|
نخبة النخبة بالمغرب
محمد البوزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1529 - 2006 / 4 / 23 - 07:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد شكل الجيش على مر التاريخ داخل مختلف المجتمعات قوة خاصة متميزة, فهو الضامن مبدئيا للأمن العام و هو المدافع عن حوزة البلاد،و إليه يعهد بكل المهام الصعبة التي تتطلب تعبئة استثنائية. لكن في الدول المتقدمة ومع التطور السياسي والاجتماعي الذي خضعت له فقد تم تحجيمه وتحييده وترك مهمته تتمثل في حماية البلاد على المستوى الخارجي والتجند للكوارث الطبيعية ناهيك عن الابتعاد عن الدخول في الصراعات المجتمعية المختلفة . ولأهمية موقع العسكر في الساحة المغربية فقد خصص الباحث العطري فصلا لنخبه محاولا أن يعيد الجيش " إلى واجهة السؤال السياسي" لا126, فجاء تحليلا جيدا يكشف بوضوح عن جهاز ظل خلف الظل يهاب الجميع الاقتراب من أسراره و تجلياته لوزنه الخاص والعام داخل جسم السلطة بالمغرب . كما أن موقع رجالاته في النسق السياسي المغربي جعلت حتى الصحافة تتهيب الاقتراب منه فلا تتناوله بالنقد والتحليل -إسوة بالبرلمان الذي ألف عدم مناقشة ميزانيته والاكتفاء ب "التصديق عليها مباشرة 17" مثل ميزانية البلاط رغم أن الممثلين يتكلمون باسم دافعي الضرائب الذي تمول منه هذه القوة . لكن منذ بداية القرن الحالي بدأ نقاش موضوع الجيش يهيمن على الساحة الصحافية لاعتبارات شتى نذكر منها : 1. إن التطرق للجيش – بالمفهوم العام للكلمة والذي يتضمن القوات المساعدة والقوات المسلحة إضافة للأمن الوطني والدرك الملكي والبحرية .....- قد يدخل ضمن تكسير الطابوهات الذي ترافق مع" العهد الجديد" إسوة بأسرار النظام السياسي طوال المرحلة السابقة والتي تنافست الصحافة في زمن ما على نشر ها ،لاعتبارات مختلفة كتصفية حسابات سياسية أو أبعاد تجارية أو....... 2. إن طرح ملفات الجيش يمكن اعتباره مادة إعلامية دسمة لإثارة المتلقي المغربي وتشكيل موضوع متميز خاصة أن بعض محاوره الفساد وسرقة العتاد.وكتم الأصوات النشازة من داخله و....و....و..... 3. إن الأمر جاء بعد اختراق أعضاء من نفس المؤسسة للحظر المفروض على هذه المؤسسة، وإن كانت نتيجة المحاولة هي الدخول إلى السجن والطرد من الوظيفة.. لذلك نعتقد أن التطرق للموضوع في الكتاب جاء كانفراد متميز حاول الباحث من خلاله الجمع بين التأريخ لماضي وتحليل حاضر وتأمل مستقبل مؤسسة تبدو غامضة،دون السقوط في الإثارة المجانية والتي احترفها البعض.ولا غرابة فهذه المساهمة أيضا تأتي كلبنة أولى لما يمكن تسميته ب سوسيولوجيا العسكر المغربي الذي أصبح حديث العام والخاص ... بعد أن كان يبدو "ممحيا من دوائر التحليل والنقاش السياسي "129 رغم حضوره بشكل غير مباشر في المخيال الجمعي ،لذلك لم تتردد المؤسسة نفسها في فتح أبوابها ولأول مرة في سنة 2006 للجمع بين الحوارات الصحفية للقادة "الصغار " ،وبيان منجزاتها وإقامة معارض تعرف بها وبأسلحتها وأطرها و...