء/(البقرة 2: 30).. وعلى رغم ان الانسان مسؤول عن عبوديته وقناعاته المنحرفة وأفكاره غير الرشيدة.. يسأل عنها في الدنيا كما في الآخرة، ويتحمل وزرها وتكاليفها في حياته اليومية والعائلية، دون عذر أو تبرير.. فهو مسؤول بذاته عن جهله، واستكانته للخرافة، وعدم ادراكه لمعاني الحياة وأبعاد الموت.. الانسان/[حرية، ارادة، مسؤولية] ملزم بتحقيق كيانه الوجودي بذاته، وليس بمعونة الآخرين أو التبعية لتلقيناتهم وسياطهم المزيفة، تحت أي عنوان استغلالي تسلطي. (2) تعطيل العقل ومصادرته، بربيطة الدين والتدين، أو العبودية المطمئنة، عطلت فهم الفرد لمسألة الوجود وحيثياته، بالاعتماد على عقله واختياره ومسؤوليته، ومن غير تبعية اجتماعية أو فكرية أو حزبية لأيما جهة تصادر ارادته وحياته، وتقف وسيطة بينه وبين ربّه وحياته.. فأين سيكون هؤلاء عندما يقع في (الفخ) ويواجه الحساب العالمي أم الأخروي.. هل سيقدم رجل الدين نفسه فداء عنه، أو يعترف بدوره في استعباد الضحية وغسيل مخه، بغية تسخيره لمصلحة فردية أو حزبية أو طائفية.. ان الوجود قائم على المعرفة.. والعامل الرئيس في فهم العالم والحياة وحيثياتها هو المعرفة.. ولكن هذا العامل الرئيس في الوجود هو الغائب الأكبر في حياة الشرق.. جرّب أن تخصص يوما واحدا لطرح الأسئلة.. سؤال في كل شيء وحول كل شيء.. قبل أن تنهض من النوم: اسأل نفسك.. لماذا تنهض من النوم.. قبل أن تغتسل، أسأل نفسك: ما ضرورة الفعل ومبرراته.. قبل أن تفكر في الفطور: علله.. قبل أن تنادي على أحد أو تقل كلمة: عللها.. اجعل (لماذا، ماذا) مفتاح علاقتك بنشاطك الحيوي.. وفي نهاية اليوم، قبل أن تجلس فكر لماذا عليك أن تجلس أو تذهب للنوم، ولماذا تغسل أسنانك أو تستحم!.. لا أقول أنك لن تفعل ذلك، ولكنك لن تحتمله حتى الظهيرة.. وسوف تتمرد وتصرخ قرفا.. هل هاته حياة أم محكمة.. تحقيق أم استجواب.. أنا حرّ وأفعل ما أريد.. كما أريد.. وحيثما أريد.. شيء جميل، يتضمن كثيرا من الكذب.. فلست في واقعك غير (دودة) في نسيج النظام الاجتماعي الطائفي أو الحزبي المحيط بك.. في ما تأكل وتلبس وتقول وتذهب، أنت تقلد وتنسح السائد في محيطك الاجتماعي.. تمرد على كتاب الله أو فلسفة كانت ووصايا الدولة.. ولكنك لا تجرؤ على مخالفة النظام الطائفي والحزبي لقبيلتك أو الاعتراض على شيء فيه. قبل أن تتجرأ على الخروج على الطائفة، سوف تقوم بنقل سكنك الى قطاع يحتمل توجهك الجديد.. بدل الهروب من المكان.. كان عليك فتح باب الاسئلة والمناقشة في محيط أصدقائك.. بلورة الاسئلة والأفكار بصورة واقعية غير مستفزة، بطريقة قريبة من حيثيات المعيشة والمتطلبات الانسانية الاساسية.. وعندما تنجح في تأسيس أرض خصبة، فيمكن تطوير الأرض وتوسيعها ثم فتحها على العامة.. قد تنجح في تكوين بؤرة عقلية منفتحة مختلفة الى جانب النسيج العبودي الرتيب.. قد يلتحق بك آخرون وتتسع التجربة.. إذا حصلت مواجهة