ابرام لويس حنا
الحوار المتمدن-العدد: 6197 - 2019 / 4 / 10 - 18:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حدث حوالي سنة ثلاثين للميلاد أن بدأ شخص اسمه يسوع المولود من مريم العذراء، بالتبشير باقتراب ملكوت الله. واعتبر نفسه ابن الله وأنّه الطريق إلى الحياة الأبديّة وإلى الخلاص. فأخذ يجوب القرى في فلسطين ومعه تلاميذه وحواريّوه الاثنا عشر معلنا تعاليمه إلى الجميع. وقام بعديد المعجزات كإبراء المرضى والعميان والمشي فوق الماء وإعادة الحياة إلى الموتى. فاتّبعه خلق كثير، لكن بعض اليهود من أصحاب السلطة كادوا له كيدا فقبض عليه الرومان وعذّبوه ثمّ صلبوه فمات على الصليب، لكنّه قام بعد ثلاثة أيّام وعاد إلى الأب "الله" وبقيت تعاليمه التي بشّر بها أتباعه.
أغلب المعلومات التاريخيّة، إن لم نقل كلّها، عن يسوع، وصلتنا من طريق الأناجيل ورجال الكنيسة، وهو ما دفع عديد الباحثين إلى التشكيك في صحّة هذه الروايات التي يحكمها الطابع الدينيّ، وحاولوا البحث عن يسوع التاريخيّ الذي عاش في بدايات القرن الأوّل من الألفيّة الأولى، وكيف ولد وأين عاش وماذا فعل وهل هو حقّا ابن الله والمخلّص؟ هل هو المسيح المنتظر؟ هل هو مجرّد نبيّ؟
لكن الأبحاث التاريخيّة، خارج روايات الأناجيل، زادت المسألة تعقيدا بدل حلّها، وازدادت حياة يسوع غموضا وضبابيّة، فلسنا نملك مراجع تاريخيّة محايدة معاصرة ليسوع (أو عيسى حسب التسمية القرآنيّة) تفيدنا في تقصّي ولو خيط ضئيل عن حياته ناهيك عن المراجع الأركيولوجيّة.
وقد كان أكثر من مؤرّخ رومانيّ ويهوديّ معاصرا لتلك الفترة، ورغم ذلك لم ينبس أيّ منهم ببنت شفة، كأنّهم لا يعلمون شيئا عن ولادته المعجزة من عذراء وعن تعاليمه التي أسّست ديانة عالميّة وعن قصّة صلبه ثمّ قيامته من بين الأموات، فهذا الصمت المريب لهؤلاء المؤرّخين دفع عديد الباحثين إلى إنكار وجود يسوع واعتباره صناعة مسيحيّة متأخّرة قائمة على رؤية دينيّة تؤسّس للخلاص والفداء باعتماد شخصيّة وهميّة.
واعتبار يسوع شخصيّة وهميّة هو أمر له ما يسنده تاريخيّا، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر عدد المؤرّخين المعاصرين له أو الذين جاؤوا بعده مباشرة، ولم يذكروا قصّته ولو عرضا :
1- المؤرّخ الروماني Valerius Maximus مولود في أواخر القرن الأوّل قبل الميلاد ومعاصر تماما ليسوع وكتب كتابا باللاتينيّة مكوّنا من تسعة أجزاء بعنوان (أقوال وأفعال خالدة)(1)
2- الكاتب الروماني Pétrone مولود بين سنتي 12 و17 ميلادي كتب مسرحيّة هزليّة ساخرة بعنوان Satyricon ومشكوك في نسبتها إليه.(2)
3- الفيلسوف اليهودي Philon d’Alexandrie عاش بين سنتي 12 قبل الميلاد و54 بعد الميلاد، كتب عشرات الكتب وروى الأحداث التي وقعتْ في فلسطين، ورغم ذلك لم يذكر شيئا عن يسوع.(3)
4- الشاعر اللاتيني Perse مولود سنة 34 ميلادي.
5- الكاتب الروماني Sénèque عاش بين سنتي 4 قبل الميلاد و65 بعد الميلاد، كتب عشرات الكتب (4) ونُسبتْ إليه بعض الرسائل المزوّرة بينه وبين "بولس" نعرف اليوم عدم صحّتها (5) فينضاف هذا الفيلسوف إلى قائمة شهود العيان المحايدين الذين لم يسمعوا بيسوع.
6- الشاعر الروماني Lucain مولود سنة 39 ميلادي، وصلتنا من كتاباته ملحمته المشهورة بعنوان (Pharsale) وهو اسم مدينة، تعرّض فيها إلى الحرب بين يوليوس قيصر والجنرال بومباي في القرن الأوّل قبل الميلاد.(6)
7- الموسوعي الروماني Pline l Ancien (23 قبل الميلاد-79 ميلادي) وصلتنا، من كتبه، موسوعته الضخمة المؤلَّفة من سبعة وثلاثين مجلّدا (7) بعنوان "التاريخ الطبيعي" (Naturalis Historiae) وقضّى خمس سنوات في فلسطين (من 65 إلى 70 ميلادي) ولا يذكر كلمة واحدة عن يسوع.
8- رجل البلاغة اليوناني Dion Chrysostome (حوالي 30-116 ميلادي) (8)
9- الشاعر الروماني Stace مولود حوالي 40 ميلادي.(9)
10- رجل البلاغة والبيداغوجيا Quintilien (القرن الأوّل الميلادي) (10)
11- الشاعر الروماني Flaccus (القرن الأوّل الميلادي) (11)
12- الشاعر والسياسي الروماني Silius Italicus (القرن الأوّل الميلادي) (12)
13- الفيلسوف اليونانيّ Plutarque (46-125 ميلادي) لا يعرف شيئا عن يسوع هو الآخر وخاصّة في كتابه "الحياة المتشابهة للشخصيّات المشهورة".(13)]
وكذلك Juvénal وCassius Dion وPausanias و Juste de Tibériade الخ...
