|
لماذا انفجر الشعب السوري بهذا الشكل؟
سماح هدايا
الحوار المتمدن-العدد: 6133 - 2019 / 2 / 2 - 11:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لماذا انفجر المجتمع السوري بهذا الشكل؟ وصل المجتمع السوري إلى مأزق خطير، بتبعةِ تاريخٍ قهري اختلط فيه السياسي( احتلال وقهر وعنف واستبداد وانفراد فئوي بالحكم والسلطة) بالأخلاقي(نفاق وانتهازية وتنكّر للفضائل وارتكاب المساوىء طمعا بالمكاسب الفردية). أزمتان متداخلتان: أزمة حرية وأزمة قيم الحياة. الإرهاب السياسي جرّد الإنسان من الإرادة وحرية الاختيار. والعنف الاجتماعي أضعف وعيه بمسؤوليته الذاتية كإنسان والتاريخية كمجتمع. واشتدّت الأزمة مع زوال السيادة بالاحتلال الأجنبي متعدد الجنسيات وتدخّل دول ومنظمات وشركات عابرة في مجريات الحرب في سوريا، فتهيجت المطامع الفردية وتفاقمت المشاكل القيمية والتحديات الأخلاقيّة، خصوصا، مع اشتداد الظروف القاهرة التي هيّات للمانحين والداعمين الفرصة لاستغلال ضعف الناس وبؤس أوضاعهم لإخضاعهم وتحريكهم بما ينفّذ مآربهم المضادة، في جوانب كثيرة، للمصلحة الوطنيّة السوريّة. المجتمع السوري الآن على مفترق طرق، إما يختار الانحطاط ويذعن للخضوع والذل ، أو يختار الكرامة والحرية ويكافح من أجل حياة كريمة ذات سيادة، ولا مهرب من الخيار الحاسم. نظام القهر الذي نشر سمومه عقودا طويلة واستجلب الكوارث، لم يعد قادرا على الاستمرار طويلا ؛ فالحرب الضخمة التي تسبب بها أصبحت تلحق الضرر بمواليه، وستنتهي لغير صالحه في يوم أكيد؛ لأنّ النصر االقائم على الإبادة و التدمير والتخريب والإرهاب و الفتن زائل وعابر، ولا يمكن أن يعد انتصارا إلا لدى الذين انعدمت في ضمائرهم الرؤية والقيم الإنسانية النبيلة. الموجة الثانية من الثورة قادمة، بحسب منطق التغيير التاريخي، وستجدّد طاقة الثورة المعنوية، بإصلاح النظام القيمي الذاتي والجماعي، فالدفاع عن النفس ومقاومة الاستبداد والاحتلال، فطرة وطبيعة سليمة، تنضج بالخبرة والنقد والإيمان بالنفس والحياة العزيزة، وقد اختمرت التجربة السورية في مرجل الدماء وآن الأوان. بدأت الثورة شرعية بمطالب تحرّرية وحقوقية إنسانية عادلة، وحتى تعود لاحقا لشرعية أقوى وموثوقة في كفاح وطني واجتماعي له مدى شعبي أوسع؛ فإن عليها غربلة القيم وتجديدها وترك أسباب الهوان من قصور ذاتي وقهر وجهل ورياء. المنظومة الأخلاقية الإنسانيّة نشأت دفاعا عن الحياة، لتنتج قيما لإصلاح الإنسان وإسعاده وتحسين حياته وحماية حقوقه، ومنها تبنى القوانين والدساتير التي تنظّم علاقات المجتمع. لكنْ، لما يجمّد المجتمع أعرافاً وتقاليد وقيماً تفتقر للنقاء والرقي، ولمغزى واقعي، ثم يؤطّرها بإطار الأخلاق والقيم المقدسة؛ فإنّ منظومة الأخلاق تتعطّل ويفسد عملها، وتتكاثر المرجعيات الوهمية ويتفكك المجتمع لمجموعات متناحرة وجاهلة، فيسهل وقوع الأمة تحت الهوان. وهذا حال العالم العربي الراكد في مستنقع التبعيّة؛ منذ بدأ يتخلف عن مسيرة الانتاج الحضاري، إذ تآكلت المنظومة الأخلاقية في قيم الحريات والحقوق والكرامة والإخلاص، وغُطيت بقشرة واهية من مظاهر الاستقامة والتدين، مدعومة بالرّياء. ثورات الربيع العربي والحروب التي أعقبتها، أزالت تلك القشرة وهشمتها وكشفت النفاق. أظهرت الحرب السورية مآلات تلك الضلالة القيمية متمثلة بظواهر اجتماعية مخيفة استخدمها نظام الطغام وشركاؤه في الحرب، لإحكام سيطرتهم وبطشهم؛ مثل مزاولة البلطجة، والتشبيح، والرذالة، وفرض الأتاوى، وتأليب الملل والنحل حتى أصبح المجتمع جماعات متصارعة وإقطاعيات لشيع وفرق لا يعرف الإنسان أين المرجعية، ومن هي، وماهي، وما مدى مصداقيتها، فالتبس الحق والباطل، وتمهّد الطريق لتقويض السيادة بتدخل القوى الخارجية. الحرب كانت قائمة منذ عقود ضد الشعب السوري؛ بإرهاب سياسي وفكري واجتماعي ونهب اقتصادي؛ لكنّها اتسعت واشتدّت بالحرب المضادة للثورة، وبالتدخل الدولي الذي عقّد الأوضاع؛ وطوّل الحرب السورية، خصوصا مع ازدياد الصراعات العالمية، سواء بين الأطراف الدولية أو بين التيارات