أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - الحياة فن إضفاء المعاني














المزيد.....

الحياة فن إضفاء المعاني


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 6131 - 2019 / 1 / 31 - 08:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



تتعدد الأمثلة على أنَّ الحياة فن إضفاء المعاني. فالشجرة الحية تضفي معانٍ على الوجود منها معنى رسالتها التالية "خُذ ما أصدِر من أوكسجين لتحيا". أما الزهرة الحية فتضفي معانٍ منها رسائلها للطير و النحل "خُذوا رحيقي لتحيوا". فبلا هذه الرسالة و معناها تمسي الزهرة ميتة. فقط الأزهار الميتة لا تُرسِل أي معنى و لا أية رسالة. و الإنسان الحيّ يضفي معانٍ عديدة على ظواهر الكون منها معنى أنَّ الكون مخلوق من قبل خالق أزلي أو معنى أنَّ الكون قد وُلِد تلقائياً من العدم من جراء قوانين ميكانيكا الكمّ الاحتمالية أو معنى أنَّ الظواهر الطبيعية تملك أهدافاً كهدف تأمين نشوء الحياة و استمراريتها أو معنى أنها ظواهر طبيعية بلا أهداف. هكذا الإنسان حيّ بما يضفي من معانٍ. فإن لم يضفِ أي معنى فهذا يعني أنه لا يفكّر ما يتضمن أنَّ عقله ميت فهو بذلك أيضاً إنسان ميت بلا فعل و لا غاية.

الكائن الذي لا يضفي أي معنى هو كائن ميت. من المستحيل على أي حيّ أن لا يضفي معنى من المعاني لأنه بمجرّد أن يتنفس ليحيا يضفي معنى أهمية بقائه حياً. فإن عاند الحيّ برفضه إضفاء أي معنى على الكون لا يتمكّن إلا أن يضفي معنى أهمية بقائه حياً و إلا كان انتحر فخسر صفة الحيّ. بذلك إن كان أي كائن حياً بالفعل فلا يتمكّن إلا أن يضفي معنى معيناً ما يدلّ على أنَّ الحياة فن إضفاء المعاني. و لذا تنتصر الحياة دوماً بانتصار المعاني.

بالإضافة إلى ذلك , بما أنَّ الحياة فن إضفاء المعاني , إذن من المتوقع أن تتنوّع الحياة بتنوّع إضفاء المعاني. هكذا ينجح تحليل الحياة على أنها فن إضفاء المعاني في تفسير لماذا تتنوّع الحياة. مثل ذلك أنَّ حياة الإنسان مختلفة عن حياة الزهور من جراء أنَّ المعاني التي يضفيها الإنسان على الكون مختلفة عن المعاني التي تضفيها الزهور. فمثلاً , الإنسان قد يضفي معنى أنَّ الكون قد وُجِدَ لكي يخدمه و يُؤمِّن بقاءه حياً بينما الزهرة تضفي معنى أنها ضرورية الوجود لكائنات حية أخرى فتُرسِل رسالة معناها "حافظوا عليّ كي تحيا الكائنات الأخرى المعتمدة على رحيقي". هكذا تختلف معاني الظواهر و رسائلها فتتنوّع الحياة بكونها فنون إضفاء المعاني. فالمعاني قد تختلف كما أنَّ فنون إضفائها قد تختلف ما يُحتِّم نشوء أنواع متنوّعة من الحياة ذات معانٍ و فنون إضفاء معانٍ مختلفة.

إن كانت الحياة فن إضفاء المعاني فحينئذٍ الحياة مسألة درجات قد تزداد أو تتناقص بتزايد أو تناقص إضفاء المعاني. فمن الممكن للفرد أن يكون أكثر حياً أو أقل حياً على أساس إضفائه معانٍ أكثر أو أقل. فبما أنَّ الحياة فن إضفاء المعاني , إذن إذا أضفينا معانٍ أكثر أصبحنا أحياءً أكثر أما إذا أضفينا معانٍ أقل أمسينا أحياءً أقل. لذا مَن يضفي معانٍ أكثر يشعر بأنه حيّ أكثر و يدرك ذلك لأنَّ الحياة ليست سوى فنون إضفاء المعاني.

