صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 6130 - 2019 / 1 / 30 - 00:58
المحور:
الادب والفن
صبري يوسف
91. لماذا يفشل المرء في الحبّ، في قيادة نفسه، في تجنّب الأحزان والمآسي الَّتي تلاحقه أينما كان؟
د. أسماء غريب
الفشلُ في الحبّ مرتبط بكمّ تجارب الإنسانِ اليائسة والمحبطة في علاقته مع خالقه، منذ بدء الخليقة إلى اليوم، أيْ منذ الانفصال عن الذَّات الدَّاخليَّة الإلهيّة الكامنة، والّذي تلاه مباشرة الالتصاق بعدد لا محدود من الذَّوات المزيّفة، بما فيها الذَّات الأبوسيّة الَّتي عادة ما يفتحُ عليها المرءُ عينيْه منذ ولادته، والمتمثِّلة بسُلطة والديْهِ عليه، والَّتي منها وبها يتكوّن أوّل مفهوم خاطئ عن الحبّ، وأعني به الحبَّ المشروط والخاضع لقوانين المجتمع والقبيلة والعشيرة والدّين ورجاله. وهي القوانين الَّتي لا يمكن للحبّ فيها سوى أن يكونَ بالمقابل: أنت محبوب لأنّك إنسان ملتزم بأعراف وقوانين المجتمع والأسرة، بل أنت محبوب جدّاً، فقط حينما تكون خاضعاً لأطر اجتماعيّة وأخلاقيّة مشروطة ومحدودة جدّاً، وإذا تمّ الخروج عنها أو الانفلات منها فإن أبسط ما سينالكَ هو غضبُ أبيك وأمّكَ عليك، ثمّ الأسرة كاملة، لتنتهي المأساة بنبذ المجتمع لك. نعم، بهذا المنطق يتعاملُ الإنسانُ أيضاً في علاقته مع خالقه الّذي صوّرتهُ "الدِّيانات" بإيديولوجياتها المحدودة وأساطيرها القديمة جدَّاً، كإله يغضبُ، ويكرهُ ويحقد وينتقم، وهي كلّها أفكار مسمومة للغاية ومبنيّة على الخرافة ليست لها أيّة علاقة بما يكونُهُ اللهُ حقيقةً، والّذي ما هو سوى الحبّ المطلق بدون شروط وحدود وقيود!
لأجل هذا أصبح مفهوم الحبّ مشوّها لدى الإنسان وقائماً على الخوف من إله منتقم ومرعب، ولأجل هذا أيضاً، يعطي الإنسانُ الحبَّ بنفس الطَّريقة الّتي يتصوَّر بها خالقَه: مشروطاً.
ولو حدث أن أدرك كلّ شخصٍ الهدفَ الأسمى الَّذي خُلقَ من أجلهِ لتغيّر كلّ شيء، ولو أدرك كل واحد منّا من هُو حقيقة لتفجّرَ بحرُ الحبّ بلا انقطاع: إنّنا جميعنا هذا الله السّاكن بداخلنا، المحبّ الأبديّ الأزليّ. بل إنّك أيُّها الإنسان أجملَ ممّا يمكنُكَ أن تتصوّرهُ أو تتخيّلهُ عن نفسك وشخصيّتكَ، لكنّ الآخرين ممّن سبقوك في التّاريخ والانوجاد علّموك أنّك ضعيفٌ، ناقص ولا تستحقُّ الكثير ممّا في الحياة من جمال وبهاء. لقد زرعوا فيك الخوف حتّى من ذات الله السَّاكنة فيك، وحتّى من سماواتك وأقمارك ونجومك وكواكبك الدَّاخلية. ولأنّك لا تعرف أو نسيتَ من تكونُ حقيقة صدّقتَهم، ووقعتَ في الفخّ، وبقيتَ إلى اليوم بعيداً عن نبع الحبّ والمحبّة!
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