السياسية، بحروب الوكالة والتشغيل، عبر شبكات النظام وشبكات القوى الأخرى؛ فأصبحت سوريا ميدان صراع دولي لا يمكن السيطرة عليه، قابلاً لتفجير حروب أوسع وخسائر أكثر واكبر، خصوصا، بوجود المرتزقة وعصابات التشبيح والبلطجة التي مازالت تسرح في سوريا وماحولها بأعمال العنف والإرهاب. مقابل ذلك، لا يستهان بالقوة الخفيّة للثورة، ولا يمكن تجاهل مطالبها؛ فمن خضم صراعها ستبثق رؤية جديدة وسردية مختلفة للسوريين في كفاحهم للاستقلال والتحرر الشامل، ومن ثمّ لا مجال للتغاضي عن إيجاد حل مقنع للقضيّة السورية، وجزء من الحل هو سوري ومن روح الثورة، متعلق ببناء عقد اجتماعي من مبادىء الديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان. الإنسان السوري محبط وبائس وخائف ويشك في كل ما ورثه واعتاد عليه، وهو محق، لكن، لا يمكن خلع كل شيء ورميه؛ فهذا كلام هراء، بل يستوجب إعادة النظر في معتقداته وفكره وتجديد قيمه الصالحة، وتنقية إيمانه لتمتينه، حتى يسنده نفسيا ويقويه عقليا في مسار حياته. الجهل والعنف والذل، أبواب للهزيمة. صناعة الحياة يكون بصناعة القيم النبيلة الناضجة وصقلها وتهذيبها بالتعليم والتنوير الديني والآداب؛ فهي مفاتيح الكفاح التحرري، وهي مفاتيح المسؤوليات بحقوق الآخرين وكرامتهم الإنسانية، كذلك هي أساس لنجاح ثورة تاريخية بهذا الحجم معلّق عليها تغيير واسع شامل للواقع ومنظوماته نحو حياة كريمة تطلق فيها الحريات وتنظّم الحقوق . لا يمكن الانتهاء من الحرب إلا بتأكيد وتثبيت قيم السيادة والحرية قبل تنفيذها عمليا؛ فلما يوقن المجتمع بأهمية التعايش المسؤول الذي تنسجم الحرية الفردية مع الحريات العامة وحرية الآخر وتتساوى الحقوق في مسؤولية ذاتية وجماعيّة، سيعمل على حماية التعايش ويتفق على تحديد المرجعيّة وشكل الحكم وإدارة البلد ومنظومة الحقوق. مأساة القهر والاستبداد، ماكان يمكن لها أن تشتد وتتمكّن لولا وجود نقطة ضعف كشفتها الحرب، وهي غياب المرجعية العاقلة الراشدة عن المجتمع، الذي أشاع الجهل و أوهن النفس وأنهك العقل وعرّض الإنسان للذل ومجتمعه للهوان. لما يكون الإنسان جاهلا بالكينونة الثقافية والقيمية التي ينتمي لها ويمارسها كرهاً، أو إرثا بلا نقد، من دون وعي أو إخلاص؛ فما أسهل أن يخونها أو يستغلها أو يخدع نفسه ومجتمعه بها، لكنه لا يمكن ان يستعين بها كقوة تسنده. الدول التي تحارب السوريين أو التي تتقرب منهم تستخدم قيمها استخداما سياسيا وثقافيا لمصالحها القومية والاستعمارية والاقتصادية؛ سواء بقيم المظلومية الدينية والتاريخية القومية، أو بقيم الأحقية التاريخية في قيادة المسلمين. الشعب السوري يحتاج، أيضا، أن يبني قيمه الوطنية والأخلاقيّة بما يحقق السيادة والكرامة والحرية والعزّة. فالمجد لا يبنى بالتفاهة والخضوع. العقل السلطوي الاستبدادي العنيف المفسد أساس الأزمة سواء في السلطة السياسية، أو في المجتمع والأسرة والمدرسة والجامعة والمستشفى والعقيدة، وهو الذي كان وراء انفجار الواقع السوري. حتى يصنع السوريون قرارهم الوطني والأخلاقي عليهم البدء ببناء النظام الاجتماعي والقيمي المتماسك، وإعادة صياغة المرجعيات المولّدة للقيم والمبادىء. بناء السيادة يكون ببناء منظومة قيم عدل وحرية و ديمقراطية. د. سماح هدايا
#سماح_هدايا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
والشعب إذا حكى...
-
فرائس وفخاخ وقناصّة
-
صرخة ضد الهزيمة
-
الحل السحري
-
سوريا من قضة وطنية محقّة لقضية صراع دولي
-
ثورة -سنوات الدم-..لا -شهر عسل-
-
تحديات الذات في هيجان الثورات
-
نظرة في الخطاب ما بعد الثورة
-
آن للربيع السوري أن يزهر مشروعا
-
مآل النهضة
-
معركة حلب منعطف في مسير الحرب الدائرة في سوريا
-
حرب ذات..بين غرب وعرب
-
بين التّشوّه والاستقامة
-
انقلاب ..وموجة عكسية مرتدّة
-
ثورة الحرية هي ثورة تغيير وبناء عقل ووعي..
-
في مواجهة الوهم
-
سواعده الحرّة تبني مجد غده
-
في يوم المرأة العالمي
-
الربيع فصل دم باهظ الأثمان
-
الحروب وصور جديدة
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|