أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صاحب الربيعي - الكاتب وعالم العزلة














المزيد.....

الكاتب وعالم العزلة


صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1534 - 2006 / 4 / 28 - 12:34
المحور: الادب والفن
    


يؤخذ على العلماء والفلاسفة والمبدعين انعزالهم عن المجتمع وغالباً ما يفسره البعض على أنه نوع من الانغلاق والتقوقع في أبراج عاجية يفصلهم عن الآخرين باعتبارهم أكثر ثقافة ومعرفة من غيرهم. والحقيقية أن مهنة الكاتب شأنها شأن المهن الأخرى، لها عالمها الخاص فمن المستحيل أن يكون الكاتب ناجحاً أن لم يتواصل مع المعرفة الجديدة ليزيد من مكتسباته المعرفية بغرض توظيفها في إنتاج معرفة جديدة.
الزمن عامل هام في حياة الكاتب يدفعه لأن يكون بخيلاً حتى على تحقيق رغباته الإنسانية، فيميل إلى العزلة لاستثمار الزمن في حدوده القصوى. عالم الكتابة له طقوس خاصة تلزم الكاتب بنمط محدد من الحياة يتقاطع والأنماط الأخرى في المجتمع، وينعكس ذلك على سلوكه وممارساته اليومية التي لايمكن أن يدركها غير أبناء الوسط المعرفي ذاتهم.
من هنا جاء سوء الفهم بين الكاتب والآخرون الذين يجدون أن علاقتهم بالكاتب علاقة وجدانية تتخطى علاقة الكاتب بالقارئ لتكون علاقة تواصل مباشر لتحقق أهدافها الحسية. وهذا الأمر يتعارض وطقوس وأنماط حياة الكاتب ذاته الساعي لاستثمار الوقت لرفع مستوى وعيه من خلال الهروب بروحه بعيداً عن الأنماط السائدة، ليتمكن من قراءة الواقع بصفاء نفسي تحكمه طقوس وأجواء ذاتية مغايرة عن الواقع السائد الذي يصعب على الآخرين فهمه وإدراكه.
إن لذات الكاتب فصولها ومناخاتها النفسية المتعاقبة والمختلفة عن فصول ومناخات الواقع الاجتماعي، ومن الطبيعي أن ينصاع الكاتب لمناخاته النفسية أكثر من فصول ومناخات محيطه الخارجي.
تقول ((باسكال))"إن لنفسي جوها وفصولها المنفصلة تمام الانفصال عن جو العالم وفصول السنة، فقد تهطل الأمطار وتتدفق السيول على الأرض وفي نفسي شموس شارقة وقد يكون الربيع باسماً للبشر وفي نفسي حزن ودموع وخريف دائم".
العزلة عالم روحي خاص لايمكن أن يستوعب كل الأرواح فيه فهو يستوعب فقط الأرواح التي لها صلاتها مع العوالم الكونية، هي وحدها يحق لها طلب اللجوء في عالم العزلة. تتنازع ذات الإنسان منظومتين، روحية وأرضية، تمارس كل منها سلطانها ومهامها في الحياة.
لكن حين تفرض إحداها أحكامها على الأخرى يتبدل سلوك ونمط حياة الإنسان فيصبح نمطه أما روحي وأما أرضي، فإن كانت منظومة التحكم للأرضية فقد الإنسان الإحساس والمشاعر وأن كانت منظومة التحكم للكونية تسامت الروح والجسد معا ليتبعا نمط وسلوك كوني مغاير عن نمط وسلوك الواقع السائد في المجتمع.
يعتقد ((ماترلنك))"أن الأرواح الاعتيادية لاتفهم أسرار العزلة وفوائد مناجاة النفس، مع أن الانفراد بالنفس أحياناً رياضة ضرورية للقلب والعقل. وأن الروح التي لاتشعر بالحاجة للانفراد هي روح فاسدة".
معظم العلماء والفلاسفة والمبدعين في العالم ما كان لهم أن يحققوا منجزاتهم من المعارف الإنسانية دون اختيارهم لعالم العزلة، عالم الانتماء للروح، عالم كوني يمنح مكوناته المعرفية للأرواح المنتمية إليه، عالم له صلاته الروحية مع أبنائه الذين أوكل لهم مهام المساهمة في تقدم ورقي البشرية.
عالم العزلة هو مسعى من الكاتب للارتقاء بالنفس والجسد معا عن واقعهما في الحياة، وهذا لايأتي إلا عن طريق الجهد والعمل المضني في اكتساب المعارف الإنسانية للارتقاء بالنفس لمصاف أقرب إلى مصاف كائنات العالم الكوني ليكون مؤهلاً للنهل من مكتسباتهم المعرفية لإنتاج معرفة جديدة.
إن المخاضات النفسية المتعددة التي يعيشها الكاتب مع نفسه تأسر روحه وتفصلها عن محيطها فيتسابق مع الزمن للارتقاء بمستوى وعيه لمراتب عليا فيأسره عالم العزلة ليتيح له الفسح اللازمة للقيام بمهامه الموكلة من العالم الكوني.
يخاطب ((كارلايل)) الفلاسفة والعلماء والمبدعين قائلاً:"يا محبي العزلة والصمت، أنتم ملح الأرض فإن لم تكونوا فيه فسد".
إن العالم الذي يمر بفترة ركود وسبات، بعلومه ومعارفه لابد أن يطاله الفساد ومن ثم التفسخ الذي يقوده للنفاء. الفلاسفة والعلماء والمفكرين والمبدعين، هم وحدهم القادرين على تحريكه وبث الروح فيه وإنقاذه من الفناء، هم وحدهم صانعي المعارف الإنسانية التي تحرك السكون وترفد الإنسانية بمعارف جديدة تجدد الحياة فيه وتبطل فساده!.
إن عزلة الفلاسفة والعلماء والمفكرين والمبدعين عن المجتمع ليست عزلة نرجسية ولاتعالي فارغ تأسره مظاهر تصنع الرفعة والسمو على الآخرين، إنه عالم خاص، عالم منتج لعلوم المعرفة لإنقاذ البشرية من ركودها وفسادها، عالم له صلاته الكونية ومهامه الموكلة المقتصرة على صفوات المجتمع والتي لايعيها الغارقون في بحار شؤونهم الخاصة في الحياة.