كلّ هؤلاء الكتّاب، وبعضهم كان ينبغي أن يذكر حتما يسوع، لا يعرفون شيئا عن مؤسّس المسيحيّة ولا قصّة ولادته وصلبه وقيامته، لكن الكنيسة اليوم تشير إلى أنّه مذكور عند مؤرّخين آخرين معاصرين وهو ما سنتناوله في الفصل القادم.
وينقسم الباحثون المختصّون في تاريخ المسيحيّة إلى خمس نظريّات:
1- النظريّة التقليديّة: يسوع هو المسيح وهو ابن الله، وكتب سيرته أشخاص كانوا شهود عيان بإلهام من الروح القدس.
2- النظريّة العلمانيّة: يسوع الموجود في الأناجيل يتشابه مع يسوع الحقيقيّ الذي عاش في بداية القرن الأوّل الميلادي، إلاّ في بعض الإضافات الأسطوريّة التي أدخلتها الأناجيل عليه، كولادته من عذراء ومشيه على الماء الخ..(14)
3- النظريّة الاستنباطيّة: يسوع وُجد فعلا، لكنّه ليس مطلقا الشخص الذي ذكرته لنا الأناجيل، بل كان يهوديّا ثائرا.(15)
4- النظريّة المتروّية: لا نستطيع أبدا معرفة ماذا حدث، حيث أنّ الأناجيل قدّمت لنا شخصا أسطوريّا.(16)
5- النظرة الماديّة: يسوع لم يوجد، ولا نملك وثيقة تاريخيّة -خارج الأناجيل- تؤكّد أو حتّى تشير إلى وجوده كشخصيّة تاريخيّة عاشت فعلا.(17)
تحليل النصوص التاريخيّة:
يزعم المدافعون عن وجود يسوع المسيح باعتباره شخصيّة حقيقيّة تاريخيّة أنّه مذكور عند مؤرّخين وكتّاب معاصرين له أو متأخّرين عنه خارج الكتابات المسيحيّة، وهو ما يعطي كتاباتهم مصداقيّة تاريخيّة بوصفهم يكتبون من وجهة محايدة غير محكومة بالرؤية الدينيّة، وسنتعرّض في الفصل الحالي لهذه النصوص بالنقد والتحليل.
المسألة الأولى : تذكر الأناجيل كسوف الشمس أثناء صلب يسوع إذ يشير "مرقس". (18) قائلا: (ولمّا كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلّها إلى الساعة التاسعة (...) فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح. وانشقّ حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل) [إنجيل مرقس 15، 33-38] هذا الكسوف لا يذكره أيّ مصدر تاريخيّ آخر معاصر لتلك الفترة، لكنّ الكنيسة تشير إلى أنّه مذكور عند Thallus في القرن الأوّل الميلادي. وهو نصّ ذكره يوليوس الإفريقي من القرن الثالث الميلادي جاء فيه: (طاليس ذكر في كتابه الثالث في التاريخ أنّ الظلمة التي حدثت كانت بسبب كسوف الشمس.) (19) لم يصلنا كتاب طاليس ولم تصلنا أيضا شهادة يوليوس الإفريقي نفسها وإنّما ذكر هذا النصّ يوسبيوس القيصري (المعروف بكنية "المدلّس") عن يوليوس الإفريقي عن طاليس. ورغم تأخّر كتابة هذا النصّ (حيث أنّ يوسبيوس القيصري عاش في القرن الرابع الميلادي) فلا شيء يجعلنا نركن إلى صحّة ما ذكره وخاصّة أنّه يكتب من منطلق مسيحيّ فيحاول تدعيم كلام الأناجيل بحقائق تاريخيّة، وغنيّ عن القول أنّ عدم ذكر هذا الكسوف عند مؤرّخ آخر أمر يدعو إلى التعجّب، فإنّنا سنسلّم -تجاوزا- بصحّة هذه المعلومة ونعتبر أنّ طاليس ذكرها فعلا، فما الذي نستخلصه منها؟ لا شيء، سوى أنّه حدث كسوف. فما الذي يمنع أنّ كتبة الأناجيل ركّبوه على حادثة صلب يسوع؟ أيّ أنّه حدث كسوف عاديّ كما يحدث دائما، ثمّ، وأثناء كتابة الأناجيل، ربطوه بقصّة يسوع لإضفاء معجزة أخرى عليه. فهذه الشهادة لا تذكر شيئا عن يسوع ولا تربط حادثة صلبه بظواهر غير طبيعيّة وإنّما تذكر فقط حدوث كسوف للشمس. وهو ما يمكن أن نسمّيه "التركيب- التاريخ -أسطوري" وهو ذكر ظواهر طبيعيّة حقيقيّة وتركيبها على شخصيّة أو أحداث وهميّة لإعطائها شرعيّة تاريخيّة.
