|
الأدب والسلطة في الثقافة التركية
احمد ناصر الشندل
الحوار المتمدن-العدد: 6132 - 2019 / 2 / 1 - 01:22
المحور:
الادب والفن
حظيَ الادب في تركيا كإمبراطورية عثمانية او كدولة علمانية اتاتوركية وما بعد اتاتورك والسنوات الطويلة التي مرت بها فيما بعد ، حظي الادب فيها بمراحل عديدة وبظروف مختلفة وبأشكال مختلفة ، وهذه المتغيرات لم تختلف عن اية ولادة ونشأة للأدب في اية حضارة من الحضارات الإنسانية ، خاصة ان تركيا قد مرت بعالمين مختلفين وتأثرت بتجربتين متناقضتين، فكونها كانت ذات سلطة امبراطورية إسلامية ، حملت في طياتها كل المتأثرات الإسلامية كدين ومنهج واسلوب في الحياة يختلف اختلافا كبيرا عن التجربة الأخرى في انتقال تركيا من الدولة الدينية الى الدولة العلمانية ، وكان العامل المهم من ضمن عوامل عدية هو توزع تركيا بين عالمين شرقي وغربي ، إسلامي ومسيحي ، ديني وعلماني ، اذ ان موقعها الجغرافي حتم عليها التعامل مع هذه الازدواجية بالكثير من التفهم والحذر والخوف من الانجرار لاحداها وترك الأخرى وراء ظهرها ، ونفس الموقع الجغرافي جعل من الانقلابات العسكرية تتوالى على تركيا ، وهذه الانقلابات كانت تعمل لصالح تثبيت المنظومة الاتاتوركية العلمانية في تركيا ، والابتعاد قدر الإمكان عن المنظومة السياسية الدينية ، ولكن الادب بكل انواعه واشكاله والثقافة الشعبية والثقافة النخبوية ما كانت تستطيع ان تتوافق مع هذه الانقلابات لاختلاف الرؤى فيما بينها ، فكان لابد للصدام ان يقع ، ان المثقف ينظر الى المجتمع كونه قوة الفرد الواحد باتجاه السلطة العسكرية بوصفه منبع الفن او اصل الظاهرة ، وبهذا فهو يستحق ان يعطى الحرية التامة في انجاز ما يراه من ظواهر اجتماعية وعلاقتها بالسلطة السياسية المتمثلة بالعسكر الذين يتمتعون بعقلية أحادية ومغلقة ، لا يمكن لهم ان ينظروا للفنان بكل انواعه ومنابع فنه ان يعبر عن المجتمع وللمجتمع الذي يعيش في فضائه الرحب ، فالفنان مرتبط بالجماعة ومتشبع بروحها ، ومن ثم فهو يسعى الى تحقيق أهدافها الاجتماعية ، وطموحاتها ورغباتها المكبوتة والتي تحاول قدر الإمكان ان تعبر عنها بكل حرية ، إن هذا الواقع الاجتماعي الذي انطلق منه الفنان التركي أطلق عليه علماء الجمال بالأحوال الخارجية للفنان ، وهي التي تحدد العلاقة بين الفنان وما يحيط به من متغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية بما يؤدي بالنتيجة الى فقدان الامل بالنسبة الى الفنان في تأسيس ما يصبو اليه من انفتاح في حرية التعبير وفي عملية الاختيار. حينما تنعدم أواصر الاتصال بين الادب بشكل عام وبين السلطة التي تدير أمور البلد ، فيجب ان تكون هناك اعتبارات يتخذ فيها الادب موقفا متميزا من تلك السلطة ، لما يتمتع بع الادب من خصائص الاتصال الحضاري وإيصال الصورة الاجتماعية عبر التاريخ الحضاري المدون لتكون وثيقة تاريخية يتم الاستشهاد بها عند وجود محاولة بحثية في الكشف عن الملابسات التي رافقت تطور الادب ورسم العلاقة التواصلية المباشرة بينه وبين المجتمع الذي يكون مادة حيوية لمختلف اشكاله الصورية والنصية والفلمية والتشكيلية ، مما يجعل من الادب شاهدا صادقا نصل من خلاله الى ما نرمي اليه ونبغي كشفه وتحليله وهو الصورة الصريحة او المتضمنة للبعد الاجتماعي للأدب التركي من اجل تحقيق المعرفة والفهم اللازمين لاحد اهم الابعاد الأساسية للأدب وللفن ، فالفن في جميع نشاطاته يحدثنا دائما عن شيء ما ، وهو طريق للمعرفة او نهج لها ، ذو قيمة للإنسان. حينما لا يتمكن الاديب والمثقف من التعبير عن مكنونات نفسه ، فلابد من ان يلجأ الى الرمز ، وقد تكون مرجعية الرمز الأسطورة ، او الحكاية الشعبية او مثالا يتداوله المجتمع ، وهذا اللجوء القسري للرمز بالرغم من أهميته وإضفاء جمالية الغموض الذي يحتويه ، فان دائرة البحث والتحليل لدى المتلقي تأخذ ابعادا عديدة في دلالات الرمز الذي وظفه الكاتب في نصه ، والمرجعيات الاجتماعية الغائصة في الوجدان الجمعي للمجتمع التركي ، لكي يتم اكتشاف المزيد من اسرار الطبيعة البشرية ، وقد كانت الرموز موجودة بين ثنايا الأسطورة وغيرها من الآداب الشفهية او المدونة للمجتمعات القديمة المختلفة ، والمتلقي بحاجة ماسة الى فهم طبيعة الفن وتفسير عقده والغازه ، وبحث علائقه وارتباطاته ، لكي ينسجم مع حجم آفاقه او ابعاده ، وكان البعد الاجتماعي للفن من بين اهم تلك الابعاد من خلال نسبية القيم والمعايير التي سطرها النظام السياسي القهري في تركيا. وقد ظهر الرمز في بعض النصوص الاغريقية وكانت دلالاتها الاساطير التي اشتغلت في منطقة الوعي واللاوعي الفردي والجمعي في المجتمع الاثيني ، وكما ظهر الرمز في النصوص المسرحية العالمية من خلال المذهب الرمزي الذي ظهر في اوربا وانتشر فيما بعد في ارجاء المعمورة ، وأيضا كانت النصوص العربية في القصة والرواية والشعر والمسرح واضحة في توظيف الرموز ابتغاء الوصول الى ذهن المتلقي وسبر اغوار منظومته العقلية من اجل إيجاد مقاربة فكرية بين الرمز نفسه ودلالاته الموجودة في الحياة اليومية للفرد العربي ، وهذا يعتمد على علاقة الشراكة الاستراتيجية بين الفرد والنظام السياسي ، فكلما كانت العلاقة سيئة كلما ظهر الرمز في النص ويتم توظيفه ليس على صعيد المضمون فقط ، وانما من خلال الشخصيات والأجواء المحيطة بالحدث ، وصولا الى الاكسسوارات والمكملات الباقية في استكمال الحدث داخل المنجز الادبي.
#احمد_ناصر_الشندل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|