بل تم تنظيم معرض في الأسبوع الثاني من ابريل 2006 بمراكش تحت عنوان "الجيش والمجتمع". فهل محاولة الكاتب التطرق بالتحليل لبعض أسرار الجيش أتى صدفة مع قرار المؤسسة العسكرية بالمغرب، أم أن كلا الطرفين –الكاتب والمؤسسة –كانا يدركان أن الزمن أصبح مواتيا لإستجلاء المخفي ، والإقتراب من المواطن خاصة أن العلاقة بين الطرفين –الجيش والمواطن –كانت على الدوام متسمة بالحذر الشديد والعداوة التي تستيقظ عند تذكر المخيال الجمعي لطريقة ومواقف الجيش في لحظات خاصة برهن ومن خلالها على وفائه للقصر ضد الشعب الذي ينتمي إليه أغلب أفراده كمحطات 1958/1965/1981/1984/1990..... إذن كيف استطاع الباحث العطري أن يوصل للمتلقي جينالوجيا هذه المؤسسة بكل تقاطعاتها وتوافقاتها وطموحها ومواقعها المختلفة داخل النخب المغربية ؟ 1ــ موقع النخبة العسكرية بين النخب المغربية: هل كان الكاتب محقا حين اعتبر الجيش "سلطة فوق كل السلط"133 ؟ إن الجواب على هذا السؤال يجب أن ينطلق من تداعيات أحداث 16 ماي و ما حملته من تأثيرات بليغة على المجتمع المغربي حين نقلت إلى بلدنا نسخة منقحة من "الكاميكاز" الياباني. حينها و في سابقة على أكثر من دلالة لم يتردد أحد أقطاب هذه النخبة و هو الجنرال حميدو العنيكري من التصريح بلسان الجيش "أنه لن يظل مكتوف الأيدي إذا ما وصل الإسلاميون إلى سدة الحكم عبر بوابة الانتخابات "133 . فهذا التصريح الذي ذكر به الكاتب مرارا يبرز وبجلاء حقيقة لم تكن معروفة بهذه النصاعة في النظام السياسي المغربي وهي أن الجيش حاضر في الميدان رغم غيابه عن الواجهة في ديمقراطية الفيترينا ، فالتصريح أبعد مايكون مستبعدا عن ربطه باللحظة بل هو تصريح يحدد موقع الجيش بقوة في المشهد السياسي العام لكن سواء أكان موحى به –كما نعتقد- أو صدر تلقائيا فهو يعبر عن من يحكم المغرب فعلا!!! و إلا لماذا لم يتدخل سياسي ليعطي نفس التصريح و لو من باب المزايدات السياسية التي تطفو على الحقل السياسي من حين لآخر. كل ذلك يؤكد الكاتب أن الجيش "نخبة النخبة" التي تحوز سلطة فائقة الخطوة "لاتكتفي بمراقبة ما يحدث في الحقل السياسي و الاجتماعي ...بل تعمد إلى صناعة الحدث و توجيه القرار". و عبر هذا الحكم يمكن أن نتساءل مع الكاتب تساؤلا ت عدة مازالت تحتاج لجواب مقنع في زمن مقنع بالغموض المتميز للجيش في المغرب وعلاقته بالطبقة السياسية . 1+على ضوء الوزن الخاص للعسكر بالمغرب ما موقع الطبقة السياسية إذن في المشهد المغربي؟ وهل تتحرك وفق خطة خاصة مفادها أن الجيش حيادي بطبعه إزاء التطورات المجتمعية؟ 2+ هل كانت بعض القوى الوطنية في بداية السبعينات تدرك حدود حجمها غير الحاسم في الساحة " و؟أن الولوج إلى دائرة القرار مرهون بالمرور عبر بوابة الجيش"119 فعمدت إلى الاتصال بالجيش ــ حسب روايات عديدة و رسائل منسوبة لبعض زعمائها لم يتم التأكد منها نشرتها الصحافة أواخر التسعينات و تسببت في حظر ثلاثة منها دفعة واحدة على عهد الوزير الأول اليوسفي ــ للتنسيق في قلب النظام آنذاك؟ 3+ أم كانت تدرك حدود تحركاتها و أن هناك خطوطا حمراء يرسمها الجيش من بعيد و متعارف عليها ؟خاصة أن الحكومة التي تمثل الأداة العامة لتسيير الدولة لا علاقة لها بالمؤسسة لا تعيينا و لا ... بل حسم الأمر منذ الإنقلابات العسكرية التي شهدها المغرب في بداية السبعينات حين قام الملك الحسن الثاني ب"ربط المؤسسة العسكرية مباشرة بالمؤسسة الملكية"117 2ــ النخبة و القاعدة: ما الذي يربط القائد بالقواعد في المؤسسة العسكرية؟ هل هو القانون الخاص الذي تتميز به المؤسسة ,فعلى خلاف الإطارات المختلفة التي تكون العلاقات منظمة وفق قواعد قانونية داخلية متوافق و متفق عليها فإنه لا وجود لعلاقات أفقية كما هو الحال في الجماعات المنظمة بل تسودها قواعد عمودية تقتضي بانضباط الأدنى رتبة إلى الأعلى درجة" فطبيعة التنظيم العسكري تتأسس بالضرورة على احترام الأوامر و الامتثال لها دون مناقشة أو اعتراض". و إذا كانت القرارات في النخب الأخرى التي تطرق لها الكاتب في الفصول السابقة قد تتميز وبتفاوت بروح الجماعية و التداول فيه من طرف أجهزة ــ يفترض أن ــ تمثل وجهة نظر كل المنخرطين أو المنتمين للمؤسسة،.بل أحيانا فحتى في حالة صدور القرار من النخبة المدنية مثلا "فالزعيم السياسي والنقابي أو الديني...قد لا يضمن كليا إعمال قوانينه ومقرراته من طرف تابعيه ومريديه "124 فإنه في المقابل يظل القرار في المؤسسة العسكرية فرديا ولا يحسمه سوى القائد و ينضبط له و ينفذه العضو في الجماعة /الجيش.فالقرار لا يخضع للتداول أو النقاش , بل يحسم مباشرة و لو كان على خطأ ــ بل قد يكلف الشخص حياته الذاتية و القيام بأعمال تنافي المنطق العام كالقتل...- كما حصل في الانقلابات العسكرية أو التدخلات في قمع الانتفاضات التي عرفها المغرب .مما جعل المؤسسة حسب الكاتب "نخبة بالمدلول الحقيقي للكلمة "124 إن هذا القانون عرفيا كان أو مكتوبا هو الذي جعل النخب العسكرية "تضمن على خلاف باقي النخب "تصريف مجموعة من القرارات عن طريق خدام أوفياء لا يعترضون على تنفيذ الأوامر الصادرة لديهم " 124وبالتالي " المساهمة في صنع القرار بهامش تدخل وتوجيه أكبر من الذي تحوزه باقي النخب في النسق المجتمعي "124 ترى من أكسب "نخبة النخبة " هذه الصلاحيات التي تمكنها من "تصريف أي قرار حتى ولو كان مجانبا للصواب "؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ 1. هل هي الأعراف المتبعة في المؤسسة العسكرية لدرجة حرمانها من حق إنشاء نقابة خاصة بها مع استثناء فرنسا ؟ 2. هل هي الصلاحيات المفوضة للقائد للتصرف في الوحدة كتصرف الراعي في الغنم لدرجة إبعاد الجندي في أي وقت ونقله تأديبا إلى مدينة أخرى بل والتوقيف من العمل ؟ 3. هل هو الإنضباط المفروض أن يتحلى به الجندي تجاه قائده والذي قد يصل درجة التخلي عن خصوصية خاصة به "ك منع ارتداء الحجاب وإطلاق اللحية حيث تم استصدار مذكرة بهذا الإتجاه على خلفية أحداث 16 ماي" 130.؟ 4. هل الأمر نتيجة عملية للتدجين الذي يخضع له "منخرطو " هذه المؤسسة أثناء فترة التدريب الذي تتميز بسادية غريبة للرؤساء تجاه المرؤوسين –الذين تعرضوا لها أنفسهم سابقا –وهل بعض التصرفات الصادرة من أعضاء المؤسسة تجاه المواطنين تعبير عن محاولة استرداد لكرامة مهدورة ضاعت في مكان ما ذات زمن من فترات التدريب ؟ 5. هل هو الخوف من فقدان الوظيفة والرجوع إلى براثن البطالة المفزعة لاسيما أن الجواب العملي على مجرد الكلام عن وضع فاسد قاد أصحابه الذين صرحوا بوجود فساد في الجيش- كعبرة لمن يعتبر- إلى السجن حيث سجلت حالات الزعيم والجالطي وإديب إضافة إلى القائد فنيش الذي أوقف عن عمله بفاس بعد تأليفه كتابا عن حكومة اليوسفي الأولى بعنوان :علي بابا والأربعون حراميا . 6. هل هو ضعف الأداء البرلماني الذي لم يطرح الموضوع للتداول كنص قانوني أو حتى مجرد أسئلة في قبة مفروض أن تناقش كل أمور البلاد ؟ 7. هل هو ضعف القبائل السياسية التي " لا يمكنها أن ترفض أن يلعب الجيش هذه الأدوار داخل الحياة العامة للمجتمع المغربي..كما أن النخب السياسية لا تتمتع بقدر كبير من القوة تجعلها في غير حاجة إلى معارضة العسكر بشكل مباشر "؟