معادية، تتجاوز اليات الحوار واحترام آدمية صاحب الشأن، فسوف ترتفع تجربتك لمستوى الاعلام، وتتجاوز المحيط الاجتماعي والاقليمي لعموم البلاد.. قد تخسر أو تتعرض للأذى أو التصفية، ولكنك تكون قد عبرت عن رأيك واراتك.. وستظرع بذرة في نفوس الآخرين، لمواصلة التغيير والتمرد على أسيجة العبودية المسلحة بالدين والعنف والمافيات الرسمية وغير الرسمية.. (من يهنْ، يسهل الهوان عليه).. فلا تعلم نفسك على الاستكانة.. ولا توافق ما يقال ويحدث.. وتحمل وزر الشرّ وفاعليه.. (3) من نتائج تعطيل العقل ومصادرته، غياب التمييز بين الدين والتدين، بين الدين والانشقاق عن الدين، بين الدين والسياسة، بين الدين والأخلاق. وأخيرا.. بين الدين والسياسة والأخلاق والحياة، وعندها، تحصل القطيعة بين اللغة ودلالاتها.. بين العناوين والمسميات وجوهر النص الانساني، الذي من أجله كان كل شيء. ولغاية رأب الصدع واصلاح الدين، -هكذا ترد في دعاواهم-، يظهر الدرس الفلسفي في فقه الدين، لاعادة تقعيد المسميات على أسس المنطق، وربط الحجة المنطقية بالقرينة. ورغم الفرضيات الفراغية التي تربط هاته بتلك، فأن جملة المقايسة هي نوع من اللهو باللغة، وادعاء المنطق القائم على الدجل أكثر من الجدل المنطقي، وكون الجمهور من عامة الناس، ممن يحضرون تزيدا في الدين أو غيره، من غير سابقة في العلوم أو المعارف العامة، فكيف بالفلسفة الاغريقية. ثمة محنة.. ثمة دوامة.. ثمة التباس وتلبيس.. عششت في الواقع الديني العربي، زادها رسوخا وفراغا ، اتساع مساحة العسس الديني والقمع الفكري، بحيث جفت منابع التفكير والتجديد والابداع. وبدل تخفيف حكم العسس والطبالين، انتشرت حملات التكفير والتشكيك في ضمائر الناس وتخوينهم، وصولا الى تكفير المفكر ووسم المثقف بالالحاد مجانا. وعلى رغم كون النسبة الأكبر من الافكار والمعلومات التي يتداولها تنابلة الدين والتدين، مستقاة من الفكر الأوربي والثقافة والمعارف العلمانية، فأن الميكافللية والديماغوجية تتمثل اليوم، في أن ما تجري به السنة الوعاظ من المعارف والثقافة العلمانية هو دين وايمان حق، وما يتداوله المثقف والمفكر في معارف وعلوم هو في باب الكفر والالحاد. لا تثريب في مناهج الممارسة المعرفية الدينية، وقد قامت من اساسها على الغرف من البئر التي يبصقون فيها، والاستعانة بالأفكار التي يتم الفتوى بقتل أصحابها وأتباعها. وإذا التقت دعاوي التسطيح العقلي والتتفيه الثقافي الأمريكية، بالتمدد الديني وملء الفراغ الطارئ، فأن استشراء التخلف والخرافات والشعوذة، نتيجة لهيمنة الدين المزيف، واتساع مساحات العاملين في الوعظ والتدين وأبواب ريائه، من باب الارتزاق والجاه الفارغ. الهيمنة الدينية الراهنة، لم تحصل في كنف ازدهار حضاري تقدمي، وانما في ظل مرحلة جمود وتخلف وارتداد فكري وحضاري، وهذا يطابق ما حصل عقب اجتياح المغول لبغداد ودمشق، وتحول الدين الى ملاذ سطحي لأسئلة الحياة