أشرف إبراهيم زيدان
الحوار المتمدن-العدد: 6128 - 2019 / 1 / 28 - 00:58
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
روايات الشتات الإفريقي فى زمن ما بعد الاستعمار (تأليف: John J. Su)
(ترجمة: د. أشرف إبراهيم زيدان/كلية الآداب/جامعة بورسعيد)
يشير مصطلح (روايات الشتات الإفريقي في زمن ما بعد الاستعمار ) إلي الأعمال التي كتبها المهاجرون الأفارقة وأسلافهم منذ خمسينيات القرن الماضي. وقد بدأ زوال الحقبة الاستعمارية في القارة الإفريقية في عام (1957) مع استقلال دولة غانا؛ وقد تزايدت هجرة الأفريقيين منذ سنة (1960) بسبب تفشي الاضطرابات السياسية في إفريقيا في العقدين القادمين، وبسبب رغبة بريطانيا في جلب العمالة الرخيصة. وقد كان للأعمال التي كتبها (البريطانيون السود) أهميةً ومكانة متميزة فى عقد الستين من القرن الماضي؛ فقد كان لها أثر حاسم فى إعادة النظر في عوامل تشكيل النزعة إلي (البريطانية) داخل سياقات ما بعد-الاستعمارية.
وقد أدت التنوعات الثقافية والدينية والعرقية عند أدباء الشتات الأفريقي إلي تعقيدات تجعل دراسته أمرا بالغ الصعوبة؛ فالمهاجرون من غرب إفريقيا مثل (بوتشي إيميشيتا) يختلفون عن المهاجرين من شرق أفريقيا (مثل عبد الرازق جورنه). وتصنيفات الهوية المستخدمة في بريطانيا تسبب الكثير من الالتباس؛ فحتى عام (1990)، كان مصطلح (البريطانيون السود) مصطلحا فضفاضا يشمل المهاجرين من إفريقيا وجزر الكاريبي وجنوب آسيا. لذا كان الكاتب (سلمان رشدي)، القادم من جنوب آسيا وأمثاله، يجعلون أنفسهم ممن يشملهم هذا المصطلح في أعماله غير الروائية المنشورة خلال عام (1980). وكذلك السير الذاتية المعقدة التي كتبها عدد من المهاجرين جعلت هذا التصنيف غير دقيق، وغالبا ما يكون تمييزياً. فــــــــــ (ديساني) و(دوريس ليسنج)—على سبيل المثال—لا يمكن اعتبارهما من أدباء الشتات الإفريقي، مع أنّ الأول قد ولد في إفريقيا والثانية قضت جزءاً مهما من طفولتها هناك. والعديد من كتاب جزر الكاريبي يعود نسبهم إلي العبيد الأفارقة، ومنهم: (سام سيلفون) و(جورج لمنج) و(ديفيد دابادين) و(كاريل فيليبس). ومع ذلك يعد الأدب الكاريبي ظاهرة مختلفة؛ ومن أسباب هذا الاختلاف أنّ هجرة الكاريبيين تركزت بشكل واضح في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبخاصة بعد وصول سفينة (ويندرش) الشهيرة وعلى متنها حوالي (492) من المسافرين عام (1948) من جزر الكاريبي ؛ ويعتبر هذا علامة مميزة لبداية أدب المهاجرين من جزر الكاريبي في العصر الحديث. وقد ازداد تماسك الكتاب الكاريبيين عام (1950) وبخاصة بعد انطلاق إذاعة (بي بي سي) الناطقة باللغة الكاريبية؛ لأنها أبرزت وأعلت من شأن العديد من الكتاب الكاريبيين ومنهم: (سيلفون، ولمنج، ونايبول).
