خالد قنوت
الحوار المتمدن-العدد: 6189 - 2019 / 4 / 2 - 09:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن رصداً متواضع لوسائل الاعلام العالمية و الاقليمية و العربية يمكن استنناج ان القضية السورية صارت في مهب الرياح و لا تكاد تذكر بينما تصدرت احداث الجزائر و السودان و فرنسا و نيوزلندا الصحف و النشرات الاخبارية و وسائل التواصل الاجتماعي. هذا لا يعني للمتابع غير السوري سوى أن القضية قد سويت أو انتهت أو أنها قضية ارهاب و يتم القضاء عليه مع بعض اخبار عن انتصارات كردية على تنظيم داعش الارهابي في الباغوز الديرية (السورية).
هذا الاستنتاج لا يعني أنها مؤامرة كونية, بمنطق العجائز و النظم الاستبدادية, على القضية السورية و على السوريين بقدر أنها تعني جملة من الحقائق الموضوعية و علينا تفحصها و البناء عليها لقضية وطنية كبرى:
- أن الاحداث الجارية في الجزائر و السودان مازالت, و نتمنى أن تبق, ضمن سياقها الوطني فقط دون تدخلات خارجية و عدم استدعائها من القوى الثورية في كلا البلدين و هذا شرف عظيم لتلك القوى الوطنية و الثورية رغم محاولات بشير السودان من اقحام دول عربية قريبة كمصر و السعودية و دول عظمى بعيدة له استثمارات ضخمة في السودان كالصين و كذلك يفعل كسيح الجزائر بارسال مندوبيه للصين شي جين بينغ و لروسيا البوتينية و لامريكا الترامبية و لفرسنا الماكرونية...لا بل هناك وعي عالي لدى القوى الثورية في الجزائر و السودان لمخاطر تدخل تلك الدول في القضايا الوطنية قد تصل إلى التدخلات العسكرية و القضاء على استقلالية الدول و هدر السيادة الوطنية التي ضحت من أجلها أجيال و أجيال, و تكفي رسالة الحراك الثوري السلمي الجزائري إلى الرئيس الفرنسي ماركون بعدم التدخل في القضية الجزائرية بأي شكل من الاشكال.
- أيضاً, لم يستطع الاسلام السياسي أن يجد حيزاً بين صفوف المتظاهرين السلميين في الجزائر و في السودان لما له من الاثر البالغ في تخريب الثورات الوطنية و تحويلها لصراع سلطوي دموي متخذاً اشكالاً لاوطنية .
- بروز دور المرأة السودانية و الجزائرية بشكل فاعل و اساسي في الحراك السلمي الوطني فهي شريك في الوطن و لا يقل دورها عن الرجل بأي شكل من الاشكال فمشاركتها ليست عار و لا عورة ة هذه المشاركة مشروطة في بقاء الحراك سلمياً حضارياً يخاطب الداخل و الخارج بخطاب الحرية و المدنية ضد أي شكل من اشكال الاستبداد السلطوي أو المجتمعي.
- في فرنسا, إصرار متظاهري السترات الصفراء على مواقفهم المبدئية في العدالة الاجتماعية و الوقوف ضد هيمنة الشركات و الرأسمالية المتوحشة التي استطاعت الوصول للسلطة بدعم من المافيات العالمية السلطوية في الولايات المتحدة و روسيا الاتحادية, رغم كل محاولات تشويه هذا الحراك و دس العناصر المخربة و الموتورة بين صفوف المتظاهرين.
في القضية السورية و مآلاتها الحالية و المستقبلية و غيابها المؤقت عن الاضاءات الاعلامية العالمية رغم عدم توقف آلات القتل و الدم اليومية التي تصيب أهلنا فيها, من القصف الجوي الامريكي الذي لا يفرق بين ارهابي داعشي و بين مدني سوري في محاولة لتحقيق انتصار بعنوان كردي و بجوهر أمريكي حتى على انقاض مدن و قرى و تاريخ وطن اسمه سورية و شعب سوري حيث تقام حلقات الدبكة في ساحات مدن محيت كل معالمها و قد كانت تعج بالحياة قبل قدوم قوات الاحتلال الامريكي و الفرنسي و الاسرائيلي و.... و في المقلب الآخر قصف جوي من قبل الاحتلال الروسي لريف حماه الشمالي و قرى ادلب لا يقيم وزناً لحياة سوريين بحجة تواجد عناصر جبهة النصرة الارهابية في تلك المناطق طالما أن هناك اسلحة تدمير روسية قيد التجريب.
