|
-نبيهاليا- ..رايحين على أرض النخيل
سيد طنطاوي
(Sayed Tantawy)
الحوار المتمدن-العدد: 6189 - 2019 / 4 / 2 - 01:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شاب ممن دخلوا في غيبوبةٍ طويلة إثر إصابة في أحداث الثورة، فاق في المستشفى فلم يجد أحدًا بجواره، ففتح التلفاز عله يعرف شيئًا، فوجد نشرات الأخبار تتحدث عن تعديلاتٍ دستورية مرتقبة، فلم يفهم شيئًا وظن أنه أصيب بفقدانٍ للذاكرة، فأغلق التلفاز ونادى طويلًا، حتى جاءته الممرضة مصدومة، إذ لم يكن أحد يتوقع أن يقوم، فالأقرب كان خروج الروح رحمةً للجميع. أبلغت الممرضة المستشفى، التي بدورها أبلغت أسرة الشاب فحضر أخوه على عجل، وجلس بجواره وتحدثا طويلًا، وهنا عرف الشاب أنه لم يُصب بفقدان الذاكرة، لكنه لم يستطع أيضًا أن يفهم ماذا حدث وما المقصود بالتعديلات الدستورية؟ حاول شقيقه ألا يُحدثه في السياسة، فكان الحوار دافئًا عن الأهل والأصدقاء، وبعد أيام عادا إلى المنزل، لتبدو الأسئلة السياسية أمرًا لا مفر منه، لكن الأطباء حذروا شقيق الشاب من خطورة تعرضه لصدمة قد تُحدث له انتكاسة. بعد أسبوع، ألح الشاب أن يعرف من شقيقه حقيقة ما حدث، وإلى أين وصلت مصر؟ وماذا عن الميدان ورفاق الثورة؟، فوجد شقيقه أنه لا مجال للهرب وأن الإجابة واجبة، لكن يجب أن تكون بما يُراعي الحالة الصحية لشقيقه، فبدأ بتمهيد بسيط فقال: "شباب الثورةِ راحوا، وبعضهم ضلل البعض الآخر، فإذا سأل أحدهم رفيقه عن الطريق إلى بني سويف، يصف له طريق مصر إسكندرية الصحراوي ويدعو له بسلامة الوصول، إلا لو كان من جماعتهم أو "شلتهم"، فالأمور حكمتها "الشللية". ضحك الشاب كثيرًا مما سمع وقال متعجبًا ومستنكرًا: "للدرجادي"، فرد عليه شقيقه: "ويمكن أكتر متستعجلش"، وعرض عليه أن يشاهدا معًا فيلم "البداية" للعبقريين صلاح أبو سيف ولينين الرملي. لم يعرف الشاب المغزى من إصرار شقيقه على مشاهدة الفيلم –الذي شاهداه من قبل-، لكنه في النهاية وافق بعد جملةٍ واحدةٍ قالها شقيقه: "مشاهدة الفيلم ستشرح لك ما حدث والقادم، وتجعلك لا تفقد إيمانك، وتحميك من شر الصدمة، وتمنحك جرعة أمل على لسان سيد حجاب وألحان عمار الشريعي، لكن عليك أن تعتبر أن ثورة يناير ما هي إلا ظروف اضطرارية كارتفاع درجة الحرارة التي أجبرت قائد الطائرة على الهبوط بجوار الواحة". بدأ الفيلم بأصحاب ثقافات مختلفة عمال وفلاحين، ومثقفين، ويسار ويمين، أجبرتهم الظروف على تشكيل مجتمع تحت ظروفٍ إجبارية. بدا الجميع متعاونًا ومتطلعًا للقيام بمسئولياته من واقع تخصصه، من نحو دكتورة الكيمياء العضوية، والنجار بطل المصارعة، وكابتن الطائرة، وغيره، فيما ظهر "نبيه بيه" -الرئيس لاحقًا- متطلعًا إلى الحكم، خاصة حينما وصل إلى مكانٍ يصلح للسُكنى. قدم "نبيه" نفسه على أنه الوحيد الفاهم والمُدرك لحقيقة الأمور وسواه المسوخ قائلًا: "اسمعوني أنا بس"، وكانت خطته جاهزة للسيطرة، عبر عدة عناصر منها الاقتصاد والدين والقوة والإعلام والأمية وإخضاع الفئات. عند الأميين تحدث بلسانٍ فصيح لا يفهمونه، فظهر أمامهم وكأنه النموذج المثالي، فنادوا به دون أي ضمانات. في الاقتصاد سيطر على الواحة بلعبتي الـ"سيجا"، وملك وكتابة، وتحكم في غذاء البلد "البلح". في الدين، خاطب النجار بأنه يخشى عليه من عذاب الآخرة، وأفتى له بأن ما أكله حرام. في القوة، استعان بصاحب القوة الغاشمة –البطل الرياضي- وسيطر عليه. في الأمية، خاطب الفلاحين والعمال بأن من يُوعي الناس بحقوقهم -أي ممثل اليسار- رجل ديمقراطي لعين، وأنه يخاف عليهم منه. في الفئات، كان حريصًا على دغدغة مشاعر المرأة، فحينما تكلم مع دكتورة الكيمياء العضوية خاطب أنوثتها لا علمها، وكذلك فعل مع الصحفية والعاملة. في الإعلام، حرص على ألا تصدر صحف، وحينما سمح بها، لم يطق إلا عددًا واحدًا منها كطبيعة الديكتاتوريات في الدراما والواقع. قدم إليهم فنكوشًا من المشروعات، فوعدهم بتحويل الرمال