لا نستطيع أنْ نذكر تاريخا محددا لبداية هجرة الكتاب الأفارقة إلي بريطانيا، مع أنَّ عام (1555) يعد بداية الهجرات الأولي. ولدينا ما يدل على أنَّ الأفارقة قد وصلوا إلي انجلترا منذ قرون سابقة إذ كانوا جنودا في جيش (سيزر). ولكن في عام (1555) انتقل (خمسة) من الأفارقة إلي إنجلترا ليتعلموا اللغة الإنجليزية ليعملوا مترجمين وبخاصة بعد التوسع السريع في تجارة الرقيق. وتكمن أهمية التأكيد على هذا التاريخ لأنَّه يبين العلاقة بين وجود الأفارقة في بريطانيا وظهور الرأسمالية والإمبريالية؛ ففي الأزمنة التي سبقت القرن العشرين سيطرت قضية (العبودية) على الأدب الذي كتبه الأفارقة في بريطانيا. وبالرغم من إلغاء العبودية في بريطانيا عام (1807) فإنَّ الدعوة إلي إلغائها فى الولايات المتحدة الأمريكية قد أبقي القضية في صدارة اهتمامات إنجلترا حتى (1860) وما بعدها. ولقد قدم الوالدان المؤسسان للأدب الإفريقي في بريطانيا (إيجناتيوس سانشو) و(إيكويانو) أعمالاً تتناول السيرة الذاتية لكليهما: (خطابات من المرحوم سانشو الإفريقي) (1782/1998) و(السرد الممتع لحياة إيكويانو كتبه بنفسه) (1789/2001). ويعتبر (سانشو) و(ايكويانو) قطبين متضادين؛ فالأول مؤمنٌ بإمكانية الذوبان الثقافي، والثاني من المدافعين بشراسة عن الثقافة الإفريقية. ويري (إينس) أنَّ القول بهذا التناقض بينهما مبالغ فيه، ولكنه قدم النموذج الأساسي لفهم أدب الشتات الإفريقي السابق للقرن العشرين.
إنَّ نشر رواية (تداعى الأشياء) (1957) للكاتب (تشينوا أتشيبي) يعد لحظة مؤثرة في تطور أدب ما بعد الاستعمار بوجه عام والأدب الإفريقي بوجه خاص. ومع أنّ (اتشيبي) قضى فترة محدودة في بريطانيا العظمي فإنَّ الموضوعات الرئيسة لروايته الأولى قد شكلت وصبغت كتابات المهاجرين الأفارقة التالين له. وربما يعد التطور الأكثر أهمية في هذا العمل هو تركيزه على قضية ومفهوم الأمة في المستعمرات السابقة للإمبراطورية البريطانية: هل تحاول تلك الأمم أن تعود مرة أخرى إلي مجتمعاتها السابقة لفترة الاستعمار، أو أنْ تطور وتعدل من نفسها وفقا للديموقراطية الغربية، أو أن تخلق نوعا من نظم الحكم المهجنة؟ إنَّ النقد العنيف للمسيحية واضح جدا في أعمال تشينوا وكذلك في أعمال العديد من أتباعه. فبينما نجد (إيكويانو) والعديد من كتاب القرن الثامن عشر والتاسع عشر قد وجدوا فى المسيحية دعما لـ قضية المستعبدين، نجد الاتجاه السائد بين كتاب ما بعد الاستعمار في القرن العشرين هو تسليط الضوء على ما فعلته المسيحية لإعلاء شأن الإمبريالية البريطانية ونشرها بين الأمم؟ وكيف شوهت [المسيحية] بشراسة أديانهم وثقافاتهم؟ استثمر تشينوا الرواية بوصفها نقطة حاسمة ليس فقط لـ مفهوم الإنجليزية ولكن أيضا بالنسبة للصور الإمبريالية لـ أفريقيا. ساعدت روايات (روديارد كيبلنج) و(جويس كاري) و(جوزيف كونراد)، لاسيما بين الطبقات الوسطي الإنجليزية، على تأكيد الصورة المشوهة لإفريقيا، كأنَّها أرض بدون تاريخ، يسكنها همج متطرفون شهوانيون. إنّ مشروع (أتشيبي) في إعادة كتابة التاريخ الاستعماري من وجهة نظر المستعَمر يبدو مع بداية أول كلمة في روايته (تداعى الأشياء)، ألا وهي (أوكونكو). وفي رواية كونراد (قلب الظلام) (1902) نجد أنّ جميع الشخصيات الإفريقية بدون أسماء؛ وهو بهذا لا ينكر فقط تاريخهم الثقافي بل تاريخهم الشخصي أيضا [لذا نجد فى رواية (المريض الإنجليزي) للكاتب الكندي من أصل سيرلانكي (مايكل أنداتشي) أنَّ جميع الشخصيات الإنجليزية مشوهة عن عمد كأنه نوع من الانتقام؛ وفى رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) للكاتب السوداني الطيب صالح ينتقم بطل الرواية من الإنجليز عن طريق اغتصاب أكبر عدد ممكن من النساء الإنجليزيات/المترجم].
