أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - شارع الحرية 4















المزيد.....


شارع الحرية 4


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 6146 - 2019 / 2 / 15 - 08:29
المحور: الادب والفن
    


... في اليوم الرابع الموالي للحادثة تماثـلت سلمى للشفاء حيث غادرت فراشها واغتسلت إلا أن الحزن لا يزال يخيم على المكان. تـتكون الشقة من غرفتي نوم وغرفة استـقبال كانت في نفس الوقت غرفة جلوس. أريكتان خشبـيتان بنيتا اللون طويلتان، وحاشيات ذات غطاء أحمر تحيط جوانب الغرفة، وزربية خضراء اللون، أما التلفزيون فمجانب للباب فوق طاولته البلورية.
زارتها صديقـتها منية عصر ذاك اليوم. بيضاء ذات شعر آخذ إلى الصفرة وعينان واسعتان ذات خضرة فاتحة. رأت منية وجها أقـل شحوبا من الأيام الفارطة.
- اليوم أنت لا بأس..
ـ لا. لا يمكن ان أكون لاباس ما حيـيت. ما معنى أن يختـفي إنسان عزيز علينا إلى الأبد؟ ما معنى ألا أرى فاطمة وألا أتحدث معها وألا أتعارك معها؟
نكست رأسها وبكت ثم أردفت قائلة:
ـ ما معنى أن تختـفي بسرعة وبكل هذه السهولة؟!
- هيا نخرج.
- إلى أين؟ {بنبرة مندهشة}.
- إلى الشارع. يجب أن تبدلي الأجواء.. هيا نخرج ونجلس في مقهى..
- ماذا يقول عني الناس؟
- يقولون ما يقولوه. دعك من الناس. جلوسك هنا سيخنـقـك، ثم لقد تحملت بما فيه الكفاية رؤيتك على هذا الحال..
مقهى "الفولكانو" بشارع الحرية، اسم إيطالي يعني البركان. باب بلوري وواجهة بلورية تطل على شارع الحرية. كونتوار طويل على يمين الداخل سطحه رخامي عسلي اللون، طاولات طويلة مستديرة الشكل ومقاعد طويلة. وقـفـتا بجانب الكونتوار تـترشفان القهوة. ملامح سلمى شاحبة حيث خالط الإصفرار بياضها، ووجه منية كعادته دائما جميل بابتسامته التي لا تـفارق محياها الجميل. تستمع إلى شجون صديقتها بجلد وكأنها تـنـتـظر لحظة افـتكاك الابتسامة بأناة وصبر.
- كأنها لم تمت.
- إنها لم تمت بل انتحرت.
- أوه..
وبكت.. خجلت منية من بكاء صديقـتها فمسكتها من ذراعها وقالت:
- أنا المخطئة. كان يجب علي ألا أخرجك إلى المقهى.
مسحت دموعها...
- أنا آسفة لهذا الإحراج ولكن.. أنا أتـألم يا عزيزتي. فاطمة لم تـفارق الغرفة ولا الحياة.
- لم تـفارق الحياة في خيالك فقط.
- إنها لا زالت تجلس على طرف السرير وتحادثـني عن عشاقها ونزواتها وأنا كالعادة أوبخها وأعطيها دروسا في الأخلاق وهي كعادتها تصفني بالمتخلفة..
إبتسمت منية وقالت:
- إنك تعقدين الأمور أكثر من الازم أحيانا فقط ولست متخلفة. بالعكس أنت فتاة ذكية ومثـقـفة وعاقـلة. انت شرقية مثل أبيك. أنت أفضل منها يا عزيزتي، صدقيني.
- لا تـقولي هذا الكلام. إنها ميتة. لقد ذهبت. لم أعرف أني أحبها بهذه الدرجة. لقد قالت لي ليلة الحادثة كلمة آلمتـني كثيرا. لقد سألتـني لماذا قـتـلتـني؟
- ماذا؟
اضطربت منية ولكنها سرعان ما استعادت تماسكها. لم تطلب من صديقـتها أن تكف عن البكاء هذه المرة، وإنما سألتها قائـلة:
- كيف حال أوراقـك؟ هل التـقيت بها؟
لأول مرة تـتسلل من محياها شبه ابتسامة منذ الحادثة. تساءلت وقالت:
- ذاك الصحفي الوسيم الذي يمتهن مهنة الأحرار؟ لم أتوقع ذلك أبدا. فجأة وجدته أمامي.. لم أصدق. يا الاهي ما أعظمها من مصادفة.
- إن الله يحبك يا عزيزتي.
شحب لونها من جديد بعد تلك الابتسامة المشرقة.
- لماذا التـقينا في زمن الموت؟
- لا تعقدي الأمور كثيرا. أتـتخيلين الكون يتحرك لأجلك؟
إبتــــسامة ساخرة قالت على إثرها بنبرة ضعيفة:
- أنا يتحرك الكون لأجلي؟ أيتحرك الكون لأجل بعوضة؟
- إنها فرصة مؤاتية. اذهبي إليه بحجة الأوراق.
- ماذا؟ كيف؟ هذا لا يجوز.
هزت الأخرى كتـفيها وقالت:
- قولي بأنـك وصفتيه لي فكنت أنا أعرفه لأني جارته بنـفس العمارة.
رأته أول مرة في مدرج العمارة حيث كانت تـزور منية. رأته عدة مرات بعدها في الباساج وشارع الحرية وفي مدرج العمارة ولكنه لم يستمع إلى خفـقان نبضات قلبها من خلال نظرات عينيها، بل انه لم يلتـفت حتى لمجرد وجودها في الكون. كانت قلقة تضرم النار وجدانها كلما رأته أو تذكرته. كانت تـشكو لصديقـتها من ذاك الانجذاب الشديد إليه ومن تلك اللامبالاة التامة منه.
أعجبتها الفكرة فابتسمت. قالت منية:
- اسمعي. هناك فتاة يصاحبها معه دوما. أظنها صديقته. قلت لك كي لا تـتـفاجئي.
عاودها الشحوب. خمنت قليلا ثم قالت بانفعال خفيف:
- لا.لا.. يجب أن أنسى الموضوع. أين أنا وأين هو؟
- ليست أجمل منك. ثم، المهم أنك تحبينه أكثر منها ويجب أن تجعليه يحبك.
لم تـنبس بكلمة وإنما رحلت بخيالها إليه." كيف أخذ رزمة الأوراق دون أن ينبس بكلمة؟ يا لعينيه..".
*****
" رزمة الأوراق غدت تنظر إلي بنظرة تأنيب كلما دخلت إلى الشقة ووجدتها موضوعة على المكتب. كأنها تبعث إشعاعا خفيا يقلق مضجعي. الملف الأزرق القاتم يطاردني. صاحبته ذات العينين السوداوين المغرورقـتين بالدموع في أجمل وأبهى صورة رأيتها في حياتي. أعرف العمارة ولا أعرف الشقة، ثم انه ليس ذاك هو سبب إحجامي عن الذهاب إليها. هدى كعادتها تحثـني على الكتابة. غادة مستمتعة بكتبها وبحضورها عندي ولكن غيرتها الشديدة تـقـلقـني. يبدو ان الحداثة قد أوغلت بوعي الرغبة في التملك. منذ الحادثـة لم أتركها تغادر الشقة ولو لليلة واحدة. ربما كنت أدفع بذلك شبح الموت عني، ولكنها كانت ترى حبا متدفـقا ورسوا نهائيا على مرفئها. اليوم الرابع الموالي للحادثة ورزمة الأوراق أمامي تنهك وجداني. ربما ينـتهي أمرها بإحراقها في لحظة انفعال. أرجو أن يحدث ذلك ولا أرجوه...
- 11 سبتمبر 1994 – "
رمى دفتر مذكراته على المكتب. كانت غادة مستـلقية على الفراش تـتابعه بعينيها. سألته:
- انتهيت؟
- لا أعتـقـد..
ضحكت دون أن تـفهم شيئا مثلما قال هو كلمته الأخيرة دون أن يدرك مغزاها في مجرى الزمن..