132 8. هل الأمر عاديا جدا فالمؤسسات العسكرية بالعالم العربي تباشر الحكم والسياسة ّإما بطريقة مباشرة -قد تصل حد تغيير الرؤساء كما حصل في الجزائر مع الشاذلي بن جديد- أو غير مباشرة من خلال الموقع المؤثر في قلب النظام السياسي العام ،بل أن الجيش لم "لم يكتف بدوره الطبيعي في حماية السيادة الترابية بل انتقل بكل ثقله الرمزي والمادي من حدود الوطن إلى حدود السياسة والسلطة بل إلى كثير من الفعاليات المجتمعية المدنية كالرياضة والثقافة والميدان الاجتماعي "131 9. هل دوره الهام كضامن لاستمرار الاستقرار في البلاد جعله يتلقى هذه الصلاحيات المتميزة ناهيك عن الامتيازات المختلفة والتي مصدرها المؤسسة الملكية والتي تمثل مرتبة متميزة –الكل في الكل - داخل النظام المغربي فهو دوما "يقدم الدليل على أنه بمقدوره التدخل في الوقت المناسب لإنهاء جولات الصراع لصالحها طبعا "123 إنها تساؤلات خاصة مازالت تحتاج لتحليل مدقق لدراسة علم نفسية الجيش وفق منظور اجتماعي يكشف عن العلاقات الداخلية داخله.كما أن عمق التساؤلات السابقة يكشف عن جوهر العطب داخل المؤسسة والذي يفقد الشخص شخصيته وحريته. 3 من هي النخبة العسكرية؟؟: توجد في المغرب ظاهرة متميزة و هي عدم معرفة الشعب أغلب المسؤولين العسكريين-على خلاف الوزراء أو المسؤولين السياسيين -و ذلك راجع لأن الإعلام ابتعد أو أبعد بشكل ممنهج عن المؤسسة, كما أن تحركاتهم و تأثيراتهم كنخبة فعلا كانت غير جلية ومحاطة بسرية مطلقة , فبصماتهم موجودة في القرار السياسي لكن دون أثر بين و جلي ،فهم يؤثرون بشكل غير مباشر , لكن تصريف الأمور دائما يظل بيد السياسيين من وزراء و برلمانيين الذين يتغيرون مع كل استحقاق انتخابي، بينما النخبة العسكرية تظل في مناصبها لمدة طويلة نسبيا مما مكنها من مراكمة موقع متميز يجد تجلياته في الإشراف المباشر على التحركات الرسمية لملك البلاد و التحكم في قطاعات خاصة اقتصادية و اجتماعية و رياضية ناهيك عن مواقعها المختلفة في البروتوكولات الرسمية المركزية و المحلية. و في ثنايا الكتاب و بمنهجية التحديد المدقق يحاول الكاتب رصد أهم الأسماء التي اشتهرت داخل النخبة العسكرية منذ حصول المغرب على استقلاله, و التي يبلغ عددها الآن 43 جنرالا و مئات الضباط السامين. و إذا كان دور المؤسسة مؤثر بشكل كبير, فإن التناوب عليه حاضر من خلال الأسماء التي تحتل موقع الريادة في النخبة و قد حصرهم الكاتب في 6 أجيال رئيسية: 1 ــ الجيل الأول و هو الذي ساهم في تأسيس القوات المسلحة الملكية و من بينهم الجنرالات حمو الكتاني و عبد الحفيظ العلوي و إدريس بن عمر و محمد بنعيسى. 2ــ الجيل الثاني و هو الذي أدى دورا متميزا في قيادة حرب الرمال ضد الجزائر بتندوف و حصل على الانتصار في 14 أكتوبر 1963 و يدخل ضمنه جنرالات أغلبهم أحيلوا على التقاعد كلوباريس وأشهبار و القادري و عروب أو ثبتت خيانتهم كأوفقير والمذبوح كما أن أحدهم مازال حاضرا بثقله الرمزي و المادي ضمن النخبة العسكرية و هو يحوز على أعلى رتبة عسكرية بالمغرب و هو الجنرال حسني بنسليمان. 3ــ الجيل الثالث وقد أبلى البلاء الحسن في إطار حرب الصحراء ضد مرتزقة البوليساريو و أشرف على بناء الجدار الأمني في الصحراء المغربية و الذي ضمن أمنا خاصا للمواطنين المغاربة و ضمنهم الجنرالات الدليمي و بوطالب و والتريكي و الزياني إضافة للمفتش العام للقوات المسلحة و قائد المنطقة الجنوبية حاليا و هو عبد العزيز بناني . و مع استثناء واحد فأغلب نخب الجيل الأول و الثاني قد تم تجاوزهم عمليا وأحيلوا على التقاعد وتراجع تأثيرهم مطلقا لصالح النخب الصاعدة. 