أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد القادر الفار - حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 6















المزيد.....

حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 6


محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)


الحوار المتمدن-العدد: 6190 - 2019 / 4 / 3 - 04:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قصة متعددة الفصول، وسردها سيطول -6

تربنة

كان أيوب مهووساً بمزاجه، يجرّب باستمرار أدويةً جديدة تحسّن من مزاجه وترفع معدّلات الجابا في دماغه، ويستمر أثرها أطول مدة ممكنة وبأقلّ آثار جانبية. ما إن يُمنع دواء حتى يبدأ رحلة البحث عن آخر، وما إن ينقطع شيء حتى ينهمك في إيجاد البديل. مضى وقت طويل دون أن يتذوق أيوب الكحول، وكانت الحبوب والكبسولات، ومن حين إلى آخر سجائر الماروانا هي رفيقه في مواجهة لهيب الصباح ومشاق العمل والتعامل مع البشر.
بدأ القلق يتسرب إلى أيوب بشأن الأدوية، فالرقابة عليها تزيد يوماً بعد يوم وتضيق مساحة الحصول على دواء ما دون وصفة ويكاد الأطباء الذين يمكن أن يكتبوا وصفات لهذه الأدوية بسهولة ينقرضون، والكحول ليست خياراً، والحشيش لا يؤدي الغرض.
"لم يعد أمامي سوى أن تثقب لي جمجمتي"
ردّ تاكاهيرو بنبرة هادئة وابتسامة خافتة ونظرة أبوية: من أين لك كل هذه الثقة يا أيوب بموضوع التربنة. نحن نتحدث عن ثقب في الدماغ. الأمر ليس بسيطاً.
ابتسم أيوب وقال لتاكاهيرو بثقة: لا خوف معك يا حكيم، فأنت سيد من ثقب الجماجم، ولعلّك ثقبت مئة جمجمة على الأقل قبل جمجمتي.
"ثقبتُ أكثر من مئة، ولكنّني أنا الذي كنت أختار الذين سأثقب جماجمهم، ولم يحدث أن جاء إليّ أحد وطلب مني أن أثقب جمجمته كي يحصل على يوفوريا دائمة، وبهجة مستمرة، ومزاج عالٍ طوال الوقت.
"ولكن التربنة تؤدي إلى كل هذا ، أليس كذلك؟ .... أنا أرى ثقبين على الأقل في جمجمتك، وأنت هادئ على نحو عجيب. ألا تشعر أنك في حالة ثمل أو سطل دائم يا حكيم؟"

ضحك تاكاهيرو ضحكة قصيرة وقال: وأنا الذي تربنت جمجمتي بنفسي، ولكن الأمر كما قلت لك ليس لعبة. لم يسبق لي أن أخطأت في ذلك أو سببت أي أذىً لأي إنسان، ولكنني كنت دائماً مضطرا لإجراء هذه العملية، ولا أجدها ضرورية في حالتك.

هناك حالةٌ واحدة فقد صاحبها جانباً من ذاكرته بعد التربنة، ولم تعد إليه منذ ذلك الحين.
حملق أيوب عينيه بقلق: كيف فقد "جانباً" من ذاكرته، أي جانب، وماذا حلّ بالرجل.

- الرجل عرف أكثر من اللازم، أشياء لا قبل له بمعرفتها، وكان الرجل ثرثاراً لا يؤتمن على سرّ، ووقعت بين يديه معلومات لا يصحّ أن تنشر لكل الناس، لهذا استدرجته إلى التربنة، وقمت بها بطريقة خاصة، وأخفيت جزءاً من ذاكرته، ولكن هذا الجزء لم يكن من الممكن إخفاؤه دون إخفاء هويته السابقة عنه، لأن الطريقة التي وصل بها إلى تلك المعرفة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهويته.... فكان عليّ مسح الكثير من ذاكرته.... والاحتفاظ بها...
"مهلاً يا حكيم،،، بوسعك ذلك؟... بدأتَ تخيفني الآن"
- لا تقلق يا أيوب، الرجل عاش بعد التربنة حياة لا تقارن بالحياة التي عاشها قبلها، وصممت له واقعاً جديداً انغمس فيه سريعاً وعاش بدماغه العالية حياة أفضل.
"وأهله ومعارفه السابقون؟؟؟"
- لم يستطيعوا أبداً أن يذكّروه بأي شيء، لكنه صدقهم طبعاً وعاد إلى شخصيته ولكن دون أن يتذكرها. كان عليه أن يتقمصها من جديد لأنه ليس لديه خيارٌ آخر، وهذا كان واقعاً جديداً كلياً، وقد استطعت أن أوفّر له من بعيد، ودون أن أظهر في الصورة، فرصاً أفضل للحياة والعمل.

