|
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 81)
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 6187 - 2019 / 3 / 30 - 17:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ان الديموقراطية في اليونان هي سلطة الشعب، و لكن كيفية هذه السلطة و شكلها و نوعيتها لم تكن برلمانية و دستوية، ومع ذلك ان مصطلح الشعب بذاته كان يشمل الرجال الاثينينن و الاحرار، و ليس النساء و لا السكان الذين عاشوا في اليونان و اصولهم ليست باثينية، و لم تشمل العبيد ايضا، في الوقت انهم كانوا الاكثرية المطلقة لهذه المدينة، و بمجيء الحداثة و ظهور مفهوم المواطن كمفهوم سياسي مهم جدا و اصبح ممثل برلمان في النظام السياسي الحديث، فتغيرت هذه الدموقراطية اليونانية الى الديمقوراطية الحقيقية، و عن طريق هذا النموذج نريد ان نقول انه لليونانيين خصوصية رئيسية و هي انهم فكروا بعقولهم، و عليه تمكنوا من اين يكونوا هم الصاحب الاول لبداية ظهور العقل كطافة فاصلة و حاسمة للعثور على الاجوبة و الحل للمسائل المعرفية و العلمية، و هذا ليس بشرط ان نعنى ان اجوبتهم هي الاجوبة النهائية، و من هنا يمكن القول ان الخصوصية الاولى لتلك الحضارة هي انها حضارة عقلانية، و العقل بمعناه البدائي و المرحلة الاولى للتفلسف، فان هذه الحضارة ليست بنص مقدس، و عوضا عنه انها حضارة للاساطير المقدسة. و لهذا السبب كان لها اي لليونان فضاء منفتح و حرية للابداع و التفكير. ان ضعف السلطة الاثينية على المجتمع،كانت لتعدد اللآلهة في اليونان سيماء رئيسي لتلك الحضارة، ان تلك الآلهة كانوا يشبهون الانسان و كان تقديسهم لدى اولاءك الذين كانوا يؤمنون بهم، و ليس جميع المجتمع. كانت الخصوصية العامة لهم هي خلودهم و لهم القدرة المطلقة في مجال الالوهية، مع ذلك ان الدين هو المصدر الاول للتحليل و التفسير و شرح الوجود و الموت و مابعد الموت ايضا. و هذا ترك مجالا ان يكون العديد من التفسيرات و التحليلات الاسطورية المختلفة لهذه المسائل، من الجهة النظرية فان الفلسفة قد ردمت هذه الفجوة، لهذا السبب ان حرية الفردمن كافة جوانبها الاجتماعية و السياسية و الفكرية فيى هذه الحضارة، اكثر من كل الحضارات الاخرى. و كذلك يتحدث البدوي عن هذه الذاتية التي تظهر فيها. و بعكس الحضارات الاخرى و التي اصبحت موجودة بسبب هيمنة السلطة الدنيوية و الدينية للمجتمع و ليس للفرد. و بشكل عام كان الدين في اليونان هو سببا لتفرقتهم الى حد الذي كان سببا لوحدتهم ( 17). و هذا بسبب وجود تعدد الآلهة و التعددية الالهية، و التي كانت لكل منها قصة خاصة بها و سبب وجودها و ما عملها و ماذا تفعل و ما واجبها؟ ان هذه التعددية الخيالية كانت ارضية لتعددية التفسير و التحليل، و ان كانت هي اسطورية، و بشكل عام ان الفضاء الفكري الديني اليوناني و عدم وجود اي نبي وكتاب ديني مقدس و شريعة واحدة و دين ارضي واحد، ادى الى ان الفلاسفة كاكبر المؤثرين من النخبة للمجتمع لم يخفوا مواقفهم المختلفة حول الدين،, مثلا ان الفيثاغورث و افلاطون مزجوا الدين و الفلسفة، اما بروتغراس شك في الآلهة، اهملهم سوقراط و لم يهتم بهم، اما ديموقريطس فرفضهم، يوربيدس سخر منهم. الى ان وصل الامر ال ان تقتلع الفلسفة اليونانية المباديء الدينية دون ان تقصد ذلك(18). و بعكس الثقافة و الحضارة الاسلامية، التي كانت بالدرجة الاولى حضارة النص المقدس و النبي و شريعته. و بهذا الشكل فان عبور الفلسفة اليونانية الى الحضارة الاسلامية الذي هو عملية بمقدار ماكانت عقلانية و انسانية فبالقدر ذاته انها كانت مخالفا و لامتجانسا مع البعض، و بهذا الشكل كان التشويه لهذه الفلسفة في فضاء الثقافة الاسلامية، و ان جزءا كبيرا منها كانت تحت زخم و ضربات التناسب لهذه الفلسفة مع الدنيوية و المباديء الاسلامية، او الاصح ان نقول ان عبور هذه الفلسفة الى الحضارة الشرقية بشكل عام، و التي بطبيعتها كانت حضارة دينية و اصيبت بهذه العواقب. بالعودة الى اسباب تشويه الفلسفة اليونانية في الحضارة الاسلامية، نتمكن من ان نقول ان احد اهم الاسباب لذلك التشويه هو عبارة عن المؤلفات اليونانية التي ترجمت في بدايتها من السريانية الى العربية، و انها كانت من عصر الهلنستي للفلسفة اليونانية، لذا فان الجزء الاكبر لتلك النتاجات كانت معّفة باسم اليونانيين، بينما كانت للشارحين و التابيعن للسريانيين، في عصر تركيب الفلسفة و الفكر اليوناني مع الفكر و الفلسفة الشرقية ( 19 )، و هذا ما كان له تاثير كبير على جميع الافعال الفلسفية و النشاطات العقلية في الحضارة الاسلامية و ما افرزت منها من الافكار الصعبة، و التي يمكن ان نشير باختصار الى ثلاثة اسباب: الاول: ان المسلمين في المرحلة الهلنستية لم يطلعوا على الفلسفة اليونانية و لم يعرفوها، هذا في مرحلة الخلط و تركيب الفكر اليوناني مع الفلسفة الدينية و الفكرية للشرق، و التي تكون فيها الافلاطونية الجديدة و الهرمسية اهم عناصرها، اما الهلنستية فهي تلك المرحلة و التي بسبب ما حدث فيها من الاحتلال و الهجوم العسكري لاسكندر المقدوني الى الشرق، فانها نشرت الحضارة و الفكر اليوناني. و يبدا هذا بموت الاسكندر في عام 323 قبل الميلاد الى القرن السابع و بداية الفتوحات الاسلامية، وكانت اهم مراكز الفكر اليوناني في تلك المرحلة في الاسكندرية في مصر و روها و مدرسة النصيبين في سوريا قبل مجيء الاسلام و في تركيا الان و جنديسابور في ايران, قبل ظهور الاسلام كان للسريانيين دورا رئيسيا في ترجمة تلك المؤلفات الى اللغة السريانية و كتب عنها و فسرت بشتى الانواع و انتشرت في هذه المنطقة، فان قسما من العلماء و الاطباء اليونانيين رحلوا الى الشرق لاسباب مختلفة و في مقدمتها القمع الديني، و بالاخص الى بلاد ايران و جنديسابور، و التي كانت مركزا مهما للطب و اشتهرت لدى جميع المناطق، الى انه عند مرض الخليفة العباسي المنصور جاءوا بطبيب من تلك المدينة، وبعده ابنه جورجيس الذي كان اسمه يختيشوع، خدم هارون الرشيد و المامون و المعتصم و الواثق و المتوكل. ( 20). و بهذا الشكل فان الجانب الرئيسي لهذا التشويه و خلطه بالفلسفة اليونانية وفق العقيدة الشرقية، يعود الى عصور ماقبل مجيء الاسلام و بداية الترجمة لتلك المؤلفات الى اللغة العربية. ذلك الوقت الذي اخذ جزءا كبيرا من هذه المؤلفات عن طريق رجال اللاهوت المسيحي و اليهودي في مصر و الشام و ايران، و اولاءك الذين كانوا سريانيين انهم اختلطوا بعملية مناسبة بالعقيدة الدينية، بعد ذلك عندما بدا المسلمون تلك العملية و لنفس السبب وهو من اجل تلائم الفلسفة اليونانية مع العقائد الاسلامية ازداد هذا التشويه مرة اخرى. احد تلك الكتب العلمية حول دور السريان في حركة الترجمة و تنمية العقل الفلسفي الاسلامي هو كتاب ( السريان و الحضارة الاسلامية، الدكتور: شحات السيد زغلول) في هذا يُظهر المؤلف من العديد من الجوانب الشكل و السبب و النتائج و الافرازات لمشاركة السريانيين المسيحيين في عملية الترجمة للمؤلفات اليونانية و الفارسية و الهندية في الحضارة الاسلامية، في المؤلف نفسه توضح المراكز الرئيسية للمؤلفات الفكرية اليونانية قبل قرون من مجيء الاسلام، وهي عبارة عن الاسكندرية، تقع هذه المدينة في مصر، كان اهم مركز لتعليم الفكر الفلسفي اليوناني(21) . كان مركزا مهما لليهود و بدات اول محاولة فلسفية لتلائم الفلسفة اليونانية بالدين و بعكسه، و كذلك قراءة النص الديني للعهد القديم وفق المعطيات الفلسفية اليونانية على ايديهم. و انتشرلاول مرة و على ايدي السريانيين ، تاسوعييو افلوطين باسم لاهوت ارسطو، و اخذه منهم المسلمون. ( 22). حران: مدينة كانت تقع في شمال العراق قديما، ولكن الان تقع في الاراضي التركية، ان سكانها مزيج من الوثنيين و اليونانيين الذين جاءوا منذ عصر الاسكندر، عندما وصلت المسيحية الى تلك المنطقة، هؤلاء بقوا على عقيدتهم و منذ عصر مامون سموا بالصابئة (23).
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (79)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 79)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 78)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 77)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (76)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (75)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (74)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (73)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (72)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 71)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (70)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (69)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 68)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (67)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (66)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (65)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 64)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 63)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 62)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (61)
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|