4ــ الجيل الرابع ويبدو –حسب الكتاب - أن أهم شخصية فيه هو الجنرال حميدو العنيكري المدير العام للأمن الوطني الذي"تمكن من تجذير مكانته في المشهد السوسيوسياسي العام" و الجنرال الحرشي الذي كان حتى وقت قريب مدير المخابرات العسكرية. و يتميز هذا الجيل حسب الأستاذ العطري أنه بدأ" يتحرر من طابع السرية الذي يميز المؤسسة العسكرية"126 5ــ الجيل الخامس و قد استفاد من خبرة مضاعفة ,فإضافة إلى احتكاكه بالجيل الأول و الثاني فإنه استفاد من البعثات الدراسية التي استفادوا منها مما مكنهم من تجذير موقع متميز لهم " في دائرة القرار العسكري بالرغم من كل المقاومات و الصراعات التي يستوجبها كل ترتيب جديد للمصالح و السلط .."و هم نخبة وصفها الكاتب بأنها "أكثر انفتاحا ... و تميل إلى التغيير و الانفتاح و تملك هامشا أكبر من الجرأة".126 و يندرج ضمنهم الكولونيل ماجور برادة قائد القاعدة العسكرية ببن جرير و الكولونيل ماجور الوادي قائد الأكاديمية العسكرية بمكناس إضافة إلى مجموعة من الضباط الذين اختاروا فضح الفساد الذي يعتمل داخل المؤسسة العسكرية كالقبطان أديب و الجالطي و الزعيم.
4+النخبة العسكرية والتدجين لقد كان الكاتب موفقا جدا عند حديثه في الفصول السابقة عن عمليات التدجين والإحتواء التي تتعرض لها مختلف النخب السياسية والثقافية والدينية ،فهل تخضع النخب العسكرية بدورها كذلك لعمليات التدجين ؟أم أنه مفروض عليها الطاعة والانضباط وفق القوانين والأعراف الجاري بها العمل ؟ لرصد الأمر احتاج الكاتب إلى العودة لسيناريوهات تشكل الجيش وما واكبه من عملية تفكيك للقوة المنافسة آنذاك وهو جيش التحرير الذي كان يهيمن عليه حزب الاستقلال. فلقد حر ص القصر منذ بداية تشكل الجيش بمكوناته البرية منها في 20ماي 1956 أو البحرية في 14ماي 1960على أن يظل مرتبطا به مباشرة ،إضافة إلى إدماج عناصر جيش التحرير،ويصرح الكاتب أن الأمر لم يكن سهلا وهينا بل كانت هناك حاجة ماسة لمنطق العصا والجزرة فكيف تم الأمر ؟ لقد تم تعيين العديد من أعضاء جيش التحرير الذين كانوا ما يزالون يرغبون في استكمال تحرير البلاد آنذاك في مناصب سامية و تم إغداق رخص وأراضي عليهم لكسبهم للصف الرسمي في مواجهة القوة المتنامية المتجلية في حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية . كما تم إصدار ظهير 17مارس1959 وغشت 1961 والمتعلقة بنيل صفة مقاوم التي أثبت التاريخ أنها منحت حتى للقاصرين كما بدا جليا في حصول الكومسير عرشان عليها والذي كان يبلغ من العمر آنذاك 14 سنة . كما واصل القصر المسلسل بإصدار مرسوم لازال العمل جاريا به إلى اليوم يقضي بتخصيص 25 بالمائة من مناصب الشغل لأبناء المقاومين. ومما سبق يتجلى أن المسلسل الإدماجي النفعي بالدرجة الأولى وجد نتيجته المنتظرة لدى المؤسسة العسكرية وهو "ضمان ولائها وتلافي انقلاباتها المحتملة "123 ويعترف الكاتب أن منطق التدجين أعطى ثماره المنتظرة حيث أن المؤسسة العسكرية أصبح ينظر إليها " كحليف أساسي للقصر في مواجهة الإنتفاضات الشعبية التي عرفتها الريف في 1958والبيضاء 1965" ورغم ذلك مازالت آليات التدجين تلقي بظلالها في العصر الحاضر فمعروف عن المؤسسة العسكرية أنها "تحظى بفائق العناية والرعاية ..