المسألة الثانية : ذكر الكاتب الروماني Suétone في كتابه "حياة اثني عشر قيصرا" في الفصل الذي يتعرّض فيه للإمبراطور كلود: (بما أنّ اليهود لم يتوقّفوا عن إثارة الفوضى بسبب تحريض من يُسمّى Chrestus فقد قام [أي كلود] بطردهم من روما.) (20) هذا النصّ مكتوب حوالي سنة 120 ميلادي، فهو متأخّر وليس معاصرا وكانت المسيحيّة قد بدأت بالانتشار الطفيف، بيد أنّه يشير إلى الأحداث التي وقعت سنة 49 ميلادي ولا أحسب أنّ يسوع كان حيّا في ذلك التاريخ حيث أنّه توفّي أو صلب سنة 30-33 ميلادي -حسب الأناجيل- ولا يمكنه أن يكون حاضرا ليحرّض على الفوضى، والأهمّ هو التالي : هناك فرق بين Christus و Chrestus فالأولى تعني المسيح أو ’’الممسوح’’ بينما الثانية [و التي يذكرها سيوتان هنا] تعني ’’الطيّب’’ وهناك من كان يحمل هذا الاسم مثل نائب المحافظ Ulpien الذي كان اسمه Chrestus فهو اسم مشهور نراه بكثرة في النقوش اللاتينيّة، فلا شيء يمكّننا من استخلاص شيء عن يسوع من هذه الشهادة. ويذكر سيوتان نصّا آخر في "حياة نيرون" جاء فيه: (قام [أي نيرون] بتعذيب "المسيحيّين= Christiani" وذلك أنّهم جاؤوا بخرافة جديدة وخطيرة.) (21) نلاحظ هنا كيف يذكر Christiani وليس Chrestiani بعكس النصّ السابق و نفهم أنّه يقصد "المسيحيّين" لكن ما الذي يثبت أنّه يقصد المسيحيّين الذين يؤمنون بأنّ المسيح هو ابن الله و الله، وأنّه صلب على الصليب الخ..؟ بل يمكننا أيضا أن نقول أنّه يقصد المسيحيّين بمعنى ’’المسيانيّين’’ وهم اليهود الذين ينتظرون المسيح وانبثقت منهم حركة مسيانيّة تترقّب ظهور المسيح المحارب ملك اليهود والذي سيعيد مجدهم، وهم ينتظرونه منذ فترة، لذلك هذه الحركة هي حركة "خطيرة" كما وصفها سيوتان، لكن المسيحيّة التي نقرأ في تعاليمها (من ضربك على خدّك اليمن أدر له خدّك الأيسر) ليست حركة خطيرة إطلاقا، بينما "المسيانيّة" (Christiani) هي حركة حربيّة خطيرة تهدّد استقرار الرومان في فلسطين، وعلى كلّ حال [ومهما تعدّد التأويل] فلا شيء نستخلصه عن يسوع المسيح وقصّة حياته وهي التي تهمّنا في هذا البحث، وكان يمكن لسيوتان أن يذكره لنا إن كان فعلا كما روته الأناجيل.
المسألة الثالثة : يذكر المؤرّخ الروماني Cornélius Tacite حوالي 117 ميلادي: (لقد اشتُقّ اسم المسيحيّين من المسيح Christos الذي حوكم أثناء حكم تيبريوس قيصر، بأمر من الوالي [النائب] بيلاطس.) (22)ويذكر النصّ اضطهاد الإمبراطور "نيرون" المسيحيّين وإحراق روما ويشير "رجال الكنيسة" إلى أنّ "تاسيت" اعتمد الأرشيف الروماني لكتابة تاريخه.
وبغضّ النظر عن تأخّر كتابة هذا النصّ حيث لا يُعدّ وثيقة تاريخيّة معاصرة للأحداث فإنّ عديد الباحثين (23) يرون أنّ هذا النصّ مدلّس وكتبه أحد الناسخين المسيحيّين في القرون الوسطى ونسبه إلى "تاسيت" وذلك لثلاثة أسباب:
1- لم يذكر النصّ رجال الكنيسة الأوائل مثل Origène أو Tertullien أو Clément d Alexandrie رغم معرفتهم بكتابات "تاسيت" وبحثهم عن كلّ ما يدعّم أطروحاتهم ضدّ أعدائهم من غير المسيحيّين، ولكن وفي القرن الحادي عشر -وفجأة- صار هذا النصّ موجودا.
2- النصّ يحتوي على خطأ تاريخيّ في رتبة "بيلاطس" حيث يعطيه رتبة "النائب" Procurateur بينما رتبة "بيلاطس" الحقيقيّة هي "المحافظ" Préfet وهذه الرتبة مُثبتة حسب النقش الذي نقشه بنفسه على معبد بناه لشرف تيبريوس وكان فيه:
[praef]ectus Juda[eae] أي محافظ منطقة اليهوديّة، ولا يمكن أن يخطئ رجل مثل "تاسيت" في رتبة حكوميّة ناهيك أن ينقل هذا الخطأ عن الأرشيف الروماني الحكومي.
3- النصّ يذكر اضطهاد المسيحيّين في روما من طرف "نيرون" سنة 60 ميلادي وهو أمر يدعو إلى التعجّب فعدد المسيحيّين في ذلك التاريخ لم يكن كبيرا، بل يكاد يكون معدوما (24)
وحتّى لو سلّمنا بصحّة وأصالة النصّ -تجاوزا- فهو لا يفيدنا في إثبات تاريخيّة يسوع، إذ لا يذكر "تاسيت" هذا الاسم إطلاقا في أعماله أو صفته كابن الله الخ.. وكما أشرنا فالنصّ في حدّ ذاته متأخّر في التاريخ.
المسألة الرابعة: كتب Pline Le jeune (وقد كان حاكم منطقة بيثينيا الواقعة شمال غرب تركيا) حوالي سنة 106 ميلادي رسالة إلى الإمبراطور "تراجان" Trajan ذكر فيها "المسيحيّين" واجتماعهم كلّ ليلة لإقامة الصلوات وتقديسهم لـ "المسيح" كإله، وذكر "بلين" أنّهم مسالمون وغير خطرين (25)
هذا النصّ يؤكّد على وجود "جماعة" تؤمن بمن يسمّى "المسيح" وتقيم له الصلوات في بداية القرن الثاني ميلادي، ولكنّه لا يذكر شيئا عن يسوع الموجود في الأناجيل فلا يفيدنا -هذا النصّ- في بناء الصورة التاريخيّة ليسوع أو حتّى إثبات وجوده وهناك فرق بين "المسيح" كفكرة أو معتقد ويسوع كشخصيّة تاريخيّة.