"لم يخسر شيئاً إذاً"

- حساب الربح والخسارة يا أيوب يعتمد على ما نريده. أنا مثلاً لا أرضى أن أخسر ما خسره هو. لقد خسر معرفةً لا يضاهيها شيء، وإن كان كسب راحة الرأس وحسن المزاج.

ساد صمتٌ للحظات، ثم ربت تاكاهيرو على كتف أيوب وقال له برفق: أنت متردد بعض الشيء، أليس كذلك؟

رد أيوب بسرعة وحماسة: لا أبداً، على العكس. لا زلت بنفس درجة الحماس إن لم تكن أكبر. أريد التربنة حتى لو كنت سأخسر ذاكرتي، وأنا أوكلك يا حكيم بمسألة حياتي بعد فقدان الذاكرة.... أعدني إلى أهلي، حتى لو كنت سأنساهم. لا بأس في أن أتعرّف إليهم من جديد.
- لماذا تقول هذا؟ أتظنني سأخفي ذاكرتك؟ أنت لا تعرف ما يستحق إخفاءه.

أطال أيوب النظر إلى الأرض، ومسك عود خشب وبدأ يرسم خطوطاً في الرمال التي كان هو وتاكاهيرو يغمسان قدميهما فيها، وقال دون أن يرفع عينيه: أنت تعرف أنني ذكي يا تاكاهيرو..... أنا لست ساذجاً... أعرف أنك أنت من قدتني عبر الإنترنت إلى موضوع التربنة وأغريتني به.
لم يظهر أي تفاجوء على تاكاهيرو بس بدت آثار ابتسامة خافتة على وجهه الكبير.

رفع أيوب عينيه ليتفقّد ردة فعل تاكاهيرو، وارتاح لما رآه، وعاد فأنزل عينيه وواصل كلامه:
ثمة ما تريد أن تخفيه في ذاكرتي، وهو على ما يبدو قد ارتبط بهويتي، لذا فأنا أغامر بالانفصال عن آنيتي إذا ما ثقبت جمجمتي. ولهذا قصصت علي رواية الرجل، إن كان ثمة رجل.

لا يهمني أن أعرف ما تريدني أن أنساه، فهذه معلومة سأنساها بعد ساعة من الآن، لأنني لن أتراجع عن موضوع التربنة أبداً.. إن راحة دماغي أهم من أي معلومات تتعلق بعملي...

- بل إن لديك فضولاً كبيراً لمعرفة هذا الشيءالذي جعلني أتواصل معك... لعل هذا يشعرك بتميزك. ومن المؤسف أن لا تعرف بنفسك ذلك الشيء الذي يستحسن أن لا تحتفظ به.
"بما أننا يا تاكاهيرو نتحدث الآن بصراحةٍ تامة، سأعترف لك بأنني لا أصدق كلمةً واحدة من هذا الذي اطلعت عليه، وأجده هراءً... بل وأستغرب اهتمامك به إلى درجة تعريض نفسك لمساءلة قانونية لإجراء عملية قد تعتبر جريمة، فقط من أجل إخفائه. وربما لا يجدر بي أن أقول ذلك الآن كي يظل دافعك لإجراء التربنة لي قوياً.

-الباب أمامك يا أيوب واحتفاظك بما تعرف، سواء كان هراء بالنسبة لك أو كان حقاً، لن يضرّ أحداً سواك. أما عن تعريض نفسي لمساءلة قانونية، فهذا غير وارد.

- لماذا؟ كيف تضمن ذلك.... قل لي يا حكيم، هل أنت ممن يقال لهم "أصحاب الخطوة".... هل لديك قدرات خارقة؟ أم أنك فقط راهب متبحر في علوم طبية قديمة وماهر في تربنة الجماجم على طريقة الأقدمين... هل الأمر روحاني بالنسبة لك أم تقني بحت....

"هوّن عليك يا أيوب.... أنا رجل عادي، وما علاقتي بهذه المعلومات التي أفضل أن تنساها أنت وغيرك، سوى أنني أعرف بقيتها، وأدرك جيداً أن نسيانها أفضل.... وظنك أنها هراء لا يمنع حقيقة أنك اطلعت عليها"....