#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصفوات والمجتمع
- علاقة المثقف بالمجتمع
- دور المثقف في الحراك الاجتماعي
- دور المثقف في التربية والتعليم
- فن النقد في الثقافة
- العلاقة المأزومة بين الكاتب والناقد
- مهام النقد
- النقد وسعة العلم
- ماهية النقد
- الروح والإبداع
- أقطاب المعرفة
- الاستقلال الفكري
- المثقف الدجال
- منتجو المعرفة
- المزاد الثقافي
- مثقف السلطة والحزب
- المثقف وسلطة الاستبداد
- الإبداع والحرية
- الثقافة والفكر الشمولي
- منظومات الوعي بين الماضي والحاضر


المزيد.....




- -الجوكر جنون مشترك- مغامرة سينمائية جريئة غارقة في الفوضى
- عالم اجتماع برتبة عسكري.. كيف تشرّع القتل بصياغة أكاديمية؟
- -لوكاندة بير الوطاويط-.. محمد رمضان يعلن عن تعاون سينمائي مع ...
- العرض الأول لفيلم -Rust- بعد 3 سنوات من مقتل مديرة تصويره ها ...
- معرض -الرياض تقرأ- بكل لغات العالم
- فنانة روسية مقيمة في الإمارات تحقق إنجازات عالمية في الأوبرا ...
- جنيف.. قطع أثرية من غزة في معرض فني
- مسرحية -عن بعد..- وسؤال التجريب في المسرح المغربي
- كاتبة هندية تشدد على أهمية جائزة -ليف تولستوي- الدولية للسلا ...
- الملك الفرنسي يستنجد بالسلطان العثماني سليمان القانوني فما ا ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صاحب الربيعي - الكاتب وعالم العزلة