أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - غرفة سبينوزا على السطح














المزيد.....

غرفة سبينوزا على السطح


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6169 - 2019 / 3 / 11 - 17:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يؤكد الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا في رسالته السياسية بأن الغاية الأخيرة من الدولة ليست التسلّط على الناس أو كبحهم بالخوف والعسف والجور، ولكن الغاية منها تحرير الإنسان من الخوف كي يعيش ويعمل في جوٍّ من الطمأنينة والأمن في ظلّ سلم اجتماعي عام. ويقول: إنَّ الغاية من الدولة ليست تحويل الناس إلى وحوش آدمية، ينهش بعضها بعضاً, ولكن الغاية منها تمكين مواطنيها من عيش حياة كريمة تسودها حرية الفكر والعقل والوجدان. إن هدف الدولة الأول والأخير هو الحرية لمواطنيها.
1
ماذا يفعل الناس لو كبتت القوانين التي تضعها الدولة نموّهم وخنقت حريتهم؟ ماذا يفعل الناس لو اتجهت تلك الدولة بنظامها الحاكم إلى إيثار مصلحة الطبقة الحاكمة والتسلط على الشعب واستغلاله، وسعى الحكَّام إلى الاستئثار بالمناصب والكراسي وعدم إفساح المجال لغيرهم للوصول إلى الحكم؟
2
يُجيب سبينوزا عن هذه الأسئلة بوجوب احترام القوانين حتى ولو كانت جائرة وظالمة، ما دامت الدولة لا تمنع الناس من حرية الكلام والاحتجاج للوصول إلى تغيير الأوضاع بالوسائل السلمية. إذ أنَّ حرية الكلام والاحتجاج والنقد ستؤدي في النهاية إلى تغيير الأوضاع الفاسدة. ويُضيف: إنَّ القوانين التي تُقيد حرية الكلام والفكر والاحتجاج تهدم جميع القوانين في الدولة. لأنَّ الناس لن يلبثوا زمناً على احترامهم للقوانين التي لا يجوز لهم نقدها.
3
ثمَّ يقول:
كلَّما زادت الدولة من مكافحة حرية الكلام زاد الشعب عناداً في مقاومتها. لن يتصدى لمقاومة هذه القوانين أصحاب الشره والطمع من رجال المال، بل أولئك الذين تدفعهم ثقافتهم وأخلاقهم ووجدانهم وفضائلهم وكرامتهم إلى اعتناق الحرية. فقد جُبِلَ الناس بوجه عام على ألا يطيقوا كبت آرائهم التي يعتقدون بأنها حق وألاّ يصبروا على محاربتها واعتبارها جرائم ضد القانون. وعندئذ لا يعتبر الناس أن مقت القوانين والإمساك عن مقاومتها عار وخزي بل شرف عظيم. لأننا لو جعلنا أعمال الناس وحدها أساس المقاضاة والمرافعة وتدخّل القانون، وأطلقنا الحرية للكلام والنقد، لكنا بذلك جرَّدنا الاحتجاج والسخط الشعبي من جميع مبرراتها ومسوغاتها. فكلما قلَّتْ رقابة الدولة على الفكر ازداد المواطن والدولة صلاحاً.
4
بينما نجد سبينوزا يعترف بضرورة الحاجة إلى الدولة فهو لا يثق بها. ولا ينظر بعين الراحة إلى امتداد سلطة الدولة من أجسام الناس وأعمالهم إلى نفوسهم وأفكارهم، لأن هذا يؤدي إلى توقف نمو الجماعة وموتها. وهكذا فهو يعارض سيطرة الدولة على التعليم مثلاً, وخصوصاً في الجامعات. فيقول: إنَّ المؤسسة العلمية العامة التي تُنفق عليها الدولة لا تستهدف تنمية إمكانيات الناس الطبيعية بل تُقييدها وتحدُّ من حريتها. قد نتفق مع سبينوزا في هذا الرأي أو نختلف، ولكنه يؤكد من جهة أخرى: حين ينال الناس حريتهم فلن يُضيرهم أي نوع من أنواع الدول تتولى أمورهم. ويميل سبينوزا إلى تفضيل الدولة الديمقراطية لأنه يُعارض وضع السلطة كلها في يد رجل واحد.
5