يميل العديد من الكتاب الذين ساروا علي نهج أتشيبي—ومنهم أبناء جلدته (بوتشي إميتشيتا) و(بن أوكري) و(عبد الرازق جورنه) التنزاني—إلي الاختلاف عن جيل (وندروش) من الكتاب الكاريبيين من أمثال (سيلفون، ولمنج، وفيك ريد)؛ بسبب اهتمامهم بتصوير العنف والحروب الأهلية التي اشتعلت بعد فترة الاستقلال مع أنها تصور كما لو كانت تحدث في إفريقيا، [ويستثني من هؤلاء الكاريبيين الكاتب (في. إس. نايبول) لأن أعماله التالية قد صورت الحرب الأهلية ومنها: (منحني في نهر) (1979) و(نصف حياة) (2001)]. وصور كل من (أتشيبي واميتشيتا وأوكري) أهوال حرب (بيافرا) (1967-70): تلك الحرب الأهلية النيجيرية التي هزت القارة بأكملها. ولأنها أكبر دولة إفريقية في تعداد السكان وامتلاك احتياطي النفط اعتبرت نيجيريا أعظم مثال للقارة. وركزت رواية أتشيبي (قري النمل في سافانا) (1988) ورواية إيميشيتا (السفر إلي بيافرا) (1982) وأخيرا رواية أوكري التي حصدت جائزة البوكر (طريق الجوعى) (1991) على الحروب الأهلية بوصفها حالة من خيبة الأمل العميقة بسبب حلول النزعات العرقية محل حركات النضال ضد الاستعمار. وتصور روايات أتشيبي وأوكري القلق العميق تجاه الحروب الأهلية التي أظهرت فشل الإفريقيين في تجاوز ما خلفته الحقبة الاستعمارية، وفى تطوير هويات قومية من شأنها أن تحل محل الهويات العرقية والقبلية. فبدلا من إعلان القطيعة الجذرية مع الماضي الاستعماري اضطرت دول ما بعد الاستعمار أنْ تعيش مرة أخرى تلك الصراعات العرقية والقبلية التي زرعها الاستعمار من أجل منع أي مقاومة متحدة. ويتساءل أحد أبطال رواية أتشيبي (قري النمل في سافانا): (ما الذي يجب أن تفعله الأمة كي تنهى تاريخاً مريراً؟" وفي نهاية الرواية تعلن الحداد على ما أصاب البلاد من أعمال العنف التي لا تنتهي في بلادها" (204).
لم تتجاهل أيضا أعمال (عبد الرازق جورنه) عنف ما بعد الاستعمار في بلده الأصلي (تنزانيا) عندما أطاحت الغالبية السوداء بالنخبة العربية الموجودة هناك منذ قرون. ويختلف (جورنه) عن (أتشيبي) في أنَّه أقل تركيزا على الصراعات نفسها، إذ كان تركيزه على حالة الاغتراب التي نتجت عن تلك الصراعات؛ ويمكن اتخاذ هذا الاختلاف كعلامة مميزة لكتاب الشتات الأفريقي. فإنَّ (جورنه) منذ روايته الأوي (ذكرى رحيل) (1987) وما بعدها يصور معاناة الأفارقة الذين لا يشعرون أنّ موطنهم الأصلي هو أفريقيا ولا هو بريطانيا العظمي. وفي عالم يبدو واضحا أنّ العنف يستهلكه تجد أبطال روايات (جورنه) أنفسهم في حالة تنقل دائم: يستوي فى ذلك (حسن عمر) الذي يعمل على سطح سفينة شحن في رواية (ذكري رحيل) و(يوسف) الذي يهرب ليلتحق بالقوات الألمانية في رواية (الفردوس) (1994). ويبدو أنّ (جورنه) لم يكن يريد تصوير المصالحة النهائية بين أبطال رواياته وعائلاتهم، أو بين المجموعات العرقية والدينية المتناحرة، وأخيرا بين الماضي الاستعماري وحاضر ما بعد الاستعمار. فالقراء لن يكتشفوا أبدا المصير النهائي لـ (عمر) أو (يوسف). وفي رواية لاحقة له، مثل (إجلال الصمت) (1996)، يجد الراوي (بدون اسم) نفسه دون مستقبل واضح وخاصة بعد أن تركته شريكته الإنجليزية (إيما) وابنتهما المراهقة (إيميليا). والرسالة التي يتلقاها من عائلته في تنزانيا تنتهي بالكلمات التالية (عد إلى الوطن). ولم يستطع الراوي أنْ يشعر بأي شعور عند قراءته للرسالة سوي السخرية القاسية: فمنذ عشرين سنة لم يخبرهم بشيء حقيقي عن (إيما)، بل فالصفات التي وصفها بها وهو يحدثهم عنها إنما هي اختلاق تام صريح.
