|
فوبيا الليبرالية
حبيب محمد
الحوار المتمدن-العدد: 6195 - 2019 / 4 / 8 - 04:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الأمراض المستعصية في مجتمعاتنا أن هناك فوبيا أو خوف شبه مزمن من بعض المصطلحات الحداثية مثل الليبرالية او غيرها وهذا الخلل ليس مسألة شكلية فقط بل هو عطب في التفكير وبالتالي هو مشكلة بنيوية وترجع أسبابها الي ثقافة التلقين والغاء دور العقل ، اضافة الى تجييش الغوغاء والأعداء الأفتراضيين ضد أي مفهوم من مفاهيم حرية الإنسان بغية الإبقاء على نفس المنظومة التقليدية المحدودة والتي هي بائسة من ألفها إلى يائها. .
وطبعا محاولة تشويه الفكر الحر ليست فكرة جديدة لأن كل الحضارات اخبرتنا أن العقل النقدي دوما في موقف مقاومة ضد التيارات الحلزونية كما قادتنا التجارب والوقائع التاريخية ، أن التغيير للأفضل والتطور العلمي للمجتمعات يأتي من قلة مفكرة ومتحررة في فهمها للواقع حيث الظواهر الطبيعية والغير طبيعية ، لكن المؤسف هنا ليس ان الجهل منتشر لأن ذلك يتم علاجه بشكل تلقائي عن طريق التداوي بالعلم والمعرفة لكن المعضلة الحقيقية هي حين يلبس هذا الجهل زي القداسة ويوصف بأنه محور الكون..
وكتعريف مختصر لمفهوم الليبرالية هي مشتقة من "la liberté " اي الحرية، وهي تعد اتجاه فكري يرتكز على حرية الفرد والمساواة ولديها شق اقتصادي يدعم التنافسية الاقتصادية ويعمل على حرية السوق وتشجيع الاستثمار.. كيف أصبحت الليبرالية هي المنظومة الفكرية المعاصرة والتي تحكم العالم اقتصاديا! الليبرالية سر نجاحها أنها تنطلق من الإنسان وترى انه هو كل شيئ وبه فقط يتم صنع التقدم الهائل ، وفي الفكر الليبرالي حرية التعبير والرأي والمعتقد هي حريات محفوظة ولايمكن المساس بها لأن حرية الإنسان مقدسة ..
ولدينا ادلة على ذلك فمثلا المفكر الاسكتلندي آدم سميث يعد مؤسس علم الاقتصاد الحديث لذا يلقب آب الليبرالية ومن أهم أعماله كتابه "ثروة الأمم " الذي قضى 10 سنوات في تأليفه ويعد حتى الآن المرجع الأول لكل المفاهيم الاقتصادية والنظريات التي تحث على خلق أفق ومستقبل معاصر ، حيث يرى آدم سميث أن الفرد هو أساس الثروة وعن طريق تشجيع التنافس الفردي يمكن تطوير رأس المال والحصول على ثروة كبيرة وهكذا ، وطبعا هذا يخضع لقانون منظم يأخذ بعين الاعتبار المجالات المختلفة وخاصة الحيوية والتي تشهد ازدهار مثمر ينعكس بشكل عام على الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي للبلدان..
لكن علينا هنا التوقف عند نقطة مهمة وهي ان التطور الاقتصادي الذاتي هو نتيجة حتمية للتطور العقلاني، حيث كمية الوعي المرتفعة، لأنك قد تجد دول تراها متطورة اقتصاديا وتكنولوجيا لكن هذا ليس تطور بل هو نوع من المعامل الآنية التي وضعتها الدول المتقدمة للترويج لبضاعتها وزيادة رصيدها الربحي، مثلا دول الخليج خير دليل على ذلك فهذه الدول رغم ماتعيشه من رفاه إلا أن الحركة الاقتصادية والعمالية هي كادر اجنبي غالبا وهذا مايجسد انعدام الذاتية وهو ناجم في الغالب عن انعدام الحس الديمقراطي والتحرري والذي يفرض نفسه كمكون صلب وضروري في عملية التقدم لأنه يصنف المادة الخام لعجلة التطور البشري ..فيما الدول التي انطلقت من واقعها وجهدها واسست قوة محلية ، حيث اعلنت بذلك القطيعة مع الأفكار الميتة ، هاهي وصلت الفضاء وغزت الكواكب ، واخترعت مختلف مواد التكنولوجيا الرقمية والعلمية والطبية ، كان هذا عن الشق الاقتصادي
أما بوادر الشق الفكري لليبرالية : فقد بدأ مع فلاسفة عصور التنوير في أوروبا أمثال فولتير وكانط وجان جاك روسو وغيرهم ، حيث قاد هؤلاء العظماء حملات توعية من أجل إنقاذ الإنسان الأوروبي من اغلال الكنيسة الكهنوتية، وقد نجحوا في ذلك رغم صراعهم الشرس ضد دعاة الاقطاعية والمناهج الطفيلية إلا أن التاريخ سجل انتصارهم للإنسان وحقوقه الأساسية ويعود لهم الفضل في إرساء مصابيح المعرفة والنور في أوروبا بعد قرون من سيطرة الظلام على تلك القارة، وهذا يقودنا إلى أن نتحلى بمزيد من الأمل ونعمل على تطوير العقل عندنا، كي يتأقلم مع الطبيعة الإنسانية الفطرية التواقة للحرية والعدالة والتنمية وكل مايرفع من شأن الإنسان ككائن مفكر ومنتج. ..
أما عن تحويل البعض القضية إلى صراع بين الليبرالية والاشتراكية فهذا رأي لكنه هامشي جدا مقارنة مع تحكم الليبرالية في جل دول العالم حيث تعتبر المحرك الرئيسي لأغلب التكتلات السياسية والاقتصادية وبالتالي القضية الآن اندرجت في إطار سياسي حيث المصالح المشتركة لكل الأطراف بعيدا عن الأدلجة والتلاعب بالشعارات لذا على شعوبنا أن تفهم أن الأفكار الواقعية تحصد نتائج واقعية أما العيش في الماضي فلا يخلف سوى البؤس والبقاء في ذيل الأمم.
#حبيب_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل التطرف مرض وراثي أم مكتسب ! !
-
موريتانيا حكاية أرض ثرية وشعب جائع
-
بكتيريا العبودية
-
سوق الكبت في موريتانيا
-
موجة تفاهات تحاول اغتيال حلم شاب موريتاني
-
انفلونزا النقاب وأمراض أخرى
-
هل نحن في دولة أم حظيرة فتاوى! !
-
المافيا القبلية والمنطق الطائفي ينسفان قيم الدولة
-
هل أضحت موريتانيا بلاد المليون مغتصب ! !
-
معركة الكشف قبل الزواج
-
فوبيا الحب
-
البدو والدراما التركية وأشياء أخرى
-
التعليم في عالم الرمال
-
شبح المأمورية الثالثة
-
ظاهرة السمنة
-
وباء الشعوذة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|