أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أكرم جلال كريم - النفس ووسائط الفيض الألهي (الجزء الأول)















المزيد.....


النفس ووسائط الفيض الألهي (الجزء الأول)


أكرم جلال كريم
(Dr. Akram Jalal)


الحوار المتمدن-العدد: 6164 - 2019 / 3 / 5 - 19:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ألنَّفسُ وَوَسائِط الفَيض الإلهي

(الجزء الأول)

لَم تكُن لمُفردة النّفس لَدى أهل اللّغة والفِكر والفَلسفة تَعريفاً واحداً مُتّفقٌ عليه، بَل كانَت عندَ البعض مِنهم مِنَ المُعضلات والمسائل المَعَقّدة لأرتباط مَعناها بمعنى الروح ، ولِتَرابُط الخصائص والوظائف لكلٍ مِنهُما، ولأن تَعريفَهُما قَد يَختَلف باختلاف الأديانِ والمَذاهبِ والآراء .فَقد يكونُ للنّفس تَعريفاً يَنطلق من البعد العقائدي يختلف عن تعريفها فلسفياً، فَللفلاسفة المَشّائين علی سبيل المثال تعريف يختلف عمّا لدی الإشراقيين ، وقد تَختلف التّعريفات تبعاً للمدراس الفكريّة والمَذهبية، فالمُعتزلة لهم تَعريفٌ وللأشاعرة تعريف وللإمامية تعريف وللإسماعيلية تعريف,وهكذا لباقي الفُرق والمذاهب.

وفي هذا المَقال المُختصر، ومن أجل الغور في مَفهوم تَزكية النَّفس وبيان ارتباط هذا الأمر بالمَدَد والفَيض الالهي، لا بُد لنا أولاً مِن تبيان مُوجزٍ عن النّفس وماهيَتها وعلاقتها بالجّسد وأين دور الروح في هذه العلاقة.
النّفسُ تَتمَوضع داخل الجسم فتأخذ شكله وحجمه، أحاسيسه ومشاعره، وتتولى قيادة الجسم فتَستخدم أعضاءه من أجل التّعامل مع الواقع والتفاعل معه. ألإنسان إذاً هو ثُنائي التركيب، فالنّفس هِيَ جَوهره وحَقيقَته وأما الجّسد فَهُو ادواتٌ تُسَيطر النّفس على حَركتها وتُسييرها وَلَولا وجود النّفس في الجّسد لتَوقّـف الاخير عن الحَركة ولأصبحَ جامداً، وبعبارة أخرى فالجّسد هو عبارة عن وسيط بين النفس وبين العالم الخارجي.
وللملائكة أنفسٌ داخل أجسادها النورانية من طبيعة العالم النوراني الذي خُلِقوا منه، وحينما يَحين دَور النّفس البَشرية وَتَبدأ في عالم الدنيا يَبعثُ اللّه الروح الى ذلك الجسد المادي, بَعد أن مرّ بمراحله الثلاث, فَتنشأ للجنين في بَطن أمه إرادة مستقلة بسبب النفس (الروح ) التي نُفِخَت فيه. فهذه الروح حينما تُنفَخ داخل الجّسد تُحَوّل الجّسد الى كيان يَسمع ويُبصر ويَحس، حينها لا تسمّى روحاً بل يكون إسمُها نَفساً. وعندما تكتمل بُنية الجسد ويُصبح الإنسان مهيأ لكي تَقُودُه نفسه لتكون سمعه وبصره ومشاعره وتفكيره وإدراكه، قال الله تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ [ السجدة: 7-8 ] .

أنّ النّفس هي ذات الإنسان التي يقع عليها التكلّيف والتعذّيب والنعيم والشقاء، فقول الله جلي في هذا الشأن: ﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ ]النساء: 79[، وفي آية أخرى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [ المائدة: 30]، وفي آية أخرى: ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [المائدة: 9].
وللنّفس حَواسّها كالسّمع والبصر والشّم والتذوق واللّمس، ولكنها تَستخدم أدوات الجّسد للوصول الى تلك الحواس عبر جهاز المخ، فالنّفس تَسمع عن طريق أداة الجسد وهي الأُذن، وتُبصر بالعين، وتَشُم بالانف وتَتذوق باللّسان وتتَلمّس بالجلد.