يظنُّ عامة الخَلق أن وضع السلطة في يد رجل واحد يؤدي إلى السلم الاجتماعي وتوطيد الأمن وتوحيد الصفوف في الدولة. ولكن القضية ليست على هذه الصورة، إذ لا نجد دولة بين الدول لبثت أمداً طويلاً ولم تتعرض لحوادث وتغييرات مهمة تعكر صفو الاستقرار الاجتماعي والأمن كالدولة التي يحكمها رجل واحد.
6
وإذا كانت العبودية والخضوع لأمر رجل واحد يعني سلاماً فليس أتعس للناس من هذا السلام. ولا شك أن النزاع بين الآباء والأبناء أشد وأكثر من النزاع بين السادة والعبيد. ومع ذلك فليس في صالح الأسرة أن يتحول حق الأب في إدارتها وتوجيهها إلى امتلاكها ومعاملة أولاده معاملة العبيد. ومن هذا يتضح لنا أن وضع السلطة كلها في يد رجل واحد يؤدي إلى العبودية لا إلى الحرية والسلام.
7
من يعلم أي ضوء من العبقرية كان سيلقيه سبينوزا على السياسة الحديثة لو طالت حياته وفرغ من كتابة رسالته السياسية؟ ففي عام 1677 كان فيلسوفنا يُقيم في ضواحي أمستردام في غرفة على السطح وقد بلغ الرابعة والأربعين من عمره, ومرض السل ينخر رئتيه, وبدأ يشعر بأن النهاية باتت قريبة, وقد أعدَّ نفسه لهذه النهاية المبكرة, ولم يخف إلا على أبدع ما ألَّفه وهو رابع كتبه "الأخلاق" الذي لم يجرأ على نشره في حياته. و لئلا يضيع أو يتلف بعد موته وضعه في درج مكتب صغير وقفل عليه وأعطى المفتاح لصاحب المنزل, وطلب منه أن يرسل المكتب والمفتاح إلى الناشر في أمستردام بعد موته. ومما يؤسف له أن سبينوزا كان يكتب رسالته السياسية حين اختطفه الموت. ولا يسع المرء إلا أن يشعر بالخسارة الجسيمة بانتهاء حياة هذا الفيلسوف في البرهة التي بلغ فيها أوج نضجه الفكري. ومقدمة هذه الرسالة السياسية التي وصلت إلى أيدينا لم تكن سوى المسودة الأولى لأفكاره السياسية. اختطفه الموت عندما كان يكتب فصلاً عن الديمقراطية. وقد قيل: لو كان نابليون ذكياً وفطناً كما كان سبينوزا لآثر أن يعيش في غرفة على سطح بناية, وكتب أربعة كتب.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات آدم وحواء
- الشيوعية أنجيلا ديفيس...الطريق طويل من أجل الحرية
- خطبة امرأة فدائية
- المُسْتَطْرَفُ في حِكْاياتِ النّساءِ
- العدلُ أساسُ المُلكْ2/2
- العدلُ أساسُ المُلكْ 1/2
- في ذكرى رحيل القاص السوري تاج الدين الموسى
- أوائل الأمثال المُدوَّنة
- الحاج مراد ...رواية تولستوي المنسيَّة
- ثعالب مصر ونواطيرها
- الزمكان... في نص الروائي السوداني الطيب صالح
- هل ذيل السعادة أملس؟
- هل يسكر الحيوان؟
- أيها المُعرضون عن الكلام
- الرَّقصُ في حقول البرتقال
- بالروح بالدَّم نفديك يا عدنان
- كتبٌ تعيشُ ولا تموت
- جنوسة الوعي...حواء النمط المبدئي للجنس البشري
- تعلَّم الحريَّة في سبعة أيام
- ثلاثية الخروف السوري والدولار الأمريكي


المزيد.....




- رفع شاحنة من مكانها وقذفها بعيدا.. سائقة توثق ما حدث لحظة هب ...
- بوتين يُحدد شرط موسكو لإيقاف الحرب على أوكرانيا.. ويُعلق على ...
- الفصل الثالث والستون - غابرييل
- شاهد.. عروس بالنقاب تستفز المصريين خلال حفل زفافها
- عبد الملك الحوثي: انحسار الاهتمام بأحداث غزة أخطر نقطة ضعف ل ...
- ميخائيل بوغدانوف وحسين عوض يبحثان حل الأزمة في السودان
- شاهد: شمال إسرائيل مشتعل مستعر وحرائق واسعة في الجولان بعد إ ...
- بعد استدعاء السفراء: أردوغان قد يحضر مباراة تركيا وهولندا في ...
- إعلام: التشيك لن تعترف بجوازات السفر الروسية غير البيومترية ...
- أنور قرقاش يتحدث عن -معالم مشهد دولي مقلق وغير مستقر- ويثير ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - غرفة سبينوزا على السطح