|
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 102 )
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 6198 - 2019 / 4 / 11 - 21:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بداية سقوط الفلسفة من الجانب التاريخي، يمكننا ان نقول ان هذه المدرسة من حيث الكتابة فانها ابتدات بكتاب ( الرسالة) للشافعي و تجسدت بشكل نهائي عند مجيء احمد بن حنبل بكتابة العقائد الاسلامية المتينة ( الارثودوكسية) في مواجهة مباديء الشيعة و المعتزلة و الجماعات العقلانية و الباطنية الاخرى، وبعد ذلك نتيجة الضربات المميتة المستمرة للمدرسة الدينية العقلية ذاتها طُلقت و اخرجت طاقة نشطة من الثقافة الاسلامية، ان الراي السائد حول نهاية الفلسفة الاسلامية في الثقافة الاسلامية و سقوط العقل الفلسفي، هو ان الغزالي وهو شافعي اشعري صوفي في القرن السادس الهجري انهى الفلسفة بضربة قاضية. و بالاخص في كتابه المشهور (تهافت الفلاسفة). انه في مؤلفه هذاو بالاعتماد على العقل الديني الفقهي بين سفاهة و خواء الفلاسفة و الفلسفة بذاتها، علاوة على بيان اعوجاج و عدم تكامل الفلسفة على ان تقدر ايصال حقيقة الاشياء الينا. و في الوقت ذاته، انه حسب العمل الفلسفي بفعل البدعة و الكفر والحرام. ان هذه الفتوى للغزالي في عصره و كان مديرا للمدرسة الدينية ( النظامية) في بغداد، و اصبح عاملا لتراجع العمل الفلسفي بقرار السلطة العباسية، و في النتيجة كما قلنا طلاق العقل في الثقافة الاسلامية، ان هذا التوجه كان له المؤيدون المثيرون عند الباحثين، ويعود مصدره التاريخي لمسشترق من امثال ( رينان) في القرن التاسع عشر. و لكنه كان هناك شخص قد عمل عن برهانه و تحليله و حتى تصديقه بشكل موسع جدا، و هو الجابري في مشروعه الانتقادي حول العقل العربي الاسلامي ايضا. و في المقابل كانت هناك اشخاص و يوجد لحد الان من يعتقدون على الرغم من التاثيرات السلبية لفتاوي الغزالي على التنمية العقلانية الاسلامية و كان لتلك الشخصية و فتاويها دورا في تراجع الفلسفة في البيئة الاسلامية، و لكن الفلسفة لم تنته نهائيا بمجيء الغزالي و لم يكن البطل الكبير يقدر ان يسقط جسد الفلسفة ارضا بضربة واحدة, وحتى الغزالي بنفسه وقع تحت تاثير توجه ما هو ضد الفلسفة بهذه الفتوى و كان جزءا من تلك الحرب التي اشعلتها الفقهاء ضد العقلانية الاسلامية مسبقا، و الذي ازداد لهذ الحرب دعما من قبل السلطة في عصر المتوكل.. ان اقدم مصدر الذي انتقد هذا الخطا المنهجي، المستشرق الكبير ( دي بور) في القرن التاسع عشر و طرحه في كتابه المهم ( تاريخ الفلسفة في الاسلام). انه علاوة على انه يعتقد ان الفلسفة الاسلامية لا شيء عدا تفسير و تحليل الفلسفة اليونانية، فيقول عن فتوى الغزالي (يقال مرات عديدة ان الغزالي قد انهى الفلسفة في الشرق نهائيا، و الذي لم يبق بعده اي شيء لها، و لكن هذا احتمال خاطيء، و الدليل هو الغفلة عن التاريخ و عدم فهم حقيقة الاحداث ( 20). لان عند دي بور، من الصحيح ان ضربة الغزالي كانت قوية و موجعة للفلسفة، لانه من جانب لم يكن هناك شخص قبله يهاجم الفلسفة بذلك الشكل الموسع ( 21) و كذلك فيه اجوبة الغزالي للفلاسفة و الفلسفة و العمل الفسفي( 22). و لكن بعد الغزالي بقيت الفلسفة و ان كانت بشكل غير رسمي و اصبح الغزالي بنفسه احد عناصر العمل الفلسفي. بهذا الشكل فان دي بور يعتبر بقاء الفلسفة في الفضاء الاسلامي و ما كان يقصده هنا هو الكلام الاسلامي و بشكل خاص الشكل الاشعري منه مابعد الغزالي هو دليل القوي لبيان ضعف هذا التوجه. و على العكس ان الطرابيشي على الرغم من موافقته على عدم قتل الفلسفة على يد الغزالي، الا انه راى الوثائق و الدلائل لذلك قبل الغزالي. و عند الطرابيشي فان هذه التفسيرات التي تدعي ان الغزالي انهى الفلسفة الاسلامية بفتوى واحدة نهائيا، والرغم من تبسيط مشكلة عميقة و معقدة، في الوقت نفسه هو عدم رؤية الحقيقة المعقدة و الملتوية. تصور