والمعيشة، والتي ستمستمر حتى ظهور المطبعة والحداثة. (4) نحن لا نفكر في الموت.. نحن نخافه.. لا ندرسه.. وانما نلتف عليه ونراوغه بأدوية النسيان.. من أعراض الموت، عناية البعض بصحتهم وطعامهم وحركتهم، ومنه التزيد في المشاركة الدينية والاندماج في جماعة/ تجمع ديني، لاستحصال شيء من القناعة والطمأنينة الدينية.. بعضهم يتقمص أسلحة أخلاقية اعتقادا بأنها تحنب وتقلل من عذاب القبر.. الموت ظاهرة فيزياوية كونية، والانسان نفسه كائن فيزياوي.. تجري في داخله تفاعلات كيمياوية، تترسب منها سموم وعوارض سامة وقاتلة للخلايا.. ولما كان الانسان يتكون من جسد وعقل ونفس/ روح، فأن الموت يأتي على مستويات، يتعرض لكل واحدة من مستويات وجود الكائن. وما نعرفه هو موت الجسد/(موت فيزياوي).. لكن الدماغ لا يموت بسهولة، إلا بعد ساعات من توقف القلب.. أو توقف وصول الدم لخلايا الدماغ. موت الدماغ يتأخر عن موت الجسد بساعات.. وربما بأيام. لكن العرب والشرقيين عامة.. يقيسون الموت حسب الجسد.. فإذا بردت الأطراف وتوقف التنفس.. تنادوا للموت، وتداعوا للحفر، وقد يدفن البعض خلال نصف ساعة من ذلك، دون مراعاة استمرار العقل في الحياة. والعقل يحس ويفكر، طالما هو حي.. وفسلجة خلايا المخ على درجة من التعقيد. وليست كل خلايا المخ من نوع واحد أو على نفس المستوى من الالية والتقنية، ولذلك تستمر خلايا الذاكرة والوعي في العمل، وتسجل كل ما يجري للجسد، حتى النهاية. إذن، آخر ما يموت من الانسان هو الدماغ. ولكن ماذا يحدث للخلايا العميقة.. ماذا يحصل للوعي والذاكرة، باطن الوعي وبواطن الذاكرة.. ما يموت من الانسان هو الجسد.. مادة الجسد.. لكن الانسان ليس مجرد جسد.. ثمة تكوين آخر يدعى (نفس، روح)، لا يتكون من مادة فيزياوية أو كيمياوية.. وهي بالتالي لا تندثر ولا تموت ولا تتفسخ في التربة.. يعتقد الهنود القدماء ان النفس/ روح تنطلق في الفضاء بعد خروجها من الجسد وانفصالها عن محيطها الفيزياوي. والى هاته النفس تنتقل الذاكرة أو محتواها الارشيفي الكامل، السابق للوعي والمابعد. وينقسم الوعي الذاكراتي لثلاثة مستويات: الباطني العميق السابق للوجود، الباطني العميق قبل الولادة، الظاهري الحيوي. إذن، يموت الانسان، وتبقى الذاكرة. الذاكرة تدخل في النفس وتنطلق في الفضاء. تحوم النفس في الفضاء حتى تتلاقى بالمادة وتحل في كيان جسد آخر، وتعود للحياة من جديد.. تتكرر تلك العملية غير مرة، المعيار فيها ليس العدد، وانما مدى قدرة النفس ونجاحها في التحرر من قدرها/(كارماها). عندما تتتهي النفس من تصفية أوزارها العالقة /(حسنات- سيئات) ولا يتبقى فيها غير الخير والصلاح، تتبخر النفس وتتعطل الياتها، وتتحول الى روح خالصة.. تتصاعد في الفضاء، وتندمج بأشعة الشمس لتذوب في الضوء الهيولى، وهو ما يوصف با(لفردوس) عند الغرابوة، و(الجنة) عند المسلمين، و(الكريشنا) في العقائد الهندية. (5) روح- نفس- عقل- وعي- غريزة- جسد. روح