في عصر الغد إلتـقى بصديقه عبد العزيز في مقهى باريس. شرب كلاهما قارورتين من البيرة ثم انتـقلا إلى مقهى الروتانت الذي يقع داخل مجمع الكوليزاي. المقهى محاط بالبلور وكأنه يقول " ما أحلى أن تتجرع البيرة وسط الناس اللذين يتجولون في أروقة الكوليزاي". طاولات خشبية مربعة الحجم وكراسي خشبية ذات مقاعد ومساند إسفنجية مريحة. كان حديث الأمسية عن عبير صديقة عبد العزيز الجديدة.
- أخيرا أحببت يا عزوز؟
يسحب فمه الكبير على الجانبـين ويقول بوجه يبدو ساذجا:
- ما أحلى الحب يا صديقي.
قام أحمد من كرسيه وهتف:
- أخيرا اعترفت بالحب يا جاحد.. عزوز يحب.. هذه هي قصتي.
ينظر إليه بعض السياسيـين الشيوعيـين فيجلس ويقول بصوت مرتـفع:
- ما أحلى الحب.. ما أحلى الحب.. عزوز يحب.
رغم البيرة إلا أن حمرة الخجل قد صبغت أذنيه.
- فضحتـني في قلب الساحة الحمراء..
- اشرب. اشرب في صحة الحب. اشرب في صحة عبير..
وتـتلاحق الكؤوس فكان الحديث عن الحب..
- يا ترى، بأي وجه تـقابل أنـثى ما في هذا العالم الموبوء حب رجل طيب؟
- بالخديعة.. ها ها ها.. لا تكن طيـبا في الحب يا غبي..
- سأكون خبيثا شريرا..
- مع كل احترامي لك أنت حمار ذو أذنين حمراوين كبيرتين.. كيف تحب وتكون شريرا؟
- ألم تـقـل إن المرأة تـقابل حب الرجل الطيب بالخديعة؟
- هل صدقـتـني؟ أنا اقصد كن فطنا، ذكيا.. لهلوبا.. لا تترك أول فرصة تضيع من بين يديك. انقض عليها كالوحش. إن المرأة حيوان كبير ولا تريد أن ترى في الرجل أكثر ما تحب من رؤية حيوانه. لا تـنسى هذه الآية: كن حيوانا في الوقت المناسب. لا تحب على الطريقة الافلاطونية، ذاك الحب الارستـقراطي الذي يعيش التأمل الداخلي والبحث عن المعنى الخالد.. نحن بروليتاريا لا نملك متسعا من الفراغ ولا استغناء عن الملموس لأننا نفتـقر اليه. نحن الواقع يسحقنا و لدينا جميع التحديات لنقوم بمعركة إثبات الوجود بالدم واللحم والقبضات، أما الارستـقراطية فهم أسياد في الأرض ومعركتهم محسومة لصالحهم دون ان يحركوا ساكنا، لذلك اتجهوا لمقارعة الدهر والبحث عن الخلود والتماس مع الروح العلية في الاكوان...

يضحكان، يتحدثان عن الحب بينما كانت تـتـناهى إلى مسامعهما بقوة صيحات المدافعين عن البروليتاريا.



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارع الحرية 3
- شارع الحرية 2
- شارع الحرية 1 ( رواية)
- في تناقض الإسلام مع النص
- الحب في زمن الكوليرا
- صديقي الفلسطيني
- فرنسا تريد الثورة من جديد
- الإضراب العام في تونس
- ما وراء خطاب الرئيس التونسي
- تونس أمام المجهول
- من الثورة و إليها
- على تخوم مربع الإغتيال السياسي في تونس
- سر اللطم الكربلائي
- الزمان المضيء و عتمة الحاضر
- هل الاسلام دين حرية؟
- أنا و أنت ( 6 )
- أنا و أنت ( 5 )
- أنا و أنت (4)
- أنا و أنت ( 3 )
- أنا و أنت (2)


المزيد.....




- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...
- رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - شارع الحرية 4