عبر الزيادات المتكررة في الرواتب والتعويضات والخدمات وتسهيل الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية والسكنية وغيرها من المنافع "التي يدرجها الكاتب ضمن "استراتيجية ترتيب البيت الداخلي "130 لكن قد يتساءل مع الكاتب هل هذه الامتيازات لإحتواء تطبق على مجموع المؤسسة أم تبقى مقتصرة على النخبة فقط ؟تماما مثلما تحظى النخب السياسية بامتيازات قد يحرم منها القواعد. فالملاحظ البسيط يلاحظ أن المعني بهذه الخدمات هم الدرجات الأعلى والذين يتوفرون على مراتب عالية على خلاف الجندي/الشرطي /الدركي...المتمتع بموقع أدنى فهو محروم من امتيازات مقتصرة على الزعماء العسكريون . ختاما لقد استطاع الكاتب من خلال هذا الفصل مواصلة تشريح النخب في المجتمع المغربي واختراق نخبة النخبة وإعطاء المتلقي معلومات غنية حولها تجعله يكتشف في تشويق خاص "الكثير ما يعتمل في أحشاء ثكناتها و قياداتها المسيرة" . 128واستكناه جوهرها والتأمل في مستقبلها الذي لمح إليه على انه " لا تبعث كثيرا على الارتياح ، " وهذا ما نخالفه الرأي للإعتبارات التالية : 1+ إن المؤسسة مضبوطة ومازالت " تمسك بكافة خيوط اللعبة تبعا لحجم السلط التي جذرتها لفائدتها منذ البدء ."133 كما أثبتت تبعيتها وجاهزيتها للتدخل في المناسبات الحرجة فما بالك بالمرحلة الحالية التي تقوم على تمييع كل المؤسسات : 2+إن المؤسسة العسكرية " هي المسيطر الحقيقي على مجموع النسق ، وما زالت ميزانيتها المالية تبتلع الجزء الأكبر من ميزانية الدولة "133 وموقعها متميز دائرة القرار خاصة بعد " تهميش النخبة المثقفة و تهجين النخب السياسية و تدجين المجتمع المدني " 130 3+بالنسبة لآليات تصريف القرارات فالكاتب نفسه اعترف أنها " الإدارة الأكثر تنظيما وانضباطا و جاهزية للتدخل و صياغة القرار130" 4+،إن آليات التدجين المتبعة أثبتت أن المؤسسة العسكرية تحولت ل" أهم الحقول المجتمعية التي تحظى بفائق العناية و الرعاية "، 133 إن الملف إذن غني جدا إضافة إلى أن المشروع القادم للباحث السوسيولوجي المتميز والخاص بدراسة سوسيولوجيا المخزن في الماضي والحاضرضمن كتاب سيحمل عنوان " المخزن في المجتمع المغربي: الاختراق و التمثل "سيساهم لا محالة في إعادة طرح الموضوع للنقاش وإغنائه نوعيا وكيفيا بعد أن كان " يبدو ممحيا من دوائر التحليل و النقاش السياسي129" وهذا طبيعي بالنظر أن الجيش هو " العلبة البكماء "128 داخل النسق المغربي كما وصفه الباحث.
#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العطب المدني والثقافي في المجتمع المغربي من خلال صناعة النخب
...
-
الأحزاب المغربية ومتاهات السياسة من خلال كتاب صناعة النخبة ب
...
-
البدون التائه
-
قراءة في كتاب صناعة النخبة بالمغرب للكاتب عبد الرحيم العطري
-
تساؤلات حزينة
-
التقرير العام للملتقى الأول للمرأة
-
رسالة إلى مثقف
-
ملاحظات حزينة في ذكرى ثامن مارس
-
كيف أصبح يوم 8 مارس يوما عالميا للمرأة ؟؟؟؟
-
الإرهاب الآخر
-
مالك الحزن
-
التقرير العام للمنتدى الأول للشباب
-
شارون والعرب ومعضلة النسيان
-
مارسيل خليفة :التراث الخالد
-
أنا أو الطوفان
-
ملاحظات حول الحركات الإسلامية بالمغرب
-
المثقف في زمن اللامعنى
-
كل عام ..............ونحن...........
-
الطفلة الكائن المقهور
-
الثرات الغنائي بواحات وادي درعة
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|