المسألة الخامسة: ذكر رجل البلاغة الساخر Lucien de Samosata في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي المسيحيّين وعبادتهم شخصا مات على الصليب وأنّهم إخوة ومستعدّون للشهادة وأنّهم يتّبعون تعاليم هذا الحكيم. (26)
لا يصحّ الاستشهاد بهذا النصّ لأنّ تاريخ كتابته متأخّر (150 ميلادي) ونحن نعلم، من مصادر أخرى، أنّ المسيحيّة في ذلك التاريخ بدأت تنتشر في أماكن عديدة، وغنيّ عن القول أنّه لا يذكر اسم "يسوع" مطلقا.
المسألة السادسة: نجد ذكرا ليسوع بالاسم في التلمود (27) في مواضع متفرّقة باعتباره "ابن زنا" وأنّه صُلب ليلة الفصح، ورغم أنّ هذا الكلام ضدّ المعتقد المسيحيّ، نرى المسيحيّين يستشهدون به لإثبات تاريخيّة يسوع، فإن اعتبرنا التلمود وثيقة تاريخيّة فما الذي يجعلنا نصدّق كلام الأناجيل عن يسوع كونه "ابن الله" ولا نصدّق كلام التلمود عنه كونه "ابن زنا"؟
في الحالتين لا يمكننا اعتماد التلمود نصّا تاريخيّا معاصرا للأحداث لأنّه مكتوب في القرن الرابع الميلادي وكانت المسيحيّة منتشرة في كلّ مكان، وتدخل نصوصه عن يسوع في باب الحوار المسيحي-اليهودي، فما هي إلاّ صورة كاريكاتوريّة من اليهود للسخريّة من الإنجيل، وعلى كلّ حال لا أدري كيف نعتبر كتابا من أواخر القرن الرابع الميلادي دليلا على وجود يسوع التاريخيّ الذي انتشرت قصّته فيما بعد بفضل الأناجيل فأخذها اليهود بطريقة ساخرة؟
بقي لنا مرجعان تركناهما في الأخير لأهمّيّتهما بعكس النصوص السابقة، وهُما: رسالة بالسريانيّة لشخص مجهول اسمه "مارا بن سيرابيون" ونصّان للمؤرّخ اليهوديّ يوسفيوس فلافيوس.
المرجع الأوّل رسالة "مارا بن سيرابيون" (Mara bar Serapion) كتبها شخص اسمه "مارا" لابنه ويعود تاريخها إلى ما بعد سنة 73 ميلادي (28)وتوجد نسخة منها في المتحف البريطانيّ (29) وهذا نصّها: (أيّ فائدة جناها الأثينيون من قتل سقراط؟ لقد أصابهم الجوع والطاعون عقاباً على جريمتهم. أيّ فائدة جناها أهل ساموس (30) من إحراق بيتاغورس؟ (31) لقد غرقتْ بلادهم تحت الرمال فجأة. أيّ فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم؟ لقد زالت مملكتهم بعد ذلك. لقد انتقم اللّه بعدلٍ لهؤلاء الثلاثة. مات الأثينيون جوعاً، وأُغرق البحر الساموسيين، وخُرّبت بلاد اليهود وطردوا منها وعاشوا في الشتات. ولكن سقراط لم يمت، فقد عاش في تعاليم أفلاطون، وبيتاغورس لم يمت فقد عاش في تمثال هيرا، والملك الحكيم لم يمت فقد عاش في التعاليم التي أعطاها) (32)
سنتجاوز-كالعادة- تاريخ كتابة هذا النصّ ونعتبره مكتوبا سنة 73 ميلادي (انظرْ الهامش رقم28) وسنتناول بالتحليل النقاط التي يعتمدها المسيحيّون في إثبات تاريخيّة يسوع:
1- المسيح مذكور بصفة "الملك الحكيم"
2- فعلا حلّ الدمار باليهود بسبب صلبهم يسوع وتهدّم الهيكل سنة 70 ميلادي.
3- فعلا بقيت تعاليمه بعده.
فهذا النصّ لمارا بن سيرابيون دليل على وجود يسوع المسمّى بالملك الحكيم.
النقد: لنا أن نتساءل لماذا يذكر كاتب النصّ أسماء سقراط وبيتاغورس ولا يذكر اسم يسوع؟ وإنّما يكتفي بكنية "الملك الحكيم"؟ هل لم يكن يعرف اسمه؟
لنا أن نتساءل أيضا لماذا لا يكون هذا الملك الحكيم شخصا يهوديّا معاصرا لسقراط وبيتاغورس، في القرن الخامس قبل الميلاد؟ لماذا لا يكون الملك "أمون" (القرن الخامس قبل الميلاد أيضا) الذي قتله اليهود وبعد حوالي خمسين سنة دُمّرتْ فعلا مملكتهم على يد نبوخذ نصر؟
قد يقول قائل إنّ النصّ لا ينطبق إلاّ على يسوع لأنّ الملك أمون لم يكن حكيما، وهذا القول صحيح، لكنّه مردود لأنّ كاتب النصّ وقع في أخطاء تاريخيّة تشير إلى عدم معرفته بالتاريخ ويبني كلامه على تأويلات فوضويّة بلا أساس، فلم يُصَب الأثينيّون بالجوع والطاعون بعد موت سقراط، وأهل ساموس لم يحرقوا بيتاغورس الذي عاش في جنوب إيطاليا، ولنا أن نقول أيضا: وأمون لم يكن ملكا حكيما ودُمّرت مملكة اليهود بعده، فكاتب النصّ جعل الوباء في أهل أثينا بعد سقراط، وهذا لم يحدث، وجعل أهل ساموس يحرقون بيتاغورس، وهذا لم يحدث، وجعل "أمون" ملكا حكيما، وهذا لم يحدث.
النصّ غير واضح إطلاقا، والأهمّ أنّه لا يذكر يسوع بالاسم بينما يذكر شخصين آخرين باسميهما، وعليه فإنّنا لم نجد يسوع مذكورا إلى حدّ الآن في أيّ مصدر خارج الأناجيل وبوضوح يمنع التأويل، ربّما سنجده على الأقلّ عند المؤرّخ اليهوديّ الشهير يوسيفيوس فلافيوس الذي سنختم به هذا المقال.