من الواضح أن على الارض عمليات تغيير ديموغرافية و فكرية للسوريين بقوة السلاح و بقوة الحاجة لمقومات العيش, تقوم بها قوات الاحتلال التركي و الاحتلال الايراني لمناطق واسعة من الوطن السوري قوامها بناء قواعد عسكرية و عقائدية تركية (عثمانية اسلامية سنية..) و ايرانية (فارسية صفوية اسلامية شيعية ..) و ربطها مباشرة بعواصم البلدين مباشرة أو عن طريق وكلاء يعتبرون أنفسهم سوريين و وطنيين و يقاتلون و يقتلون بعضهم في معارك جوهرها مصالح دول اقليمية و لا شيء آخر. أما الخطر الاكبر فهو انتشار مناهج تعليمية لاوطنية في مناطق سورية ستنتج أجيال جاهزة لأن تكون وقوداً لحروب تلك الدول لعقود قادمة.
طبعاً, لا يستحق أن نستفيض في دور النظام الاستبدادي و كذلك المعارضات السياسية المرتهنة في إطاعة اوامر الاحتلالات القائمة و شرعنة تمزيق سورية و تكريس حالة الحرب و الموت و التدمير لمقومات إعادة قيام الوطن السوري من جديد.
لكن ما يشغل الفكر و يثير حالة من التعجب, هو تلك الحالة التي تصيب معظم السوريين في اجترار الاحزان و في حالة العجز المصطنعة و المحبطة لأي جهد وطني لاستعادة المباردة!!!
ربما يمكن في ظروف مكانية و زمانية القبول بمثل تلك الحالة و لكن استدامتها تعني الشيء الكارثي, فخطاب معظم السوريين اليوم هو خطاب استسلامي يرسخ حالة العجز باتنظار الحلول الدولية رغم ادراك كل السوريين أن تلك الحلول لن تكون سوى ضياع للوطن و تدمير لاسس الدول المستقلة الحرة السيدة على كامل ترابها الوطني و لمواطنيها جميع مواطنيها و في أحسن الحالات هو استنساخ بشع لشكل دولة استبداد مرتهنة طائفية و متحفزة للحروب الأهلية بمناطق خارج سيطرة الدولة يربطها فقط علم وطني صغير تحت علم كبير أثني أو ديني أو طائفي أو مذهبي, العرااق أقرب الضحايا.
أيضاً, هناك خطاب تبريري يلقي بالاسباب و المسببات لما هو قائم على أكتاف الآخرين مما يعمم حالة الاحباط و يشل أي جهد وطني لاستعادة الروح الوطنية و الهم الوطني إلى اصحابه الاساسيين متناسين أو السوريين قد قاموا بثورة شعبية كان في البداية من أعلى اشكال النضال الوطني السوري على مر تاريخه و أن هذا الحراك قد أنجز الكثير الكثير و دفع كل السوريين ما لا يتخيله العقل من اثمان و ما وصلنا إليه اليوم من مأساة لم و لن يكن بسبب انتفاضة الشباب السوري من أجل كرامته و حريته إنما لاسباب كانت أكبر تبداً من عنف و إرهاب السلطة و مروراً بعنف و ارهاب التنظيمات المسلحة المحلية و القادمة عبر الحدود و انتهاءً بإرهاب الدول الاقليمية و الكبرى.
سورية اليوم بكل المعايير تحت جملة من الاحتلالات و السوريين كل السوريين خارج حالة الصراع على مصالح تلك الاحتلالات بل هم اليوم وقود حروبها فلم نعد نسمع شيء اسمه السيادة السورية و لم يعد يرتفع العلم الوطني أو تعزف موسيقى النشيد الوطني في المحافل الدولية او المطارات الدولية كذلك لم نعد نشاهد تعليقات و تحليلات, و أكثرها ثرثرة, المعارضين السوريين أو قادة التنظيمات العسكرية و نسي العالم مؤتمر جنيف واحد و اثنين و ثلاثة و مؤتمر استانة وغيرها و اختصرت القضية السورية العظيمة و العادلة بمخيمات النزوح و باللاجئين و كيفية التخلص منهم و بصراع جابني بين داعش او النصرة و القوى العالمية, نضع عليه ألف اشارة استفهام.
