أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - ثعالب مصر ونواطيرها














المزيد.....

ثعالب مصر ونواطيرها


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6144 - 2019 / 2 / 13 - 14:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للمتنبي في كافور الإخشيدي حاكم مصر لأثنين وعشرين عاماً، قصيدة دالية شهيرة يعرفها الناس، هجاه فيها، فكان لاذع الهجاء، ففي ليلة عيد الأضحى سنة خمسين وثلاثمائة من الهجرة أنشأ قصيدته الباكية الساخطة في ثلاثين بيتاً والتي أولها:

عيد بأية حال عدتَ يا عيد
بما مضى أم لأمر فيه تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيداً دونها بيد

ولعله في هذه القصيدة هجا المصريين جميعاً، وربما وفق في تصوير شيء من مواطن الضعف فيهم، وأحسن تصوير لون من ألوان أخلاق المصريين حين وصف إذعانهم وخنوعهم لهذا الأسود، الذي كانوا يرونه يُضرب ويهان ويعبث به في الأسواق، كما يقول طه حسين، ثم أصبحوا يرونه حاكماً فذاً يدينون له بالطاعة والخنوع.

وحين بقيت مصر أياماً بغير أمير بعد أن مات علي بن الأخشيد، وكان الأمر في يد كافور، حتى اتفق أعيان مصر على تأميره، فنال السلطان الأسمي إلى السلطان الفعلي، وخطب له على منابر مصر والحجاز وبعض الثغور الرومية، حتى توفى وعمره خمس وستون سنة بعد أن حكم مصر وما يتبعها اثنين وعشرين سنة، وحمل تابوته إلى بيت المقدس فدفن فيه. كان كافور قوياً شجاعاً داهية حازماً، وكثيراً ما مدح أبو الطيب كافوراً بالشجاعة والحزم:

وما كنتَ ممن أدرك الملك بالمُنى
ولكن بأيام يُشبنَ النواصيا

وكذلك كان كافور بصيراً بالعربية والأدب، محباً للعلماء والأدباء ويقرب الشعراء ويجيزهم، وكان ديناً متواضعاً، قال الذهبي: وكان يداوم الجلوس غدوة وعشية لقضاء حوائج الناس، ويقول: اللهم لا تسلط عليَّ مخلوقاً. وكان كذلك سخياً كثير الهبات والخلع. ويتبين مما تقدم أن أبا الطيب حين قدم مصر، قدم على رجل ذكيّ فطن حازم مجرب له بصر بالأدب. وهذا يدلنا على ما كان بين الرجلين من بَعد.

ما الذي أمّل الشاعر من كافور؟ ولماذا خيَّب كافور أمله؟ كان أبو الطيب ضيف كافور مدة مُقامه في مصر والتي بلغت أربع سنين وستة أشهر. ولو كانت منية أبي الطيب أن ينال مالاً من كافور لبلغ بعض منيته، فقد أعطاه كافور وأكثر، ولكن أبا الطيب تاقت نفسه إلى إمارة أو ولاية. وقد جاء في كتاب الصبح المنبي: أن أبا الطيب سأل كافوراً أن يوليه صيدا من بلاد الشام أو غيرها من بلاد الصعيد. فقال له كافور: أنت في حال الفقر وسوء الحال وعدم المعين، سمت نفسك إلى النبوَّة فإن أصبت ولاية وصار لك أتباع فمن يطيقك؟

وما أحسب أبا الطيب كان غبياً عن أثر ما يقول ويفعل في نفس كافور ولكن الرجل كان عظيم النفس أبيَّاً جريئاً لا يحاسب نفسه فيما يقول، ولا يبالي كثيراً موقع كلامه من نفوس الممدوحين، ولم يكن إشفاقه من العواقب يملك عليه قوله وفعله ويخفض من كبريائه. وبالعودة إلى القصيدة التي ذكرناها بداية، فليس هناك أصدق لساناً ولا أبرع تصويراً من هذا البيت الذي قاله المتنبي في أهل مصر:

نامت نواطير مصر عن ثعالبها
فقد بشمن وما تفنى العناقيد

لقد ألهم المتنبي البلاغة والحكمة معاً، وأغلب الظن أن المتنبي مدين لمصر بكثير من حكمته، حيث وفق في هذا البيت من القصيدة أن يختصر لوناً من حياة أهل مصر منذ أبعد العهود. ولو أن التاريخ أراد أن يحصي الثعالب التي عاثت فسادًا في أرض مصر وأموالها، فأخذت منها ما أطاقت وما لم تطق، حتى أدركتها التخمة وما فوق التخمة، وقادتها غافلون، ونواطيرها نائمة، وشعبها بركان خامد، وأموالها مع ذلك لا تفنى ولا تنفد، ودول الثعالب يتلو بعضها بعضاً، ويقتفي بعضها إثر بعض، لما استطاع.

ويسأل طه حسين حين درس هذه القصيدة في كتابه الشيق مع المتنبي:

أيأتي يوم يكذب فيه هذا البيت من شعر المتنبي فلا تنام نواطير مصر ولا تبشم الثعالب فيها ولا يعدو الماكرون والغادرون على أهلها الآمنين الغافلين؟



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمكان... في نص الروائي السوداني الطيب صالح
- هل ذيل السعادة أملس؟
- هل يسكر الحيوان؟
- أيها المُعرضون عن الكلام
- الرَّقصُ في حقول البرتقال
- بالروح بالدَّم نفديك يا عدنان
- كتبٌ تعيشُ ولا تموت
- جنوسة الوعي...حواء النمط المبدئي للجنس البشري
- تعلَّم الحريَّة في سبعة أيام
- ثلاثية الخروف السوري والدولار الأمريكي
- لا تنشر بيدك غصن الشجرة الذي تجلس عليه
- الحُكّام يأكلون الحصرم
- ثلاثية الكلاب
- علي الشوك وداعاً ... هل كتبتَ روايتكَ الأخيرة؟
- الفلسفة في جذورها اللغوية
- أُفّ من الحُكّام
- أنا لا آكل أحداً
- المعرّي فيلسوفاً
- قضيَّة المرأة الساكتة
- من هي السيدة ديمقراطية؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - ثعالب مصر ونواطيرها