ولد المؤرّخ اليهوديّ يوسف بن ماتتياهو حوالي سنة 37 ميلادي وتوفّي سنة 100 ميلادي، انضمّ إلى مذهب الفريسيّين (33)وشارك في أعمال التمرّد ضدّ الرومان لكنّه وقع أسيرا بين أيديهم وساعدهم في أسره على قمع التمرّد وتحصّل على الجنسيّة الرومانيّة وصار اسمه يوسيفوس فلافيوس (Joseph Flavius) ومن أهمّ مؤلّفاته كتاب "حروب اليهود" وكتاب "تاريخ اليهود" ويتمتّع هذان المؤلّفان بمصداقيّة كبيرة عند الباحثين في التاريخ.
يتكوّن كتابه "تاريخ اليهود" من عشرين مجلّدا ويذكر اسم "يسوع المسيح" مرّتين في المجلّد 18 و20.أمّا المرّة الأولى فهي فقرة تتكوّن من بضعة سطور ما يزال الجدل حول أصالتها مشتعلا منذ 300 سنة وإلى اليوم، وهذا نصّها: (في ذلك الوقت ظهر يسوع، رجل حكيم، إن كان يحقّ لنا أن ندعوه رجلا، لأنّه كان يصنع العجائب وكان معلّماً لمن كانوا يتقبّلون الحق بسعادة. وجذب إليه الكثيرين من اليهود واليونانيّين على حدّ سواء. وكان هو المسيح. وعندما أصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلب، بإيعاز من رؤسائنا، لم يتركه أتباعه الذين أحبّوه من البداية، إذ أنه ظهر لهم حيّاً مرة أخرى في اليوم الثالث، كما تنبّأ أنبياء الله عن هذه الأشياء وعن آلاف الأشياء العجيبة بشأنه. وجماعة المسيحيين، الذين تسمّوا باسمه، مازالوا موجودين حتى هذا اليوم.) (34)
سنتوسّع كثيرا عند هذه النقطة لأنّه النصّ الوحيد اليتيم الذي "يثبت" تاريخيّة يسوع من بين عشرات النصوص الأخرى المعاصرة والذي يلفت الانتباه إلى هذا النصّ، بغضّ النظر عن ذكر اسم يسوع الذي سنعود إليه لاحقا، هو قوله:
- إن كان يحقّ لنا أن ندعوه رجلا.
- كان يصنع العجائب.
- وكان هو المسيح.
- ظهر حيّا مرّة أخرى في اليوم الثالث.
وانقسم الباحثون إلى ثلاثة أقسام:
الفقرة مزوّرة كلّها. (35)
الفقرة مزوّرة جزئيّا. (36)
الفقرة كلّها أصيلة. (37)
تجدر الإشارة إلى أنّ أقدم مخطوط نملكه عن هذا النصّ يعود إلى القرن العاشر الميلادي (38) ويؤكّد القائلون بالتزوير الكلّي أنّه من المستحيل أن يقول "يوسفيوس" (إن كان يحقّ لنا أن ندعوه رجلا) فكأنّه يعترف بألوهيّة المسيح ولا أن يقول: (وكان هو المسيح) ويرون أنّها إضافة من النسّاخ المسيحيّين، أو كما ذكر "فولتير": (من إحدى التدليسات التي نسمّيها "التدليس التقيّ" هي تزوير المسيحيين الظاهر لنصّ يوسيفوس، فقوّلوا هذا اليهوديّ المتشبّث بيهوديّته أربعة سطور مدلّسة بغباء. بل ويقول في طرف هذا المقطع: (وكان هو المسيح) ماذا؟! فلو أنّ يوسيفوس سمع بهذه العجائب التي تُبهر الطبيعة [أي معجزات المسيح] هل كان لا يفرد لها إلاّ أربعة سطور في تاريخ بلاده؟ ماذا؟! هذا اليهوديّ العنيد قال: (وكان [يسوع] هو المسيح) آه! إن كنتَ تؤمن أنّه المسيح فكان ينبغي أن تكون مسيحيّا. كم هو سخيف أن نجعل يوسيفوس يتكلّم كمسيحيّ. كيف لا نزال نرى إلى اليوم علماء دين بلهاء جدّا ووقحين يحاولون تبرير هذا الدجل الذي قام به المسيحيّون الأوائل؟ ) (39)
ويؤكّد "المعترضون" على أنّ هذه الفقرة ليوسيفوس ظهرتْ لأوّل مرّة في استشهادات رجال الكنيسة عند "يوسبيوس القيصري" (Eusèbe de Césarée) في القرن الرابع الميلادي (40) ولم يذكرها أيّ رجل كنيسة قبله بل أنّ رجل الدين المسيحيّ أوريجنيوس (Origène) الذي عاش بين القرنين الثاني والثالث الميلادي يقول في كتابه "ضدّ سالسيوس" متحدّثا عن المجلّد الثامن عشر لكتاب "تاريخ اليهود" لفلافيوس: (يوسيفوس لم يعترف بأنّ يسوع هو المسيح.) (41) فها هو رجل كنيسة من القرن الثالث الميلادي قرأ كتاب فلافيوس الأصليّ ويؤكّد على عدم ذكر المسيح فيه، فكيف أصبح بعد قرن من الزمان عند "يوسبيوس القيصري" ذا معنى مغاير؟ فليس اعتباطا أن يُكنّي البعض "يوسبيوس" بكنية المدلّس فقد دلّس نصوصا أخرى سنتعرّض إليها لاحقا، وكلّ هذا لإثبات أنّ يسوع هو المسيح المنتظر.