أما (بوتشي إيمتشا) ففى مؤلفاتها ما لا نجده عند كتاب ذكور في خمسينيات وستينيات القرن الماضي؛ إذ تظهر معاناة النساء الإفريقيات وصراعهن مع تعصب المجتمع ضد الأنثى في بريطانيا وإفريقيا. تصور المؤلفة في ثلاثيتها، (فى الحفرة) (1972)، و(مواطن من الدرجة الثانية) (1974)، و (ثمن العروس) (1976)، معاناة البطلة (أده) كي تعلم أطفالها وتربيهم. فالتعصب ضد الأنثى طبقا لثقافة (الايبو) واضح للعيان منذ الفقرات الأولي لرواية (مواطن من الدرجة الثانية): أصيب أبواها بخيبة أمل عند ولادتها؛ لأنهم انتظروا ولداً لا بنتاً؛ ومن ثم لم يهتموا بتسجيلها في السجلات الرسمية. وتحاول أمها أن تمنعها من التعليم، وتجبرها أسرتها على الزواج من مراهق، ويستغل زوجها (فرانسيس) دخلها. وتقرر الهجرة إلي بريطانيا أملاً في إيجاد حياةٍ أفضل إلا أنها تواجهها العديد من التحديات، ومنها قسوة زوجها المتزايدة والتفرقة العنصرية في موطنها الجديد لكونها امرأة من ناحية وذات بشرة سوداء من ناحية أخرى. وتؤكد (إيمتشا) العلاقات بين الفرقة العنصرية والتفرقة بين الجنسين، بعد أن اكتشفت أنها في عيون الإنجليز مواطن من الدرجة الثانية، وتكتشف البطلة أيضا ذلك بعد فترة طويلة أنَّ المرأة في عين زوجها إنسانة من الدرجة الثانية. فإحباط زوجها بسبب المعاملة الوضيعة التي يتلقاها في بريطانيا ينعكس عليها؛ فيصير أكثر إساءةً وإهانةً لها. وهو من ناحية يغار منها بسبب وظيفتها واستقلالها وتميزها فى الإبداع الأدبي؛ فيقوم بحرق روايتها المعنونة بـ (ثمن العروس)، وجواز سفرها، ووثيقة الزواج، وشهادات ميلاد الأطفال أيضا. وفى نهاية الرواية نجد البطلة مضطرة إلي رعاية أولادها الخمسة، ونجدها عاجزة عن اقناع السلطات بضرورة حمايتها من زوجها أو أن يدفع نفقة لأطفاله، ومع ذلك أرادت أن تحسن تربية أولادها وأن تبني حياة مستقبلية لها ولهم.
توظف (إيمتشا)—مثلها في ذلك مثل معظم الكتاب الأفارقة الآخرين وكذلك الكتاب المهاجرين الأفرو-كاريبيين—تقاليد الواقعية الأوروبية في كتاباتها. وهذا يعد أمراً مهما لأنهم خالفوا بذلك العديد من الكتاب الإنجليز البيض مثل (جون فاولز) و(أنجيلا كارتر) الذين انخرطوا في تجارب (الحداثة) و(ما بعد الحداثة) قبل سبعينيات القرن الماضي، وتجلى ذلك فى: استخدام اللغة والأسلوب والصوت السردي. ويعود تفضيل الواقعية للعديد من الكتاب المهاجرين من البلاد التي كانت مسستعمرات بريطانية إلي الأسباب الآتية. أولا: تتوافق التقاليد الواقعية بشكل جيد مع توقعات جمهور القراء الذين رأوا روايات كتاب ما بعد الاستعمار نوعاً من (الشهادة الاجتماعية). فكما توقع القراء أن تستخدم أعمال (أيكويانو) بوصفها شهادة على الآثار السلبية للعبودية، فقد توقعوا أن تكون أعمال (جورنه وإيمتشا وكتاب آخرين) في مرحلة ما بعد الحرب شهادة على الآثار غير الإنسانية للاستعمار. ويرى البعض أنَّ السمات العامة لـ أدب ما بعد الحداثة ومنها التلاعب باللغة والتقاليد تتعارض مع مهمة تصوير أهوال العهد الاستعماري وما بعده من عهود. ثانيا: استطاع كتاب ما بعد الاستعمار من خلال التقاليد الواقعية من أن يُشْرِبوا الرواية البريطانية بعض المفردات والتعابير المأخوذة من بلدانهم الأصلية. وقد نالت أعمال (سام سيلفون) شهرة عالمية لأنه كتب بلغة تمزج بين الإنجليزية ولغة الكاريبي (Creole)، وهناك أيضا نماذج مشابهه بين كتاب الشتات الإفريقي (استخدام اللغة الإنجليزية أم اللغة الأم فى الإبداع بين مؤيد ومعارض/المترجم). منذ القرن التاسع عشر أصر من يطلقون على أنفسهم واقعيين من أمثال (ستندال) أنّه يجب على الرواية أن تقدم لغات وخبرات الحياة اليومية. ويري (ستندال) أنّ (الرواية مرآة تمشي متنزهةً في طريق كبير) (342) وليست بعضًا من صورة الأرستقراطية الرومانسية المليئة بالمجازات والحيل المعقدة. وقد اغتنمت (إيمتشا وجورنه) هذه الروح بعد مرور قرن من الزمان من أجل تصوير الظروف السيئة القذرة التي عاشها العديد من المهاجرين.
