طالب الوحيلي
الحوار المتمدن-العدد: 1531 - 2006 / 4 / 25 - 11:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعيدا عن الاسترسال بسرد تاريخ التحالفات السياسية وتكون الائتلافات ، فان ما شهده تاريخ العراق الحديث يوقفنا امام بعض الشواهد من هذا القبيل كالتحالفات التي سبقت ثورة العشرين برغم نحوها منحا عفويا، وما أعقبها من تكوين بعض الجبهات كجبهة الاتحاد الوطني التي أدت الى تأسيس الجمهورية العراقية والجبهة الوطنية عام 1973، وبغض النظر عما رافق هذه التحالفات من سلب او ايجاب فانها اشتركت بعدة صفات، أهمها عدم الانسجام الايديولوجي في مكوناتها او بالاهداف الحقيقية وعدم التكافؤ من ناحية العمق السياسي والتاريخي والحجم في الساحة الشعبية مما أردف عليها طابعا تكتيكيا (مؤقتا) ينتهي بانتهاء الاهداف الآنية التي تشكل من اجلها ذلك التحالف ،وقد لمسنا فشل تلك الائتلافات في نتائج ثورة العشرين التي وضعت أسس المعادلة الظالمة التي أدت الى تهميش أكبر القوى المحركة لمجرياتها ،وسيادة قوى أخرى أقل شأنا منها، وتكرر أمر التحالف ابان ثورة تموز 1958 حيث تحالفت أحزاب وحركات سياسية يعد بعضها مضادا للاخر، بين أديولوجيات مختلفة وأهداف متنافرة ،وبالنتيجة انتهى هذا الحلف كمثيله بتحقق قيام الثورة دون الاستمرار على برنامج عام يمكنهم من بناء العراق على وفق أسس سليمة، وقد أدى ذلك الى سنين من التصفيات الجسدية وانتهى الامر بانقلابات دموية لتعاد التجربة بعد الانقلاب الدموي لحزب البعث في عام 1968 الذي وجد نفسه منعزلا امام الشعب، وقد أحاطته أخطار يمكن ان تفشله وتسقطه ، فلجأ الى ذات الوسيلة وهي اعلان تحالف جبهوي مع عدة أحزاب يمكن من خلاله تطوير مؤسساته الحزبية والقمعية والكشف عن سرائر أعدائه المتحالفين معه ،والاستفادة من قدراتها الفكرية والتنظيمية واستمطائها لترصين اسس بقاءه، لكي ينقلب عليهم فيما بعد ويتمكن من تصفيتهم سياسيا وجسديا، بعدما تنعم بفضل ما قدموه له من خدمات كبيرة ، تمثلت بتأميم النفط والقضاء على الحركة الكردية وتصفية بعض القوى الاسلامية التي تنامى خطها عليه بالاقتران مع حركة الشهيد الصدر (رض).. تلك التجارب التكتيكية، قد أكل الدهر وشرب عليها، والشعب العراقي اليوم أكثر وعيا وتأثيرا على مسار الاحداث ومقاييسها ،وتحالفات اليوم اختلفت عن غيرها ابتداءا من توحد القوى الاسلامية فيما بينها في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، كأهم جبهة تصدت للنظام الصدامي بكل أدواتها المادية والفكرية وتمكنت من هدم كل أركان حكمه ليبقى مجرد شاخصا في مهب الريح..و ليسقط فيما بعد بسقوط أصنامه. وتاريخ المجلس الاعلى دليل على قدرته الفائقة في استقطاب أهم القوى الاسلامية الفاعلة وأهم الشخصيات ذات العمق الشعبي، وقد تحرك ضمن أبعاد واسعة على ساحة العمل السياسي العراقي في المنفى، مما أثمر عنه التأسيس لتحالفات استراتيجية مع القوى الكردية ومع احزاب سياسية تتصف بوطنيتها الحقة وصدق رغباتها في اسقاط النظام الصدامي، وبناء عراق ديمقراطي موحد، ولعل انسجامها بقي شاهدا في التأسيس لمجلس الحكم المنحل، وما بدر منه على صعيد السعي لاستعادة السيادة العراقية والتحكم ببعض القرارات الخطيرة ،ومنها تاسيس الجمعية الوطنية عبر فرض خيار الانتخابات العامة التي ،كانت بمثابة تحد شعبي كبير لكافة القوى التي راهنت على افشالها بكافة الوسائل والاساليب ،والتجارب الانتخابية بالامس القريب هي خير محك لظهور الائتلافات ،حيث برزت الى السطح ائتلافات مهمة كالائتلاف العراقي الموحد، الذي وجد جذوره