|
حسين مروة
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 6128 - 2019 / 1 / 28 - 19:57
المحور:
الادب والفن
لم اكن أعرف عن حسين مروة شيء ما على الإطلاق، في سنة 87 من القرن الماضي ظهرت بعض المقالات تتناول موضعته الموسوعية "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" وكنت حينها قرأت اول كتاب لمهدي عامل عامل وصل إلى يدي وهو كتاب تدور موضوعاته حول ندوة الكويت في موضوع الحضارة العربية، في وقتها، ولأول مرة انتبه أيضا، لضرورة ما، كان لي شوق عميق أن أغطس في عمق روح شمال إفريقيا من خلال مفهوم الحضارة عند ابن خلدون، وأتذكر في الايام الأخيرة، في حوار ساخر في الفضاء المفترض "الفايسبوك" كان أحدهم يقارعني هل قرأت مقدمة ابن خلدون التي في عرفه يتكلم عن الحضارة كما فهمت في ندوة الكويت تماشيا مع ما كان قد أثاره مهدي عامل حول مفهوم الحضارة عند مفكري تلك الندوة، في كتابه "أزمة الحضارة العربية أم ازمة البرجوازيات العربية" أثار مهدي عامل بشيء من خيمياء "باولو كويلو" سحر ذلك المفهوم المتعنتر: كانت الحضارة العربية في ندوة الكويت تعني تماما ناطحات سحاب مباني مدينة الكويت ومثيلاتها بدول البيترودولار، او هكذا أوحي إلي، وكان محاوري في الفايسبوك وهو أصولي على كل حال يعتقد بإحالته لي إلى ابن خلدون اني سأشم نفس العبق الخيميائي، وحين اخبرته بأني بالفعل قرأت ذلك الكتاب القيم لابن خلدون، وأني أستطيع أن امده بأبواب وبارقام صفحات تؤسس لعكس ما يدافع عنه، وبأن حضارة ناطحات السحاب لمجتمعات بدوية ليست هي ما يتكلم عنها ابن خلدون، بل يتكلم في عمقها تجاوزا للمباني ، يتكلم خلافا لخيمياء باولو كويلو على كيمياء ابن سيناء وبيولوجية ابن طفيل في حي بن يقظان، إنه عالم آخر غير تأجير عمال من بلدان آسيا بعقود عبودية، إن الحضارة عند ابن خلدون هي التفاعل الكيميائي لبشر ما في مدينة ما بالفعل يسودها العمران، وعليه فلغة التمدن ليست اللغة العربية الفصحى، بل هي مزيج لغات تفاعلت كيميائيا، والإجتماع الإنساني في التمدن هو مزيج كيميائي يهذب العصبيات القبلية وان سكان المدينة أكثر تهذيبا من ان يخوضوا حروبا في قتل البشر وانه بسبب تهذيبهم هم اضعف في القوة العسكرية بحيث تغلبهم كل العصبيات القبلية البدوية الهمجية (يمكن الرجوع على هذه الفكرة في ظروف تاريخية خاصة)، قرأت ابن خلدون من خلال مهدي عامل من خلال نقده لمفكري ندوة الكويت، ومن خلاله كتابه الذي أشرت إليه هنا، في ملحق له يتكلم مهدي عامل عن حسين مروة، لاكتشف لاول مرة أن مهدي عامل عانى نفس ما عانيناه نحن في مغرب الريع المخزني من قبيل أن يكت لك احدهم رسالة لشخص ليمنحك عمل، وان تقوم بالعمل على النية وتوصل تلك الرسالة بامانة وابتهال لتكتشف انك في طريق غير مستقيمة: كم اكره ان يمتحنك شخص لا يفقه لا في السياسة ولا في التدبير الإقتصادي ولا في الفلسفة ولا في أي علم، يفقه فقط في جملة واحدة: "لي ماعندو فلوس كلامو مسوس" (من لا يملك مال، حتى كلامه غر). لا أدري لماذا مهدي عامل تناول هذه المسالة برغم ان كلمته في الملحق هي كلمة