تشير رواية (بن أوكري) العالمية (طريق الجوعى) أنّ الكتاب المهاجرين أصبحوا أكثر إبداعا على المستوي الرسمي. وقد صنف بعض النقاد رواية (طريق الجوعى) بوصفها رواية واقعية سحرية أو ما بعد حداثية مع أنَّ (أوكري) قد قلل من قيمة تلك التسميات. وأوضح (أوكري) أنَّ كتاباته تمثل نوعا من الواقعية التي تشكلها المعتقدات الثقافية والروحانية والتي تبدو غريبة على كثير من القراء الإنجليز: (ما يبدو أنه كتابات سريالية أو خيالية هي في الواقع ليست كذلك؛ إنها ببساطة كتابات عن المكان بــــــروح المكان. أنا لا أسعى بأي شكل من الأشكال مهما بلغت بساطته أن أقدم ملامح غريبة) (quoted in Arana & Ramey 147). وهذا القصد المعلن لا يتعارض مع ما بعد الحداثة التي تتشابه مع الحداثة وإن كانت تعتمد وتستقي بشكل أساسي من ثقافات تلك الأقاليم التي كانت مستعَمرة. وترصد الرواية مغامرات آذارو الطفل الآبكيو (abiku). والطفل الآبيكيو في لغة اليوربا [لغة تستخدم في غرب إفريقيا وبعض المناطق في أمريكا وأوروبا/المترجم.] يعني شبح الطفل الذي يموت مباشرة بعد الولادة؛ ويعود باستمرار إلي رحم الأم ليعيد دورة الولادة والوفاة باستمرار. وقد هيمنت صورة تلك الطفل الآبيكيو/أوجبانجي على العديد من أعمال الكتاب النيجيريين، ومنهم (آتشيبي وأوكري وسوينكا). وكان (أوكري) يوظف أسطورة الطفل التي ذكرناها كأنما يشبه به نيجيريا نفسها؛ لأنها كانت مستعمرة فماتت مباشرة فور استقلالها عام (1960) بسبب الحروب الأهلية التي أطلق عليها حرب (بيافرا). ويكتشف (أوكري) السؤال نفسه الذي هيمن على (آتشيبي) في رواية (قرى النمل في سافانا) وهو: ما الشيء الضروري لوضع نهاية لحالة العنف الواضحة المستمرة ؟
هناك دليل دامغ على أنّ مصطلح (ما بعد الاستعمار) ما زال يحتفظ بقيمته فهو يطلق على كتابات المهاجرين الأفارقة وأسلافهم. ويؤكد مصطلح (ما بعد الاستعمار) الطرق التي من خلالها يستمر الكتاب في تحديد هوياتهم عن طريق آليات المركز والهامش الاستعماري. ودون أن ننكر أنّ أشكال الاستعمار ما زالت موجودة؛ فإنَّ كثيرا من الكتاب الشبان (وخاصة الذين ولدوا في بريطانيا) قد تجاوزوا ثنائيات الأبيض/الأسود، المستعمِر/المستعَمر، والمدني/الهمجي، والتي كانت جزءاً لا يتجزأ من الدفاع عن الإمبريالية البريطانية ونقدها من خلال أدب ما بعد الاستعمار. فعلى سبيل المثال تستخدم (فيكتوريا آرانا) و(لوري رامي) مصطلح (الفنانون الطليعيون للألفية الجديدة) لوصف كتّاب مثل (أندريا ليفي) و(برنارديان بيفارستو) و(ديران أديبايو). ويصور عملا أديبايو (نوع رائع من الأسود) (1996) و(قصتي قديما) (2000) مدينة لندن مدينة متعددة الثقافات بحيث تبدو صورتها مختلفة تماما عن صورة المدينة التي صورها (سام سيلفون) منذ نصف قرن في روايته (أهالي لندن المنعزلون) (1956). ومنذ الــــــ (1990) أبدي جمهور القراء الإنجليز إقبالا متزايدا على هذه الروايات المهتمة بتعدد الثقافات. ويشبه ذلك إقبالهم على الصور المتخيلة عن الشرق، حتى لقد التهموا كتابات (كيبلنج وكونراد). ومع ذلك يبدو وبشكل متزايد أنَّ الإنجليز يميلون إلي الاعتقاد وربما اعتقدوا بالفعل أنّ مفهوم الإنجليزية يُعاد خلقه عن طريق الاتحاد مع الأنماط والاتجاهات الثقافية للأفارقة والأفرو-كاريبيين وأهل جنوب أسيا.
