بقلم الكاتب منصف الإدريسي الخمليشي
الحوار المتمدن-العدد: 6204 - 2019 / 4 / 18 - 23:09
المحور:
الادب والفن
يوم مظلم , في عاصفة مسحوبة بثلوج لونها ليس أبيض , في آخر أيام الأسبوع , يوم الأحد , كان أبو بكر يلعب و يلهوا بمسدسه و سيفه رفقة أسامة و هما لا يتجاوزان الربيع الخامس , حيث عاشوراء و فترة اكتشافات الطفل , أبو بكر له أب رجل دين يدعى المفضل , ظل ينصحه و يعظه كلقمان الحكيم لابنه , زوجة المفضل تملك بعض الألعاب النارية تمنحها للأطفال من أجل اللعب بها .
أبو بكر , أسامة , صديقين كالإخوة , حيث شاءت الأقدار أن يولدا بنفس المستشفى كما أنهما يقتسمان اسم الأم " ليلى تمنح لكل طفل ألعاب تنمي لدى الطفل أفكار سلبية لا محالة , ذات يوم أبو بكر و أسامة يلعبان أمام بيتهما الراقي , في ذاك الحي الشعبي المغمور بكل الأحاسيس السلبية , اشتد خصام بين الصديقين أسامة و أبو بكر فكان يوم زمزم , كان يحمل أسامة علبة ماء حارق , ألقى به على وجه الفتى الفتي الذي يعج بالأماني و وجهه الوسيم , فضاعت أحلام طفل فظل خلقة و عالة , لكنه لم يستسلم حيث قال و هو في أشد الغضب أبو بكر صديقي بل أخي ليس هذا الخصام هو الذي سيغير ميزان صداقتنا التي انطلقت من مستشفى ولادة , نتقاسم نفس البيت و سنتقاسم نفس الأهداف , فسيفي و مسدسي ليس لحبيبي بل للعدو الذي سيلاحقني و إن لم يكن فسأصنعه و لو تحمل ذلك خسارة الفائزين الأم ليلى تسمع هذا الكلام المنطقي واللامنطقي , حيث من الصعب أن ينطق الفتى الفتي بكلام كهذا , و لا يتخذ أي إجراء ضد صديقه , فقد مثل أسامة بقوله هذا الصداقة في أبهى تجلياتها , لكنه يشحن بفكر ظالم لأناس أبرياء .
أسامة و أبو بكر توطدت علاقتهما أكثر فأكثر و ظل الأب الملقب بالبغدادي , ابن الأردني الهاشمي , يعلم الأطفال الصغار أساليب الدفاع عن النفس , مرت الأيام , رافق الطفلين أصدقاء آخرون و في أيام عاشوراء و شهر محرم يلعبون , حيث لكل منهم لعبة فمنهم من يمتلك المسدس و منهم من له القنبلة و كذا البندقية و السيف , أطفال يشحنون بفكر أخرس , و هم لازالوا في الربيع السادس , صار الطفلين أطفال و صارت الفكرتين أفكار و صار الأبوين آباء , لعبة تجول و تحوم بينهم , ها هم في اللهو الآن و الشحن الغير مرغوب فيه .
الأطفال العشرة البررة في يوم من الأيام يتسكعون بين دروب الحي الراقي الشعبي , يطرقون الأبواب و يفرون بالهروب , فكان الإمام العاقل , الذي يرعى الأطفال , و يعظهم يحاول الرشد و النصيحة فأجاب أحدهم النصيحة أولى للناصح " استغرب العم المدني الذي يحب الخير لكل سكان الحي خاصة منهم الناشئة , يتساءل ما الذي جعل هؤلاء الأطفال بهذا السلوك ؟ و من يؤيدهم ؟
عاد الصغار لبيت أبو بكر , ليلعبوا فجأة وجدوا شاشة التلفاز بها بعض المسلسلات الكرتونية فشاهدوا و أدمنوا المشاهدة , حتى ظلوا يشخصون بعض الأدوار الكارتونية في الشارع العام , مرة خصام مرة بكاء و أخرى مزحة و غبطة .
بعد شهور التحقوا بصفوف الدراسة , أبو بكر و أسامة ظلوا أصدقاء و درسوا معا , فتعلموا أشياء نبيلة و أخرى شحن لأفكار خبيثة , عند الانتقال للمرحلة الإعدادية , درسوا أفكار لينين و هتلر السلطوي العنيف , كما أنهم تأثروا أكثر فأكثر عندما درسوا مواقف الفلسفة التي تشير إلى أن العنف طبيعة بشرية لا مفر منها , في مدة اثنتا عشر سنة من الدراسة .