مثل ذلك إن أضفى هذا الفرد أو ذاك معانٍ علمية و فلسفية و دينية على الكون و ظواهره فسوف يحيا الحياة بأبعادها العلمية و الفلسفية و الدينية معاً فيغدو أكثر حياً من فرد يكتفي بإضفاء معانٍ علمية فقط أو فلسفية فقط أو دينية فقط على ظواهر الكون و حقائقه. فالذي يضفي معانٍ مُحدَّدة (كالمعاني العلمية فقط أو الدينية فقط) فسيرى العالَم من منظور مُحدَّد (كمنظور العِلم فقط أو الدين فقط) فيحيا بمنظوره المُحدَّد و بذلك يحيا أقل.

من هنا قبول الإنسانوية القائلة بوحدة الثقافات و الأديان و المعارف و البشر و القائلة بأنَّ كل الثقافات و الأديان و المعارف الفلسفية و العلمية و الدينية متساوية في قيمتها و مقبوليتها أساس بناء الحياة الأكبر لأنها تضمن أن نحيا بكل الأبعاد الوجودية و المعرفية الممكنة. فالذي يؤمن بالإنسانوية يتصرف على ضوئها فيحيا بكل أبعاد الحياة و تمظهرها لأنه يضفي على الكون كل معاني الثقافات و الأديان و المعارف فيتحرّر بدوره أيضاً من مُحدَّدية عقيدة معينة أو مُحدَّدية عقائد و معتقدات مُحدَّدة. كل هذا يرينا أنَّ الحياة على أنها فن إضفاء المعاني تؤدي إلى قبول الإنسانوية لأنَّ من دون الإنسانوية تتناقص عمليات إضفاء المعاني على ظواهر الكون فتتناقص الحياة.

لقد نشأت الحياة لأنها فن إضفاء المعاني. فبلا حياة يستحيل إضفاء أي معنى على أية ظاهرة طبيعية (كإضفاء معنى أنَّ الجاذبية مجرّد انحناء الزمكان أو معنى أنَّ الكون وُلِدَ من عدم). هذا لأنَّ الحياة ضرورية لعملية إضفاء معنى فالحي وحده قادر على التفكير فبناء معانٍ ليضفيها. الآن , بما أنَّ الحياة ضرورية لإضفاء المعاني على الكون و ظواهره , و علماً بأنه يستحيل وجود كون بلا معانٍ (و إلا كانت ظواهره عبثية بلا فائدة و بلا وظائف) , إذن يستحيل وجود كون بلا حياة. لذلك وُجِدت الحياة و نشأت بفضل كونها فن إضفاء المعاني. هكذا تحليل الحياة على أنها فن إضفاء المعاني يُفسِّر لماذا نشأت الحياة و لماذا توجد. كونٌ بلا حياة كونٌ فارغ من معانيه. و كونٌ فارغ من معانيه كونٌ بلا وجود.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعاني السوبر حداثوية
- العلوم السوبر حداثوية
- جدل الثورات الفلسفية
- المجاز فن المعاني الصادقة
- الإعجاز المخادع و البلاغة الكاذبة
- المعنى فن إنتاج اللغة
- الشِعر فن استدعاء التأويل
- الكون فن إيصال المعاني
- الجمال فن انتظام المعاني
- الفن تحويل اللامعنى إلى معان ٍ
- العقل فن إنتاج الواقع
- المعرفة فن إنتاج المعاني
- العِلم فن توحيد المعاني
- الأدب فن تكثير المعنى
- الأدب فن إخفاء المعنى
- فلسفة ارتباط العقل بالواقع
- فلسفة المعاني و صراع النظريات
- ستيفن هوكنغ : لا غالب إلا العلم
- الفيزياء المعاصرة و التصوّف
- فلسفة العلمانية الإنسانوية


المزيد.....




- كييف تتحدث عن تقدم قواتها في كورسيك وموسكو تعلن التصدي لها
- واقعة مثيرة للجدل داخل مستشفى في مصر.. ومسؤول يعلق
- زاخاروفا: الهجوم على محطة زابوروجيه عمل إرهابي كشف خطورة نظا ...
- حماس: موافقة واشنطن على صفقة أسلحة جديدة لإسرائيل تؤكد أنها ...
- خبير عسكري أوكراني يحذر من سقوط مدينة هامة بيد الجيش الروسي ...
- مقتل 5 فلسطينيين بقصف إسرائيلي على الضفة
- احتجاز مواطن أمريكي في موسكو لاعتدائه على شرطي
- إيلون ماسك يصف -الغارديان- بأنها -قمامة- وسائل الإعلام
- الجيش الإسرائيلي يعلق على مقتل التوأم في غزة
- مغامرة نظام كييف في كورسك بدأت فعليا في التحول إلى كارثة محق ...


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - الحياة فن إضفاء المعاني