الفلسفة في الحضارة الاسلامية كمخلوق غريب و خارجي و التي يمكن ان تنتهي بضربة و فتوى واحدة ، انه جزء من النظرة الاستشراقية في العصر الحداثة كما صوّررينان الفلسفة الاسلامية كبدعة مؤقتة و ضيف يوناني في الثقافة العربية الاسلامية البدوية. لذا في اول مواجهة و تصادم هذه الثقافة الفكرية اليونانية مع اول كتاب ديني، فانه تطرحها ارضا و لم تنهض مرة اخرى. الا ان الحقيقة هي ان الفلسفة قد مرت و انقلعت، ليس بوقاة مفاجيء و شديد، و انما قبل ان يضربها الغزالي بضربة قاتلة (23). عنده، فقد كُفرت و مُنعت الفلسفة قبل ظهور الغزالي و نتيجة ضريات الفقهاء و الصراع الطويل العريض و بمشاركة السلطة العباسية، وبالاخص المتوكل في القرن الثالث الهجري و بعده ( القادربالله) في القرن الخامس الهجري. ظهور النخبة من اهل الحديث و تقوية اتجاه المدرسة النقلانية في الثقافة الاسلامية اقبر الفلسفة و هي حية، و هذه عملية استغرقت مئات السنين و لم تكن شيئا مفاجئا، و انتهت هذه المرحلة بمجيء (القادر بالله) و تحت تاثير رجال الدين الحنابلة نهائيا، وابتدا عصر اهل الشرع و الفقهاء بدلا عنهم. باختصار ان عصر هذه الخليفة هو عصر المقاومة القوية و المميتة لسلطة الخلافة بدعم فتاوي الحنابلة، و الذي استغرق تقريبا قرنا من الزمان، مرّ التيار العقلاني و الترجمة و النتاجات الفكرية الاسلامية باسوا مراحله، و كما يقول الطرابيشي في المجلد الثاني من كتاب ( الهرطقات) وفي نهاية القسم ( من قتل الترجمة في الاسلام؟) يقول ؛ بعد هذه الخليفة لم يُترجم كتاب واحد فقط في الحضارة الاسلامية. ان المصدر الاول لهذا القتل البطيء هو تقونن العقيدة الارثودوسية الاسلامية و تاسيسها، و بداياته تعود الى ( احمد بن حنبل 241 / 290)، هنا يجب ان نقول كما بدات ترجمة المؤلفات الفكرية و العلمية الاجنبية كجزء من التنمية العقلانية الاسلامية، وبعكسه، كان ضعف و نهاية الترجمة جزءا من من سيطرة خطاب اهل الحديث و الفقه، و الذي واجه جمع الفكر العقلاني التكفير و منعه، و لم تبدا تلك الهجمات و المقاومة العقلانية الاسلامية بحنبلي و بدون شك انها كانت اقوى ضربة بل الضربة المميتة ايضا على يد هذا المذهب، وكما كان الحنبلي اول شخص واجه اهل الكلام بقوة، وبعده الحنابلة ك (عبدالله الانصاري توفي 481) في كتاب (ذم الكلام) و (ابن قدامة المقدسي توفي620) في كتاب ( تحريم النظر في كتب اهل الكلام) فان العديد من الحنابلة هجموا بشدة هذا التوجه الاسلامي ( 24).
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 101)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 100)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 99)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (98)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 97)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 96)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 95)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 94)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 93)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 92)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (91)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (90)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (89)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 88)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (87)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 86)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (85 )
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (84)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (83)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 82)
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|