إلى ذهب، وإقامة مشروعات سياحية، واستخدامات للمياه الكبريتية، كما لو كانت وعودًا انتخابية، معتبرًا أن الواحة مليئة بالفرص الاستثمارية، ثم انقلب عليهم قائلًا: "إلى العمل وأوعدكم بالراحة والسعادة بعدين" وحينما تذمروا قال لهم: "هتاكلوا نبيهاليا يعني". كان البلح سيد المرحلة، فبين غمضةِ عينٍ وانتباهتها وصل "نبيه بيه" للحكم، ووضع يده على كل شيء، فأخذ البلاد إلى حكم الفرد وسماها باسمه "نبيهاليا"، وأقام المحاكمات وكان هو القاضي والادعاء والمحامي والخصم في آنٍ واحد، مُبررًا ذلك بأنه متخصص يصف الداء والدواء، ولم يلق بالًا باختلال موازين الحياة. مع الأيام أدرك شعب الواحة –لا شعب نبيهاليا- أن حاجتهم لبعضهم البعض أهم من حاجتهم للحاكم، فالمرأة العاملة –سعاد نصر- لم تقدر على المشي إلا بعدما صنع لها العامل عكازًا تتكأ عليه، فيما ظل اليسار ثابتًا على مبادئه يُنادي بحقوق العمال والفلاحين، يدعو الناس إلى الإصلاح. بين كل شعب الواحة كان الصوت الأكثر صدقًا بفطرته هو الطفل، فقال باكيًا: "يعني مش هنروح البيت تاني خالص"، إذ كان يُدرك –يقينًا- أن هذا الوطن المليء بالبلح لا يُمكن أن يكون وطنه الذي يعرفه. كل الظروف قادت الشعب إلى الثورة على ديكتاتور نبيهاليا، لكنها كانت ثورة ناعمة أو بالأحرى خادعة، إذ جره الشعب إلى إجراء انتخابات عاجلة سقط فيها، ففقد الديكتاتور صوابه، رافضًا النتيجة التي أطاحت به، وصرخ فيهم: "أنا الرئيس، لن يقترب أي فاسد من الكرسي"، وما إن واجه الجماهير الغفيرة خرج وانزوى بعيدًا. قبل مجيء الطائرة التي تضع نهاية الديكتاتور، سأل الشاب شقيقه عن سبب مشاهدة هذا الفيلم، مؤكدًا له أنه يرفض كل الأفلام التي تتنبأ بالمستقبل السياسي بحجة أن حلولها كانت تولد من رحم النظام ذاته، ضاربًا المثل بفيلم النوم في العسل لوحيد حامد، إذ أن المُنقذ في النهاية كان ضابط شرطة خرج من رحم النظام، قاد الناس ليخرجوا مرددين "آه" ضد نظام كان هو في الأساس أحد أضلاع مثلثه. أجاب شقيق الثائر قائلًا: "أنت وقفت الفيلم في اللحظة التي كنت سأقول لك فيها اعتبر أن نهاية الفيلم هنا، وسأسألك بالطبع عن رأيك في "وطن البلح"، قاطعه الثائر قائلًا: "أحمد زكي قال في الفيلم "الشخير حق من حقوق الإنسان"، وهذا هو ردي، ونحن كنا نرفض مقولة "مصر مبارك" وأنت تمهد لي بدولة منسوبة لشخص اسمها "نبيهاليا"، بدون لف أو دوران عايز إجابة احنا فين وإيه التعديلات الدستورية دي". شقيق الثائر يرد: "مفيش فايدة، إحنا في نبيهاليا، لكن الشعب لم يتحد، والتعديلات تمنح مزيدًا من السيطرة على بلح الواحة، والطائرة لم تأت بعد. الثائر: "إذًا ما البُشرى التي وعدتني بها؟" شقيقه: "شعب الواحة ظل يحاول إشعال النيران لترى الطائرات دخانها ففشل، وحينما حاول الديكتاتور إشعال الواحة كان دخانها هو الذي اهتدت إليه طائرة الإنقاذ التي أنقذت كل الشعب باستثناء الديكتاتور". من واقعية صلاح أبو سيف أنه قال إن هذا الفيلم ليس له صلة بالواقع، بل هو تخريفة من تخاريف المخرجين، ثم في النهاية يقدم اعترافًا بأن الأمر لامس الواقعية من دون قصد"، فأغفروا لنا ما قد غفرتموه لـ"أبو سيف". من تتر العم سيد حجاب: نبيهاليا أحلى بلد في الدنيا/ نبيهاليا أغلى بلاد الله/ ترابها تبر هواها كلونيا/ ترابها حبر ما شاء الله/ الله.. الله.. الله.
#سيد_طنطاوي (هاشتاغ)
Sayed_Tantawy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ياسر رزق ..اغسلها وتوكل-
-
..ويظل المذيع يكذب حتى يُكتب عند الناس -قرموطًا-
-
-السيسي والطيب- ..ومعركة -أنت عارف وأنا عارف-
-
القول المفيد في جرائم -تركي والخطيب- ..الأزمة في السياسة
-
..وهل يليق بالصحفيين إلا النضال؟
-
معتقلو الفسحة ..عيطي يا بهية على القوانين
-
إلى الموهوب إبراهيم عيسى: -حمرا -
-
في حب النيل وشيرين
-
-عبدالناصر- .. كبيرهم الذي علمهم النصب
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|