أعتقد, أن هناك قرار دولي بإسقاط إي حالة نهوض وطني في سورية ليس اليوم فقط و إنما منذ اليوم الاول للانتفاضة رغم محاولات عديدة قام بها وطنيون سوريون بحالة وعي كامل أو بحالة عفوية تفتقر للتجربة و الفكر و الخبرات و تشوبها الكثير من امراض العمل السياسي و الفردانية أو الأبوية و مع ذلك إننا جميعاً كسوريين دون تصنيف مدعويين لوعي حقيقة أننا تحت الاحتلال و أن نضالاً وطنياً طويلاً و صعباً و ذكياً يجب أن يبدأ في أقرب وقت أساسه الداخل السوري و بدعم من الوطنيين السوريين في الشتات, و ليس العكس, يبدأ بمقاطعة أي محتل اقتصادياً و اجتماعياً و ينتهي بالنضال الوطني الذي أقرته الأمم المتحدة للدول الواقعة تحت الاحتلال.
إن القضية السورية في مهب الرياح و الوطن السوري تتقاسمه القوى الاستعمارية و الدول العظمى تبارك ذلك كما فعل اليوم الرئيس الامريكي دونالد ترامب بمنح الجولان السوري للاحتلال الاسرائيلي و غداً سيعطي القامشلي و منبج و عفرين للاحتلال التركي و سيرضى بوجود قوات ايرانية لا تشكل خطراً على امن اسرائيل و يشارك الاحتلال الروسي الاراضي السوري شرقاً و غرباً.
أيها السوريين, لن ينقذكم سوى نضالكم الوطني التحريري و ليكن مشروعكم سورياً خالصاً لدحر الاحتلالات و لقيام دولة المواطنة و العدالة لكل السوريين فلن ينفع الكردي السوري وعود الاحتلال الامريكي و لدينا شواهد حاضرة و لن يحارب الايراني في سورية نيابة عن شيعتها أو حلفائه في سورية إلا من خلال أزلامه و مرتزقته و لن يعيد الاحتلال التركي الاراضي السورية التي استولى عليها للسنة السوريين و لو بعد اربعة قرون و كذلك لن يحمي الاحتلال الروس العلويين أو المسيحيين السوريين و سيبقى في سورية طالما لم يطاله أذى يناسب الأذى الذي يمارسه بقية السوريين و لن يكون الاحتلال الاسرائيلي حنوناً على اي سوري طالما هناك هدف دولة اسرائيل من الفرات إلى النيل.
المشروع ليس ردود أفعال متفرقة و عفوية مبعثرة بل هو فعل معقلن و مدروس له أدواته و عناصر نجاحه و الانسان السوري الذي ينتشر في العالم اليوم و يعيد بناء حياته من جديد في بلاد لم يعتد عليها و يتباين عنها ثقافياً و معرفياً ثم يستطيع الاخراط في مجتمعاتها و في أكثر الحالات يبدع و ينتج فيها, لا يعدم الوسيلة و العقل و الارادة لبناء مشروعه الوطني على ارضه من بين شقوق الصخور.
تأكدوا و التاريخ يعلمنا, أن أي قوة احتلال تنظر إلى موازين القوى على الأرض و في يوم من الأيام ستضطر لمفاوضتكم طالما أنها تنال كل يوم صفعة أو ضربة في مقتل و لنا في أجدادنا السوريين العبرة يوم قالوا على ابواب قاعات التفاوض مع الاحتلال الفرنسي: (الاستقلال يؤخذ و لا يعطى). نعم, بدأت الثورة بالورود و أنتهت بالدم و الخراب و يمكن أن تبدأ ثورة جديدة بالورود و بغير الورود لكن بتراكم خبرات ثورية و فكرية عظيمة و بقوة الانسان السوري الذي تحرر و يصر على أن يتحرر وطنه كاملاً.
#خالد_قنوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