References and Suggested Readings
Achebe, C. (1958). Things Fall Apart. London: Heinemann.
Achebe, C. (1988). Anthills of the Savannah [1987]. New York: Anchor.
Acheson, J., & Ross, S. C. E. (eds.) (2005). The Contemporary British Novel. Edinburgh: Edinburgh University Press.
Adebayo, D. (1996). Some Kind of Black. London: Virago.
Adebayo, D. (2000). My Once upon a Time. London: Abacus.
Arana, R. V., & Ramey, L. (eds.) (2004). Black British Writing. Basingstoke: Palgrave Macmillan.
Ashcroft, B., Griffiths, G.,&Tiffin, H. (eds.) (1989). The Empire Writes Back: Theory and Practice in Post-Colonial Literatures. London: Routledge.
Baucom, I. (1999). Out of Place: Englishness, Empire, and the Locations of Identity. Princeton: Princeton University Press.
Bhabha, H. K. (1994). The Location of Culture. London: Routledge.
Emecheta, B. (1972). In the Ditch. London: Barrie and Jenkins. (Rev. edn. published 1979.)
Emecheta, B. (1974). Second-Class Citizen. London: Allison and Busby.
Emecheta, B. (1976). The Bride Price. New York: Braziller.
Emecheta, B. (1982). Destination Biafra. London: Allison and Busby.
Equiano, O. (2001). The Interesting Narrative of the Life of Olaudah Equiano,´-or-Gustavus Vassa, Written by Himself [1789] (ed. W. Sollors). New York: Norton.
Fishburn, K. (1995). Reading Buchi Emecheta: Cross-Cultural Conversations. Westport, CT: Greenwood.
Gikandi, S. (1996). Maps of Englishness: Writing Identity in the Culture of Colonialism. New York: Columbia University Press.
Gilroy, P. (1987). “There Ain’t No Black in the -union- Jack”: The Cultural Politics of Race and Nation. London: Hutchinson.
Gurnah, A. (1987). Memory of Departure. London: Jonathan Cape.
Gurnah, A. (1994). Paradise. London: Hamish Hamilton.
Gurnah, A. (1996). Admiring Silence. London: Hamish Hamilton.
Head, D. (2002). The Cambridge Introduction to Modern British Fiction, 1950–2000. Cambridge: Cambridge University Press.
Innes, C. L. (2002). A History of Black and Asian Writing in Britain, 1700–2000. Cambridge: Cambridge University Press.
Innes, C. L. (2007). The Cambridge Introduction to Postcolonial Literatures in English. Cambridge: Cambridge University Press.
Lee, A. R. (ed.) (1995). Other Britain, Other British: Contemporary Multicultural Fiction. London: Pluto.
Naipaul, V. S. (1979). A Bend in the River. London: Deutsch.
Naipaul, V. S. (2001). Half a Life. London: Picador.
Okri, B. (1991). The Famished Road. London: Jonathan Cape.
Rushdie, S. (1991). Imaginary Homelands: Essays and Criticism 1981–1991. London: Granta.
Sancho, I. (1998). Letters of the Late Ignatius Sancho, an African [1782] (ed. V. Carretta). New York: Penguin.
Selvon, S. (1956). The Lonely Londoners. London: Allan Wingate.
Stendhal. (2003). The Red and the Black: A Chronicle of 1830 [1830] (trans. B. Raffel). New York: Modern Library
Tew, P. (2004). The Contemporary British Novel. London: Continuum.
#أشرف_إبراهيم_زيدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