لكن الذين يرون أنّ النصّ أصليّ يبرّرون طرحهم بأنّ مسألة "وجود يسوع التاريخيّ" لم تكن مطروحة في تلك الأيّام ولا يوجد داع لتدليس النصّ، وهذا القول مردود لأنّه من المستحيل أن يعترف يوسيفوس بيسوع على أنّه المسيح دون أن "يذهب ركضا إلى التعميد" (كما يقول فولتير) ويصبح مسيحيّا، ولكنّنا بالمقابل نرفض فكرة التدليس الكلّي للنصّ وإنّما نتّفق مع الرأي القائل بالتدليس الجزئي حيث أنّ يوسيفوس ذكر يسوع فعلا لكن دون تلك الإضافات المسيحيّة، ونؤيّد كلامنا (وهو الذي يتبنّاه اليوم أغلب الباحثين) بالنسخة العربيّة لهذا النصّ والتي ترجمها رجل الدين المسيحيّ أغابيوس ين قسطنطين الرومي المنبجي المعروف باسم "محجوب المنبجي" في القرن الرابع الهجري وقد عاصر "الطبري" و"خليفة بن خيّاط" ونقل عنهما وقد ألّف كتابا في التاريخ بالعربيّة بعنوان "العنوان الكامل بفضائل الحكمة".
يقول "المنبجي": (...ولذلك يوسيفوس العبراني فإنّه قال في ميامره التي كتبها على شرّ اليهود أنّه كان في هذا الزمان رجل حكيم يقال له إيسوعا وكانت له سيرة حسنة وعُلم أنّه فاضل وأنّه يتلمذ له كثير من الناس من اليهود وساير الشعوب وكان فيلاطس قضى عليه بالصلب والموت والذين تتلمذوا له لم يدعوا تلمذته وذكروا أنّه ظهر لهم بعد ثلاثة أيّام من صلبه وأنّه عاش فلعلّه هو المسيح الذي قالت عنه الأنبياء الأعاجيب، فهذا قول يوسيفوس وأصحابه في سيّدنا المسيح له المجد.) (42) نلاحظ أنّ هذا النصّ أكثر منطقيّة من النصّ السابق ويبدو فيه يوسيفوس محايدا، وإن كنّا نرجّح أنّ هناك تدخّلا في الترجمة من طرف "المنبجي" فقوله: (ذكروا أنّه ظهر لهم بعد ثلاثة أيّام من صلبه) يمكن أن يكون في الأصل: (زعموا أنّه ظهر....) وقوله: (فلعلّه هو المسيح الذي قالت عنه الأنبياء) يمكن أن يكون في الأصل: (واعتقدوا أنّه المسيح الذي قالت...).
من المحتمل أنّ نصّ "المنبجي" ليس ترجمة حرفيّة للأصل وإنّما إعادة كتابة للمعنى العام (43) وربّما تصرّف هو نفسه في النصّ الأصلي، بيد أنّ الثابت قطعا وبلا أدنى شكّ هو أنّه من المستحيل أن يذكر يوسيفوس يسوع على أنّه المسيح، والراجح والذي عليه الأغلبيّة اليوم هو أنّ يوسيفوس ذكر فعلا اسم يسوع لكن من المستحيل معرفة كيف كانت الفقرة وماذا قال تحديدا، رغم المحاولات "غير المنتهية" في إعادة تركيب النصّ الأصلي (44) باعتماد جميع المخطوطات المتوفّرة حتّى أنّ هذه الفقرة أصبح لها اسم مشهور وهو "الشهادة الفلافيّة" (Testimonium Flavianum)
النصّ الثاني الذي يذكره يوسيفوس نجده في المجلّد العشرين حيث يقول: (...ورأى [أي حنانيا رئيس الكهنة] أنّه حان الوقت لكي يجمع مجلس القضاة حتّى يمثل أمامه أخو يسوع المدعوّ المسيح، الذي اسمه يعقوب، في وقت واحد مع آخرين، وبعد أن اتّهمهم بالتعدّي على الشريعة أمر برجمهم.) (45)وكالعادة انقسمت الآراء حول صحّة هذا المقطع، وإن كانت أقلّ حدّة من المقطع السابق (الشهادة الفلافيّة) فأغلب الباحثين مقتنعون بأصالته (وليس بالضرورة أن تكون الأغلبيّة على صواب) فالمعارضون لهم أطروحات متينة وسنقدّم الرأيين:
- النصّ أصيل: لو كان النصّ محرّفا لما ترك المزوّر كلمة "أخو يسوع" لأنّها تطعن ضمنيّا في عذراويّة مريم التي كانت عذراء وبقيت كذلك بعد إنجاب يسوع، وما كان ليترك "المدلّس" هذا المقطع دون تحوير، كما أنّ النصّ يتحدّث عن يعقوب وليس عن يسوع وقد كان من الممكن أن يتوسّع المدلّس قليلا في الحديث عن "المسيح" إن كان ينوي التحريف، كما أنّ من عادة يوسيفوس تقديم تعريف ولو صغير عن الشخصيّة التي يتعرّض إليها وقد عرّف يعقوب بـ "أخو يسوع" وهو ما يدلّ على أنّه تحدّث عن هذا "اليسوع" من قبل وبالتالي تكون "الشهادة الفلافيّة" صحيحة أيضا.