نفس وعي عقل غريزة جسد الجسد هو آخر ما يتشكل في الرحم، وهو أول ما يموت من الانسان. ثمة حالات استثنائية، يتعرض فيها دماغ الانسان للموت، دون اصابة الجسد. فتجد الشخص محدود العقل، يتصرف مثل طفل أو حيوان، فيما جسده لا يصاب، إلا بالقدر الذي ينعكس عليه قصور اليات الدماغ، ولا يعيش هذا كثيرا. لكن موت الجسد السريري، لا يعني موت الدماغ، إذا استمر تأمين وصول الدم للخلايا. واليوم يمكن تشغيل القلب - اليا- إذا كان الدماغ بسلام. وهذا يعني تفكيك اليات الموت، وانزاله من سلطة السماء إلى سلطة الأرض. لكن السؤال هنا، كم مليون/ بليون بشر تم -قتلهم صبرا- ، ولم يمنحوا زمنا كافيا لتحقق موتهم عقلا وجسدا، وليس أحدهما. وقد دفن كثيرون جراء اعرضهم للاغماء الموقت، القصير أو الطويل. وفي عالم الغرب، استمر بعضهم في الاغماء عقدين وثلاثة، ليصحو مجددا؛ ولو كانوا في بلاد العرب، لأولجوا في الحفرة وطمّوهم فيها، بلا تفكر أوتعقل. فالحديث عن عذاب القبر وما تشكل حوله من أساطير، هو جراء حوادث دفن أنصاف أموات، ، أو ضحايا اغماءة أو غياب وعي مؤقت، فيصرخ المسكين داخل قبره، وقد استرد وعيه وشعوره، ولكن هيهات!.. وثقافتنا الشرقية تعتبر المقابر مساكن للجن، وما يصدر عنها فهو قبائل من الجنّ والشياطين، حتى يقطعوا بين عالم الأحياء، وقتلى المدافن. (6) يهتم الناس بالظواهر والتوافه من المنظور.. وتاج الاهتمامات هو الجسد. الجسد وما يخصص له من ادوات تنظيف وتعطير ودهون وثياب فوق ثياب، مختلفة النوع والمادة والوظيفة، حتى كان التنابز والمباهاة بالثياب، في مقدمة المباهاة والتمايز بين البشر. وللملوك ثياب تميزهم بها، وللكهنة ثياب يتميزون بها، وللاغنياء ثياب يتميزون بها، ولرجال الدولة والبرلمان ثياب يتميزون بها، ولقادة الجيش والبوليس وأتباعهم ثياب وثياب وثياب مميزة، وللفقراء والبروليتاريا ثياب العري. وفي افريقيا واستراليا وأميركا الجنوبية، لم تعرف الثياب بين السكان حتى اواسط القرن التاسع عشر أو العشرين.. وفي المجتمعات الدينية يعتبر العري من المحرمات والمعايب ، بل ان المبالغة في الثياب كالحجاب الديي والنقاب البدوي، يترتب عليه عقوبات دينية، هي في أصولها زيف ورياء، واستبداد بشري مريض. سطحية الوعي ترفع الاهتمام بالجسد والظاهر فوق مستوى الاهتمام بالنفس والعقل. الاهتمام بالنفس هو الزهد والتعفف عن التوافه وغير الضرورات. والاهتمام بالعقل هو البحث والتأمل والتعقل والتنزه عن مسالك الغريزة. فمن مظاهرثقافتنا السلبية، المغالاة في أمور الحياة، وسيما سطحياتها، مقابل فقر شديد في الجانب الآخر من الميلاد، وتجنب النظر في الموت والتأمل فيه، كجزء من فهم الحياة. ان من الغريب، سطحية التعبير عن الموت ، والتعويل على المنظور الديني السائد، ولليوم لا توجد بدائل لعبارات: (انا لله وانا اليه راجعون)، (هم السابقون ونحن اللاحقون)، (البقاء لله