فالنّفس أذاً تَستعين بالجّسد لكي تُبصر وتَسمع فَتعمل بما أمر الله من أجل نيل أعلى المراتب العبادية قبل أن يموت الجّسد فَتَخرُج النّفس لتعود الى المكان الذي جاءت منه لقوله نعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 57]، ثم لابُد لها منَ الرجوع ثانية للحساب الاخرَوي فَتَنال جَزاءَ ما قَدّمت يَديها في الحياة الدنيا، قال الله تعالى ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ ]البقرة: 48[.
فالنّفس هيَ المُوجّه الحقيقي للبدن والمُسيطر عليه وهي مَنشأ الأعمال والأفعال والأقوال وهي في الأصل جُبلت على الخَير والعمل الصالح والتوحيد لقول الله تعالى: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: 30]، فإن صَلُحَت هذه النّفس واستَقامَت صفاتها وأخلاقها كانَت هيَ الدَّليل والمُرشد نحو الخَير والصّلاح ومَنشأ الحَسَنات والنجاة في الدنيا والآخرة، وهنا لا بُد من الاشارة الى أن الإنسان في دارِ الدنيا إنّما هُو في دارِ امتحانٍ واختبار، والنّفس البَشرية التي خلقها الله قد تكون بَين مراتب ثلاث، تبعاً لعمل الإنسان، فالله جَلّ جلاله جعله مخيراً في عَمله وما يَصدُر منه وله انعكاسه واثره على النّفس، قال الله تعالى ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 7-10]، فَحُسن الخُلق والأعمال الصالحة تُزكّي النّفس وتَرفعها الى مَرتبة النّفس المُطمئنة، كما أشار القران بقوله: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27-30].

والمُؤمن عندما يُكثِر من عَمَل الخَير يُولّد في نَفسه مَرتَبه أخرى للنفس تكون لَه دليلاً ومُرشداً ومُحذراً وَواقياً من السقوط في المَعاصي وتلك هي النفس اللّوامة، أي التي تَلومُ الإنسان على الإتيان بالمعاصي والمُوبقات أو حين التباطيء في أداء الطاعات، قال الله تعالى: ﴿لا أقسم بيوم القيامة* ولا أقسم بالنفس اللوامة﴾ [القيامة: 1-2 ].
وقَد تَميل النّفس نَحو الهوى والضّلال وتَجنح نَحو السوء والفحشاء والرذائل فَتَعمى عن طاعة الله وتلك هي النّفس الأمّارَة، فإنْها لا تَزيد الانسان الاّ طُغياناً وضلالاً وتيها، قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [ الجاثية: 23 ].

فعَن أمير المؤمنين علي عليه السلام انّه قال: (إن النّفس لجوهرة ثمينة من صانَها رَفَعها وَمَن ابتَذَلها وضعها1)، فاختيار الإنسان بميوله نَحو الشهوات والملذّات الشيطانية الفانية يُمرّض النّفس ويُفقِدُها حَقيقة جَمالها المَلَكوتي الذي خلقه اللّه عليها فتصبح أمّارةً بالسوء، ضالة مُضله، تَختِم على سَمْعِ الانسان وَبَصره وتَضَع عليه غشاوة فَيتَردى ويسقط في ضلاله.

مِن هنا جاء الدَّورُ الرسالي للأنبياء والمُرسلين في تَوجيه وإرشاد النّاس الى ما فيه خَيرٌ لأنفسهم فَزَخارف الدنيا الفانية ومتاعها الزائل والشّهوات والأهواء لا تَنسجم مع حقيقة النّفس الملكوتية، والمؤمنُ التّقي الوَرِع هُو الذي يُميّز بين ما يَنفعه لآخرته وما يَضُرّه، وهو يَعلَم أنّ ثمرةَ نَهي النّفس عن كل ما يغضب الله ويُوجِب سَخطة فان عاقبة ذلك هي الجنة، وذلك هو الفوز العظيم، قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 40-41].

27 جمادي الثانية 1440

1. غرر الحكم: ص139.



#أكرم_جلال_كريم (هاشتاغ)       Dr._Akram_Jalal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفس ووسائط الفيض الإلهي (الجزء الثاني)
- سُفُنُ الأمان بين الفَلسَفة والعرفان ( الجزء الثاني)
- سُفُنُ الأمان بين الفَلسَفة والعرفان ( الجزء الثالث)


المزيد.....




- السجن 11 عاما لسيناتور أمريكي سابق لتلقيه رشاوى من رجال أعما ...
- مبعوث ترامب: على مصر والأردن تقديم بديل لرفض استقبال الفلسطي ...
- المقاومة الفلسطينية وأسطورة ترامب
- هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
- علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
- ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
- برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي ...
- رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف ...
- مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم ...
- منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أكرم جلال كريم - النفس ووسائط الفيض الألهي (الجزء الأول)