شكر لاذعة بالمعنى الماركسي، لقد كانت كلمة بحنين الشكوى الساخرة، لكن أيضا كانت تمهيدا لمحاولة نقد لحسين مروة حول عنوان موسوعته الذي انصب حول كلمة "النزعات" كان هذا الملحق تشويقا لقراءة حسين مروة، واعرف مسبقا أن لي رفاق كانو يهيؤون عملا لنيل شهادة دوكتوراء في الأدب حول اعمال منى العيد وكان الكثير يتكلم عن ثلاثي رفاق الحزب الشيوعي اللبناني . في سنة 1987 افرغت قواة الظلام خمس رصاصات في جسد حسين مروة، كان المشهد تراجيديا، قتلوه امام بناته وفي منزله كما لو هم قتلوا كبش عيد الأضحى، قتلوا شيخا لا يملك إلا عقله وتجربته، في ذلك اليوم كان الامر محزنا جدا واقسمت اني سانتقم له بقراءة نزعاته المادية رغما عن انفهم وعلى الرغم من ان طاقتي لم تكن تستوعب فكره. حين قراته ، كانت مقدمته مملة إلى حد ما، صحيح انها كانت تؤسس لمنهجه في التحليل، لكن بالنسبة لي كانت مملة غاية في الملل، تجاوزا تجاوزت مقدمته وذهبت مباشرة إلى موضوعات الكتاب. بنفس سحر خيمياء باولو كويلو، بنفس كيمياء حضارة التمدن لابن خلدون، بسحر بيولوجية او إيكولوجية ابن طفيل اكتشفت حسين مروة، إنسان هاديء يقارع برزانة لا نظير لها، محاور بالنصوص، مجتهد في طرح نزعات عابرة، مناصر لتراثه الإسلامي العربي وكأنه كان يبحث عن شهادة: شهادة قتل العقول العربية وشهادة الإضطهاد الإسلامي كمعيار لثقافتنا ، كان إنسانا رائعا لا يستحق الموت، كان عنفوانا في سبعينياته العمرية وكان قتله شهادة على ان الإسلاميون، بشقهم الشيعي والسني مناهضان لمرح الحياة، لغريزة الوجود. لقد قرأت النزعات المادية رغما عن قتل كاتبها، قرأتها عنادا، اشتريت جزأيها وانا عاطل فمن انتصر إذن؟؟ لأول مرة اكتشفت في حسين مروة ابن رشد آخر، أسلوب حسين مروة رخو وعذب، لا يجرح حتى اعداءه، أسلوب له روح طيبة، عبق ملائكة، لم يكن متعصبا، حتى استدلالاته كانت تقف على مراجع من داخل تراث العنف كانت تتمتع بروح العقل الطيبة، وبشكل صعب لا أستطيع ان أجسد تلك الروح في كلمات عزاء، لقد كان حسين مروة مفتاحا لهذا التدفق العارم المدين الآن لثقافة الظلام، مات حسين مروة قبل ان يقول لنا كلمة عن ابن رشد، لكن مات وترك للثقافة التقدمية كيمياء إخوان الصفاء، اجمل باب قرأته في موسوعة النزعات المادية.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول الإسلام المثالي
-
لا أومن بإله يهتم اصلا بأخطائنا
-
مهدي عامل الرائع
-
كلمة شكر إلى الأستاذ سعيدي المولودي
-
يسار البؤس
-
دائرة المشردين -مريم ملاك-
-
جمال خاشقجي ومثلث بيرمودا
-
الغاشيات
-
اشكالية اللغة العربية هي إشكالية طبقية وليست عجز في اللغة (م
...
-
اللغة المغربية وخرافة الخدش للحياء العام
-
الكلب المهجور
-
حول عمل التنسيقيات والمنتديات الاجتماعية
-
جار القردة
-
حول عسكرة الحسيمة
-
ماركس في المغرب، لم يمت بعد!
-
سكت دهرا فنطق كفرا
-
المقاطعة المغربية وردود الفعل
-
حول المقاطعة المغربية
-
كل يوم يمضي يكتشف ترامب أنه ليس وحده الحاكم
-
المعايير الدولية!؟
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|