وحده).. ان حياة الانسان ملك له وحده.. ولا سلطة لأحد ما عليها.. ولكن واجب الانسان ان يفهمها، ويفهم أسسها وما يدور فيها.. لكن الانسان ما زال ينظر للحياة كتحصيل حاصل، ولا يكاد يهبها شيئا من تفكيره وعنايته، كما ينفق عنايته لحيثياتها الزائلة، كالثياب والطعام والمال والوظيفة.. غياب التفكير والجدية والتعمق في أساسيات الوجود، وراء وسم الشرق بالسطحية والسذاجة والتبعية الدينية/ الحزبيات الجاهزة.. الانسان مدعو/ ملزم بالتفكير.. التفكير الحر.. وليس الهروب والمراوغة والادانة والتكفير. (7) بالمنظور الوجودي.. يبدو دور الفرد في ميلاده، أمر متأخرا عن زمنه.. لكن ما يعوض ذلك، هو الموقف من الموت، الذذي يبقى غالبا سؤالا اشكاليا وموقفا حرجا، لتعويض العلاقة بالعالم.. الولادة فعل سلبي بالنسبة للانسان.. لكن الموت بالامكان قلب معادلته ومنح الانسان دور البطل أو الفاعل في تقريره.. لقد لعبت الانظمة الاجتماعية والدينية دورها الفاعل، لاخضاع الناس لمناهجها الخاصة.. ولم يكن للفرد تلك الحرية في التصرف بذاته، ومفارقة المنظومة السائدة.. استمرار سطوة الانظمة الحاكمة، كان قرينا بقدرتها على النجاح في تلبية حاجات السكان، وتأمين الأمن والاستقرار والسلام.. لكن النظام الحاكم فقد القدرة على اداء واجباته التقليدية في خدمة السكان وضمان الامن العام والاستقرار.. وثمة، فقدت الدولة والدين جدارة اتباعهما أو الخضوع لهما وخدمتهما.. الدولة والدين والحزب وكل العناوين المماثلة، لا تستحق ان يبذر الانسان حياته ويهدر وقته وامكاناته لأجلها.. ويبقى سؤال: لما ينبغي أن أعيش في ظل نظام فاسد.. فكرة فاسدة.. منظومة مضطربة.. أو تكون ذيلا في سلسلة طويلة رأسها بيد جهة ما في نهاية الأرض.. الانسان هو محض وجوده.. وليس ملحقا تابعا لخدمة جهة تختزل كيانه لأغراضها.. هل الانسان سيد حقا.. فليكن سيدا في كل شيئا.. من يرى نفسه عبدا، فليعش عبوديته للجهة التي يراها.. ومن يراوغ بين هاته وتلك، فذلك شأنه.. الانسان مسؤول، واعٍ، ولا بديل لحريته!..
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقامات تونس (3)
-
مقامات تونس (2)
-
مقامات تونس/1
-
احذر السمنة.. ولا تتبع الريجيم (5)
-
احذر السمنة.. ولا تتبع الريجيم..! (4)
-
احذر السمنة.. ولا تتبع الريجيم..! (3)
-
احذر السمنة.. ولا تتبع الريجيم..! (2)
-
احذر السمنة.. واتبع الريجيم..! (1)
-
قصائد من متحف العري..
-
رواية (كركجورد العراقي) لوديع العبيدي تفوز في مسابقة منف الع
...
-
دُخانُ المَعابدِ
-
فَتاةٌ تخْرُجُ مِنَ المَدْرَسَةِ..!
-
الذكرى العاشرة لرحيل محمود درويش..
-
في علم اجتماع الجيولوجيا..
-
العولمة: اشتراكية بزاوية مقلوبة!..
-
ما قبل اللغة..
-
عولمة الخناثة (2)
-
عولمة الخناثة..
-
دارون والعنصرية الانجلوميركية..
-
دولة بلا أخلاق/ Amoral State
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|