ادريس البويوسفي
الحوار المتمدن-العدد: 1524 - 2006 / 4 / 18 - 12:05
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
كانت فرنسا ولا تزال رمزا من رموز التغيير في العالم الرأسمالي , فهي مهد لفلسفة عصر الأنوار ومبادئ الثورة الفرنسية بالإضافة إلى الثورة اللبرالية والقومية وذلك مند أواخر القرن 18 إلى منتصف القرن 19 ’ بل إن أفكارها ألهمت آنذاك مناضلي أمريكا اللاتينية , بعد ذلك تحولت إلى إمبراطورية استعمارية بسطت نفوذها على العديد من المناطق بمختلف القارات من آسيا وأمريكا وإفريقيا بما في ذلك أجزاء من العالم العربي والإسلامي , وقد تعرضت كل هذه الشعوب الخاضعة للسيطرة الفرنسية لمختلف مظاهر الاستغلال الاستعماري البشع إلا أنها وعلى مايبدو أنها لم تنقل لمستعمراتها نموذجها الفكري الثوري , وخلال القرن 20 صنفت فرنسا ضمن الدول المنتصرة في الحربين العالميتين الأولى والثانية مما خول لها أن تكون من الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي وخاصة في الصياغة الثانية لما بعد 1945 , واستمرت فرنسا في إعادة إنتاج الاستغلال الممنهج لمستعمراتها ومن ضمنها العالم العربي , ولعل من أهم الهزائم التي تلقتها فرنسا كإمبراطورية استعمارية كانت على يد الحركات التحررية المتشبعة بالفكر الثوري الاشتراكي سواء بالهند الصينية أو سورية ولبنان والجزائر ثم المغرب , والأكيد أن انتصارات هذه الشعوب ترجع بالأساس إلى رغبة هذه الدول في تحقيق الانعتاق والحرية والاستقلال فخرجت بذلك فرنسا من هذه المناطق مكرهة, لتستمر على المستوى الداخلي في إعطاء الدروس في مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لمواطنيها حيث جاءت الثورة الطلابية لسنة 1968 والتي نزل خلالها أكثر من 200ألف من طلبة الجامعات والثانويات وتمكنوا بفضل إرادتهم في التغيير من فرض هذا المنطق على حكومة الجمهورية الفرنسية, وخلال شهري فبراير و دجنبر 2005 شهدت فرنسا ثورة المهمشين من أبناء الجيل الثاني والثالث للمهاجرين خاصة واعترفت الحكومة الفرنسية آنذاك بأخطائها مما استدعى قيامها بالعديد من الإصلاحات وفتح أوراش مختلفة لفهم الظاهرة أولا من طرف أخصائيين في علم النفس والاجتماع ثم مباشرة الإصلاحات اللازمة من طرف السياسيين , وما فتئت مرة أخرى تحصي فرنسا ما عليها القيام به حتى اندلعت حركة احتجاجية كبرى شاركت من خلالها كل مكونات المجتمع الفرنسي في الاحتجاج والتظاهر ثم التحليل ورفض منطق الاستغلال الذي حاولت اللبرالية المتوحشة فرضه خاصة الجيل القادم من اليد العاملة والموظفين والذي جسدته الحكومة الفرنسية في قانون CPE
ومرة أخرى يفرض الشعب الفرنسي إرادته على الحكومة حيث نزل إلى الشارع هذه المرة أكثر من 2 مليون من طلبة الجامعات والمعاهد وتلاميذ الثاناويات مآزر ين بجمعيات الآباء والنقابات , وأمام هذا المد البشري لم تجد الحكومة الفرنسية مرة أخرى سوى التراجع عن تطبيق القانون المرفوض من قبل الشعب مما يضفي طابع التعاقد في علاقة الشعب بالحكومة مكرسين مبدأ الديمقراطية الحقيقية’ حكم الشعب بالشعب للشعب’ وإذا كانت إرادة الشعب هنا قد جعلت الحكومة تتراجع فان الأحزاب اليسارية كانت من أكبر الرابحين خلال هذه الجولة ...
إذن فرنسا التي احتلت أجزاء هامة من العالم العربي , هل هذا الأخير لم يكن قادرا على استيعاب نموذجها الفكري من خلال العديد من المحطات التاريخية ؟ أم أن فرنسا لم ترغب في نقل تجربتها السياسية والفكرية إلى مستعمراتها السابقة حفاظا على مصالحها الإستراتيجية لما بعد استقلال هذه الدول؟ أم كما قال أحد الظرفاء يبدو أن فرنسا هي التي عليها اليوم أن تتلقى دروس الدعم والتقوية من العالم العربي فتتعلم أساليبه القمعية لأسكات صوت الشعب وترسل أجهزتها المخابراتية لتتدرب عندنا على كيفية اختراق التنظيمات السياسية والطلابية وتضع أجهزة للإنذار المبكر في كل مدينة وفي كل حي في كل زقاق بل في كل بيت, وكان عليها أن تتعلم من العالم للعربي كيف تشتت الوحدة النقابية وتبعثر أوراق الأحزاب السياسية وتضرب الأحزاب اليسارية بخلق أحزاب دينية ثم تتعلم كيفية التظاهر بالديمقراطية بل تزور الإرادة الشعبية وتحول الأنظمة الجمهورية إلى وراثية, بل بإمكانها أن تتعلم تمييع الممارسة الديمقراطية عن طريق نظام القوطة في كل شيء في الانتخابات ومشاركة المرأة في الحياة السياسية وفي مدونة الأسرة بل يمكنها أن تمنع النساء من سياقه السيارات حفاظا على البيئة .
ويبدو في نهاية الأمر أن فكر الأنوار وأفكار الثورة الفرنسية والثورات الطلابية لم تكن أمراض معدية ولا أمراض وراثية تنتقل من الوطن الام الى الابناء في العالم العربي والذي وعلى مايبدو أن له مناعة قوية ضد الأمراض المعدية كالديمقراطية والحربية والعدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان , وتبقى المضادات الحيوية للحكام العرب أكثر فعالية لمواجهة أي طارئ على الجسم العربي بظاهرة المعافى وباطنه المعتل وهذه الأمراض ممنوعة من الدخول إلى المنطقة وحتى إشعار
آخر؟؟؟؟؟؟؟ ؟!!!
إدريس البويوسفي
#ادريس_البويوسفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