- النصّ مزوّر: يوسيفوس يتحدّث عن "رئيس الكهنة حنانيا" لا عن يعقوب، وليس محتاجا أن يقدّم تعريفا عن كلّ شخصيّة تعترض طريقه في الكتابة وخاصّة إذا كانت الشخصيّة هامشيّة أو ليست ذات وزن أو لا يعلم عنها الكثير، كما أنّه لو افترضنا أنّ يوسيفوس يعرف يعقوب لكان بدأ جملته به لا أن يبدأ بذكر يسوع المسيح أوّلا (46)ممّا يدلّ على أنّ الناسخ المسيحيّ وبطريقة لا شعوريّة حرّف النصّ وقدّم يسوع على يعقوب، حيث يقول: (حتّى يمثل أمامه أخو يسوع المدعوّ المسيح، الذي اسمه يعقوب) وكان يمكن أن يقول: (حتّى يمثل أمامه يعقوب أخو يسوع المدعوّ المسيح) كما أنّنا لو حذفنا هذه الجملة لعاد إلى النصّ تناسقه: ( ورأى [أي حنانيا رئيس الكهنة] أنّه حان الوقت لكي يجمع مجلس القضاة حتّى يمثل أمامه (...)الذي اسمه يعقوب، في وقت واحد مع آخرين، وبعد أن اتّهمهم بالتعدّي على الشريعة أمر برجمهم) (47) فيوسيفوس يعرف أنّ شخصا (مع آخرين) اسمه يعقوب تمّ رجمه بأمر من "حنانيا"، هذا كلّ ما في القصّة، والأمر الذي يؤيّد التدليس هو أنّ هذه الجملة "المضافة" مأخوذة من إنجيل متّى (48) الذي يقول: (...) يسوع وهو الذي يدعى المسيح [متّى1، 16]:
عند متّى: ιησους ο λεγομενος χριστος
(Iesous ho legomenos Christos)
يوسيفوس: Ἰησοῦ τοῦ λεγομένου Χριστοῦ
(Iesou tou legomenou Christou)
وهذا يدلّ على أنّ الناسخ المسيحيّ اقتبس الجملة من الإنجيل وقوّلها ليوسيفوس.
إنّ النصّين في كتاب "تاريخ اليهود"، "الشهادة الفلافيّة" في المجلّد الثامن عشر، والسطر القصير في المجلّد العشرين، مشكوك بشدّة في صحّتهما، وخاصّة إذا عدنا إلى بطريرك القسطنطينيّة Photius الذي عاش بين سنوات 810 و 893 ميلادي وألّف كتابا بعنوان "مكتبة فوتيوس" قدّم فيه تعريفا وتلخيصا للكتب التي قرأها في القرن التاسع الميلادي فيقول متحدّثا عن المؤرّخ Juste de Tibériade المعاصر ليوسيفوس فلافيوس والذي ألّف كتابا بعنوان "تاريخ ملوك اليهود" (وهو كتاب مفقود): (لقد قرأت كتاب "تقيّ طبريّة" المعنون بـ"تاريخ ملوك اليهود" (...) وهو مثله مثل جميع المؤرّخين اليهود لا يذكر أيّ إشارة عن مجيء المسيح، وأفعاله ومعجزاته.) (49) فهذا النصّ يؤكّد بوضوح على أنّه لم يذكر يسوع أيّ مؤرّخ من اليهود (ويوسيفوس يهوديّ) ولا بدّ أنّ "فوتيوس" كان يملك النسخة الأصليّة لكتاب "تاريخ اليهود" مخالفة لنسخة "يوسبيوس القيصري" المدلَّسة..
وعلى كلّ حال، فالأناجيل قدّمت لنا يسوع على أنّه صانع معجزات وانبهر بأفعاله خلق كثير، وأنّه قام بعد ثلاثة أيّام من موته، واشتهر اسمه كثيرا، فكيف لا يذكره مؤرّخ واحد (كان عشرات المؤرّخين في عصره) ولو عرضا؟ كيف يذكره يوسيفوس في سطرين يتيمين ضمن ثلاثين مجلّدا (يذكره في نصّ مشكوك في صحّته وأصالته ولم ينته النقاش حوله، ولا أظنّه سينتهي لأنّها الإشارة الوحيدة التي قد تثبت وجود يسوع وبالتالي فالباحثون المسيحيّون يدافعون عنها باستماتة حتّى وإن خالفوا كلّ منطق) وكي أقرّب المسألة أكثر إلى القارئ لنفترض أنّه كان في زمن محمّد أربعة مؤرّخين، واحد في اليمامة وآخر في مكّة وآخر في المدينة وآخر في الطائف، ثمّ كتب هؤلاء المؤرّخون كلّ الأحداث التي وقعت في عصرهم. وبعد خمسين سنة يأتي مؤرّخ خامس ويحدّثنا عن شخص اسمه محمّد عاش في تلك الفترة ووحّد القبائل وأسّس ديانة، لكن لا نجد ذكرا واحدا لهذه القصّة عند المؤرّخين الأربعة المعاصرين، ألا يصيبنا التعجّب ونتساءل عن مدى مصداقيّة المؤرّخ الخامس المتأخّر في الزمن ونذهب إلى أنّه يريد بناء ديانة على شخصيّة وهميّة من تاريخ وهميّ؟ بيد أنّ المؤرّخين والكتّاب في عصر يسوع كانوا أكثر من أربعة، كان عددهم بالعشرات.