- هل ستعيدني إلى عملي؟؟؟

" متى تنتهي إجازتك؟"

- بعد أسبوع.

" ستصحو في بيتك بعد التربنة، ستصحو فاقداً للذاكرة ومتعباً، وسيتفاجأ أخوك عدنان. ولكنه سيخفي ذلك على الجميع كي لا تفقد عملك الحساس، وسيأخذك إلى الحضرة في أسرع وقت، أملاً في أن تعود إليك ذاكرتك بسرعة قبل انكشاف أمرك أمام أحد من زملائك في العمل، وخوفاً على مركزك في الشرطة.

- ما الذي أدراك أنه سيفعل ذلك، بل كيف عرفت أنه يتردد على حضرات. كل ما أعرفه عن هذه الحضرات هو أنه يحيطها بالسرية ويشعر وكأنه مهم لأنه يتردد عليها، ويقول أن أهلها نخبة متنوعة من الأشخاص، ودائماً ما يحذرني من أن أخبر أحداً أنه يتردد على الحضرة، ويردد على مسامعي أنه نادم على أنه قال لي أنه يذهب إلى الحضرة. وأنا طبعاً أجاريه في كل ذلك خوفاً على مشاعره. الأمر سخيف ولكنه يريد أن يشعر أنه مهم. ولا بد أنه اجتماع لبعض السذج، ولكن إذا كان سيشعره بأنه مهم فليكن، هو شاب مثقف وقارئ ولكنه موظف عادي، وسيبقى عادياً، وهذا يزعجه ويجعله ينخرط في أشياء بلهاء يمكن أن تشعره أنه مميز. وليكن.
"قسوتك هذه يا أيوب هي ما جعلتك مستعداً لاحتمال تلك المعرفة، بل وعدم أخذها على محمل الجد، بل والتفريط فيها بثمن بخس هو راحة دماغك.... لو وصلت تلك المعلومات لعدنان لانهار من شدتها، ولكنه كان سيصدقها وسيتمسك بها."

- مسكين

"عما قريب يا أيوب ستبدو أنت المسكين في الحضرة، وستكون كالتائه، وستتمسك بأي بارقة أمل في تذكر هويتك، مهما كانت ساذجة.

ولكن لا تقلق، الحضرة مع عدنان حلقة ضرورية، وسيعيدك عدنان بعدها إلى عملك وكأنه لم يحدث شيء، وستنخرط في مهمة لا تحتاج منك إلى ذاكرتك القديمة. سيستعرض عدنان معك صور وجوه كل زملائك في العمل ورؤسائك، وسوف يحضّرك جيداً للعودة إلى العمل قبل انتهاء إجازتك".

- هل ستلتقي به وتنسق معه كي يفعل كل ذلك؟؟؟

ابتسم تاكاهيرو وقال بثقة "لا أحتاج أن أجعله يعرفني، عدنان شخص يسهل التنبؤ بردات فعله، وهو سيحرص كل الحرص على أن يعيدك إلى حياتك، وستخرج من الحضرة التي ستبدو فيها مسكيناً، إلى حياة لا تشبه الحياة التي عشتها طوال سنين عمرك الخمسة والثلاثين."

- أشعر بالحماس. لا أكاد أصبر على هذه الجمجمة الثقيلة، اثقبها يا شيخ، ودعها تتنفس، دع الهواء المنعش يتدفق خلالها ويداعب هذا الدماغ الناشف.

ساد الصمت للحظات ثم رفع تاكاهيرو يديه على هيئة مودرا غريبة، فسأله أيوب: ماذا تفعل يا تاكاهيرو....

"نم يا أيوب، نم ولا تقلق"....



#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)       Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - الفصول الخمسة الأولى
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 5
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 4
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 3
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 2
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (5)
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين
- لعبة الذكريات - 2
- سأبني جداراً
- لهذا السبب، لا أبالغ في انتقاد أردوغان
- مسودّة شعبيّة لصفقة القرن
- جمال المرأة، كحسرة للرجل - 2
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة -4
- فلسطين إذ تجعلنا أناركيين
- قليل من الحقد، كثير من الخوف
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة -3
- معنى الموت في المستقبل
- ما هو الإيجو، وكيف تمنعه من حجب سلامك الداخلي ومحبتك غير الم ...
- متى
- وأنا أيضا لا أنطق عن الهوى


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد القادر الفار - حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 6