تولدت لهم أفكار مبنية على ما درسوه و ما عاشوه منذ الطفولة , حصل العشرة على شهادة البكالوريا , سافر بعد ذلك أسامة لدولة سوريا ليدرس تاريخ العرب هناك بإحدى الجامعات , حيث قرر أن يصير مؤرخ و يصنع اسم خاص به , ذهب الشاب إلى هناك وجد الأرض خالية من المشاكل و الضغوطات , فدرس هناك , عرف أشياء غير ما عرفها , صاحب رفاق لهم انتماء دعوي , فانخرط معهم بعدها أصبح القائد , إنه أسامة الشاب الذي تربى تربية منحرفة , أصبح يميل و متأثر بالفكر الثوري و المليء بأفكار مغلوطة , استمدها من الألعاب التي كانت هناك بوطنه من أسلحة بلاستيكية و أفلام رعب و كرتونيات , مات أسامة بإحدى العمليات الانتحارية رفقة جماعة متطرفة أسسها رفقة بعض الشبان التابعين للنظام , فجاء أبو بكر بناء على وصية كتبها قبل العملية , فتولى منصب القيادة بهذه الحركة المتطرفة , ليغير الأهداف من التكفير إلى التسليم , فرسم خططا لجلسات دعوية , فحاضر بجامعات عربية , كما أنه فكك التنظيم المتطرف , داعيا من المولى عز و جل أن يغفر لأسامة , فقال قولة في صغره التي جعلت الكل يتخوف , لكن فكك الحركة ليؤسس أخرى ذات أهداف أعمق مما كانت عليها , حيث نفذ و خطط لعمليات تستهدف الأدمغة فصار إرهابيا يروج أفكاره بمنصات العالم الالكتروني فانخرط العديد بالحركة , حيث تربى الكل على حكايات كرتونية بها أسلحة و نار و قنابل بالإضافة إلى البرنامج التعليمي و سوق الألعاب التي لا تتوفر على ألعاب تنمي إدراك الفرد و لا فضاءات لفضح المشاعر النائمة .
للإطاحة بهذا القائد رصدت المبالغ , مدافع و أسلحة ذات العيار الثقيل , ميزانية أمريكا على ستة و كوريا على عشرة , فبفضل الجهود ألقي عليه القبض , لكن قبل الاعتقال قال :
أنتم من جعلتم لي فكرا كهذا , منذ الصغر رأيت والدي يتخاصمان , أبي يضرب أمي , في المدرسة الأستاذ يعنف التلميذ , في التلفاز مسلسلات كرتونية تتقاتل فيما بينها , في الشارع ألعاب مدمرة , كما تدمر عقلي أردت تدميركم , أنتم من أطحتم بحضارة كان من المفروض أن تتوسع فكرا لكنها توسعت كفرا
, فالطفل أسامة مات , أبو بكر اعتقل , أما الثمانية الآخرون لم يرحلوا من بلدهم حيث تأسست جمعية بالحي الفني للمدينة , حيث كون , وسام و خولة و دنيا و فاطمة الزهراء و ماريا و إشراق , مصطفى , إلهام , فتكون آلاف الشباب و عرفت المنطقة بالفن و الأدب و الكتابة و الفن , حيث عرف وسام بالكتابة المناهضة للألعاب النارية و البلاستيكية التي تربي الفكر المتطرف الثوري , فظل حياته كلها يناضل من أجل عدم إدخال هذه الألعاب للوطن , فنجح مخططه الأدبي , كما قامت خولة و دنيا و إشراق و فاطمة الزهراء و ماريا بتعليم الفتيات , بعض الحرف النسائية كالطرز و الخياطة , حفاظا على شرفهن حيث , كانت دنيا هي الأخرى تحارب المسلسلات الرومانسية التي تبلغ رسائل سلبية و تشحن الفتاة , و تعطيها فكرة العهر المجاني المسموح به , فنجحت دنيا في تبليغ رسائلها الرائعة , حيث منعت المسلسلات الغير مفيدة من هناك , أما الفتيات الأخريات عملوا على تأسيس جمعية لمحاربة الأمية , فكانت هذه هي الحياة المفقودة المولودة , التي لم يريدها أحد فجادت بها خواطر شباب طموح , إنها سكيزوفرينيا إرهاب في وطن , لعلهم يعقلون .
#بقلم_الكاتب_منصف_الإدريسي_الخمليشي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