الهوامش:
1- Valerius Maximus, faits et dits mémorables, Constant,2t, Paris, 1935
2- Pétrone, Œuvres complètes, traduction Héguin de Guerle, Archives Karéline, diffusion L Harmattan, 2008
3- Les Œuvres de Philon d Alexandrie (texte grec, trad. franç.), R. Arnaldez, C. Mondésert et J. Pouilloux éd., 37 vol., Cerf, Paris, depuis 1961
4- Pierre-Grimal, Sénèque: Ou la conscience de l Empire, Fayard, 1991
5- Charles Aubertin, Etudes sur les rapports supposés entre le philosophe et l’apôtre, Librairie Académique, Didier, Paris 3eme édition, 1872
6- J.-C. de Nadaï, Rhétorique et poétique dans La Pharsale de Lucain, Louvain, Peeters, 2000
7- Pline l’Ancien, Histoire Naturelle, tr Emile Littré, Dubochet, Paris, 1850
8- Discours by Dio Chrysostom, tr J. W. Cohoon et H. Lamar Crosby, Harvard University Press, Loeb Classical Library, 1932-1951
9- Fernand Delarue, Stace poète épique, originalité et cohérence, Louvain et Paris, Peeters, 2000
10- De l Institution oratoire. Tome 1-7, tr. Jean Cousin. Paris, les Belles Lettres, 1975-1980
11- Hubert Zehnacker et Jean-Claude Fredoulle, Littérature latine, PUF, Paris 2001
12- Silius Italicus, La Guerre punique, 4 tomes, plusieurs traducteur, Paris, Les Belles Lettres, 2003
13- Plutarque, Les vies des hommes illustres, sous la -dir-ection de François Hartog, Gallimard, Paris, 2001
14- انظر مثلا: Jacques Duquesne, Jésus, éd. J’ai lu, Paris, 2004 James Tabor, La véritable histoire de Jésus, tr de l’anglais par Bernard Cohen, édition Robert Laffont, Paris, 2007 Graham Stanton, The Gospels and Jésus, Oup Oxford, 2002
15- انظر مثلا: S.G.f Brandon, Jésus et les zélotes, Flammarion, Paris, 1992 Oscar Cullman, Jésus et les révolutionnaires de son temps, Delachaux, Paris, 1970.
16- انظر مثلا Charles Guignebert, Jésus, Albin Michel, Paris, 1969 Alfred Loisy, Jésus et la tradition évangélique, Bibliobazaar, 2009
17- انظر مثلا Guy Fau, La fable de Jésus Christ, Editions de l’-union- rationaliste, 1964 Georges Ory, Le Christ et Jésus, éditions du pavillon, 1968 Georges Las Vergnas, Jésus Christ a-t-il existé, 1958
18- انظرْ أيضا إنجيل متّى 27،51 وإنجيل لوقا 23،44
19- يُرجى مراجعة: Richard Carrier, Thallus: an Analysis, 1999, Site: http://www.richardcarrier.info/jesus.html
20- Suétone, VIe de Claude, XXV.11, Tr. M.Baudement, Dubochet, Paris, 1845.
21- Suétone, Vie de Néron, XVI.3, Ibidem.
22- Cornélius Tacite, Annales, 15.44, tr. Burnouf, Hachette et Cie, Paris, 1859
23- انظر : Gordon Stein, The Jésus of history, A reply to Josh MacDowel, 1989, The Secular web Library, Modern Documents (site internet)
24- انظرْ C. Saumagne, Tacite et St Paul, Revue historique, 1964, pp. 67 et passim
25- Pline Le Jeune, Lettres et Panégyrique de Trajan, X,97, tr. Burnouf, éd. Garnier-frères, Paris 1850.
26- Lucien de Samosata, Mort de Pérégrinus, paragraphe 11-13, tr. Eugène Talbot, Hachette, Paris, 1912
27- Sanhedrin 43a Sanhedrin 67a Sanhédrin 104b Sanhedrin 170b etc..
28- يوجد اختلاف في تاريخ كتابتها يمتدّ بين سنة 73 ميلادي والقرن الرابع، Blinzler و Evans يؤرّخانها في القرن الثاني الميلادي، Moreau يضعها بين القرن الأوّل والرابع ويؤكّد على أنّه من المستحيل تحديد تاريخها، Leon-Dufour يؤرّخها بسنة 260 ميلادي على أقصى تقدير (جمعها: Robert E.Van Voorst, Jesus outside the new testament, Wm.B.Eerdmans Publishing, USA, 2000, p56).
29- British Museum Syriac MS Additional 14658
30- بلدة في اليونان تقع حوالي 70 كيلومترا جنوب-شرق مدينة إزمير.
31- Pythagore الفيلسوف والرياضي المعروف (580-497 ق.م)
32- Robert E.Van Voorst, Jesus outside the new testament, op.cit, p53
33- أحد مذاهب اليهود الرئيسيّة، وكانت اليهوديّة في عصر يسوع تنقسم إلى أربعة مذاهب كبرى: 1- الفريسيّيون يطبّقون الشريعة ويؤمنون بالبعث. 2- الصدوقيّون: لا يؤمنون بالبعث. 3- الأسينيّون: متزمّتون نسبيّا ويعيشون خارج المجتمع. 4- الثوّار: حركة تمرّد يهوديّة
34- Joseph Flavius, Antiquités Judaïques, 18.3.3, tr. Reinach, Publication de la société des études Juives, Paris, 1932
35- Charles Guignebert, Alfred Loisy, Léon Hermann, Pierre Geoltrain, etc...
36- Shlomo Pinès, Adolf Harnack, Ernest Renan, Charles Perrot, Robert Eisler, etc...
37- Théodore Reinach, Étienne Nodet, René Draguet, Serge Bardet, etc...
38- Brohmann Monette, La version vieux russe de la guerre Juive de Flavius Josèphe, Presses Universitaires Franc-Comtoises, 2002, p45
39- Voltaire, Dictionnaire philosophique, section II, Christianisme, note 52, (ajoutée en 1769)
40- Eusèbe de Césarée, Histoire Ecclésiastique, I.II , tr. Emile Grapin, Librairie Alphonse Picard, Paris, 1911
41- Origène, Contre Celse, I.47 (site : remacle.org)
42- Patrologia Orientalis, Tomus Septimus, 1911, p471-472, fol.6-fol.7
43- Geza Vermes, Jesus in his Jewish Context", SCM, London 2003, pp. 92, 176
44- انظر مثلا Herman H. Somers, le Testimonium Flavianum reconsidéré, 1977 (site de l’auteur)
45- Joseph Flavius, Antiquités Judaïques, 20, 9.1
46- Earl Doherty, The Jesus Puzzle, Josephus Unbound: Reopening the Josephus Question, Supplementary Articles - No. 10, ( site de l’auteur).
47- Ibidem
48- Ibid.
49- Photius, Bibliothèque, Tr. René henry, Belles Lettres, paris, 1959, ch. 33
#ابرام_لويس_حنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