في ذلك الاساس الاستراتيجي المشار اليه، وقد دخل أول معترك انتخابي لتشكيل الجمعية الوطنية تأكدت من خلاله رصانة هذا الائتلاف عبر أكبر كتلة برلمانية امتازت بالانسجام، لتبقى مستمرة لاعداد العدة للانتخابات النيابية وقد تبلورت اكثر بكثير خطوطه وخطواته التي بشرت بمستقبل زاهر، لاسيما وان امامها مهام لا تقل شأنا عن مهمة كتابة الدستور لما تبقى منه من متعلقات خطرة، تتمثل بالقوانين المكملة له وبما يمكن ان يقع عليه من محاولات لتعديله عبر الالية البرلمانية وما تفرزه نسب التصويت المختلفة داخل قبته ، فضلا عن المشاريع الحيوية التي لا يمكن ان يشهدها العراق الا في ظل الحكومة الدائمةالتي قد انتاب الناخب العراقي الياس من ظهورها على النحو الذي يرضي طموحه الانتخابي ،الذي لم ياتي بصورة اعتباطية او كترف سياسي ولا لسواد عيون البعض ،الذي يكاد يتهمه الشارع العراقي بالمستخف بصبر وحزن الملايين التي كابدت وكابدت حتى اختلط زادها بدمائها المراقة على اسفلت الشوارع البائسة، وامتزج بخراب المدن المزمن التي طالما ارتجت ان يعمرها ابناءها، الذين حانت لهم الفرصة الذهبية في ان يكونوا اصحاب الشأن في تنفيذ كل الاحلام المعطلة لكافة ابناء وادي الرافدين،وقد كثر حديث بعضهم عن ان المناصب هي تكليف وانهم ازهد مايكونوا عنها وابعد من ان يكون طموحهم النهائي هو التمسك بالمناصب الدنيوية الزائلة كزوال كافة الديكتاتوريات والانظمة الشمولية ،الشعور المر بعدم الرضى عن مايجري منذ سقوط الطاغية ولحد اليوم ،هو شعور مشروع في عرف الديمقراطية بل وفي حكم جميع الافكار الانسانية،فبالرغم من ايمان ابسط مواطن عراقي بان ظروف الاحتلال واستفحال الارهاب المتمثل ببقايا النظام المقبور وحلفائهم في الداخل والخارج وتدخل دول الجوار في فرض حالة عدم الاستقرار لحسابات كثيرة،الا ان واقعه البائس لايتيح له المجال في قبول كافة ما يطلقه الساسة من مبررات، تكاد تتحول الى اتهامات خطيرة ضد كل من يقف اليوم في الميدان السياسي، ولاسيما منهم من يسعى لتعطيل وعرقلة استكمال المهام الدستورية في البلاد،والاعلان عن تشكيل الحكومة الدائمية التي غدت اليوم الحمّالة التي وضعت عليها كل الاخفاقات السياسية والادارية بما في ذلك معالجة الوضع المعاشي والخدمي والاداري اللذان يضغطان على كاهل الاسر الفقيرة بعد ان ابى الفقر ان يغادرها ،بسبب الحاجة الى توفير ابسط متطلبات الحياة اليومية ،حيث لايستطيع احسنهم حالا شراء اسطوانة غاز او صفيحة نفط او استقلال سيارة اجرة ،فما باله بالارهاب والمجازر اليومية التي عجز عن اجتنابها، فصارت من المسلمات التي ينتظرها كل حين ومكان ،أي انها اضحت قدره اليومي الموعود،دون فرق بين من يرتكبها .فضلا عن اليأس من الحصول على ظيفة تليق به دون رشوة او محسوبية حتى ولو كانت تلك الوظيفة الانخراط بالشرطة او الجيش اللذان يعدان اليوم الهدف الرئيسي لقوى الشر والحقد الاسود وهي يسرها ان ترى الاخفاقات والفشل في معالجة الملفات بعدما تبنتها القوى التي اختارها هذا الشعب !!
وعودة الى موضوع تحالفات الكيانات السياسية التي تشكلت في اطار اللعبة الانتخابية ،فهل جرت بعيدا عن تلك التجارب وقد عاشتها بعض الاحزاب العراقية القائمة حاليا، وتلظت بنارها لتجد نفسها امام امتحان جديد ازاء تاريخها السالف ومستقبلها وسط ابناء الشعب ، وهل تمكنت من وضع برامجها المستقبلية بعيدا عن المصالح الآنيةوالتكتيكات القصيرة العمر؟ انه اختبار والحكم فيه الشعب و هو مدرسة كل السياسات
#طالب_الوحيلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